العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

استمرار سيادة الدولار الأمريكي بالاقتصادات الدولية.. رؤية غربية

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الخميس ٢٧ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

يصادف‭ ‬شهر‭ ‬يوليو‭ ‬2024‭ ‬الذكرى‭ ‬السنوية‭ ‬الثمانين‭ ‬لمؤتمر‭ ‬‮«‬بريتون‭ ‬وودز‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬اجتماع‭ ‬مسؤولي‭ ‬أربع‭ ‬وأربعين‭ ‬دولة‭ ‬معظمها‭ ‬غربية‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬نيو‭ ‬هامبشاير‭ ‬الأمريكية؛‭ ‬لتدشين‭ ‬نظام‭ ‬اقتصادي‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬عقب‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬مؤسسات‭ ‬رائدة،‭ ‬مثل‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي،‭ ‬أشار‭ ‬مجلس‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬عزز‭ ‬كذلك‭ ‬وضع‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬الجنيه‭ ‬الاسترليني،‭ ‬وجميع‭ ‬الوحدات‭ ‬النقدية‭ ‬الأخرى؛‭ ‬باعتباره‭ ‬العملة‭ ‬الاحتياطية‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وتحديدا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬أسعار‭ ‬الصرف،‭ ‬والذي‭ ‬يربط‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬قيمة‭ ‬عملتها‭ ‬بالدولار‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬العملة‭ ‬الأولى‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬والمعاملات‭ ‬المالية‭ ‬هي‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي؛‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬تحدٍ‭ ‬للمكانة‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬يطرح‭ ‬معه‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬استمرار‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭. ‬ومع‭ ‬احتدام‭ ‬المنافسة‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬وصياغة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي‭ ‬المتعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬وتضاؤل‭ ‬الوزن‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الأمريكي؛‭ ‬أضحى‭ ‬موضوع‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الدولار‭ ‬موضع‭ ‬مناقشة‭ ‬متزايدة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬المحللين‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬الغربيين‭. ‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬استخدم‭ ‬بها‭ ‬الغرب‭ ‬أدواته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لعزل‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬عقب‭ ‬دخولها‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬2022،‭ ‬سجل‭ ‬ألكسندر‭ ‬وايز،‭ ‬من‭ ‬مصرف‭ ‬جيه‭ ‬بي‭ ‬مورجان،‭ ‬تزايد‭ ‬عدد‭ ‬الحكومات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬قلقة‭ ‬بشأن‭ ‬اعتمادها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اللازم‭ ‬على‭ ‬العملة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ومع‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الفائدة‭ ‬يُصبح‭ ‬أيضا‭ ‬الدولار‭ ‬القوي‭ ‬أكثر‭ ‬كلفة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الناشئة؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تزايد‭ ‬احتمالات‭ ‬وجود‭ ‬مشهد‭ ‬أكثر‭ ‬تنوعا‭ ‬للعملة‭ ‬الدولية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬المعاصر،‭ ‬تشير‭ ‬جميع‭ ‬الدلالات‭ ‬إلى‭ ‬بقاء‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬بشكل‭ ‬مريح‭ ‬العملة‭ ‬الرئيسية‭ ‬لممتلكات‭ ‬الاحتياطية‭ ‬الأجنبية،‭ ‬والمعاملات‭ ‬الدولية‭. ‬وعلى‭ ‬خلفية‭ ‬ذلك،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المزايا‭ ‬الجيواقتصادية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬الرئيسية‭ ‬التي‭ ‬يحظى‭ ‬بها‭ ‬الدولار‭ ‬مقارنة‭ ‬بمنافسيه؛‭ ‬أوضح‭ ‬جاريد‭ ‬كوهين،‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬نشرته‭ ‬مجلة‭ ‬فورين‭ ‬بوليسي،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬لا‭ ‬تراهن‭ ‬ضد‭ ‬الدولار،‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬بعيد‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬نقطة‭ ‬المنعطف،‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬باستمرار‭ ‬هيمنة‭ ‬العملة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬التمويل‭ ‬والتجارة‭ ‬الدوليين‭. ‬

وبالفعل،‭ ‬وافقت‭ ‬مؤسسات‭ ‬مثل‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي‭ ‬على‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التقييمات،‭ ‬مما‭ ‬يشهد‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬باعتباره‭ ‬العملة‭ ‬الاحتياطية‭ ‬الأساسية‭ ‬الآمنة‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭ ‬والمتوسط‭. ‬وبينما‭ ‬رأى‭ ‬كوهين،‭ ‬أن‭ ‬منافسي‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وشركاءها‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬يدفعون‭ ‬حدود‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬نظام‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬الدولار؛‭ ‬أكد‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المناقشات‭ ‬الكثيرة‭ ‬حول‭ ‬تعزيز‭ ‬مجموعة‭ ‬دول‭ ‬البريكس،‭ ‬لعملية‭ ‬إلغاء‭ ‬الدولار،‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إحراز‭ ‬تقدم‭ ‬كبير‭ ‬لتقليل‭ ‬الأولوية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬أوضح‭ ‬وايز،‭ ‬أن‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الدولار‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬أي‭ ‬التراجع‭ ‬الكبير‭ ‬لاستخدامه‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬والمعاملات‭ ‬المالية‭ -‬والذي‭ ‬بدوره‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬سوق‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬العالمي‭ ‬المقوم‭ ‬به‭ ‬يتركز‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭- ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيناريوهين‭ ‬محتملين،‭ ‬الأول‭ ‬يتعلق‭ ‬بـالأحداث‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تقوض‭ ‬السلامة‭ ‬والاستقرار‭ ‬الملحوظين‭ ‬للدولار،‭ ‬وتهدد‭ ‬أيضًا‭ ‬مكانة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬كقوة‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬رائدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬بينما‭ ‬يدور‭ ‬الثاني‭ ‬حول‭ ‬تطورات‭ ‬إيجابية‭ ‬خارج‭ ‬واشنطن‭ ‬تعزز‭ ‬مصداقية‭ ‬العملات‭ ‬البديلة،‭ ‬وأبرزها‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬الصين،‭ ‬من‭ ‬إصلاحات‭ ‬اقتصادية‭ ‬وسياسية،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬الدولار‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬ميزان‭ ‬القوى،‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يؤدي‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬انخفاض‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭ ‬وضعف‭ ‬أداء‭ ‬الأصول‭ ‬المالية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بل‭ ‬كذلك‭ ‬خلق‭ ‬ضغوط‭ ‬تضخمية‭ ‬على‭ ‬الدولار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رفع‭ ‬كلفة‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬المستوردة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬أشار‭ ‬كوهين،‭ ‬إلى‭ ‬تنامي‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭- ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لأن‭ ‬تصبح‭ ‬أقل‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬الدولار‭ ‬في‭ ‬التجارة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تنأى‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬أنظمة‭ ‬الدفع‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الممارسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تعاقب‭ ‬منافسيها‭ ‬مالياً‭ ‬لأسباب‭ ‬جيوسياسية‭. ‬ولاحظ‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس،‭ (‬البرازيل،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والهند،‭ ‬والصين،‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وتوسعت‭ ‬في‭ ‬2024‭ ‬لتشمل‭ ‬السعودية،‭ ‬والإمارات،‭ ‬ومصر،‭ ‬والأرجنتين،‭ ‬وإيران،‭ ‬وإثيوبيا‭)‬؛‭ ‬تشجع‭ ‬بنشاط‭ ‬استخدام‭ ‬العملات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬والمعاملات،‭ ‬مثل‭ ‬الرنمينبي‭ ‬الصيني‭. ‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬العملة‭ ‬الصينية،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تُستخدم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مدفوعات‭ ‬بكين،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬نظام‭ ‬المدفوعات‭ ‬بين‭ ‬البنوك‭ ‬عبر‭ ‬الحدود‭(‬CIPS‭) ‬،‭ ‬والذي‭ ‬يربط‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬119‭ ‬مشاركًا‭ ‬وبشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬1304‭ ‬آخرين؛‭ ‬سجل‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬كيف‭ ‬حل‭ ‬الرنمينبي‭ ‬محل‭ ‬الدولار،‭ ‬باعتباره‭ ‬العملة‭ ‬الأكثر‭ ‬تداولًا‭ ‬بروسيا‭ ‬في‭ ‬2023،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنشأت‭ ‬البرازيل،‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬خطوط‭ ‬مبادلة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬للعملة‭ ‬لاستخدامها‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬الثنائية‭ ‬المباشرة‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أشارت‭ ‬ميرا‭ ‬تشاندان،‭ ‬من‭ ‬بنك‭ ‬جيه‭ ‬بي‭ ‬مورجان،‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬يبدو‭ ‬تدني‭ ‬نسبة‭ ‬اليوان‭ ‬الصيني‭ ‬ملفتا‭ ‬للنظر،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يشكل‭ ‬إلا‭ ‬نسبة‭ ‬2.3%‭ ‬من‭ ‬المدفوعات‭ ‬الدولية‭ ‬عبر‭ ‬نظام‭ ‬سويفت،‭ ‬مقارنة‭ ‬باستحواذ‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬على‭ ‬43%‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المدفوعات‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬أشار‭ ‬كوهين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬بأكمله‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬جهود‭ ‬متضافرة‭ ‬تتسم‭ ‬بالتناسق؛‭ ‬لمواجهة‭ ‬السيادة‭ ‬الراهنة‭ ‬والمستمرة‭ ‬للدولار‭. ‬

ومع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحديث‭ ‬الفعلي‭ ‬عن‭ ‬إنشاء‭ ‬عملة‭ ‬موحدة‭ ‬لمجموعة‭ ‬بريكس،‭ ‬بغرض‭ ‬منافسة‭ ‬الدولار،‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬فإن‭ ‬نصيب‭ ‬الأصول‭ ‬المقومة‭ ‬بالدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬احتياطيات‭ ‬البنوك‭ ‬المركزية‭ ‬العالمية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يمثل‭ ‬حاليا‭ ‬58%‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الاحتياطيات،‭ ‬وهو‭ ‬أعلى‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬عملة،‭ ‬وهي‭ ‬اليورو،‭ ‬بنسبة‭ ‬21%‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الدولار‭ ‬نفسه‭ ‬يمثل‭ ‬88%‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬معاملات‭ ‬الصرف‭ ‬الأجنبي،‭ ‬وفقاً‭ ‬لبنك‭ ‬التسويات‭ ‬الدولية،‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬أشار‭ ‬روبرت‭ ‬إتش‭ ‬ويد،‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬لندن‭ ‬للاقتصاد،‭ ‬إلى‭ ‬أنها‭ ‬أقل‭ ‬قليلاً‭ ‬فقط‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فتلك‭ ‬النسبة‭ ‬شهادة‭ ‬على‭ ‬قوة‭ ‬ومرونة‭ ‬الدولار‭.‬

وفي‭ ‬تفسيره‭ ‬لمبررات‭ ‬تلك‭ ‬المرونة،‭ ‬أشار‭ ‬كوهين،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬القيادة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬الدولية‭ ‬الأمريكية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬والثلاثين‭ ‬الماضية‭ ‬فإن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬يظل‭ ‬الأكبر‭ ‬عالميا،‭ ‬مع‭ ‬كون‭ ‬أسواقه‭ ‬للأوراق‭ ‬المالية‭ ‬أكثر‭ ‬عمقًا‭ ‬واستقرارا‭ ‬ومؤسساته‭ ‬المالية‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬ثقة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬أصبحت‭ ‬تلك‭ ‬العملة‭ ‬ملاذًا‭ ‬ماليًا‭ ‬آمنًا‭ ‬ووسيلة‭ ‬للتبادل‭ ‬ومخزن‭ ‬أكثر‭ ‬موثوقية‭ ‬للقيمة‭ ‬عالميا‭. ‬بالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬المزايا‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬يتفوق‭ ‬بها‭ ‬الدولار‭ ‬على‭ ‬منافسيه‭ ‬المحتملين؛‭ ‬سلط‭ ‬وايز،‭ ‬الضوء‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬تمتلك‭ ‬شبكة‭ ‬عالمية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬من‭ ‬التحالفات‭ ‬والشراكات،‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬ترسيخ‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬بريتون‭ ‬وودز‭ ‬العالمية،‭ ‬ولا‭ ‬تستطيع‭ ‬الصين،‭ ‬وروسيا،‭ ‬والهند،‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬تضاهي‭ ‬تلك‭ ‬التحالفات‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الاتساع‭ ‬والنطاق‭.‬

مقارنة‭ ‬بالطموحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأكثر‭ ‬توافقًا‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفائها‭ ‬السياسيين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الغربي،‭ ‬فإن‭ ‬المصالح‭ ‬المتنافسة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬بريكس،‭ ‬قد‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬التعاون‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ربما‭ ‬يمثل‭ ‬تحديًا‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيدًا‭. ‬وأشار‭ ‬المجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬الهند،‭ ‬المنافس‭ ‬السياسي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬للصين‭ -‬لكنها‭ ‬أيضًا‭ ‬شريك‭ ‬أساسي‭ ‬داخل‭ ‬مجموعة‭ ‬بريكس‭- ‬تجنبت‭ ‬أي‭ ‬مبادرة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الرنمينبي‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي،‭ ‬وركزت‭ ‬اهتمامها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬اتفاقيات‭ ‬تجارية‭ ‬يتضمنها‭ ‬تبادل‭ ‬بالروبية‭ ‬العملة‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭. ‬ومع‭ ‬رغبة‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة‭ ‬أيضًا‭ ‬في‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬المالية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬الأوسع،‭ ‬يظل‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬راسخًا‭ ‬في‭ ‬احتياطيات‭ ‬البرازيل‭ ‬الأجنبية،‭ ‬وصفقات‭ ‬الصادرات‭ ‬التجارية،‭ ‬وأيضًا‭ ‬العملة‭ ‬المهيمنة‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬لجنوب‭ ‬إفريقيا‭.‬

وعليه،‭ ‬أكد‭ ‬كوهين،‭ ‬أن‭ ‬العقود‭ ‬الثمانية‭ ‬التي‭ ‬انقضت‭ ‬منذ‭ ‬مؤتمر‭ ‬بريتون‭ ‬وودز،‭ ‬كانت‭ ‬مصحوبة‭ ‬بتنبؤات‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬حول‭ ‬زوال‭ ‬الدولار‭ ‬الوشيك،‭ ‬وذلك‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬ريتشارد‭ ‬نيكسون،‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬الدولار‭ ‬والذهب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1971،‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬اليورو‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬التسعينيات،‭ ‬أو‭ ‬أثناء‭ ‬صعود‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬العقدين‭ ‬الأولين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬مضيفا‭ ‬أنه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تركيز‭ ‬الانتباه‭ ‬على‭ ‬سيناريوهات‭ ‬نزع‭ ‬الدولرة،‭ ‬يجب‭ ‬التفكير‭ ‬بعقلانية‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬حدث‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬أو‭ ‬تقنيات‭ ‬جديدة‭ ‬سوف‭ ‬تؤدي‭ ‬لهذا‭ ‬السقوط‭ ‬للدولار‭. ‬وهنا‭ ‬وينبغي‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬المنافسون‭ ‬الاقتصاديون‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬حدود‭ ‬النظام‭ ‬المالي‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬انهيار‭ ‬مرحلة‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭.‬

وبالإشارة‭ ‬إلى‭ ‬كيفية‭ ‬توقيع‭ ‬الصين،‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬اتفاقا‭ ‬يتيح‭ ‬مبادلة‭ ‬العملات‭ ‬المحلية‭ ‬بقيمة‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬يوان‭ (‬7‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭) ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023،‭ ‬كإجراء‭ ‬ضد‭ ‬العقوبات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المحتملة‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬مبيعات‭ ‬النفط،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الاستخدام‭ ‬المتزايد‭ ‬للعملات‭ ‬الرقمية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬اللوائح‭ ‬الغربية؛‭ ‬أوضح‭ ‬كوهين،‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬منتقدو‭ ‬الدولار‭ ‬يريدون‭ ‬حقاً‭ ‬بديلاً‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬فقد‭ ‬يضطرون‭ ‬رغما‭ ‬عنهم‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬سياسات‭ ‬مختلفة‭ ‬جذرياً‭ ‬مستقبلاً‭.‬

ولعل‭ ‬الأرجح‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬وفقا‭ ‬لما‭ ‬أوضحه‭ ‬المراقبون‭ ‬الغربيون‭ ‬هو‭ ‬تسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬التحول‭ ‬التدريجي‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العالمية؛‭ ‬حيث‭ ‬أوضح‭ ‬كوهين،‭ ‬أن‭ ‬التغيير‭ ‬سيأتي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬التطور،‭ ‬وليس‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الثورة‭ ‬والتمرد‭ ‬ضد‭ ‬الدولار،‭ ‬وتوقع‭ ‬أن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬سوف‭ ‬تختبر‭ ‬قدراتها‭ ‬وتنشر‭ ‬تدابير‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬الدولار،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬تحديات‭ ‬كبيرة‭ ‬للوضع‭ ‬المالي‭ ‬الراهن‭. ‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬الرنمينبي،‭ ‬أشارت‭ ‬تشاندان،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجوده‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬صغيرًا،‭ ‬لكنه‭ ‬ينمو‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ستكون‭ ‬هناك‭ ‬عملية‭ ‬طويلة‭ ‬تتطلب‭ ‬تدابير‭ ‬إصلاحية‭ ‬حتى‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬منافسة‭ ‬الدولار‭ ‬كعملة‭ ‬عالمية‭ ‬مُفضلة‭ ‬للمعاملات‭ ‬الدولية‭. ‬ووافق‭ ‬وايز،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬التراجع‭ ‬الجزئي‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬بالدولار،‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نتيجة‭ ‬أكثر‭ ‬قبولا‭ ‬مستقبلا،‭ ‬مضيفا‭ ‬أن‭ ‬المنافسة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتصاعدة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬والمتوسطة‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تسهل‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬تلك‭ ‬المنافسة،‭ ‬فإن‭ ‬الاتفاقات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬التجارة‭ ‬والتمويل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬خلق‭ ‬مجالات‭ ‬نفوذ‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬متميزة،‭ ‬يمكن‭ ‬للعملات‭ ‬الرقمية‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬أدوارا‭ ‬مركزية‭ ‬بها‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أصر‭ ‬كوهين،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدولار‭ ‬الأمريكي‭ ‬سيستمر‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬المنظور،‭ ‬ويدعم‭ ‬الخبراء‭ ‬من‭ ‬جيه‭ ‬بي‭ ‬مورجان،‭ ‬والمجلس‭ ‬الأطلسي،‭ ‬وكلية‭ ‬لندن‭ ‬للاقتصاد‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬التقييم؛‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬اعترافا‭ ‬بأن‭ ‬التغيرات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬الراهنة‭ ‬باتت‭ ‬نتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الراهن،‭ ‬والذي‭ ‬تم‭ ‬تأسيسه‭ ‬وفق‭ ‬مؤتمر‭ ‬بريتون‭ ‬وودز؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬تصريحات‭ ‬أمثال‭ ‬روشير‭ ‬شارما،‭ ‬من‭ ‬روكفلر‭ ‬الدولية،‭ ‬والذي‭ ‬حذر‭ ‬فيها‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الدولار‭ ‬يقترب‭ ‬بسرعة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬استبعاد‭ ‬وقوعها‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا