العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قراءة في الحراك الطلابي العالمي بشأن فلسطين

بقلم: د. مصطفى كامل السيد

السبت ٠٨ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

يثير‭ ‬الحراك‭ ‬الطلابي‭ ‬العالمي‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قضايا‭ ‬عديدة‭ ‬تختلف‭ ‬حولها‭ ‬الآراء،‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬مثلا‭ ‬كيف‭ ‬يوصف‭ ‬الحراك‭ ‬الطلابي؟‭ ‬وما‭ ‬علاقة‭ ‬الحراك‭ ‬الطلابي‭ ‬بالسياسة؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬سلطات‭ ‬الحكومة‭ ‬منه؟‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬صداه‭ ‬لدى‭ ‬القوى‭ ‬المجتمعية‭ ‬ذات‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الجامعات؟‭ ‬وسوف‭ ‬يستعرض‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬كما‭ ‬تتردد‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬الدائر‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬الطلابي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬مشاهدة‭ ‬محاكمة‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وما‭ ‬كتبته‭ ‬الصحف‭ ‬الأمريكية‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬وتغطية‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬الأمريكية‭ ‬له‭.‬

خصوم‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الطلابية‭ ‬يصفونها‭ ‬بأنها‭ ‬عمل‭ ‬معاد‭ ‬للسامية،‭ ‬والصحف‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬الغربية‭ ‬تراه‭ ‬خلافا‭ ‬بين‭ ‬أنصار‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وأنصار‭ ‬إسرائيل‭. ‬ولكن‭ ‬التوصيف‭ ‬الأصح‭ ‬لهذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬إلهان‭ ‬عمر‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬مداخلتها‭ ‬في‭ ‬جلسات‭ ‬الاستماع‭ ‬التي‭ ‬عقدتها‭ ‬لجنة‭ ‬التعليم‭ ‬بالمجلس‭ ‬فذكرت‭ ‬أنها‭ ‬حراك‭ ‬للمعادين‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أنصار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭.‬

هذا‭ ‬التأطير‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بفهم‭ ‬تكون‭ ‬الحراك‭ ‬من‭ ‬طلاب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأعراق‭ ‬والثقافات‭ ‬والخلفيات‭ ‬الثقافية،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬أكبر‭ ‬الجماعات‭ ‬المنظمة‭ ‬لهذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬هي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬حرة‮»‬‭ ‬وجماعة‭ ‬‮«‬صوت‭ ‬يهودي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‮»‬،‭ ‬وأغفل‭ ‬خصوم‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬أن‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرفعه‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‭ ‬بل‭ ‬وخارجها‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬وباريس‭ ‬وسيدنى‭ ‬وطوكيو‭ ‬هو‭ ‬‮«‬أوقفوا‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الآن‮»‬‭. ‬ولذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬هو‭ ‬موجة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الطلابية‭ ‬ودعوة‭ ‬للسلام،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬رفضا‭ ‬للحرب‭ ‬الظالمة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تشنها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬التحرير‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭.‬

لكن‭ ‬أنصار‭ ‬الحرب‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬يستهويهم‭ ‬وصف‭ ‬هذا‭ ‬الحراك،‭ ‬الذي‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬الأساتذة‭ ‬الجامعيون‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬طلابهم،‭ ‬بأنه‭ ‬خطاب‭ ‬معاد‭ ‬للسامية،‭ ‬وهي‭ ‬تهمة‭ ‬جاهزة‭ ‬ترفعها‭ ‬دوائر‭ ‬سياسية‭ ‬وثقافية‭ ‬غربية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ينتقد‭ ‬إسرائيل‭. ‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإن‭ ‬المعادين‭ ‬للسامية‭ ‬هم‭ ‬أنصار‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فالعرب،‭ ‬وخصوصا‭ ‬عرب‭ ‬المشرق‭ ‬وفيهم‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬هم‭ ‬ساميون‭ ‬بحسب‭ ‬التعريف‭ ‬العلمي‭ ‬للسامية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فالعدوان‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬عدوان‭ ‬على‭ ‬الساميين،‭ ‬ولذلك‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ينضم‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المكافحين‭ ‬للسامية‭ ‬لأنهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للعدوان‭ ‬الغربي،‭ ‬وللتهميش‭ ‬والتحقير‭ ‬في‭ ‬أدوات‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربية،‭ ‬وهم‭ ‬أبرياء‭ ‬من‭ ‬تهمة‭ ‬اضطهاد‭ ‬اليهود،‭ ‬الذي‭ ‬كانوا‭ ‬ضحايا‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬وخصوصا‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬وألمانيا‭ ‬النازية‭.‬

ان‭ ‬أنصار‭ ‬إسرائيل‭ ‬يستهويهم‭ ‬اختزال‭ ‬مفهوم‭ ‬العداء‭ ‬للسامية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الإشارة‭ ‬لما‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬له‭ ‬اليهود‭ ‬من‭ ‬تمييز،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬حجب‭ ‬وقمع‭ ‬أي‭ ‬نقد‭ ‬لسياسات‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأعمالها‭ ‬العدوانية‭ ‬المتكررة‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومعه‭ ‬الشعبان‭ ‬السوري‭ ‬واللبناني‭. ‬بل‭ ‬يذهب‭ ‬بهم‭ ‬التطرف‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اقتراح‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬يجرم‭ ‬انتقاد‭ ‬إسرائيل‭ ‬أو‭ ‬الصهيونية‭ ‬باعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬عملا‭ ‬معاديا‭ ‬للسامية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقيد‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تتعدد‭ ‬فيها‭ ‬أيضا‭ ‬الكتابات‭ ‬الناقدة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬والجماعات‭ ‬الصهيونية‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬الدوائر‭ ‬الأكاديمية‭.‬

يدور‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬الطلابي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬الانتخابات،‭ ‬فسوف‭ ‬يذهب‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬سنة‭ ‬لانتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكل‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وثلث‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬ولذلك‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬المظاهرات‭ ‬المعادية‭ ‬لحرب‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬ورقة‭ ‬انتخابية‭ ‬لدى‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬وخصوصا‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬الذين‭ ‬يتصورون‭ ‬أن‭ ‬إظهار‭ ‬رفضهم‭ ‬لهذا‭ ‬الحراك‭ ‬ودعوتهم‭ ‬السلطات‭ ‬الجامعية‭ ‬إلى‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬بحزم‭ ‬بمعاقبة‭ ‬من‭ ‬يشتركون‭ ‬فيه‭ ‬سوف‭ ‬يضمن‭ ‬لهم‭ ‬أصواتا‭ ‬بين‭ ‬ناخبيهم‭ ‬وناخباتهم،‭ ‬وربما‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬إثبات‭ ‬الولاء‭ ‬تجاه‭ ‬من‭ ‬يمولون‭ ‬حملاتهم‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سلوكهم‭ ‬هذا‭ ‬يخالف‭ ‬ما‭ ‬نص‭ ‬عليه‭ ‬الدستور‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬احترام‭ ‬حرية‭ ‬الرأي،‭ ‬وما‭ ‬يسود‭ ‬من‭ ‬عرف‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬الالتزام‭ ‬باستقلال‭ ‬الجامعات،‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ذاته‭ ‬قد‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جامعة‭ ‬قائدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬مخاطبا‭ ‬الطلاب‭ ‬وأعضاء‭ ‬هيئة‭ ‬التدريس‭ ‬وكل‭ ‬العاملين‭ ‬بالجامعة،‭ ‬ومطالبا‭ ‬رئيسة‭ ‬الجامعة‭ ‬بتقديم‭ ‬استقالتها‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬رأيه‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬حتى‭ ‬لحظتها‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬هذا‭ ‬الحراك‭ ‬الطلابي‭. ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬بعض‭ ‬أعضاء‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬أي‭ ‬حجة‭ ‬لتخويف‭ ‬رئيسة‭ ‬جامعة‭ ‬كولومبيا‭ ‬ومعها‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬الآخرين،‭ ‬فقد‭ ‬ذهب‭ ‬بأحدهم‭ ‬الخيال‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬تنبيه‭ ‬رئيسة‭ ‬الجامعة‭ ‬بـأن‭ ‬التوراة‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬حب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وأن‭ ‬الله‭ ‬يعاقب‭ ‬من‭ ‬يغضبون‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وحذرها‭ ‬من‭ ‬إغضاب‭ ‬الرب‭ ‬إن‭ ‬هي‭ ‬تمادت‭ ‬في‭ ‬التساهل‭ ‬مع‭ ‬الطلاب‭ ‬وأساتذتهم‭ ‬الذين‭ ‬ينتقدون‭ ‬إسرائيل‭.‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬يعني‭ ‬استقلال‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الليبرالية‭ ‬أن‭ ‬تمتنع‭ ‬سلطات‭ ‬الدولة؛‭ ‬التشريعية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬والقضائية،‭ ‬عن‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي‭ ‬فيما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الجامعات؟‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬المتصور‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬سلطات‭ ‬الدولة‭ ‬بعزلة‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الجامعات،‭ ‬ولكن‭ ‬تدخل‭ ‬هذه‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الجامعات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محكوما‭ ‬بالدستور‭ ‬والقوانين‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬والمفروض‭ ‬أن‭ ‬الدستور‭ ‬الأمريكي‭ ‬يحمي‭ ‬حرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬ولذلك‭ ‬فتدخل‭ ‬السلطة‭ ‬التشريعية،‭ ‬مثلما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬أعضاء‭ ‬لجنة‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحترم‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الدستوري،‭ ‬بل‭ ‬وكما‭ ‬ذكرت‭ ‬ذلك‭ ‬إحدى‭ ‬محررات‭ ‬صحيفة‭ ‬نيويورك‭ ‬تايمز‭ ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬الدولة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقدر‭ ‬دور‭ ‬الجامعة‭ ‬كمنبر‭ ‬لتبادل‭ ‬الآراء‭ ‬يعتز‭ ‬بل‭ ‬ويثريه‭ ‬تعدد‭ ‬هذه‭ ‬الآراء‭.‬

لكن‭ ‬أعضاء‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬ذهب‭ ‬بهم‭ ‬اعتدادهم‭ ‬بسلطتهم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬قواعد‭ ‬التوظيف‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬لكى‭ ‬تضمن‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬العمل‭ ‬فيها‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬آراء‭ ‬معادية‭ ‬للسامية‭ ‬في‭ ‬رأيهم،‭ ‬بل‭ ‬وأن‭ ‬تقوم‭ ‬الجامعة‭ ‬بفصل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأساتذة‭ ‬ممن‭ ‬اكتسبوا‭ ‬بعملهم‭ ‬العلمي‭ ‬مكانة‭ ‬الأساتذة‭ ‬الدائمين‭ ‬فيها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬بدر‭ ‬منهم‭ ‬بعد‭ ‬اكتسابهم‭ ‬هذه‭ ‬المكانة‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬عدائهم‭ ‬للسامية‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬ببعضهم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬اقتراح‭ ‬الإكثار‭ ‬من‭ ‬المقررات‭ ‬الدراسية‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ولما‭ ‬اكتشف‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الأساتذة‭ ‬الدائمين‭ ‬المغضوب‭ ‬عليهم،‭ ‬وهو‭ ‬الأستاذ‭ ‬جوزيف‭ ‬مسعد،‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الشعبية‭ ‬بين‭ ‬الطلاب‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬مقرره‭ ‬يفوق‭ ‬بثلاثة‭ ‬أمثال‭ ‬عدد‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬مقررين‭ ‬آخرين‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬طالب‭ ‬الجامعة‭ ‬بأن‭ ‬تبحث‭ ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬والأفكار‭ ‬التي،‭ ‬في‭ ‬رأيه،‭ ‬يلقنها‭ ‬للطلاب،‭ ‬بل‭ ‬وطالب‭ ‬الجامعة‭ ‬بأن‭ ‬تتخذ‭ ‬موقفا‭ ‬حازما‭ ‬تجاه‭ ‬أستاذ‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬فلسطيني‭ ‬وهو‭ ‬الأستاذ‭ ‬رشيد‭ ‬الخالدي،‭ ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬حظ‭ ‬اللقاء‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬وهو‭ ‬يلقى‭ ‬الاحترام‭ ‬الكبير‭ ‬لجدية‭  ‬كتاباته،‭ ‬والذى‭ ‬يدعوه‭ ‬إلى‭ ‬طلب‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬انتقاد‭ ‬الخالدي‭ ‬لإسرائيل‭.‬

هكذا‭ ‬تجد‭ ‬الإدارات‭ ‬الجامعية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الرأسمالية‭ ‬نفسها‭ ‬بين‭ ‬شقي‭ ‬الرحى‭ ‬عندما‭ ‬تتخطى‭ ‬حدود‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬والمصلحة‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬سلطات‭ ‬الدولة‭ ‬وأصحاب‭ ‬الثروة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭. ‬الجامعات‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التمويل‭ ‬الذى‭ ‬تتلقاه‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬ومن‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى،‭ ‬ليس‭ ‬كرشوة‭ ‬ولكن‭ ‬إما‭ ‬مساعدة‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الحكومة‭ ‬وبعض‭ ‬الأثرياء،‭ ‬وإما‭ ‬لتمكينها‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بمشروعات‭ ‬بحثية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬الجامعات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأكثر‭ ‬ثراء‭ ‬مثل‭ ‬جامعات‭ ‬هارفارد‭ ‬وييل‭ ‬وكاليفورنيا‭ ‬في‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬أو‭ ‬برنستون‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الرسوم‭ ‬الدراسية‭ ‬الباهظة‭ ‬التي‭ ‬يدفعها‭ ‬طلابها،‭ ‬ولذلك‭ ‬تخشى‭ ‬إدارات‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات‭ ‬من‭ ‬توقف‭ ‬هذا‭ ‬التمويل،‭ ‬وصاحب‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬إداراتها‭ ‬المتخصصة،‭ ‬ولكن‭ ‬هو‭ ‬مجالس‭ ‬الأوصياء‭ ‬فيها‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬هؤلاء‭. ‬ودعوة‭ ‬الطلاب‭ ‬أن‭ ‬تقاطع‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجامعات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وأن‭ ‬ترفض‭ ‬التمويل‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬والأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يدعمون‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأن‭ ‬تعاقب‭ ‬المتعاونين‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬السياسات‭ ‬العنصرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬هو‭ ‬موقف‭ ‬لا‭ ‬يلقى‭ ‬التأييد‭ ‬من‭ ‬أغلب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأوصياء‭. ‬ولذلك‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬الطلاب‭ ‬في‭ ‬الإعراب‭ ‬عن‭ ‬مواقفهم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬العدوانية‭ ‬التي‭ ‬تشنها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لجوء‭ ‬عشرات‭ ‬منهم‭ ‬إلى‭ ‬الإضراب‭ ‬عن‭ ‬الطعام‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬برنستون‭ ‬مؤخرا،‭ ‬فإن‭ ‬حراكهم‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬يضع‭ ‬إدارات‭ ‬هذه‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬دقيق‭.‬

سوف‭ ‬ييسر‭ ‬من‭ ‬دقة‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬الطلاب‭ ‬المحتجون‭ ‬والإدارات‭ ‬الجامعية‭ ‬ببعض‭ ‬الضوابط‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬الاحتجاج‭ ‬هذه‭. ‬عندما‭ ‬يلتزم‭ ‬الطلاب‭ ‬بالتعبير‭ ‬السلمي‭ ‬عن‭ ‬مواقفهم‭ ‬وعندما‭ ‬لا‭ ‬يجبرون‭ ‬زملاءهم‭ ‬على‭ ‬مقاطعة‭ ‬الدراسة،‭ ‬وعندما‭ ‬يتفاعل‭ ‬أساتذتهم‭ ‬معهم‭ ‬بتحويل‭ ‬الاحتجاج‭ ‬إلى‭ ‬مناسبة‭ ‬أخرى‭ ‬للتعلم،‭ ‬وعندما‭ ‬تحترم‭ ‬الإدارات‭ ‬الجامعية‭ ‬حق‭ ‬الطلاب‭ ‬والأساتذة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬السلمي‭ ‬عن‭ ‬الرأي،‭ ‬وتلجأ‭ ‬إلى‭ ‬التفاهم‭ ‬معهم،‭ ‬فقد‭ ‬يقلل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬أعداء‭ ‬الحرية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الجامعة‭. ‬وهذا‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬تحول‭ ‬الجامعة‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬حرب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضمن‭ ‬استمرار‭ ‬الجامعة‭ ‬منبرا‭ ‬للتبادل‭ ‬الحر‭ ‬للآراء‭.‬

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

 

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا