العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الخميس ١٣ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

يُتداول‭ ‬كثيرا‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬استراتيجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬وقد‭ ‬أضافت‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات‭. ‬وأدت‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ -‬منذ‭ ‬أكتوبر2023‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭- ‬والتي‭ ‬شملت‭ ‬قصفا‭ ‬مكثفا،‭ ‬وغزوا‭ ‬بريا‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬المدنيين،‭ ‬وتدمير‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬بتكلفة‭ ‬مادية‭ ‬قدرتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬مع‭ ‬توقعات‭ ‬بأن‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬ستستغرق‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬16‭ ‬عامًا‭. ‬وأشار‭ ‬جون‭ ‬هوفمان،‭ ‬من‭ ‬معهد‭ ‬كاتو،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تتبع‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمات،‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬الأموال‭ ‬والأسلحة‭ ‬والمساعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وهو‭ ‬نهج‭ ‬يأتي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تواجه‭ ‬فيه‭ ‬الأخيرة‭ ‬اتهامات‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب،‭ ‬منظورة‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬محكمتي‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬والجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬مما‭ ‬يثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬توجهات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومدى‭ ‬انحرافها‭ ‬عن‭ ‬أهدافها‭ ‬المعلنة‭.‬

ومثّل‭ ‬انهيار‭ ‬الرصيف‭ ‬العائم،‭ ‬الذي‭ ‬أنشأه‭ ‬الجيش‭ ‬الأمريكي‭ (‬البحرية‭ ‬الأمريكية‭)‬؛‭ ‬لإيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬غزة،‭ ‬بغرض‭ ‬تجاوز‭ ‬رفض‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬السماح‭ ‬بدخول‭ ‬الإمدادات‭ ‬إلى‭ ‬القطاع‭ ‬عبر‭ ‬البر؛‭ ‬إحراجا‭ ‬بالغا‭ ‬آخر‭ ‬للحكومة‭ ‬الأمريكية‭. ‬وتماشيا‭ ‬مع‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬الانتكاسات‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬العِقدين‭ ‬الماضيين،‭ ‬أوضح‭ ‬ستيفن‭ ‬والت،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬دلالة‭ ‬على‭ ‬مشكلة‭ ‬أكبر‭ ‬داخل‭ ‬مؤسسة‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية؛‭ ‬وهي‭ ‬عدم‭ ‬الكفاءة‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬تقييمه‭ ‬للإخفاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬أشار‭ ‬ستيفن‭ ‬كوك،‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية،‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬بعنوان‭ ‬نهاية‭ ‬الطموح‭.. ‬ماضي‭ ‬أمريكا‭ ‬وحاضرها‭ ‬ومستقبلها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬هدف‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬الحالمة‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكذلك‭ ‬سياسة‭ ‬التخندق،‭ ‬التي‭ ‬دأبت‭ ‬عليها‭ ‬الإدارات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سأمها‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬المنطقة‭.‬

واعترف‭ ‬المعلقون‭ ‬الغربيون‭ ‬بأن‭ ‬سوء‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬للحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الإخفاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬قوضت‭ ‬الأمن‭ ‬الإقليمي،‭ ‬وولدت‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭. ‬وأوضح‭ ‬هوفمان،‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬تجسد‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبته‭ ‬القيم‭ ‬الأمريكية‭ ‬المعلنة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬تعرض‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬للخطر،‭ ‬وأن‭ ‬صورة‭ ‬أمريكا‭ ‬العالمية‭ ‬قد‭ ‬شوهت‭ ‬بشكل‭ ‬دائم؛‭ ‬بسبب‭ ‬دعمها‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭. ‬

واعتبر‭ ‬والت،‭ ‬رصيف‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬كناية‭ ‬مناسبة،‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مع‭ ‬عملية‭ ‬علاقات‭ ‬عامة‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن،‭ ‬تم‭ ‬تنفيذها‭ ‬مباشرة‭ ‬لأن‭ ‬واشنطن‭ ‬رفضت‭ ‬إجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬الحدود‭ ‬بالكامل،‭ ‬وإرسال‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تشتد‭ ‬الحاجة‭ ‬إليها‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سلمت‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬حمولة‭ ‬شاحنة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الإمدادات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تلحق‭ ‬الأمواج‭ ‬الهائجة‭ ‬أضرارًا‭ ‬بهيكل‭ ‬الرصيف‭ -‬الذي‭ ‬بلغت‭ ‬كلفته‭ ‬بالفعل‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭- ‬وصف‭ ‬جيري‭ ‬هندريكس،‭ ‬العقيد‭ ‬المتقاعد‭ ‬في‭ ‬البحرية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬بأنه‭ ‬فاشل،‭ ‬مع‭ ‬حثه‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬فورا‭.‬

وفي‭ ‬تقييم‭ ‬كوك،‭ ‬تُشير‭ ‬انتكاسات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬الطموحات‭ ‬التي‭ ‬غذت‭ ‬الأوهام‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬تغيرت‭ ‬حظوظ‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬بعد‭ ‬الإدارة‭ ‬الناجحة‭ ‬للشؤون‭ ‬الإقليمية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة،‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬غزو‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬للكويت‭ ‬في‭ ‬1991،‭ ‬وانهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬ذات‭ ‬العام‭. ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬أن‭ ‬انتخاب‭ ‬بيل‭ ‬كلينتون،‭ ‬عام‭ ‬1992‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬سعي‭ ‬مؤسسة‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬السياسة‭ ‬والمجتمع‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬أجندة‭ ‬مفرطة‭ ‬الطموح،‭ ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إخفاقات‭ ‬سياسية،‭ ‬مثل‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬عام‭ ‬2003،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬شنه‭ ‬تحت‭ ‬اعتقاد‭ ‬قدرة‭ ‬قوتها‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الداخل‭ ‬العراقي‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬واشنطن،‭ ‬ولكنه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ترك‭ ‬البلاد‭ ‬ممزقة‭.‬

ووافق‭ ‬والت،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬فيه‭ ‬الطموح‭ ‬المفرط‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬أخطاء‭ ‬جسيمة،‭ ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬المزيج‭ ‬غير‭ ‬العادي‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬والإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬الذي‭ ‬تمتلكه‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الدولية،‭ ‬قد‭ ‬سمح‭ ‬أيضًا‭ ‬لرؤسائها‭ ‬باتخاذ‭ ‬كافة‭ ‬أنواع‭ ‬القرارات‭ ‬الحمقاء،‭ ‬ثم‭ ‬ترك‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬تعاني‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬معظم‭ ‬العواقب‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬سائدة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مفادها‭ ‬أنه‭ ‬يمكنها‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬أهداف‭ ‬تحددها‭ ‬إذا‭ ‬بذلت‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الجهد؛‭ ‬ذكر‭ ‬الباحث‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬سعيها‭ ‬عن‭ ‬المصداقية‭ ‬والنفوذ،‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬تجاهل‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭ ‬فيها‭ ‬المعيار‭ ‬الرئيسي،‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬الكفاءة‭.‬

وتدعيما‭ ‬لرأيه‭ ‬بأن‭ ‬المؤسسات‭ ‬الضالعة‭ ‬بشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مثل‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬ليست‭ ‬مؤهلة‭ ‬جدًا،‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬العظمى‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬أكد‭ ‬والت،‭ ‬على‭ ‬تداعيات‭ ‬إيثار‭ ‬الرؤساء‭ ‬لـ‭ ‬الولاء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تقديرهم‭ ‬للكفاءة،‭ ‬مع‭ ‬نتيجة‭ ‬متوقعة‭ ‬بميل‭ ‬عملهم‭ ‬إلى‭ ‬الفشل‭.‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬غزة،‭ ‬فشل‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن،‭ ‬فشلاً‭ ‬ذريعًا‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لوقف‭ ‬حربها‭ ‬وهجماتها‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬زياراته‭ ‬المتعددة‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬طمأنة‭ ‬شركائه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بشأن‭ ‬خارطة‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬إدارته‭ ‬للسلام‭. ‬وأرجع‭ ‬والت،‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تبديلاً‭ ‬هائلاً‭ ‬في‭ ‬موظفي‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية؛‭ ‬بسبب‭ ‬نظام‭ ‬إدارتهم؛‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬واشنطن‭ ‬تحاول‭ ‬إدارة‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬باستخدام‭ ‬أطقم‭ ‬عمل‭ ‬دائم‭ ‬التغير،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬يعملون‭ ‬لفترة‭ ‬مؤقتة‭ ‬وقصيرة،‭ ‬وآخرين‭ ‬يعملون‭ ‬كـهواة‭ ‬غير‭ ‬مؤهلين‭.‬

وبالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬قُوضت‭ ‬بها‭ ‬المصداقية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬بسبب‭ ‬دعمها‭ ‬المستمر‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وعدم‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬إرساء‭ ‬قواعد‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي؛‭ ‬أكد‭ ‬كوك،‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬اتباع‭ ‬نهج‭ ‬سياسي‭ ‬جديد،‭ ‬لأسباب‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬أن‭ ‬مواكبة‭ ‬التطورات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬تظل‭ ‬أمرا‭ ‬من‭ ‬أولويات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬القصوى،‭ ‬ولكن‭ ‬لأن‭ ‬طبيعة‭ ‬المصالح‭ ‬ستتغير‭ ‬بمرور‭ ‬الوقت‭ ‬جراء‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياسية‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭ ‬تتعلق‭ ‬بسبل‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬أو‭ ‬منع‭ ‬الانتشار‭ ‬النووي،‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬المناخي‭.‬

وفي‭ ‬تقييم‭ ‬للسبل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يتغير‭ ‬بها‭ ‬النهج‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬الأمريكي‭ ‬تجاه‭ ‬المنطقة؛‭ ‬رفض‭ ‬كوك،‭ ‬الحجج‭ ‬الداعية‭ ‬إلى‭ ‬الانسحاب‭ ‬الكامل،‭ ‬أو‭ ‬تقليص‭ ‬التمركز‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وبسبب‭ ‬سلسلة‭ ‬إخفاقاتها‭ ‬خلال‭ ‬العِقدين‭ ‬الماضيين،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الاندفاع‭ ‬القوي‭ ‬والمبرر‭ ‬داخل‭ ‬مجتمع‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ - ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بين‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬نحو‭ ‬الانسحاب،‭ ‬يعتبر‭ ‬خطوة‭ ‬جذرية‭ ‬لحل‭ ‬المعضلات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬حاليا،‭ ‬ولكنها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ستكون‭ ‬خطوة‭ ‬لها‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية،‭ ‬ولا‭ ‬تضمن‭ ‬جعل‭ ‬المنطقة‭ ‬أكثر‭ ‬استقرارا‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭.‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬تقليص‭ ‬التواجد‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬العواقب‭ ‬المدمرة‭ ‬للحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬حدوث‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أسوأ‭ ‬الكوارث‭ ‬الإنسانية‭ ‬عالميا؛‭ ‬لأن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تتحرك،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬مع‭ ‬إقرار‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مصلحة‭ ‬أمريكية‭ ‬واضحة‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيقها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬أكثر‭ ‬قوة‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭. ‬وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بفكرة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـالتوازن‭ ‬الخارجي،‭ ‬والتي‭ ‬تنطوي‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بسحب‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري،‭ ‬لصالح‭ ‬تعزيز‭ ‬دعمها‭ ‬لحلفائها‭ ‬وشركائها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إتاحة‭ ‬الأسلحة‭ ‬لتمكنهم‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬وحدهم،‭ ‬أشار‭ ‬كوك،‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تبعات‭ ‬مبدأ‭ ‬نيكسون،‭ ‬الذي‭ ‬يتعهد‭ ‬بتوفير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬الشاه‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬والحماية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬للخطر،‭ ‬خلال‭ ‬السبعينيات‭ ‬التي‭ ‬ألقت‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬1979‭. ‬

كما‭ ‬أثار‭ ‬الباحث‭ ‬أيضا‭ ‬فكرة‭ ‬تأثير‭ ‬اختلاف‭ ‬التفسيرات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتوازن‭ ‬الإقليمي‭. ‬وينظر‭ ‬شركاء‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توازن‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمي‭ ‬يخدم‭ ‬بشكل‭ ‬خطير‭ ‬إيران؛‭ ‬بسبب‭ ‬استخدامها‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الوكلاء،‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬وتطوير‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭. ‬وبالتالي،‭ ‬يريدون‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬أكثر‭ ‬انخراطا‭ ‬في‭ ‬ردع‭ ‬واحتواء‭ ‬نفوذ‭ ‬طهران،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يؤكد‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكيون‭ ‬أن‭ ‬المستوى‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬المساعدة‭ ‬المقدمة‭ ‬لشركائهم‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬تغيير‭.‬

ومع‭ ‬خيارات‭ ‬الانسحاب‭ ‬الكامل،‭ ‬وتقليص‭ ‬التواجد،‭ ‬والتوازن‭ ‬الخارجي،‭ ‬التي‭ ‬رفضها‭ ‬كوك،‭ ‬باعتبارها‭ ‬خيارات‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل،‭ ‬فقد‭ ‬أوصى‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬بأن‭ ‬يتحلى‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بالحكمة،‭ ‬والحذر،‭ ‬والتوازن،‭ ‬والكفاءة،‭ ‬بطريقة‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬السياسة‭ ‬التحوطية؛‭ ‬موضحا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الطريقة‭ ‬تجبر‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬هو،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭. ‬وعليه،‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬العقلية‭ ‬سوف‭ ‬تحمي‭ ‬من‭ ‬أسلوب‭ ‬تحول‭ ‬الدوافع،‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬قوضت‭ ‬علاقات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الماضية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬إلحاق‭ ‬أي‭ ‬قدر‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬الضرر‭ ‬بمصالحها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

ومع‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الرومانسية‭ ‬المثالية،‭ ‬التي‭ ‬تغلب‭ ‬على‭ ‬النزعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والتي‭ ‬لديها‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬سوف‭ ‬ينهار‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تحاول‭ ‬بشكل‭ ‬فعال‭ ‬إدارة‭ ‬عشرات‭ ‬الأزمات‭ ‬حول‭ ‬العالم؛‭ ‬يرى‭ ‬والت،‭ ‬أن‭ ‬إصلاح‭ ‬آلية‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المليئة‭ ‬بالأخطاء،‭ ‬سوف‭ ‬يستغرق‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬ممكنا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬موضحا‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأكثر‭ ‬تقييدًا،‭ ‬التي‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬القضايا‭ ‬والمعضلات‭ ‬والالتزامات‭ ‬التي‭ ‬تشعر‭ ‬واشنطن‭ ‬بأنها‭ ‬ملزمة‭ ‬بحلها؛‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬معدل‭ ‬فشلها،‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬ملفات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

وتستند‭ ‬تحليلات‭ ‬كوك،‭ ‬ووالت،‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬احتفاظ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بأهميتها‭ ‬كوسيط‭ ‬دبلوماسي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬أرادت‭ ‬ذلك‭ ‬فعليها‭ ‬إدراك‭ ‬أولا‭ ‬بأن‭ ‬غزو‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬قد‭ ‬أرسى‭ ‬بالفعل‭ ‬عنصر‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬نواياها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬تصرفات‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ودعمها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وحمايتها‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬الدولية،‭ ‬اعترف‭ ‬بها‭ ‬المراقبون‭ ‬الغربيون‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬ضرر‭ ‬جسيم‭ ‬لمصداقيتها‭ ‬وموثوقيتها‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سوف‭ ‬يشكل‭ ‬تحديا‭ ‬كبيرا‭. ‬وجاءت‭ ‬دعوة‭ ‬كوك،‭ ‬لصانعي‭ ‬السياسات‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬طموحاتهم‭ ‬الخيالية‭ ‬لتحويل‭ ‬المنطقة،‭ ‬بما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬رغباتهم‭ ‬الخاصة‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬أو‭ ‬الانسحاب‭ ‬الكامل‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى؛‭ ‬أمر‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬السائدة‭. ‬ويتفق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭ ‬مع‭ ‬هال‭ ‬براندز،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬جونز‭ ‬هوبكنز،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدور‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭ ‬الأمريكي‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الإقليمية‭ ‬هو‭ ‬ببساطة‭ ‬عبء‭ ‬على‭ ‬كاهل‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬المهيمنة،‭ ‬التي‭ ‬تفضل‭ ‬أن‭ ‬تحتفظ‭ ‬بهذا‭ ‬الدور،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬منافسيها‭ ‬الجيوسياسيين‭. ‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يرى‭ ‬والت،‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الانتكاسات‭ ‬التي‭ ‬أضرت‭ ‬بسجل‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القصير‭ ‬والمتوسط‭ ‬والطويل،‭ ‬يمكن‭ ‬مساعدتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجنب‭ ‬المسؤولين‭ ‬عنها‭ ‬تبني‭ ‬مُثُل‭ ‬نبيلة‭ ‬متشعبة،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عليهم‭ ‬تحديد‭ ‬أهداف‭ ‬واقعية،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬أكثر‭ ‬قابلية‭ ‬للتحقيق،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬إقليمي‭ ‬أوسع‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا