يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
حرب إبادة غزة وصوت المواطن العربي - 2
رسائل الرأي العام العربي إلى الحكومات والعالم
في المقال السابق عرضنا لنتائج استطلاع مهم للرأي العام العربي أجراه «الباروميتر العربي». واليوم نعرض لنتائج استطلاعين مهمين آخرين حول نفس القضية، أي حول آراء المواطنين العرب في القضايا المتعلقة بحرب الابادة الصهيونية لغزة من مختلف الجوانب.
ثم سنقدم قراءة لهذه النتائج، وما هي الدروس التي يجب أن نتعلمها عربيا منها.
آراء المواطنين في 16 دولة عربية
هذا من أهم الاستطلاعات لرأي المواطنين العرب التي جرت في الفترة الماضية. الاستطلاع أجراه المركز العربي واشنطن دي سي بالتعاون مع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة بقطر، ونشر نتائجه موقع «ريسبونسبول ستيت كرافت» الأمريكي.
الاستطلاع شمل 8000 مشارك في 16 دولة تمثل مجتمعة 95% من إجمالي سكان المنطقة العربية، هي، المملكة العربية السعودية وعمان والكويت واليمن وقطر ولبنان والأردن والعراق والضفة الغربية الفلسطينية؛ وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان.
أهم نتائج الاستطلاع جاءت على النحو التالي:
.. وصف 82% من المشاركين رد فعل الولايات المتحدة على الحرب بأنه «سيئ للغاية»، بينما وصفه 12% آخرون بأنه «سيئ». وقال ما مجموعه 72% من المستطلعين إن سياسة الولايات المتحدة تجاه الحرب في غزة ستضر «بصورة» واشنطن في المنطقة إما «إلى حد ما» «22%» أو «كثيرًا» «50%». وقالت نسب مماثلة إن ذلك سيضر «بمصالح» الولايات المتحدة في المنطقة أيضًا. وقال ما مجموعه 76% إن وجهات نظرهم بشأن السياسة الأمريكية في العالم العربي «أصبحت أكثر سلبية» منذ بدء الحرب.
أكثر من نصف المشاركين «51%» قالوا إنهم يعتبرون الولايات المتحدة تشكل «أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة» - مقارنة بـ 39% الذين وصفوا الولايات المتحدة بأنها التهديد الأكبر في المنطقة في استطلاع أجراه المركز العربي عام 2022.
.. فيما يتعلق بالعوامل التي تمكن اسرائيل من مواصلة حرب غزة، اعتبر المشاركون أن واشنطن هي العنصر الرئيسي الذي يمكن إسرائيل من تنفيذ حربها على غزة. نصف الجمهور العربي اعتبر «الدعم العسكري والسياسي الأمريكي» هو العامل الأكثر أهمية، بينما قال 15% إنه ثاني أهم عامل. أما «عدم التحرك الحاسم» من جانب الحكومات العربية تجاه إسرائيل، والذي كان الخيار الشعبي الثاني، فقد اعتبره 14% من المستطلعين العامل الأكثر أهمية و23% باعتباره العامل الثاني الأكثر أهمية.
.. أظهر الاستطلاع زيادة ملحوظة في المعارضة في العالم العربي للاعتراف بإسرائيل في بعض الدول. وقال ما مجموعه 89% من المستطلعين إنهم يعارضون الاعتراف بإسرائيل، في حين يؤيد ذلك 4% فقط، وهي أدنى نسبة منذ طرح السؤال لأول مرة في عام 2011.
.. كما وجد الاستطلاع أن القضية الفلسطينية استعادت مكانتها كأولوية قصوى لدى الجمهور العربي ككل. وعندما سُئلوا عما إذا كانوا يعتبرون القضية الفلسطينية «قضية لكل العرب وليست للشعب الفلسطيني وحده»، اختار ما متوسطه 92% من المشاركين الخيار الأول، أي أعلى بنسبة 16 نقطة مئوية عما كان عليه عندما تم طرح السؤال نفسه في عام 2022. وفي السعودية، قفزت نسبة الموافقة على هذا الرأي من 69% إلى 95%.
.. أظهر الاستطلاع اعتقاد المواطنين العرب بتراجع الآمال الى حد كبير في إمكانية تحقيق السلام. قال ما يقرب من 60% من المستطلعين إنهم خلال الحرب «أصبحوا متأكدين من أنه لن يكون هناك إمكانية للسلام مع إسرائيل»، في حين أن 13% فقط ما زالوا يؤمنون بإمكانية السلام.
استطلاع معهد واشنطن
هذا استطلاع لآراء المواطنين السعوديين حول حرب غزة وأبعادها المختلفة.
الاستطلاع أجري بتكليف من «معهد واشنطن» ونفذته شركة استطلاعات تجارية إقليمية مستقلة تتمتع بمستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة بحسب ما ذكر المعهد.
نتائج الاستطلاع جاءت على النحو التالي:
.. فيما يتعلق بتقييم المواطنين لهجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس، قالت الأغلبية العظمى من السعوديين «95%» إن «حماس» لم تقتل فعليًا المدنيين عندما سئلوا عن رأيهم بشأن ما إذا كان قيام «حماس» بقتل المدنيين مخالفًا للإسلام.
.. فيما يتعلق بتقييم نتائج الحرب بشكل عام اعتبر91% أن «هذه الحرب في غزة هي انتصار للفلسطينيين والعرب والمسلمين، على الرغم من الدمار والخسائر في الأرواح».
.. بالنسبة إلى دور العالم العربي ككل وما يجب فعله، قال 96% إنه «يجب على الدول العربية أن تقطع فورًا جميع الاتصالات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية وأي اتصالات أخرى مع إسرائيل، احتجاجًا على عملها العسكري في غزة».
.. قال 87% من المبحوثين إن «الأحداث الأخيرة تُظهر أن إسرائيل ضعيفة جدًا ومنقسمة داخليًا لدرجة قد تسمح بهزيمتها يومًا ما».
.. مع ذلك اظهر الاستطلاع ان الدعم ما زال قائمًا لمبادرات السلام العربية. إذ أعرب ثلاثة أرباع المستطلَعين «75%» عن تأييدهم للمشاركة الدبلوماسية العربية في «عملية صنع السلام بين فلسطين وإسرائيل». وأكد 88% أن «الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي في الوقت الحالي هو أهم بالنسبة إلى بلادنا من أي قضية تتعلق بالسياسة الخارجية».
.. وأظهرت نتائج الاستطلاع ان نحو 90% من السعوديين عبروا عن وجهة نظر سلبية تجاه «حزب الله»، وقال 81% إن أحداث حرب غزة الماضية تُظهِر تردد إيران و«حزب الله» والحوثيين وحلفائهم الآخرين من المليشيات في مساعدة الفلسطينيين لأسباب مختلفة».
دروس عربية
إذن، ما عرضناه في المقال السابق ومقال اليوم عن نتائج استطلاعات الرأي العام العربي فيما يتعلق بحرب الابادة الصهيونية في غزة بأبعادها وجوانبها المختلفة، يقدم صورة واضحة عن المواقف والآراء التي يتبناها المواطنون العرب.
الملاحظ أن الاستطلاعات الثلاثة، وغيرها كثر من الاستطلاعات الأخرى لا يتسع المجال لعرض نتائجها، نتائجها كلها واحدة تقريبا. ويعني هذا أن هذه النتائج تعبر إلى حد كبير فعلا عن مواقف وآراء الأغلبية الساحقة من المواطنين العرب إزاء القضايا الكبرى.
قد يقول البعض إن هذه النتائج لا تعبر بالضرورة عن توجهات ومواقف كل المواطنين العرب. وهذا صحيح بالطبع، فهذه نتائج لعينات مختارة من المواطنين. لكن الأمر المؤكد أن اتفاق الاستطلاعات على هذه النتائج يعني انها تمثل بالفعل توجهات وآراء أغلبية من المواطنين العرب أو على الأقل قطاعات كبيرة لا يستهان بها. ولهذا ينبغي اخذها بمنتهى الجدية من جانب كل من يعنيه الأمر.
السؤال الآن: أي دروس عربية يجب أن نستخلصها من نتائج استطلاعات الرأي هذه؟.. أي نوع من المواقف والسياسات التي يجب اتباعها بناء على هذه النتائج على المستويات الرسمية وغير الرسمية؟
كما ذكرت المراكز الأمريكية التي تجري استطلاعا لرأي المواطنين العرب تفعل هذا لاستخلاص الدروس كما رأينا بالنسبة لأمريكا ومن وجهة نظر المصلحة الأمريكية، لكن نحن في الوطن العربي الأكثر حاجة إلى استخلاص الدروس من هذه النتائج.
هناك جوانب أساسية اظهرتها نتائج هذه الاستطلاعات يجب أن نتوقف عندها مطولا ونستخلص منها الدروس، في مقدمتها الجوانب التالية:
أولا: أن القضية الفلسطينية أصبحت تمثل أولوية مطلقة بالنسبة للمواطنين العرب.
هذا أمر له أهمية بالغة لأسباب كثيرة، في مقدمتها أنه في السنوات القليلة الماضية ساد الاعتقاد في بعض الأوساط العربية أن المواطن العربي لم يعد يهتم بالقضية الفلسطينية ولا يعطيها أولوية. نتائج الاستطلاعات تنسف هذا الاعتقاد تماما. والمسألة هنا أن الأولوية المطلقة التي يعطيها المواطن العربي للقضية ليست فقط نتاجا لحرب إبادة غزة وما كشفت عنه، لكن نلاحظ أن المواطن الرعب يكشف عن وعي عميق بالقضية وتاريخها وبأسباب إعطائها هذه الأولوية.
الملاحظ هنا أن المواطنين العرب لم ينساقوا وراء الحملات المغرضة على المقاومة الفلسطينية ليس فقط من جهات أجنبية ولكن بعض الجهات العربية أيضا، واعتبر المواطنون بوضوح أن المقاومة لا تمارس إرهابا بل حقا مشروعا.
هذه الأولوية المطلقة للقضية الفلسطينية المفروض أن تعني الكثير سواء بالنسبة للحكومات العربية أو بالنسبة إلى المثقفين والكتاب والصحفيين العرب.
بالنسبة للحكومات العربية يعني هذا أنها يجب أن تضع القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماتها وأولوياتها، وتعتبر أن إعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الصهيوني هو مطلب شعبي عربي وان عدم الاستجابة له يمكن أن يترتب عليه الكثير.
أما بالنسبة للمثقفين والكتاب والصحفيين والناشطين العرب فيعني هذا أيضا أن اهتمامهم بالقضية الفلسطينية يجب أن يكون اهتماما أصيلا دائما لا يتوقف. كما يعني أن الذين دأبوا على التشكيك في تمسك المواطنين العرب بالقضية ودأبوا على توجيه الانتقادات للمقاومة الفلسطينية يجب أن يكفوا عن ترديد هذه المواقف.
ثانيا: كشف المواطنون العرب بحسب ما أظهرته نتائج استطلاعات الرأي عن وعي كامل بحقيقة الكيان الصهيوني وطبيعته وأهدافه التوسعية، والموقف الذي يجب اتخاذه منه.
المواطنون العرب اعتبروا بوضوح أن هذا كيان إرهابي لا يعرف إلا لغة الإبادة للفلسطينيين، وبالتالي للعرب.
ما تضمنته نتائج الاستطلاعات تعني بوضوح أن المواطنين العرب يعتبرونه عدوا. ومن الملفت هنا أن قطاعا كبيرا من المواطنين اعتبروا أنه لا يمكن التوصل إلى سلام مع هذا العدو. بما يعني أن استعادة الحق الفلسطيني العربي يجب أن يكون عبر وسائل أخرى غير الرهان على نوايا غير موجودة لدى هذا العدو.
وفي هذا السياق مهم ما أظهرته النتائج من اعتبار المواطنين أن الحكومات العربية هي المسئولة عن التعامل مع القضية الفلسطينية على هذا الأساس. ومن هذا المنطلق عبروا عن رأيهم بضرورة عدم التعامل مع هذا العدو.
كل هذه الجوانب من المفروض أن تحكم المواقف والسياسات الرسمية العربية العامة.
ثالثا: من أهم ما أظهرته نتائج الاستطلاعات ما يتعلق بالموقف من أمريكا.
كل الاستطلاعات أظهرت أن المواطنين العرب يعتبرون أن أمريكا هي المسئول الأول عن تمكين العدو الصهيوني من مواصلة حرب إبادة غزة. ومن الملفت أن قطاعا لا يستهان به من المواطنين اعتبر أن أمريكا تهديد لأمن واستقرار الدول العربية. وبشكل عام أظهرت الاستطلاعات أنه لا توجد أي ثقة اطلاقا في أمريكا.
يعني هذا أن أغلبية المواطنين العرب لا يعتبرون أمريكا حليفا ولا حتى صديقا وأنه لا يمكن أبدا الرهان عليها في أي شيء يخص المصلحة العربية.
هذه رسالة واضحة جدا للحكومات العربية مؤداها أنه يجب إعادة النظر جذريا في العلاقات مع أمريكا والتوقف عن اعتبارها حليف للدول العربية.
يرتبط بهذا رسالة أخرى أظهرتها نتائج الاستطلاع بأنه يجب الانفتاح استراتيجيا على دول عظمى مثل الصين، إذ أظهرت النتائج تقديرا عاليا للصين ومواقفها.
رابعا: من أهم ما أظهرته نتائج الاستطلاعات ما يتعلق بالموقف من إيران وعملائها في المنطقة.
أكدت هذه النتائج أن المواطنين العرب يعرفون حقيقة إيران وأهدافها ونواياها هي وعملائها في المنطقة وأنهم لا ينخدعون أبدا بدعاواها حول دعم المقاومة والقضية الفلسطينية وما شابه ذلك من دعاوى.
الاستطلاعات أثبتت أن إيران تحظى بتقدير متدن جدا هي وعملاؤها، وأن المواطنين العرب لا يعتبرون أبدا أنها صادقة في ادعاءاتها.
أيضا هذا التقدير من الرأي العام العربي يجب أن يكون في ذهن الحكومات العربية حين ترسم أي سياسة للتعامل مع إيران.
خامسا: أظهرت الاستطلاعات أنه على الرغم من كل الإبادة التي ارتكبها الصهاينة في غزة والضحايا والدمار، إلا أنهم يثقون في قدرة الدول العربية على الانتصار في نهاية المطاف. الملفت هنا أن قطاعا كبيرا من المواطنين يطالبون بإصلاحات داخلية شاملة في الدول العربية. وراء هذا الرغبة في بناء دول عربية قوية تستطيع أن تستعيد الحقوق العربية. والمواطنون عبروا صراحة عن أن الدول العربية هي المسئولة أولا وأخيرا عن فرض الحقوق الفلسطينية والعربية على الكيان الصهيوني والعالم.
كما ذكرنا هذه الاستطلاعات وغيرها التي أجرتها مراكز أمريكية الهدف الأساسي منها تقديم النصائح للإدارة الأمريكية وترشيد سياساتها. وقد رأينا كيف أن خبراء أمريكيين ينصحون الإدارة بألا تستهين ابدا بآراء الشارع العربي كما تظهرها هذه النتائج.
من باب أولى نحن على المستويات الرسمية وغير الرسمية أكثر حاجة منهم إلى أن نستمع لصوت المواطن العربي وما يعبر عنه من مواقف وآراء. صوت المواطن العربي يجب أن يكون مسموعا على كل المستويات الرسمية وغير الرسمية.
يخطئ الجميع خطأ فادحا إن لم يستمعوا لصوت المواطن العربي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك