العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

قيم إسلامية.. في القمة

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٦ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

عندما‭ ‬نزل‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬اليوم‭ ‬أكملت‭ ‬لكم‭ ‬دينكم‭ ‬وأتممت‭ ‬عليكم‭ ‬نعمتي‭ ‬ورضيت‭ ‬لكم‭ ‬الإسلام‭ ‬دينًا‭) ‬المائدة‭ / ‬3‭.‬

كان‭ ‬هذا‭ ‬إعلان‭ ‬إلهي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬بنزول‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬قد‭ ‬اكتمل،‭ ‬وبلغ‭ ‬ما‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬القمة،‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬زيادة‭ ‬لمستزيد،‭ ‬ولا‭ ‬تعقيب‭ ‬لمعقب،‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬بنزول‭ ‬هذه‭ ‬الآية،‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬كما‭ ‬اختارنا‭ ‬للإسلام،‭ ‬اختار‭ ‬الإسلام‭ ‬لنا،‭ ‬وقدم‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬حيثيات‭ ‬هذا‭ ‬الاستحقاق،‭ ‬فقال‭ ‬في‭ ‬مواضع‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬العزيز‭ ‬بعض‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬أهلت‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬الكريم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬كنتم‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬تأمرون‭ ‬بالمعروف‭ ‬وتنهون‭ ‬عن‭ ‬المنكر‭ ‬وتؤمنون‭ ‬بالله‭) ‬آل‭ ‬عمران‭/ ‬110‭.‬

وقال‭ ‬تعالى‭ ‬عن‭ ‬أهم‭ ‬صفة‭ ‬نالت‭ ‬بها‭ ‬الأمة‭ ‬هذا‭ ‬الاستحقاق،‭ ‬وهذا‭ ‬الاختيار،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬الوسطية،‭ ‬وما‭ ‬تقتضيه‭ ‬هذه‭ ‬الصفة‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬والاستقامة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمة‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭) ‬البقرة‭ / ‬143‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬رفعة‭ ‬وتقديرًا‭ ‬لشأن‭ ‬هذه‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬اختارها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭ ‬ليختم‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالإسلام‭ ‬من‭ ‬خاتمية‭ ‬في‭ ‬الرسالة،‭ ‬وخاتمية‭ ‬في‭ ‬الشريعة‭ ‬لا‭ ‬معقب‭ ‬لها،‭ ‬وخاتمية‭ ‬في‭ ‬الرسول،‭ ‬وخاتمية‭ ‬في‭ ‬المنهاج،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬وبعده،‭ ‬خاتمية‭ ‬في‭ ‬المعجزة‭.‬

إذًا،‭ ‬فنحن‭ ‬عندما‭ ‬نتتبع‭ ‬القيم‭ ‬والمثل‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬دعا‭ ‬إليها‭ ‬الإسلام،‭ ‬ونوه‭ ‬بفضلها‭ ‬وتميزها‭ ‬على‭ ‬الدعوات‭ ‬الأخرى،‭ ‬وما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬إنما‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬نؤسس‭ ‬لهذه‭ ‬القيم‭ ‬الثابتة‭ ‬المتطاولة‭ ‬إلى‭ ‬عنان‭ ‬السماء،‭ ‬وبالتالي‭ ‬حين‭ ‬تثبت‭ ‬الأمة‭ ‬عليها،‭ ‬وتستجيب‭ ‬لأمرها‭ ‬ونهيها،‭ ‬فنحن‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬نرسي‭ ‬ونؤسس‭ ‬لدولة‭ ‬العلم‭ ‬والإيمان،‭ ‬والعمل‭ ‬الصالح،‭ ‬وسوف‭ ‬نحاول‭ ‬أن‭ ‬نسبر‭ ‬أغوارها‭ ‬ونتلمس‭ ‬السبيل‭ ‬السوي‭ ‬إليها،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬ضمان‭ ‬لنهضة‭ ‬الأمة،‭ ‬وحماية‭ ‬لكيانها‭ ‬وسط‭ ‬الأعاصير‭ ‬والرعود،‭ ‬والرياح‭ ‬العاتية‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬القيم،‭ ‬قيمة‭ ‬الوحدة،‭ ‬وحدة‭ ‬الأمة‭ ‬وسلامة‭ ‬بنيانها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬وحتى‭ ‬تتأكد‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة،‭ ‬وتستعصي‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬الهدم‭ ‬والتدمير‭ ‬الذي‭ ‬يحاوله‭ ‬خصوم‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولا‭ ‬يزالون‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك،‭ ‬فلابد‭ ‬وأن‭ ‬تتأسس‭ ‬هذه‭ ‬الوحدة‭ ‬على‭ ‬التوحيد،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬هذه‭ ‬أمتكم‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬وأنا‭ ‬ربكم‭ ‬فاعبدون‭) ‬الأنبياء‭ ‬92‭.‬

إذًا،‭ ‬فالوحدة‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬المكين‭ ‬لنشوء‭ ‬الأمة،‭ ‬وثبات‭ ‬أركان‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬نسب‭ ‬وثيق‭ ‬بالتوحيد،‭ ‬وهو‭ ‬القيمة‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتبدل‭ ‬ولا‭ ‬تتغير‭ ‬مهما‭ ‬تطاول‭ ‬عليها‭ ‬الزمان،‭ ‬وتغيرت‭ ‬حولها‭ ‬الظروف،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬الوحدة‭ ‬التوحيد‭ ‬الخالص‭ ‬أساسًا‭ ‬لها‭ - ‬ونعوذ‭ ‬بالله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ - ‬فلن‭ ‬تقوم‭ ‬للأمة‭ ‬قائمة،‭ ‬ولن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬الأمة‭ ‬خصومها‭ ‬إذًا،‭ ‬فالوحدة‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬التوحيد‭ ‬هي‭ ‬عمود‭ ‬الأمة‭ ‬القوي‭ ‬الذي‭ ‬تواجه‭ ‬الأمة‭ ‬به‭ ‬خصومها‭.‬

ومن‭ ‬القيم‭ ‬الثابتة،‭ ‬والقوية‭ ‬قيمة‭ ‬العدل،‭ ‬وهو‭ ‬قيمة‭ ‬عليا‭ ‬سامقة‭ ‬ستظل‭ ‬رايتها‭ ‬مرفوعة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الأرض‭ ‬ومن‭ ‬عليها‭.‬

قال‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬الله‭ ‬يأمركم‭ ‬أن‭ ‬تؤدوا‭ ‬الأمانات‭ ‬إلى‭ ‬أهلها‭ ‬وإذا‭ ‬حكمتم‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬تحكموا‭ ‬بالعدل‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬نعما‭ ‬يعظكم‭ ‬به‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬سميعًا‭ ‬بصيرًا‭) ‬النساء‭/ ‬58‭.‬

والرحمة‭ ‬عنوان‭ ‬هذه‭ ‬الأمة،‭ ‬وسبيلها‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬ولاء‭ ‬الناس،‭ ‬لهذا‭ ‬الدين‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شأن‭ ‬من‭ ‬شؤونه،‭ ‬وجعلها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬النبي‭ ‬الخاتم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وما‭ ‬أرسلناك‭ ‬إلا‭ ‬رحمة‭ ‬للعالمين‭) ‬الأنبياء‭/ ‬107،‭ ‬فهو‭ ‬وحده‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬المأمون‭ ‬عليه‭ ‬لأن‭ ‬به‭ ‬خُتِمَ‭ ‬النبيون،‭ ‬وبشريعته‭ ‬ختمت‭ ‬الشرائع،‭ ‬وبرسالته‭ ‬ختمت‭ ‬الرسالات،‭ ‬بل‭ ‬بأمته‭ ‬ختمت‭ ‬الأمم‭.‬

والتواضع‭ ‬قيمة‭ ‬عليا،‭ ‬وصفة‭ ‬جليلة،‭ ‬وهي‭ ‬صفة‭ ‬محمودة‭ ‬يزهد‭ ‬فيها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ولا‭ ‬ترى‭ ‬على‭ ‬بابها‭ ‬ازدحامًا،‭ ‬ولا‭ ‬تدافعًا،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬كلا‭ ‬لا‭ ‬تطعه‭ ‬واسجد‭ ‬واقترب‭) ‬العلق‭ / ‬19‭.‬

فإذا‭ ‬أردت‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬القربى‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فزد‭ ‬في‭ ‬تواضعك‭ ‬له‭ ‬سبحانه‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬تواضع‭ ‬لله‭ ‬سبحانه‭ ‬رفعه‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬القيم‭ ‬السامقة‭ ‬والمثل‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬يرفع‭ ‬الإسلام‭ ‬لواءها،‭ ‬ويحض‭ ‬الناس‭ ‬عليها،‭ ‬ويثيب‭ ‬من‭ ‬آمن‭ ‬بها،‭ ‬وعمل‭ ‬بمقتضاها‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ساءت‭ ‬فيه‭ ‬أخلاق‭ ‬الناس،‭ ‬وساروا‭ ‬وراء‭ ‬كل‭ ‬ناعق،‭ ‬وهي‭ ‬قيم‭ ‬قد‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬سموها‭ ‬وعظمتها،‭ ‬ولو‭ ‬كلفوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬عناء‭ ‬تدبرها،‭ ‬وحرصوا‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بها،‭ ‬والتخلق‭ ‬بأخلاقها،‭ ‬والتجمل‭ ‬بصفاتها‭ ‬لنهضت‭ ‬الأمة،‭ ‬وعادت‭ ‬إلى‭ ‬سابق‭ ‬مجدها،‭ ‬وعظيم‭ ‬شأنها‭ ‬بين‭ ‬الأمم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا