في الوقت الذي يعمل فيه الغرب الجماعي على تأجيج الصراع مع روسيا الاتحادية مستغلا الساحة الأوكرانية في محاولة لإلحاق الهزيمة بروسيا، وفي الوقت الذي نظم هذا الغرب مؤتمرا سمي مؤتمر مبادرة زلينيسكي للسلام في سويسرا، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبادرة للسلام مفصلة بشكل واضح لا لبس فيها متضمنة في مجملها الشروط الروسية المعلنة في فبراير 2022 والتي تم التوافق بشأنها في مفاوضات إسطنبول في شهر أبريل 2022 ووقع عليها الطرفان الروسي والأوكراني فما الجديد في مبادرة الرئيس بوتين:
أولا: إن مبادرة بوتين للسلام تأتي في إطار تقدم روسيا العسكري وسحقها للهجوم العسكري المضاد المدعوم من الغرب وعكسها للهجوم وتقدمها المشهود إلى الآن في مختلف الجبهات مع أوكرانيا، لذلك فإن هذه المبادرة يمكن أن نطلق عليها سلام المنتصرين. العجيب في هذا الأمر أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى بوجه خاص في إبريل 2022 لإجبار أوكرانيا على رفض التصديق على اتفاق السلام في ذلك الوقت على خلفية تأكيد البلدين الكبير إمكانية سحق روسيا الاتحادية وإلحاق الهزيمة بها، خاصة بعد أن أوفى بوتين بالتزاماته ضمن مبادرة حسن النية في ذلك الوقت بالانسحاب من ضواحي كييف ومن منطقة خرسون كمبادرة من أجل تسهيل توقيع هذه الاتفاقية حيث اعتقد البلدان أن هذا الانسحاب هو علامة ضعف يمكن استغلالها لضرب روسيا وتدميرها.
وكما تم مخادعة روسيا الاتحادية في اتفاقيات مينسك الأولى والثانية 2014 و2015 فإنه قد تم التلاعب بروسيا للمرة الثالثة في الاتفاقية التي تم التفاهم عليها في إسطنبول في أبريل 2022 وكما يقول المثل العربي «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين»، وقد لدغت روسيا من نفس الجحر مرتين من مينسك ومن إسطنبول؛ ولذلك لم يعد هنالك من مجال لحل هذه المشكلة إلا بتحقيق انتصار روسي استراتيجي يجبر الغرب على القبول بالرؤية الروسية لحل هذا الصراع الذي تسبب فيه الغرب أصلا بنكوصه عن وعوده لغورباجسوف ويليتسين وحتى بوتين طوال هذه الفترة الفاصلة بين عامي 1991 و2001 أصبح غير ممكن لروسيا في عام 2024 خاصة في ضوء ما يثار حاليا حول شرعية الحكم في أوكرانيا في ظل غياب الانتخابات، حيث لا يسمح الدستور الأوكراني بتمديد فترة الرئاسة مهما كانت الظروف.
ثانيا: تضمنت مبادرة السلام الروسية الحالية ذات النقاط التي تم الاتفاق عليها سابقا وقد لخصها الرئيس بوتين في النقاط التالية:
_ الإقرار بشكل نهائي وصريح بالوضع الجغرافي والدستوري الجديد للمقاطعات الأربع التي انضمت إلى روسيا الاتحادية بشكل قانوني ودستوري وهي جمهورية لوغانسك ودانيتسك وزبروجا وخرسون مع عدم طرح هذا الموضوع في المستقبل مطلقا، ولم تشر المبادرة الروسية إلى شبه جزيرة القرم، حيث اعتبر بوتين أن هذا الموضوع منتهيا منذ 2014 وليس هناك أي مجال لطرحه مجددا.
_ خروج القوات الأوكرانية التي لا تزال متمركزة في بعض الجيوب في المقاطعات الأربع خروجا سلميا حيث لن تتعرض لها القوات الروسية أثناء المغادرة، وبعد ذلك تبدأ عملية التفاوض حول الجوانب الأمنية والسياسية وحول الوضع النهائي في أوكرانيا وعلاقتها بالغرب وبروسيا في المستقبل
- تجريد أوكرانيا بشكل نهائي من أسلحة الدمار الشامل والإبقاء على ما يؤمن السلامة للحفاظ على أمن أوكرانيا بحيث لا تكون قاعدة متقدمة للغرب والناتو لمهاجمة روسيا في المستقبل.
- القضاء على النازية الأوكرانية بشكل كامل وتجريم وجود الجماعات النازية داخل أوكرانيا.
واشترط بوتين أن يتم توقيع اتفاقية السلام بين البلدين وفق القانون الدولي والشروط المنصوص عليها من ناحية المضمون والشكل بحيث لا يتم التراجع عن ذلك في المستقبل لو استولى على الحكم النازيون الجدد وأشباههم.
ثالثا: إن هذه المبادرة يبدو أنها الأخيرة بل يبدو وكأنها الإنذار الأخير للغرب والناتو بوجه خاص، وبعد ذلك إذا رفضت هذه المبادرة فإنه من المرجح أن روسيا الاتحادية سوف تمضي قدما في اتجاه الخيار العسكري مهما كلفها ذلك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك