تعرف التكنولوجيا المالية الإسلامية بأنها جميع التطبيقات المالية الرقمية المعاصرة التي يمكن استخدامها في قطاع الخدمات المالية والمصرفية الإسلامية، ولا تتقاطع مع مقاصد الشريعة الإسلامية، وتؤدي إلى استنبات نماذج أعمال جديدة، قائمة على التكنولوجيا، لتعزيز أهداف الشريعة في المجالات الاقتصادية والبيئية والمالية والاجتماعية، وتقديم خدمات أفضل لعملاء المصرفية الإسلامية، من حيث جودة المنتج، وسرعة إنجاز الخدمات.
وقد أجمعت المؤسسات المالية الإسلامية على أن التكنولوجيا المالية الإسلامية قادرة على الإسهام الفعال في معالجة المشكلات الاقتصادية والمالية المعاصرة التي تواجه ليس الدول الإسلامية وحدها، وإنما مختلف دول العالم، فالتكنولوجيا المالية الإسلامية ليست تطورا تقنيا يسعى إلى الارتقاء بصناعة الخدمات المالية الإسلامية لتحقق قدرات تنافسية جديدة مقابل الخدمات المالية التقليدية فحسب، بل تسهم مساهمة فعالة في تحقيق أحد أهم أهداف التمويل الإسلامي النابع من الشريعة الإسلامية والمتمثل في الحد من الفقر والقضاء على البطالة واتاحة فرص التمويل بمستوياته المختلفة وبالتالي تحقيق الشمول المالي.
وانطلاقا من هذه الرؤية أسست العديد من منصات التمويل الجماعي، ومنصات التمويل من نظير إلى نظير وفقا للشريعة الإسلامية، بما يتيح آفاقا تنموية واسعة ويقدم تمويلا بديلا ومكملا للائتمان والتسهيلات المصرفية التقليدية المحدودة التي تقدم للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والتي لا تمثل أكثر من 10% من اجمالي الائتمان الذي تقدمه البنوك الإسلامية.
وتتميز التكنولوجيا المالية الإسلامية بمرونة عالية وخيارات عديدة للتمويل تناسب مختلف المشروعات وتتيح لها سيولة كافية وبأقل التكاليف والضمانات.
وصممت قواعد واعدة في تنويع الانشطة الاقتصادية وإنفاذ سياسات التنويع الاقتصادي، وحماية البيئة.
ونشطت منصات التكنولوجيا المالية الإسلامية في مجال الاستثمار العقاري، والاستثمار في الأسهم والسندات.
وقد أثبتت التكنولوجيا المالية الإسلامية قدراتها الفذة على تنويع مصادر التمويل لمختلف المشروعات التي تسهم في تعزيز الأمن الغذائي والبيئي عبر تقنيات التكنولوجيا المالية الإسلامية الخضراء وغيرها من التقنيات. كما أن منصات التكنولوجيا المالية الوقفية قد فتحت آفاقا رحبة أمام التمويل الخيري والوقفي، وأعطته أبعادا استثمارية معاصرة.
وقد شهد عام 2023م تطورات سريعة في التوجه نحو التكنولوجيا المالية الإسلامية، فمثلا بذل معهد البنك الإسلامي للتنمية ومقره في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية جهودا مميزة في مجال تطوير حلول التكنولوجيا المالية لمواجهة التحديات التي تواجه البلدان الأعضاء في البنك الإسلامي للتنمية.
وتتمثل هذه الحلول في النظام الذكي للاستقرار المالي، ومساعد الذكاء الاصطناعي للتمويل الإسلامي، وجناح المعرفة المالية الإسلامية، كما ظهر ذلك في التقرير السنوي للمعهد عن عام 2023.
فيما أشار تقرير التكنولوجيا المالية الإسلامية السنوي الصادر عن منظمة التعاون الاسلامي مطلع عام 2024 إلى أن التكنولوجيا المالية الإسلامية وحلولها المالية المتوائمة مع الشريعة الإسلامية شهدت في عام 2023 رحلة تحول كبيرة مقارنة بالسنوات التي سبقت هذا العام ، فقد بلغ حجم سوقها نحو (138) مليار دولار، ويمثل نسبة «1.2%» من حجم سوق التكنولوجيا المالية التقليدية، فيما كانت النسبة في عام 2022 نحو «0.8%».
ومن المتوقع أن يبلغ حجم سوقها عام 2027 نحو (306) مليارات دولار، فيما بلغ عدد الشركات في مجال التكنولوجيا المالية (417) شركة حتى أواخر عام 2023.
وأشار التقرير إلى أن أكبر سبعة أسواق للتكنولوجيا المالية في منظمة التعاون الإسلامي من حيث حجم المعاملات والأصول هي المملكة العربية السعودية وإيران وماليزيا والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا والبحرين والكويت. ويقدر حجم السوق لكل منها في عام 2023 بأكثر من (5) مليارات دولار أمريكي. وتمثل الأسواق السبعة مجتمعة نحو 87% من حجم التكنولوجيا المالية الإسلامية العالمية.
ويتركز نشاط شركات التكنولوجيا المالية الإسلامية في مجال خدمات التمويل، والودائع، والإقراض، وإدارة المدفوعات، والتمويل البديل، بنسبة 77% من نشاطاتها، فيما تنشط شركات أخرى في مجالات خدمات التأمين الإسلامي، وإدارة الثروات الإسلامية، والاستشارات الالية، والتكنولوجيا التنظيمية، والبنوك الإسلامية الرقمية، والعملات المشفرة الإسلامية وغيرها من مجالات.
وقد حقق عدد من شركات التكنولوجيا المالية نجاحات مهمة في مجال إصدار الصكوك خاصة الصكوك للتمويل الأصغر القائم على تقنية البلوك تشين، والصكوك الخضراء وغيرها، الأمر الذي يشير إلى مستقبل واعد لها، يسهم بشكل فاعل ومؤثر في تمكين التمويل الإسلامي من المزيد من الانتشار والقبول ليس في الدول الإسلامية فقط، بل في مختلف ارجاء العالم، فضلا عن الإسهام القوي في تحقيق التنويع الاقتصادي والاستقرار المالي والتنمية المستدامة، ومما يحفز ذلك سعي شركات التكنولوجيا المالية الإسلامية إلى التعاون والتكامل مع البنوك الإسلامية، حيث إنهما ينبعان من رافد واحد هو المعاملات المالية للشريعة الإسلامية السمحاء، ويهدفان إلى خدمة المسلمين والإنسانية جمعاء.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك