العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

محاكمة بايدن أمام القضاء الأمريكي بسبب حرب الإبادة في غزة

بقلم: د. منار الشوربجي {

الجمعة ٢٨ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

تنظر‭ ‬محكمة‭ ‬استئناف‭ ‬فيدرالية‭ ‬بكاليفورنيا‭ ‬قضية‭ ‬رفعتها‭ ‬مؤسسة‭ ‬حقوقية‭ ‬ضد‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬ووزيريه‭ ‬للخارجية‭ ‬والدفاع،‭ ‬‮«‬فمركز‭ ‬الحقوق‭ ‬الدستورية‮»‬‭ ‬يقاضي‭ ‬الثلاثي‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬ويتهمهم‭ ‬بالضلوع‭ ‬في‭ ‬‮«‬المساعدة‭ ‬والتحريض‮»‬‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

وقد‭ ‬استأنف‭ ‬المركز‭ ‬حكم‭ ‬محكمة‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬والذى‭ ‬رفض‭ ‬الدعوى‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬‮«‬لسبب‭ ‬إجرائي‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬أكد‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬قد‭ ‬يرقى‭ ‬لجريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬وينتهك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬دعا‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬تبعات‭ ‬تأييدها‭ ‬‮«‬اللا‭ ‬محدود‮»‬‭ ‬للعدوان‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬فالقاضي‭ ‬وقتها‭ ‬رفض‭ ‬الدعوى‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬نطاق‭ ‬صلاحيات‭ ‬المحكمة‮»‬،‭ ‬فلأن‭ ‬القضية‭ ‬المرفوعة‭ ‬ضد‭ ‬الثلاثي‭ ‬تطالب‭ ‬المحكمة‭ ‬بوقف‭ ‬شحن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخيرة‭ ‬والقنابل‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬قال‭ ‬القاضي‭ ‬إن‭ ‬المحكمة‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬من‭ ‬صلاحياتها‭ ‬وضع‭ ‬قيود‭ ‬على‭ ‬قرارات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬استأنف‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬الحقوق‭ ‬الدستورية‮»‬‭ ‬الحكم،‭ ‬فباتت‭ ‬القضية‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬تتعلق‭ ‬بالصلاحيات‭ ‬الدستورية‭ ‬للمؤسستين‭ ‬التنفيذية‭ ‬والقضائية‭.‬

‮«‬ومركز‭ ‬الحقوق‭ ‬الدستورية‮»‬‭ ‬هو‭ ‬إحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الأمريكية‭ ‬المعنية‭ ‬باحترام‭ ‬الحقوق‭ ‬الدستورية‭ ‬للمواطنين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬حقوق‭ ‬غيرهم‭ ‬بموجب‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬فهو‭ ‬يدافع‭ ‬مثلًا‭ ‬عمّن‭ ‬يتعرضون‭ ‬للعنصرية‭ ‬والتمييز‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬بمَن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المهاجرون‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬قاضت‭ ‬الحكومة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بخصوص‭ ‬المعتقلين‭ ‬في‭ ‬جوانتنامو،‭ ‬وبخصوص‭ ‬الإفراط‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيرة‭ ‬لقصف‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬منذ‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬يقاضي‭ ‬المركز‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ووزيري‭ ‬الدفاع‭ ‬والخارجية‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الجمعيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬المدافعة‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬عائلاتهم‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬لكن‭ ‬القضية‭ ‬تأخرت‭ ‬قليلًا‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬الاستئناف‭ ‬حين‭ ‬طالب‭ ‬المركز‭ ‬باستبعاد‭ ‬القاضي‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬سينظر‭ ‬في‭ ‬القضية‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬الماضي‭ ‬ضمن‭ ‬وفد‭ ‬قضائي‭ ‬لدراسة‭ ‬‮«‬خبرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‮»‬‭ (!)‬،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬نجح‭ ‬المركز‭ ‬فعلًا‭ ‬في‭ ‬استبدال‭ ‬القاضي‭ ‬حتى‭ ‬راح‭ ‬دفاع‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬يطالب‭ ‬برفض‭ ‬الدعوى‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬تختص‭ ‬بها‭ ‬المؤسسة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وحدها‭ ‬دون‭ ‬باقي‭ ‬المؤسسات‭ ‬الفيدرالية،‭ ‬وفق‭ ‬الدستور،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬قانون‭ ‬فيدرالي‭ ‬يعطي‭ ‬المدعين‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬مقاضاة‭ ‬الإدارة‭. ‬

ومن‭ ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬دفاع‭ ‬الإدارة‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬ليست‭ ‬مسؤولة‮»‬‭ ‬عن‭ ‬سلوك‭ ‬حكومة‭ ‬أجنبية،‭ ‬أي‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬وكأن‭ ‬الإدارة‭ ‬حين‭ ‬تشحن‭ ‬القنابل‭ ‬والذخيرة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وسط‭ ‬حرب‭ ‬دائرة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ثمانية‭ ‬أشهر،‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬بالضبط‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬ستستخدمها‭ ‬للقتل‭ ‬أم‭ ‬ستضعها‭ ‬في‭ ‬المتاحف‭ ‬ليشاهدها‭ ‬الناس‭!‬

‭ ‬لكن‭ ‬محامي‭ ‬الادعاء‭ ‬أصروا‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬في‭ ‬الجوهر‭ ‬من‭ ‬صلاحيات‭ ‬القضاء‭ ‬الفيدرالي‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬المؤسسة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وأدائها‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تساعد‭ ‬وتحرض‭ ‬مَن‭ ‬لديه‭ ‬النية‭ ‬المبيتة‭ ‬لتدمير‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‮»‬‭. ‬

وقالوا‭: ‬‮«‬إن‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬مسؤوليات‭ ‬القضاء‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬السلوك‭ ‬وفق‭ ‬التعريف‭ ‬الدولي‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والتواطؤ‭ ‬مع‭ ‬مرتكبيها‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬محامو‭ ‬الادعاء‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬العليا‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬أرسلت‭ ‬سابقة‭ ‬قالت‭ ‬فيها‭ ‬إن‭ ‬‮«‬المؤسسة‭ ‬التنفيذية‭ ‬ملزمة‭ ‬بعدم‭ ‬انتهاك‭ ‬القانون‭ (‬الأمريكي‭ ‬والدولي‭ ‬بالمناسبة‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬الأزمات‮»‬‭.‬

ولهذه‭ ‬القضية‭ ‬نتائجها‭ ‬المهمة،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬سيصدر‭ ‬فيها،‭ ‬فهي‭ ‬تمثل‭ ‬حلقة‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التراكمات‭ ‬البطيئة‭ ‬واللازمة‭ ‬لإحداث‭ ‬أي‭ ‬تحول‭ ‬معتبر‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الأطول‭ ‬نسبيًّا‭.‬

ففي‭ ‬استطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬مؤسسة‭ ‬جالوب‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬يؤيدون‭ ‬‮«‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬قد‭ ‬انخفضت‭ ‬من‭ ‬50%‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬36%‭ ‬فقط،‭ ‬بينما‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬يرفضونها‭ ‬من‭ ‬45%‭ ‬إلى‭ ‬55%‭. ‬أما‭ ‬الديمقراطيون،‭ ‬حزب‭ ‬بايدن،‭ ‬الرافضون‭ ‬لحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فقد‭ ‬ارتفعت‭ ‬نسبتهم‭ ‬من‭ ‬63%‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬إلى‭ ‬75%‭ ‬اليوم‭.‬

ولتلك‭ ‬الأرقام‭ ‬دلالتان،‭ ‬أولاهما‭ ‬أن‭ ‬الرافضين‭ ‬لجرائم‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليسوا‭ ‬فقط‭ ‬الأمريكيين‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬ولا‭ ‬التقدميين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬وحدهم،‭ ‬وإنما‭ ‬قطاعات‭ ‬ودوائر‭ ‬أوسع‭. ‬بل‭ ‬لعلها‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬صار‭ ‬فيها‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بلا‭ ‬شروط‭ ‬عبئًا‭ ‬على‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الحزبين‭ ‬الكبيرين‭. ‬أما‭ ‬ثانيتهما‭ ‬فقد‭ ‬صارت‭ ‬مواقف‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬مقطوعة‭ ‬الصلة‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬قاعدة‭ ‬ناخبيها‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬انتخابي‭.‬

والتحولات‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬أمريكا‭ ‬بخصوص‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬عمومًا،‭ ‬إذ‭ ‬امتدت‭ ‬لتشمل‭ ‬انقسامًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وهو‭ ‬الانقسام‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬جيليًا‭ ‬فقط‭. ‬فليس‭ ‬جديدًا‭ ‬أن‭ ‬هوة‭ ‬كبيرة‭ ‬صارت‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬من‭ ‬اليهود‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والأجيال‭ ‬الأكبر‭. ‬فتلك‭ ‬الأخيرة‭ ‬تعتبر‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬أحد‭ ‬مكونات‭ ‬هويتها،‭ ‬بينما‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬سوى‭ ‬دولة‭ ‬مدججة‭ ‬بالسلاح‭ ‬تتبنى‭ ‬نهجًا‭ ‬عنصريًا‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يبغضون‭ ‬مثيله‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأجيال‭ ‬الشابة‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬الإفصاح‭ ‬عن‭ ‬مواقفها‭ ‬بل‭ ‬وتنظيم‭ ‬نفسها‭ ‬لمعارضة‭ ‬إسرائيل‭.‬

{ باحثة‭ ‬مختصة‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمريكية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا