شرع الله -تعالى- لعباده المسلمين عيدين في كلّ عام؛ عيد الفطر وعيد الأضحى، ويأتي عيد الأضحى في اليوم العاشر من شهر ذي الحجّة من كلّ عام، وقد شرعه الله -تعالى- لحكمٍ ومعانٍ جليلة منها: شكر الله وحمده يحتفل المسلمون بعيد الأضحى ويسعدون به، ويقومون بشكر الله -تعالى- على إعانته وتوفيقه لهم على أداء الطّاعات بعد أن تقرّبوا لله -تعالى- على مدار الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجّة بشتى أنواع الطاعات من صيامٍ، وذكرٍ، ودعاءٍ، وتكبير، ويحمدونه على أعظم طاعة شرعها لهم ألا وهي فريضة الحجّ: كما يذبح المسلمون في هذا العيد الأنعام والهدي شكراً لله -تعالى- على ما أنعم عليهم من نعمٍ كثيرة لا تُحصى؛ كنعمة الإيمان، ونعمة المال، والأولاد، وغيرها الكثير من نعم الله -سبحانه وتعالى- على خلقه.
ويتقرّب المسلمون من ربّهم في عيد الأضحى بذبح الهدي راغبين بما عنده من الأجر العظيم والثّواب الجزيل على هذه الطّاعة؛ فالأضحية تُعدّ من أعظم القرابين التي تُقدّم لله -تعالى-، كما أنّ امتثال المسلمين للذّبح يعني أنّهم يمتثلون لأوامر الله -تعالى- من جعله الأنعام مُسخّرة لهم، وإباحة أكلها لهم، وبذلك يكون ذبحها قُربة ويثاب عليه المسلم في يوم عيد الأضحى.
ويأتي العيد ليزيد من روابط الأخوّة والمحبّة بين المسلمين؛ لما يُسنّ فيه من صلة الأرحام وتفقّدهم، ولما يُسنّ للمضحي فيه من تفقّد الفقير والتصدّق عليه، كما يشرع في عيد الأضحى إكرام الضّيف والتّوسعة عليه، وتفقّد الجار، وغير ذلك ممّا يزيد من الأواصر بين أفراد المجتمع ويعمل على تقويتها
إنّ من أجلّ الحكم والمعاني في عيد الأضحى وفي ذبح الأضاحي أن يقتدي المسلم بنبي الله إبراهيم -عليه الصّلاة والسّلام- بالذّبح، وإحياء ذكرى قصة ذبح النّبي إسماعيل -عليه الصّلاة والسّلام-؛ والتي رأى فيها إبراهيم -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه يذبح ابنه إسماعيل في المنام ومن المعروف أنَّ رؤيا الأنبياء حقّ؛ لذا أراد إبراهيم -عليه الصّلاة والسّلام- أن يمتثل لأمر الله -تعالى- ويذبح ابنه الغلام إسماعيل والذي لم يخالف أمر الله -تعالى-؛ بل وافق أباه بضرورة تمثّل أمر الله -تعالى- والانقياد له، قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إنِّي أرَى فِي الْمَنَامِ أنِّي أذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
وعندما أراد سيدنا إبراهيم ذبح ابنه افتداه الله -تعالى- بذبحٍ عظيم، فشُرعت الأضحية ليتذكّر المسلم صبر إبراهيم وابنه -عليهما السّلام- على الطّاعة، ومدّى انصياعهما لأوامر الله -تعالى-، وتأكيد أنّ محبّة الله -تعالى- وتنفيذ أوامره مُقدّمة على محبّة الولد والنّفس.
إنّ الأعياد شُرعت لتنشر الفرح والسّرور في قلوب النّاس، وقد شرع الله -تعالى- للمسلمين عيدين يفرحون ويبتهجون بهما؛ فقد روي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: «قدمَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- المدينةَ ولَهم يومانِ يلعبونَ فيهما فقالَ ما هذانِ اليومانِ قالوا كنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهما خيرًا منهما يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ».
ويُعبّر المسلمون عن فرحهم في هذا اليوم بالعديد من المظاهر التي تبدأ بلبس الملابس الجديدة، وبالتّكبير في الأسواق وفي كل مكان، وإعطاء الأطفال والنّساء مبلغاً من المال كتعبير عن الفرح والبهجة.
إن نفوس المسلمين تصفو في العيد ويُقبلون على بعضهم البعض في هذا اليوم بقلوبٍ خاليةٍ من الأحقاد والأضغان؛ فيتسامحون ويتناسون كلّ خلاف حدث فيما بينهم، الأمر الذي يزيد من ترابطهم ووحدتهم.
ولعيد الأضحى آداب عامة يشترك فيها كل المسلمون، وآداب خاصة لمن أراد التضحية في عيد الأضحى، وفيما يأتي بيان للنوعين على النحو الآتي: آداب عامة للمسلمين شُرعت بعض الآداب التي يُستحسن للمسلم فعلها في يوم عيد الأضحى؛ اقتداءً برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ومن هذه الآداب العامّة:
الاغتسال والتّطيّب واستخدام السّواك، ولبس الجديد من الثّياب، وذلك من أجل حضور تجمّع المسلمين بأبهى صورة. التّبكير في الذّهاب إلى مصلّى العيد. الذّهاب إلى مصلّى العيد مشيا على الأقدام، والمشي في طريق والعودة من طريق آخر؛ فقد روي عن جابر بن عبالله -رضي الله عنه- أنّه قال: «كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا كانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ».
إظهار الفرح والسّرور أمام الأقارب والأصدقاء والجيران. زيارة الأرحام والإكثار من الصّدقات. الاستمرار بالتّكبير من أوّل أيام العيد إلى اليوم الرّابع من أيام التّشريق.
وهناك آداب خاصة بالمضحي كما أنَّ هناك العديد من الآداب التي تتعلق بمن يريد التضحية، وهي كالآتي: ترك الأخذ من الأظافر، وقصّ الشعر، وحلق الشّارب واللّحية وغيره منذ اليوم الأوّل من شهر ذي الحجّة؛ عملاً بحديث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: «إذا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الحِجَّةِ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عن شَعْرِهِ وأَظْفارِهِ».
الإمساك عن الطّعام في عيد الأضحى إلى ما بعد انتهاء الصّلاة، ثمّ أكل المُضحّي من أضحيته بعد ذبحها كما كان يفعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-.
توزيع الأضحية وتقسيمها إلى ثلاثة أجزاء: جزء للتّصدّق على الفقراء والمساكين، وجزء يهدى للأصدقاء والمعارف، وجزء للأكل والتّوسعة على أهل البيت؛ قال الله -تعالى-: (فَكُلُوا مِنْهَا وَأطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).
ذبح المضحّي أضحيته بنفسه وألا يوكّل أحداً عنه، وأن يشهد الذّبح أهل البيت؛ فقد أمر رسول الله -صلّى عليه وسلّم- ابنته فاطمة -رضي الله عنها- أن تشهد ذبح أُضحيتها.
التّسمية وذكر الله -تعالى- عند الذّبح، وتوجيه الأضحية إلى القبلة، كما يسنّ أيضاً سَوق الأضحية إلى المذبح سوقاً حسناً دون تعنيف؛ لأنّ الله -تعالى- كتب الإحسان على كلّ شيء، حتّى على الأنعام والدّواب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك