ارتبطت القطارات في الوعي الجمعي للأمم على مر الزمان وفي كافة العصور بالعلاقات الإنسانية الاجتماعية وكان للحكايات الوجدانية نصيب كبير، فالقطارات كانت تبرز الكثير من العواطف كالحنين والذكريات، السفر والمغامرة وكذلك الانفصال والرحيل!
في السودان وليومنا هذا يتذكر السودانيون اينما كانوا في الداخل والخارج رائعة القطار المر (القصد القطار الذي مر) التي غناها الفنان عثمان الشفيع من كلمات محمد عوض الكريم قرشي، وتعتبر للآن من أجمل الأغاني العاطفية!
وفي العراق قال معروف الرصافي: في القطار أحب القراءة، يشغلني قلق الانتظار، وقوف الغريب وتلويحة الواقفين وصمت المحطات!
فلسطينيا ارتبط القطار عند النخب السياسية بالتسوية أي «قطار التسوية»، وعبر عقود كان النقاش يحتدم والحوار يأخذ مداه والسؤال الكبير المحير هل نصعد القطار؟ كان هناك المترددون والرافضون والموافقون الذين لم يستطيعوا الجهر بموافقتهم!
الحروب الكبرى حتما يتبعها تسويات كبرى، سيكون هناك مبادرات وخطط ومؤتمرات عربية وإقليمية ودولية لطرح تسويات للقضية الفلسطينية، علينا نحن أن نكون مستعدين فهذه الفرصة ربما هي الأفضل في تاريخ الصراع العربي مع دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد الصهيونية.
أود أن أسجل عناصر القوة التي نملكها نحن في هذه الحرب المستعرة:
عالميا: أمر محكمة العدل الدولية دولة الاحتلال باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها في يناير 2024م وكذلك قرار المحكمة أن على دولة الاحتلال أن توقف فورا هجومها العسكري وأي أعمال أخرى في «رفح» مشيرة للخطر المباشر على الشعب الفلسطيني.
- محكمة الجنايات الدولية بصدد إصدار أوامر اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو ووزير الدفاع جالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وسيطاردون في 133 دولة موقعة على «نظام روما» الأساسي الذي أنشأ المحكمة الدولية.
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بمنح فلسطين العضوية الكاملة في 10 مايو 2024م بتصويت 143 دولة.
- اعتراف إيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا بدولة فلسطينية مستقلة، وبهذا يصبح عندنا 13 دولة أوروبية تعترف بفلسطين كدولة مستقلة من أصل 27 دولة والبقية ستأتي وربما فرنسا تكون أولهم، وهناك بلجيكا ومالطا أيضا عبرتا عن الرغبة بالاعتراف.
الولايات المتحدة الأمريكية:
- اندلعت انتفاضة الجامعات الأمريكية في 17 أبريل 2024م مثل النار في الهشيم وبدأت بأهم جامعات الولايات المتحدة التي تخرج رؤساء أمريكا وأعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ والمديرين التنفيذيين لكبرى الشركات الأمريكية العالمية، وتصدى الطلبة لوحشية قوات الأمن المختلفة بشجاعة نادرة وأبرزوا في حفلات تخرجهم عدالة القضية الفلسطينية بشكل حضاري.
- التململ الحاصل في صفوف الحزب الديمقراطي وعدم رضاهم عن الدعم الأعمى التي تقدمه إدارتهم لدولة الاحتلال وهناك نسبة متزايدة من شباب الحزب وصلت إلى أكثر من 70% لا توافق الإدارة على تأييدها المطلق لدولة الكيان وتزويدها بالأسلحة الفتاكة والأموال الطائلة، لا بل هم شباب الحزب يعتبرونها قوة احتلال وترتكب جرائم بحق المدنيين الفلسطينيين.
- خوف الحزب الديمقراطي من خسارة أصوات العرب والمسلمين وذوي الأصول الإسبانية والأمريكان الأفارقة في الانتخابات القادمة التي تطرق الأبواب نوفمبر 2024م.
- اهتزاز صورة الولايات المتحدة الأمريكية بين دول العالم وبين الشعوب بعد افتضاح أمرها كدولة تدعم الإبادة الجماعية وتقف حائلا بين الشعب الفلسطيني ونيل حقوقه المشروعة بحسب القانون الدولي.
دولة الاحتلال والعدوان:
- الخلاف المحتدم على الإصلاح القضائي وهي خطة تسعى إلى تقويض الجهاز القضائي والمحكمة العليا بغرض إلغاء محاكمة نتنياهو والحد من سلطة المحكمة العليا لإبطال القوانين وإعادة سن قوانين أبطلتها المحكمة العليا. وقد شاهدنا لأول مرة داخل هذا المجتمع العنصري شارعا يصطف ضد شارع وسيرت المظاهرات بأعداد وصلت إلى 150 ألف متظاهر ضد قرار الإصلاح القضائي.
- جماعة اليهود المتدينيين «الحريديم» ويعتبرون كالأصوليين، حيث يطبقون الطقوس الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية ويعتبرون الانخراط في الجيش خطيئة، ولهم نفوذ كبير في البرلمان والحكومة، وقد ألغت المحكمة العليا قرار إعفاء «الحريديم» من الخدمة العسكرية واعتبرت أنه يمس مبدأ المساواة.
- تهشمت صورة دولة الاحتلال والعدوان والأبارثهايد عالميا، فلم تعد واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة كما كانوا يخدعون العالم، بل أصبحت نظاما لا ينتمي إلى منظومة العام الحر وقيمه هي نظام فصل عنصري استعماري إحلالي يسيطر على شعب بالقوة ويعمل على اضطهاده ويمارس حرب إبادة جماعية ضده.
كل ما أوردناه أعلاه هو نقاط قوة للموقف الفلسطيني والعربي يجب وضعه في سلة واحدة كرصيد لنا ومواجهة العالم متسلحين بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلينا العمل عربيا وفلسطينيا على إنهاء الانقسام الفلسطيني بدخول جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي تتمتع بالاعتراف العالمي وبرنامج حركة «حماس» الآن هو نفسه برنامج المنظمة، لتتوحد الشرعية السياسية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية مع صمود فصائل المقاومة ورأس حربتها «حماس» في الميدان مع صلابة وجسارة شعبنا الحر الأبي.
وننتظر المزيد من الجهد الذي بدأنا نلمسه من القمة العربية الـ33 التي استضافتها مملكة البحرين وكلنا أمل ويقين أن هذه القمة ستلتزم بقراراتها في العمل على وقف الحرب وإغاثة غزة وحماية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة عبر قوات دولية وإعادة الإعمار والعمل على الدعوة لمؤتمر دولي للسلام يفرض حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني بإقامة دولته على حدود الرابع من يونيو 1967م بعاصمتها القدس الشرقية وحق العودة للاجئين.
{ كاتب فلسطيني مقيم
في مملكة البحرين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك