العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بعد الهجمات الروسية الأخيرة.. هل تكون بداية النهاية؟!

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬تمر‭ ‬بمنعرج‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بالهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الأوكراني‭ ‬الذي‭ ‬حشدت‭ ‬له‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭ ‬والقيادة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬والمادية‭ ‬بهدف‭ ‬إلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬حيث‭ ‬بينت‭ ‬الوقائع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬إلى‭ ‬هزيمة‭ ‬فادحة‭ ‬وإلى‭ ‬خسائر‭ ‬جسيمة‭ ‬للجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬أي‭ ‬اختراق‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ولو‭ ‬بسيط،‭ ‬ولذلك‭ ‬انتقل‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬تصفها‭ ‬موسكو‭ ‬بالإرهابية‭ ‬لأنها‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬وقصف‭ ‬الأحياء‭ ‬المدنية‭ ‬لإلحاق‭ ‬الضرر‭ ‬بالمدنيين‭ ‬والمدن‭ ‬مثل‭ ‬بيلغورد‭ ‬ورستوف‭ ‬اللتين‭ ‬تقصفان‭ ‬يوميا‭ ‬بشتى‭ ‬أنواع‭ ‬الصواريخ‭ ‬والمسيرات‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬هذه‭ ‬الهزيمة‭ ‬الكبرى‭ ‬والعجز‭ ‬التام‭ ‬والخسائر‭ ‬الفادحة‭ ‬في‭ ‬الجنود‭ ‬والعتاد‭ ‬والصمود‭ ‬البطولي‭ ‬للجيش‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ذلك‭ ‬الهجوم‭ ‬الفاشل‭ ‬انقلبت‭ ‬الصورة‭ ‬وانتقل‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬من‭ ‬الدفاع‭ ‬إلى‭ ‬الهجوم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الجبهات‭ ‬الممتدة‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬وشهدت‭ ‬الخطوط‭ ‬بينهما‭ ‬هجوما‭ ‬روسيا‭ ‬كاسحا‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬خاركيف،‭ ‬حيث‭ ‬توغل‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دمر‭ ‬خطوط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأولى‭ ‬واستولى‭ ‬على‭ ‬12‭ ‬قرية‭ ‬وبلدة‭ ‬بعمق‭ ‬من‭ ‬5‭ ‬إلى‭ ‬7‭ ‬كيلومترات‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬مدينة‭ ‬خاركيف،‭ ‬إذ‭ ‬تشير‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬قد‭ ‬حرر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬230‭ ‬كيلومترا‭ ‬مربعا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دمر‭ ‬خطوط‭ ‬الدفاع‭ ‬وأسر‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬وهرب‭ ‬بقية‭ ‬الجيش‭ ‬إلى‭ ‬الخطوط‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬هزيمة‭ ‬كبرى‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬فمنذ‭ ‬بداية‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬من‭ ‬عام2022‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم،‭ ‬فإن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬قد‭ ‬خسرت‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬20%‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬سيطرتها‭ ‬وأكدت‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تستهدف‭ ‬احتلال‭ ‬مدينة‭ ‬خاركيف‭ ‬أو‭ ‬ضمها‭ ‬الى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬حيث‭ ‬عبر‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬رسميا،‭ ‬وإنما‭ ‬تستهدف‭ ‬روسيا‭ ‬بناء‭ ‬خط‭ ‬دفاعي‭ ‬متقدم‭ ‬لإبعاد‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬عن‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية،‭ ‬وخاصة‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬بيلغورد‭ ‬ورستوف‭ ‬اللتين‭ ‬تتعرضان‭ ‬يوميا‭ ‬للقصف،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا،‭ ‬حيث‭ ‬تنوي‭ ‬روسيا‭ ‬عمل‭ ‬منطقة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬10‭ ‬كيلومترات‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬المدن‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬للقصف‭ ‬اليومي‭ ‬وبين‭ ‬مقاطعة‭ ‬خاركيف‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬المدن‭ ‬الأوكرانية‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المساحة‭ ‬والأهمية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وعدد‭ ‬السكان‭.‬

هذه‭ ‬الهجمة‭ ‬الروسية‭ ‬الجديدة‭ ‬اضطر‭ ‬لها‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬أمام‭ ‬استحالة‭ ‬إيقاف‭ ‬الضربات‭ ‬المتتالية‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬خلخلة‭ ‬المجتمع‭ ‬ونشر‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬الروسية‭ ‬الحدودية‭. ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الجديد‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬فقط‭ ‬مدينة‭ ‬خاركيف‭ ‬بل‭ ‬يشمل‭ ‬جميع‭ ‬المناطق‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الحدود‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬حيث‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬خاركيف‭ ‬سيكون‭ ‬ضمن‭ ‬مواجهات‭ ‬عديدة‭ ‬متوقعة‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬بهدف‭ ‬إصابته‭ ‬بالشلل‭ ‬تمهيدا‭ ‬للاستسلام‭ ‬أو‭ ‬القبول‭ ‬بالمفاوضات،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬ابريل‭ ‬2022‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬موجودة‭ ‬ووافقت‭ ‬عليها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬اليوم‭ ‬قاعدة‭ ‬أساسية‭ ‬لأي‭ ‬تفاهم‭ ‬جديد‭ ‬يشمل‭ ‬الطلبات‭ ‬الروسية‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬رفضها‭ ‬الغرب‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبتحريض‭ ‬بريطاني‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭:‬

أولا‭: ‬تحييد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬ضمن‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬وتبقى‭ ‬على‭ ‬الحياد‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وحلف‭ ‬الناتو‭.‬

ثانيا‭: ‬تجريد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬تمس‭ ‬أمنها‭ ‬واستقرار‭ ‬وحدتها‭ ‬الوطنية‭.‬

ثالثا‭: ‬تفكيك‭ ‬عصابات‭ ‬الإجرام‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مليشيات‭ ‬أوكرانية‭ ‬معادية‭ ‬لروسيا‭ ‬بشكل‭ ‬عنصري‭ ‬ودموي،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2014‭ ‬و2022‭ ‬بممارسة‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الإرهاب‭ ‬والقتل‭ ‬والتعذيب‭ ‬بسكان‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬وشكل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬رأس‭ ‬حربة‭ ‬للجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬خلال‭ ‬اعتداءاته‭ ‬المستمرة‭ ‬على‭ ‬هؤلاء‭ ‬السكان‭ ‬وتدمير‭ ‬بيوتهم‭ ‬وأوجه‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬مارستها‭ ‬وتمارسها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

إن‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لديها‭ ‬أهداف‭ ‬وحتى‭ ‬إن‭ ‬تم‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬المسلحة،‭ ‬فإنها‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬والشعبين‭ ‬الشقيقين،‭ ‬أما‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الحالية‭ ‬فإنها‭ ‬للأسف‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬الخاصة‭ ‬بحلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬ولذلك‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬مسلوبة‭ ‬الإرادة‭ ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬انها‭ ‬حضرت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬تركيا‭ ‬وكانت‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬سلام‭ ‬تنهي‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بأقل‭ ‬الخسائر‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬رفضتا‭ ‬ذلك‭ ‬وأمرتا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بمواصلة‭ ‬الحرب‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بروسيا‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بها‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬ولن‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا