يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
لقاء الحضارات.. زيارة لعالم جديد
زيـارة جـلالـة الـمـلـك للـصـيـن وبـنـاء الـمـسـتـقـبـل الـعـربـي
الزيارة رسمت خطوط دفاع عن الأمة العربية في معركتها الكبرى
الشراكة الاستراتيجية مع الصين تتيح فرصا واعدة للـبـحرين يجب استغلالها
الـزيـارة خطــوة كـبـرى لإعادة التوازن لعلاقــات العرب مع القوى العظمى
زيارة الدولة التي قام بها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للصين ليست زيارة عادية. هي زيارة تاريخية استثنائية بكل معنى الكلمة.
أسباب كثيرة تعطي الزيارة هذه الأهمية الكبرى؛ في مقدمتها:
١- علاقات الصداقة التاريخية الطويلة الممتدة بين البحرين والصين على المستويات الرسمية والشعبية. الرئيس الصيني أشار إلى هذا البعد في كل أحاديثه، وقال إن جلالة الملك صديق قديم للشعب الصيني.
هذا البعد التاريخي وهذه الصداقة الممتدة أعطت للزيارة هذه الحميمية التي اتسمت بها وهذا الاستقبال الحافل لجلالة الملك، وهذه النتائج التي خرجت بها.
٢- أن جلالة الملك زار الصين ليس فقط كي يتحدث باسم البحرين ويبحث العلاقات الثنائية، وإنما أيضا باعتبار جلالته رئيسا للقمة العربية.
لهذا كان البعد العربي والقضايا العربية كما كان الحال أثناء زيارة جلالته لروسيا حاضرة بقوة وفي صدر الاهتمامات أثناء الزيارة.
٣- أن الزيارة ترافقت مع مشاركة جلالة الملك في المنتدى العربي الصيني الذي يمثل إطارا سياسيا للعلاقات العربية الصينية وآفاقها المستقبلية.
٤- أن زيارة جلالة الملك للصين لم تكن مجرد زيارة تعاون وشراكة سياسية واستراتيجية.. كانت في جوهرها لقاء للحضارات.. لقاء لحضارة البحرين والحضارة العربية عامة مع حضارة الصين.
والزيارة كانت زيارة إلى المستقبل.. مستقبل العالم كله.. زيارة لعالم جديد ونظام عالمي جديد تتشكل ملامح تسهم الزيارة في تأسيسه وتشكيل ملامحه.
في إطار هذه الجوانب نستطيع أن نناقش أبعاد الزيارة سواء على مستوى العلاقات الثنائية بين البحرين والصين، أو على مستوى العلاقات العربية الصينية، أو على مستوى مستقبل النظام العالمي.
***
شراكة استراتيجية
البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة جلالة الملك للصين نص على أن البلدين «اتفقا على إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مملكة البحرين وجمهورية الصين الشعبية».
وقد أرست الزيارة بالفعل أسس هذه الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
من متابعة كلمة جلالة الملك وتصريحات جلالته وأيضا كلمة الرئيس الصيني وتصريحاته، والبيان المشترك وما تم التوصل إليه من مذكرات تفاهم وتعاون، سنجد أن هذه الشراكة الاستراتيجية لم تأت من فراغ بل تقوم على مقومات أسس راسخة.
في مقدمة هذه المقومات والأسس البُعد الحضاري وعلاقات الصداقة الطويلة بين البلدين. هذا البُعد الحضاري يجعل هذه الشراكة تقوم على قيم ومبادئ إنسانية نبيلة.
وتقوم هذه الشراكة على ما أظهرته الزيارة والبيان المشترك من اتفاق الآراء والمواقف بين البلدين ليس فقط حول قضايا العلاقات الثنائية، وإنما أيضا حول القضايا الإقليمية والعالمية، والموقف من النظام العالمي الجديد.
ثم جاءت مذكرات التفاهم التي تم توقيعها، بالإضافة بالطبع إلى الاتفاقات السابقة مع الصين، لتضع الأسس والأبعاد العملية لهذه الشراكة الاستراتيجية في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية.
الأمر المهم هنا أن الشراكة الاستراتيجية التي تم تأسيسها لها أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى البحرين وبالنسبة إلى الصين.
الصين قوة عالمية عظمى وستصبح قريبا الاقتصاد الأول الأقوى في العالم. ومكانتها العالمية تتعزز عاما بعد عام. لهذا من البديهي أن الشراكة معها تعني فرصا واعدة جدا اقتصاديا وسياسيا وعلى كل المستويات بالنسبة إلى البحرين.
كما أن الصين تخوض صراعا ضاريا مع أمريكا والدول الغربية على كل المستويات، وهذا الصراع سوف يتصاعد في السنوات القادمة. ولهذا فإن شراكتها مع البحرين على المستوى الثنائي وباعتبار البحرين قائدة اليوم للعمل العربي المشترك تعني لها الكثير وتعزز موقعها ومواقفها.
المهم هنا أيضا أن القطاع الخاص في البحرين وكل القوى المدنية في كل المجالات يجب أن تأخذ زمام المبادرة كي تستفيد من هذه الشراكة الاستراتيجية وتعززها، وأن تطرح أفكارها وتصوراتها للاستفادة من الشراكة الاستفادة المُثلى.
***
القضايا العربية
زيارة جلالة الملك للصين تعتبر محطة مهمة في الدعم الصيني للقضايا العربية، على رأسها بالطبع قضية فلسطين، قضية العرب الأولى.
جلالة الملك في الكلمة التي ألقاها في المنتدى الصيني العربي باسم الأمة العربية وكرئيس للقمة العربية، وأيضا كلمة جلالته قي لقاء القمة مع الرئيس الصيني، دافع بقوة وحسم عن قضايا الأمة العربية. وعرض جلالته للموقف العربي العام الذي أقرته قمة البحرين العربية. ومن ثم بهذا العرض استطاع جلالة الملك أن يرسخ الموقف الصيني المؤيد للقضايا العربية.
لسنا بحاجة إلى القول إن الدعم الكبير الذي أبداه الرئيس الصيني للقضايا العربية ولموقف جلالة الملك يعتبر مكسبا كبيرا.
الصين قوة عظمى لها شأن كبير ونفوذها لا يُستهان به.
دعم الصين مثلا لمبادرة البحرين عقد مؤتمر دولي للسلام ولإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة له أهمية كبرى وخصوصا على ضوء المواقف العالمية المتضاربة بهذا الشأن.
يجب أن نضع الموقف الصيني المدافع عن القضايا العربية في إطار ما نعرفه من مواقف الدول الغربية. الدول الغربية بما اتخذته من مواقف في حرب الإبادة الصهيونية لغزة أظهرت عداء لكل الدول العربية وأسوأ النوايا.
في ظل هذا الوضع تتضح الأهمية الكبرى لكسب دعم قوى عظمى مثل الصين وروسيا.
***
نحو نظام عالمي جديد
هذا من أهم الجوانب الاستراتيجية لزيارة جلالة الملك للصين. نعني أن الزيارة تمثل إسهاما كبيرا في جهود بناء عالم جديد.. بناء نظام عالمي جديد أكثر عدلا وإنصافا واحتراما لكرامة الشعوب والدول واستقلالها، ولقيم الانسانية.
سواء في محادثات القمة التي أجراها جلالة الملك مع الرئيس الصيني، أو في البيان المشترك، وسواء في تصريحات الرئيس الصيني كان هذا الجانب حاضرا بقوة ووضوح.
البيان المشترك الذي صدر نص في بنده الثاني على تأكيد البلدين «أهمية الالتزام بتعددية الأطراف الحقيقية، والحفاظ على المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها والنظام الدولي القائم على أساس القانون الدولي والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية المبنية على مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والدعوة إلى تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة والانتظام والعولمة الاقتصادية المتسمة بالنفع للجميع والشمول، والعمل سوياً على بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية».
إذن هذا اتفاق استراتيجي بين البحرين والصين على أهمية بناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب يقوم على احترام القانون الدولي وأعراف العلاقات بين الدول.
الرئيس الصيني من جانبه حين تحدث في المنتدى الصيني العربي، وتحدث عن عهد جديد في العلاقات العربية الصينية، اعتبر أن هذا أمر أساسي من اجل بناء مستقبل جديد للعالم، وأن العلاقات الصينية العربية يجب أن تقدم نموذجا لهذا العالم الجديد بقيمه ومبادئه.
وحدد الرئيس الصيني هذه المبادئ والقيم في الاحترام المتبادل بين الدول والشعوب، واحترام استقلالية الدول والشعوب وخياراتها، والإنصاف والعدالة، وتكريس القيم المشتركة للبشرية كلها، وتعددية الأقطاب العالمية.
جلالة الملك أضاف الى هذه المبادئ ضرورة احترام الهوية الوطنية للدول والشعوب والحفاظ عليها. وكان لافتا هنا أن جلالته حرص على الإشادة بقدرة الصين على مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة والحفاظ في الوقت نفسه على هويتها الوطنية.
إذن جلالته يعتبر أن احترام الهوية الوطنية هو أحد أركان أي نظام عالمي جديد.
هذه قضية استراتيجية كبرى بالنسبة إلى الوطن العربي. نحن في الدول العربية أكثر من دفع ثمن النظام العالمي القائم الذي يهيمن عليه الغرب. دفعنا الثمن من سيادة واستقلال دول عربية، ومن ظلم تاريخي تعرضنا له، ومن دماء أبنائنا في غزة وغيرها.
الدول العربية يجب أن تكون الأكثر حرصا على قيام نظام عالمي جيد، ويجب ان تكون شريكا في صياغته.
وزيارة جلالة الملك للصين وما انتهت إليه من اتفاق استراتيجي، باسم البحرين وباسم العرب، على ضرورة قيام هذا النظام العالمي الجديد وطرح قيمه وأسسه ومقوماته، تعتبر خطوة كبرى في اتجاه تعزيز الدور العربي في قيام هذا النظام الذي يتطلع إليه العالم كله.
***
معركة المستقبل
هناك عدد من الحقائق الأساسية يجب تأكيدها في النهاية ترتبط بزيارة جلالة الملك للصين وما انتهت إليه من نتائج في مقدمتها:
1 - أن العلاقات البحرينية الصينية، والعربية الصينية عموما، لها أهمية استراتيجية كبرى. أهمية هذه العلاقات ابعد بكثير من المنافع الاقتصادية والتجارية. لها بعد حضاري واستراتيجي بعيد المدى.
طبيعة هذه العلاقات والروابط ستحكم المستقبل. بعبارة أخرى ستكون أحد الأركان الكبرى لبناء المستقبل.
2 - أن زيارة جلالة الملك وما انتهت إليه من عزم على بناء شراكة استراتيجية بين البلدين، وما شهدته من اتفاقيات تم توقيعها، تفتح آفاق واسعة جدا في كل المجالات ومنافع كبرى للبحرين.
المهم هنا كما ذكرت هو أن تخطط كل الجهات في البحرين لكيفية استثمار ما انتهت إليه زيارة جلالة الملك لصالح البحرين، وأن تضع الرؤى والتصورات لتحقيق ذلك.
3 - أن زيارة جلالة الملك في بعدها العربي الأساسي هي في جوهرها كما ذكرت لقاء حضارات، وزيارة للمستقبل.. للعالم الجديد.
الزيارة رسمت خط دفاع عن الأمة العربية في معركتها الكبرى.
نحن في الوطن العربي أمامنا معركة كبرى نخوضها الآن ومستقبلا دفاعا عن مصالحنا وعن سيادة واستقلال دولنا وعن كرامة ومكانة الأمة.
زيارة جلالة الملك بأبعادها المختلفة وضعت أسسا للدفاع عن مصالح الأمة في هذه المعركة. وضعت أولا العلاقات مع الصين، ومن قبلها روسيا، في إطار حضاري استراتيجي، ووضعت مقومات الشراكة الاستراتيجية.
بهذه الشراكة الاستراتيجية مع الصين، تعتبر الزيارة خطوة على طريق إعادة التوازن المطلوب في علاقات العرب مع القوى العظمى بما يراعي مصالحنا. بهذه الرؤية تعتبر الزيارة خطوة على طريق تحديد الموقف العربي من النظام العالمي الجديد، وأظهرت ضرورة أن يكون العرب شريكا في صياغة هذا النظام.
بشكل عام كانت زيارة جلالة الملك للصين كما نرى خطوة كبرى على طريق بناء المستقبل العربي.
إقرأ أيضا لـ"السيـــــــد زهـــــــره"
aak_news
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك