من أفضال الله علينا جل في علاه أن جعل لنا مواسم دينية نؤدي بها مناسكنا ونحتفل بعد إنجازها، احتفال فرح لأدائنا تلكم المناسك، واحتفال شكر لله جل في علاه الذي مكننا من أداء تلكم المناسك لنفوز بالأجر والثواب.
وفي وقفة عرفة وعيد الأضحى هذا العام، بالإضافة إلى فرحنا بأداء المناسك، نتوجه إلى الله سبحانه وتعالى من أقدس مقدساتنا لندعوه أن يعين أهلنا في فلسطين وينصرهم على عدوهم ويحميهم من جبروته، ويجعل نيران سلاح العدو بردا وسلاما على أهل فلسطين، وأن يرحم شهداءهم ويغفر لهم ويشافي جرحاهم ويرد كيد أعدائهم إلى نحورهم.
كما نقف خاشعين ندعو الله أن يغفر لنا ويرحمنا ويعيننا، حيث يجتمع ملايين المسلمين بقلوب مؤمنة خاشعة متطلعة إلى رحمة الله تعالى وغفرانه وهداه، فلا خوف إلا منه، ولا ملجأ إلا إليه، ولا هدي إلا هداه، ولا طريق إلى الفوز إلا ما أمر به جل في علاه، معظّمة لخالقها، مذعنة بفطرتها لتعاليم دينها، سائرة على نهج نبيها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار وآل بيته الأطهار، لا يفرقها لون بشرة أو اختلاف لغة أو موقع دولة أو وضع اجتماعي أو إمكانات مالية أو قدرات تأثيرية، متوحدة في التوجه إلى الله جل شأنه في علاه، فهم جميعا مسلمون، فلا عرقية ولا طائفية ولا قبلية ولا فئوية ولا مناطقية ولا مناصبية ولا شحناء ولا تباغض ولا احتراب على صعيد عرفة، الله ربهم ومحمد نبيهم والقرآن كتابهم، والجنة مطلبهم والخوف من النار يدمع عيونهم، وكل ما سواه أمر شخصي، لا موقع له ولا ذكر أمام وحدتهم الدينية والمكانية. إنهم إخوة الإسلام، إنهم أمة الإسلام، فما أعظم منظرهم وما أجل شعيرتهم، إن العين لتدمع خوفا مما اقترفناه ونحن نلهث حول دنيا فانية، وتدمع عيوننا فرحا بوعد الله جل في علاه لعباده التائبين، والقلب يخشع إجلالا للموقف العظيم، الموقف الرباني حيث نعمة الإسلام، فما أعظمها من نعمة أسبغها الله على عباده فزادهم قوة بعد ضعف، ووحدة بعد فرقة، فلا اجتهادات، ولا إفراط، ولا تفريط، ولا اختلاف في أداء شعائر الحج، فزادهم الله أمنا بعد خوف، وأملا بغد أفضل بعد ضياع وتشتت، فما أعظم هذا الموقف الرباني الذي يشعرنا بأنا خير أمة أخرجت للناس، ليس بجبروتها، ولا بتسليحها، وليس باضطهادها أو تعاليها على الآخرين أو الانتقاص منهم، بل خير أمة بما تقدم من خير، بما تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر من شر وغيره، فنحن بشعائر الدين ومناسكه أمة عظيمة موحدة متساوية في حقوقها وواجباتها، فلا طغيان ولا تقديس لفرد، ولا خضوع إلا لله وحده، كلنا متساوون في شعائر الحج، لسنا بحاجة إلى أحد، ولا يستطيع أي كان أن ينفعنا أمام الله، فلماذا نخضع لسواه؟ ولا حاجة إلى رقيب في أداء الواجبات، ولا وساطة لنيل الأجر والحقوق، فما أعظمه من موقف، وما أروعه من تجمع، إنه تجمع عرفة، والحج عرفة.
إن الفرد منا ليتمنى أن تطول هذه الأيام المباركة أشهرا وسنوات وليس أياما معدودات، إنها ربيع القلوب رغم حرارة الشمس التي يكبحها لهيب الإيمان، حتى إننا لا نريد ولا نتمنى انتهاء مناسكها خوفا من أن نعود إلى سوء حالنا وهوان أمرنا، وتشتت مرئياتنا، وضعفنا وفرقتنا وتفرقنا وضياعنا في أوطاننا الإسلامية المتعددة مقارنة بجمعنا هنا في عرفات الله ومنى ومزدلفة وحول الكعبة المشرفة كأمة واحدة أمام الله، وقفة عرفة وبقية مناسك الحج لتعطينا أنموذجا لأمة غاية في الفضل والعدالة والمساواة، فهل نعي ونتعلم ونرى في يوم ما، تعاونا وتكاملا صادقا بين دولنا وشعوبنا الإسلامية من دون إملاءات خارجية، ومن دون خضوع لتوجيهات أجنبية، والتعامل مع مشكلاتنا واختلافاتنا بمنطق العقل والحكمة بما يوصل إلى الوئام والسلام بدلا من المكابرة والتعالي والتمييز والتصادم بين المسلمين وبما يسهم في تعزيز قيم أمتنا النبيلة، وبناء جسور المحبة والاستقرار والأمان، ويوطد قواعد التنمية في بلادنا الإسلامية.
وختاما نقول الحمد لله على فضله وإحسانه، الذي متعنا بالصحة والعافية والأمن والاستقرار في دولنا الخليجية، ونسأله تعالى أن يحل الأمن والسلام في جميع بلادنا العربية والإسلامية، وأطيب التهاني وأسمى التبريكات لقياداتنا الخليجية الحكيمة وفي مقدمتها، سيدي صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس وزراء المملكة العربية السعودية، ولشعوبنا الوفية المؤمنة المحافظة على بيعتها وعهودها وولائها، ونسأل الله جل في علاه أن يعيد هذه المناسبة على الجميع أعواما عديدة وأزمانا مديدة، وكل عام وأمتنا الإسلامية تنهض بخطى متقدمة في ميادين البناء والإصلاح والتنمية.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك