إنَّ حماية بيئتنا مسؤولية الجميع، لا سيما أن موضوع البيئة أصبح قضية عالمية بكافة أبعادِها من دون استثناء، تحظى باهتمامٍ دولي، يطرحُ مشكلاتها، وتعقد لها القمم والمؤتمرات والاجتماعات في محاولة لإيجاد الحلول الناجعة والمُبتكرة لكافة تحدياتها، حيثُ تم تخصيص الاحتفال باليوم العالمي للبيئة الذي يعدّ من الفعاليات البيئية المهمة كونه يسلطُ الضوءَ على أهمية البيئة والحفاظ عليها واستدامتها للأجيال القادمة، مما يسهم –بلا شك– في تحسين مستوى الوعي البيئي لدى مُختلف أفراد فئات المُجتمع، وبالتالي تغيير وتحسين أنماط سلوكنا تجاه مواردنا البيئية، ومن خلال الفعاليات التي يتضمنها الاحتفال السنوي لزيادة الوعي البيئي بين الجمهور، وتعزيز المعارف والمهارات والاتجاهات والقيم المرتبطة بسلامة وتعافي بيئة المملكة وجمالها والمُحافظة عليها، وتنمية رُوح المبادرة والحس البيئي لدى كل من المواطنين والمقيمين على هذه الأرض الطيبة.
تتشكل البيئة من المحيط البيولوجي أو كافة جوانب الحياة، والمحيط المصنوع هو كل ما يبتكره الإنسان، أو يقيمه أو يبنيه، والمحيط الاجتماعي، وهو ينظم العلاقة بين المحيط البيولوجي، والاجتماعي في شكل قوانين تحكم استهلاك وترشيد استهلاك المحيط المصنوع للموارد البيئية، وإعادة تدويرها من أجل الوصول إلى التنمية المستدامة التي تحقق الرفاهية، وتضمن حقوق الأجيال القادمة في التنمية الحضارية؛ لذا فإن المملكة تحرص على القيام بدورٍ فاعلٍ مع المُجتمع الدولي في حماية البيئة، من خلال انضمامِها إلى العديد من الاتفاقيَّات الدوليَّة مثل اتفاقية التنوُّع الحيوي، باعتباره من الأساسيات المرتبطة بصحة الإنسان من ناحية دعمه النظمَ البيئية التي نعتمد عليها في العديد من المجالات كالغذاء وغيره.
وإنه من الممكن استعادة النظم البيئية بشكل عام، والبحرية بشكل خاص، والذي يأتي ضمن سياق الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات مستقبلية، طموحة لوضع إطار واضح للحفاظ على النظم البيئية والتنوع البيئي في العالم بالشكل الذي يسهم في تحقيق بيئة مستدامة للأجيال المقبلة، حيثُ إن اهتمام المملكة متمثلة بمؤسسات المجتمع المدني كافة، يأتي تأكيدًا لأهمية دور البيئة المهم في توفير حياة سليمة لكل فرد يعيش على أرضها تماشيًا مع اهتمام القيادة الرشيدة بتطوير الموارد والثروات الطبيعية مسترشدة برؤيتها الوطنية 2030، وما انبثق عنها من خطط واستراتيجيات تنموية، وقد سخرت كل طاقاتها للعمل البناء نحو تحقيق البيئة المستدامة، والحفاظ على النظم البيئية.
ويعدّ اليوم العالمي للبيئة، الذي يُشرف عليه برنامج الأمم المتحدة للبيئة ويُحتفل به سنويًا في 5 يونيو منذ عام 1973، أكبر منصة عالمية للتوعية البيئية العامة، وفي هذا المقال نتطرق إلى مدى ارتباط نظافة البيئة بالسياحة، حيث يرتبط مفهوم السياحة المستدامة الآمنة بالبرامج السياحية التي تأخذ في الاعتبار احتياجات البيئة ودرجة الوعي المحلي بهدف استدامة المشروعات السياحية في الجانب الاقتصادي، والحفاظ على البيئة من التلوث جراء بعض النشاطات السياحية في مسعى جاد ومستدام لتكامل المتعة السياحية والحفاظ على البيئة في آن واحد.
وباتخاذ إجراءات حماية البيئة البحرية سوف نتمكن من الوصول الى تطوير وتعزيز السياحة البحرية بشكل أوسع، وخاصة أننا مقبلون على موسم الصيف الذي يقل فيه توافد السياح على مملكة البحرين نظرًا للظروف المناخية، وبما أن مملكة البحرين قد حباها الله بواجهات بحرية، وعيون طبيعية كانت سابقًا مزدهرة في أغلب مناطق المملكة، والتي تبلغ طول هذه الواجهات البحرية والسواحل في المملكة حوالي 125 كيلومترا متصلة بالبحر المحيط بها من جميع جهاتها الأربع، بالإضافة إلى باقي جزر البحرين الأخرى غير المستثمرة إلى الآن استثمارًا يحقق أهداف التنمية المستدامة للمملكة، والتي بحاجة إلى تطوير مرافقها السياحية وتوجيه الاستثمار السياحي، فيها بما يحقق أهداف التنمية المستدامة للمملكة، حيث إنها وسيلة فاعلة لتوفير فرص العمل، خاصة للعمالة الوطنية بما توفره من وظائف وأعمال وفرص استثمار في هذا المجال الحيوي، كما ينبغي الاستفادة من الشواطئ البحرية بالشكل الذي يوفر للمواطنين والمقيمين والسياح فسحة حقيقية ومستدامة على مدار العام، سواء من خلال تهيئة هذه الشواطئ وتطويرها والعناية الفاعلة بنظافة السواحل، أو من خلال توفير الخدمات التي تحوله إلى فضاء جاذب خاصة للسياحة الداخلية للمواطنين خلال هذا الموسم الصيفي. وتشير الدراسات الى ثراء سواحل ومياه المملكة بالتنوع الطبيعي، والتي تعتبر موطنا للكثير من الطيور المحلية والمهاجرة مثل الصقور وخصوصا صقور حوار النادرة وعقاب السمك وطيور الخرشنة والغراب السوقطري، وغيرها.
إن البيئة البحرية والساحلية لها تأثيرات جوهرية على الحياة اليومية في المملكة بشكل خاص ومنطقة الخليج العربي بشكل عام؛ لذا فقد أولتها المملكة اهتمامًا خاصًا لتصبح حماية البيئة ركيزة من ركائز الرؤية الاقتصادية 2030، وقد سنّت العديد من القوانين والتشريعات ووفرت الامكانيّات وأقامت المحميات وشجّعت الأبحاث ونشر التوعية، كما طبّقت الروادع والعقوبات واتخذت مختلف الإجراءات لمواجهة تلك المخاطر والحدّ من عواقبها. فقد انضمت المملكة إلى الاتفاقيات الإقليمية والعالمية الهادفة إلى حماية الثروات البحريّة، وفي إطار جهودها لحماية البيئة والحفاظ عليها وفق رؤيتها للتنمية المستدامة، وبالاستعانة بنتائج البحوث العلمية، وهي بمثابة القاعدة التي توفر الشروط المطلوبة لحماية البيئة البحرية والحفاظ على توازنها الطبيعي واستدامتها وتنوّعها، حيثُ إن هذا التعاون أثمر نتائج مهمّة تصبّ في تعزيز جودة وتنوّع البيئة البحرية وإنقاذ العديد من الكائنات المعرضة للانقراض وأهمها بعض أنواع السلاحف والأسماك وبقر البحر، إضافةً إلى حماية مواطن الكائنات البحرية والشعاب المرجانية والأعشاب والأشجار والطحالب البحريّة وغيرها.
إن مملكة البحرين، في ضوء الاشتراطات الصارمة لحماية البيئة البحرية، فقد أولت البيئة والتنمية المستدامة أهمية كبرى تمثلت في إدراج هذا المجال كأحد أهم ركائز رؤيتها الاقتصادية 2030، وذلك من خلال خطط وبرامج واضحة تهدف لصون وحماية البيئة وتوازنها الطبيعي، وتحقيقًا لتنمية شاملة ومستدامة لكافة الأجيال المقبلة.
إن المحافظة على البيئة واستدامتها تتصدر أولويات الرؤية الوطنية 2030، وبالتأكيد هي إحدى أهم الركائز في رؤية 2050، انطلاقًا من تنفيذ القوانين وفق اشتراطات صارمة لحماية البيئة البحرية، والمحافظة على الشعاب المرجانية، واستخدام وسائل صيد صديقة للبيئة، وتقليل الأثر العمراني وخاصة ما يتعلق بالشواطئ، كل هذه الاشتراطات والإجراءات سوف تساعد في المحافظة على البيئة البحريّة واستدامتها وتوظيفها في إنجاح الخطة الاستراتيجية للسياحة في المملكة والتي تعتبر الواجهات والأنشطة البحرية إحدى ركائزها الأساسية.
لذا فإن واقع البيئة البحرية في مملكة البحرين بحاجة ماسة إلى تكاتف الجهود الوطنية، لتفادي المخاطر التي تهدّد الكائنات البحرية المهددة بالانقراض لأسباب عديدة منها أسباب طبيعية، وتغيرات المناخ، ارتفاع درجات الحرارة التي تؤثر سلبًا على الشعاب المرجانية وصحتها، ارتفاع نسبة التبخر، وأسبابًا بشرية مثل التلوث، والصيد الجائر، والتلوث الحديث الناتج من جزيئات البلاستيك التي ينتهي بها المطاف متركزة في أجسام الكائنات البحرية، إلى أن تصل إلى جسم الإنسان أثناء تناول الغذاء، فهي بحاجة ماسة إلى تكثيف سبل الحماية الوطنية، والحفاظ على هذه البيئة في ضوء خطط التنمية المستدامة، ولا يحدث ذلك إلا بالعمل على نشر ثقافة التطوع من أجل البيئة، وزيادة التوعية بأهمية الحفاظ على البيئة البحرية وتعليم المجتمع عن التأثيرات السلبية للأنشطة البشرية على الحياة البحرية، يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعوية، وبرامج تعليمية، وتشجيع المشاركة في الأنشطة التطوعية المرتبطة بحماية البيئة البحرية، والتوصل لاتفاقات مؤسسية مجتمعية حول حماية الكائناتِ البحريةِ المهددةِ بالانقراض، وإيجاد حلول فعلية تُسهمُ في المحافظةِ على البيئةِ البحريةِ، والتقليلِ من التأثيراتِ البيئيةِ التي أدّت إلى تدهورِ الحياة البحريةِ وانقراضِ العديدِ من الأنواعِ الهامة التي كانت جزءًا من النظام البيئي البحري.
وبالطبع، فإن هذه الإجراءات السابقة هي جزء من استراتيجية شاملة لحماية شواطئ والبيئة البحرية للمملكة التي تمثل كنزًا طبيعيًا واقتصاديًا، حيثً تتضمن تطبيق حلول جذرية تحمي بيئتنا البحرية لمئات السنين المقبلة، ولا شك أن اهتمام المملكة بملف تطوير السواحل وحماية المقدرات البيئية، وبالأخص البيئية البحرية، والمشروعات الرائدة لتنمية تلك المناطق، وحفظ الموائل البحرية، ودعم الصيادين، وزيادة المزارع السمكية، سيكون له بالغ الأثر في زيادة قدرة المملكة على الاستفادة من الثروات البحرية، وخاصة السياحة البحرية، وتوفير الأمن الغذائي والبيئي. وخلاصة القول، إن سلامة البيئية تسهم في حفظ الأمن الوطني البيئي والتنمية المستدامة من أجل الحد من التدهور البيئي قدر الإمكان. إن مصير كوكبنا وأجيالنا القادمة بين أيدينا. إذا تصرفنا بسرعة واتخذنا خطوات للحفاظ على بيئتنا بشكل فعلي، فلن نواجه تحديات بيئية وصحية تؤثر على حياتنا ومستقبل أجيالنا.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك