يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
وطنيون لا مكان لهم
هالة راريت دبلوماسية أمريكية استقالت مؤخرا من وزارة الخارجية الأمريكية احتجاجا على سياسة إدارة بايدن بشأن الحرب في غزة.
قناة سي إن إن الأمريكية أجرت معها حوارا حول أسباب استقالتها. وما قالته مهم يستحق التوقف عنده.
تقول الدبلوماسية الأمريكية إن اعتراضاتها على سياسة بايدن تجاه حرب غزة مبنية على خبرتها الطويلة في المنطقة ودراستها لتاريخها وبحكم متابعاتها اليومية للتطورات في المنطقة ومعرفتها بالأثر المدمر لسياسات إدارة بايدن على المصلحة الأمريكية.
تقول: «لم يتعلق الأمر برأيي الشخصي أبدا. لقد كانت آرائي مبنية دائمًا على ما كنت أرصده بصفتي دبلوماسية، وعلى خبرتي في مختلف أنحاء المنطقة. ما كنت أرصده عبر وسائل الإعلام العربية مثيراً للقلق الشديد. لقد كنت أقوم بتوثيق وتسجيل المشاعر المعادية للأمريكيين والتي لم أشهد لها مثيلا من قبل، بما في ذلك أثناء حرب العراق. لقد كان من غير المقبول بالنسبة إلي الاستمرار في تقويض الولايات المتحدة في مختلف أنحاء المنطقة، ولقد كنت أدق ناقوس الخطر. إن هذا يشكل خطرًا علينا. إنه يقوض أمننا القومي الأمريكي، يجب علينا أن نغير مسارنا».
الدبلوماسية الأمريكية تقول إن رفضها لسياسات بايدن ودعمها الأعمى لإسرائيل سببه الأساسي هو أن هذه السياسة تدمر المصالح الأمريكية في المنطقة وتقوِّض الأمن القومي الأمريكي. أي هي أسباب وطنية بحتة.
ولهذا كانت حريصة كما تقول على أن تقدم النصائح في تقاريرها وتعبر عن مخاوفها وتدق ناقوس الخطر، وتقدم صورة كاملة عن موقف الإعلام العربي من أمريكا، على أمل أن يستمع المسئولون إليها ويأخذوا آراءها بعين الاعتبار. لكن الذي حدث أنه جرى تهميشها وإسكاتها وإبعادها عن الاجتماعات وطلب منها أن تلتزم الصمت. ولهذا استقالت في النهاية.
هذه الآراء التي طرحتها في حديثها طرحتها في أحاديث أخرى لصحف وأجهزة إعلام أمريكية.
الحقيقة إن القضية التي تثيرها الدبلوماسية الأمريكية مثارة على نطاق لا يستهان به في أمريكا اليوم. نعني قضية: هل الدعم الأمريكي المطلق للكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها في غزة تخدم مصالح أمريكا في المنطقة؟.. هل تخدم سياسات بايدن الأمن القومي الأمريكي؟.
هناك عشرات التحليلات والتقارير اليوم التي تناقش هذه القضية. وأغلب المحللين الذين ناقشوا القضية يجمعون على أن الإجابة هي بالنفي. بمعنى أن سياسات بايدن ودعمها للكيان الصهيوني على هذا النحو يدمر مصلحة أمريكا في المنطقة ولا يخدم الأمن القومي الأمريكي.
بالطبع أسباب هذه المفارقة معروفة سواء تعلق الأمر بالنفوذ الطاغي للوبي الصهيوني في أمريكا أو بالمسئولين الكبار الذين يتفاخرون بأنهم «صهاينة» أو بأي أسباب أخرى.
المهم أن هذه القضية مطروحة على نطاق واسع في أمريكا اليوم ولن ينتهي الجدل حولها قريبا.
الدبلوماسية الأمريكية قالت في نهاية حديثها مع السي إن إن كلاما مهمًّا يلخص القضية كلها. قالت إنها ومعها المسئولون الآخرون الذين استقالوا يعتبرون أنفسهم «وطنيون»، وأضافت «نحن نفعل هذا من أجل بلدنا». وأعربت عن أملها في أن تكون استقالاتهم دافعا للإدارة كي تستمع وتغير سياساتها ومواقفها.
هؤلاء الوطنيون الأمريكيون في المؤسسات الرسمية الذين استقالوا أو الذين كتبوا العرائض احتجاجا على سياسات بايدن وللمطالبة بوقف المشاركة الأمريكية في حرب إبادة غزة، لا مكان لهم ويجري تهميشهم وإسكاتهم ومحاولة إجبارهم على الصمت كما قالت الدبلوماسية الأمريكية.
هناك اليوم تيار وطني أمريكي يتشكل يطالب باستقلالية السياسة والقرار الأمريكي ويطالب بالدفاع عن المصلحة الأمريكية لا المصلحة الإسرائيلية. وهذا التيار أصبح يحظى بتأييد شعبي متزايد بدليل حركة الطلبة في الجامعات الأمريكية مثلا.
أغلب الظن أن هذا التيار سوف يزداد عددا ونفوذا في الفترة القادمة. مصدر قوة هذا التيار أنه يدافع أولا وأخيرا عن المصلحة الأمريكية. إلى أي حد سوف يؤثر فعلا على سياسات أمريكا ومواقفها؟ هذا ما علينا متابعته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك