العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دلالات تصاعد الاستثمارات الخليجية في إفريقيا

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٠٥ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تزايدا‭ ‬في‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬والسعودية،‭ ‬وذلك‭ ‬بدافع‭ ‬رؤاها‭ ‬المستقبلية‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬التصنيع‭ ‬وحاجتها‭ ‬إلى‭ ‬المعادن،‭ ‬وتعزيز‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وتأثيرها‭ ‬على‭ ‬تدفق‭ ‬الحبوب‭ ‬الغذائية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬استفادة‭ ‬المستثمرين‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬القارة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مشروعات‭ ‬الطاقة،‭ ‬أو‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬أو‭ ‬الاستثمار‭ ‬العقاري‭ ‬أو‭ ‬المشروعات‭ ‬السياحية‭ ‬أو‭ ‬غيرها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬قامت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬بتطوير‭ ‬تشريعاتها‭ ‬ونظمها‭ ‬لتكون‭ ‬أكثر‭ ‬ملاءمة‭ ‬للمستثمرين،‭ ‬وإزالة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعوقات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬تدفق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬إلى‭ ‬إفريقيا‭.‬

وفي‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ ‬شهدت‭ ‬العاصمة‭ ‬السعودية‭ ‬‮«‬الرياض‮»‬،‭ ‬فعاليات‭ ‬‮«‬المؤتمر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السعودي‭ ‬العربي‭ ‬الإفريقي‮»‬،‭ ‬بمشاركة‭ ‬قادة‭ ‬وصناع‭ ‬قرار‭ ‬ومسؤولين‭ ‬وقادة‭ ‬مال‭ ‬وأعمال‭ ‬واستثمار‭ ‬في‭ ‬القطاعين‭ ‬العام‭ ‬والخاص‭ ‬ومنظمات‭ ‬دولية‭ ‬ومراكز‭ ‬فكر،‭ ‬وتناولت‭ ‬جلساته‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الطاقة،‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬وقدرات‭ ‬الشباب‭ ‬كأهم‭ ‬مكون‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬البشري،‭ ‬والتعاون‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التعدين،‭ ‬والسياحة،‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬والدور‭ ‬المحوري‭ ‬لمؤسسات‭ ‬وبنوك‭ ‬وصناديق‭ ‬التنمية‭ ‬السعودية‭ ‬والعربية‭.‬

وعلى‭ ‬هامش‭ ‬المؤتمر‭ ‬تم‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقات‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مشروعات‭ ‬تنموية‭ ‬بقيمة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ملياري‭ ‬ريال‭ ‬سعودي‭ (‬533‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬شهد‭ ‬أيضا‭ ‬توقيع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬اتفاقية‭ ‬تعاون‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬القطاعات‭ ‬الحكومية‭ ‬والخاصة‭ ‬السعودية‭ ‬والعربية‭ ‬والإفريقية،‭ ‬وأعلنت‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬التنسيق‭ ‬العربية‮»‬،‭ ‬تخصيص‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لدعم‭ ‬التنمية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭. ‬وفي‭ ‬محور‭ ‬‮«‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المستقبل‮»‬‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬كشف‭ ‬وزير‭ ‬الاستثمار‭ ‬السعودي‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬السعودية‭ ‬المتراكمة‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر‭ ‬والبالغة‭ ‬نحو‭ ‬75‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬فيما‭ ‬تعد‭ ‬الزراعة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬وجهات‭ ‬استثمار‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬السعودية،‭ ‬وأن‭ ‬بلاده‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬استثمارات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬السيارات‭ ‬الكهربائية‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إليها‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق،‭ ‬وأن‭ ‬شركة‭ ‬الخطوط‭ ‬السعودية‭ ‬ستزيد‭ ‬رحلاتها‭ ‬إلى‭ ‬القارة،‭ ‬فيما‭ ‬تمتلك‭ ‬الأخيرة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفرص‭ ‬والإمكانات‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬مناطقها‭.‬

وفيما‭ ‬كان‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬السعودي‭ - ‬الإفريقي‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬139‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬حتى‭ ‬2022،‮ ‬فإنه‭ ‬تأكيدًا‭ ‬لتصاعد‭ ‬الاهتمام‭ ‬الخليجي‭ ‬بإفريقيا؛‭ ‬تبنت‭ ‬المملكة‭ ‬خلال‭ ‬عضويتها‭ ‬في‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬العشرين‮»‬،‭ ‬انضمام‭ ‬‮«‬الاتحاد‭ ‬الإفريقي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬عضوية‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬شأنه‭ ‬شأن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ومبادرة‭ ‬تعليق‭ ‬مدفوعات‭ ‬خدمة‭ ‬الدين‭ ‬المستحقة‭ ‬أثناء‭ ‬جائحة‭ ‬كورونا‭. ‬وإيمانًا‭ ‬منها‭ ‬بأهمية‭ ‬حضور‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬دعمت‭ ‬‮«‬الرياض‮»‬،‭ ‬استحداث‭ ‬مقعد‭ ‬إضافي‭ ‬للقارة‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وفي‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬دأبت‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬شراكات‭ ‬مهمة‭ ‬مع‭ ‬الكيانات‭ ‬الإفريقية‭- ‬بغية‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬الطاقة‭ ‬والتعدين‭ ‬والزراعة،‭ ‬حتى‭ ‬غدت‭ ‬إفريقيا‭ ‬شريكًا‭ ‬تجاريا‭ ‬مهما‭ ‬ووجهة‭ ‬استثمارية‭ ‬رئيسية‭- ‬فقد‭ ‬أطلقت‭ ‬‮«‬المملكة‮»‬،‭ ‬برنامج‭ ‬تيسير‭ ‬التجارة‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي،‭ ‬كما‭ ‬يقوم‭ ‬‮«‬الصندوق‭ ‬السعودي‭ ‬للتنمية‮»‬،‭ ‬بدور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية،‭ ‬شملت‭ ‬طرقا‭ ‬وسدودا‭ ‬ومستشفيات‭ ‬ومدارس،‭ ‬ودعم‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬400‭ ‬مشروع‭.‬

وفي‭ ‬‮«‬القمة‭ ‬السعودية‭ ‬الإفريقية‮»‬،‭ ‬بالرياض‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ -‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬بعد‭ ‬المؤتمر‭- ‬أعلن‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬ضخ‭ ‬استثمارات‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القطاعات‭ ‬بالقارة‭ ‬بما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬25‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتأمين‭ ‬تمويل‭ ‬بمقدار‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬الصادرات،‭ ‬وتقديم‭ ‬تمويل‭ ‬إضافي‭ ‬بقيمة‭ ‬5‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬2030،‭ ‬ودعم‭ ‬مجالات‭ ‬التجارة‭ ‬والتكامل،‭ ‬لتطوير‭ ‬علاقات‭ ‬الشراكة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬القارة،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الإنمائية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‮»‬،‭ ‬بتوفير‭ ‬تمويل‭ ‬مشروعات‭ ‬وبرامج‭ ‬إنمائية‭ ‬بقيمة‭ ‬تتجاوز‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬في‭ ‬كلمته‭ ‬إن‭ ‬المملكة‭ ‬قدمت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬45‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لدعم‭ ‬المشاريع‭ ‬التنموية‭ ‬في‭ ‬54‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية،‭ ‬كما‭ ‬بلغت‭ ‬مساعدات‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬الملك‭ ‬سلمان‭ ‬للإغاثة‮»‬،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬450‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬لـ46‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭. ‬ويُذكر‭ ‬أنه‭ ‬لمأسسة‭ ‬العلاقات‭ ‬السعودية‭ ‬الإفريقية‭ ‬هناك‭ ‬16‭ ‬لجنة‭ ‬مشتركة‭ ‬ومجلسا‭ ‬تنسيقا،‭ ‬و7‭ ‬مجالس‭ ‬أعمال،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬250‭ ‬اتفاقية‭ ‬تعاون‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬المؤتمر‭ -‬السابق‭ ‬ذكره‭- ‬كان‭ ‬محطة‭ ‬لتسليط‭ ‬الأضواء‭ ‬على‭ ‬توجه‭ ‬الخليج‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬والذي‭ ‬أخذ‭ ‬في‭ ‬التزايد‭ ‬حتى‭ ‬تجاوز‭ ‬خلال‭ ‬العِقد‭ ‬الماضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬أو‭ ‬نحو‭ ‬30%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المباشرة‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬ووفقًا‭ ‬لـ«وحدة‭ ‬أبحاث‭ ‬الإيكونوميست‮»‬‭ ‬البريطانية،‭ ‬فإن‭ ‬إجمالي‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬إعلانها‭ ‬بلغت‭ ‬60‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لعام‭ ‬2022،‭ ‬و53‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لعام‭ ‬2023،‭ ‬وهي‭ ‬أرقام‭ ‬تفوق‭ ‬استثمارات‭ ‬آسيا،‭ ‬وأمريكا‭ ‬الشمالية‭ ‬وأوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فالاستثمارات‭ ‬الصينية‭ ‬بلغت‭ ‬35,5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2023،‭ ‬والاستثمارات‭ ‬الأوروبية‭ ‬38‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬والأمريكية‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭.‬

واتجهت‭ ‬‮«‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‮»‬،‭ ‬لقطاعات‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬والتعدين،‭ ‬والزراعة،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬للنقل،‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية،‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الرقمية،‭ ‬والتصنيع،‭ ‬والخدمات‭ ‬المالية،‭ ‬وتصاحب‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬نمو‭ ‬التجارة‭ ‬المتبادلة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬معدل‭ ‬8%‭ ‬سنويًا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ ‬حتى‭ ‬2022،‭ ‬وبلغت‭ ‬154‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2022،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يفوق‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأمريكية‭ (‬74‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬والتجارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الهندية‭ (‬99‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬لكنه‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الصينية‭ (‬289‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬والتجارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬الأوروبية‭ (‬244‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭). ‬

وفيما‭ ‬يشكل‭ ‬‮«‬النفط،‭ ‬والغاز‮»‬،‭ ‬أهم‭ ‬الصادرات‭ ‬الخليجية‭ ‬لإفريقيا،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬المعادن‮»‬،‭ ‬تشكل‭ ‬أهم‭ ‬الصادرات‭ ‬الإفريقية‭ ‬للخليج،‭ ‬مع‭ ‬نمو‭ ‬ملحوظ‭ ‬للتجارة‭ ‬خارج‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات‭ ‬التقليدية،‭ ‬ويتجه‭ ‬مستثمرو‭ ‬الخليج‭ -‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إقامة‭ ‬مشروعات‭ ‬جديدة‭- ‬إلى‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬حصص‭ ‬في‭ ‬مشاريع‭ ‬قائمة‭. ‬وفي‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وقعت‭ ‬‮«‬الإمارات‮»‬،‭ ‬اتفاقًا‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭ ‬لتصبح‭ ‬الداعم‭ ‬الرئيسي‭ ‬لمشروع‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬الغاز‭ ‬الأطلسي،‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬الغاز‭ ‬من‭ ‬نيجيريا‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬ساحل‭ ‬الأطلسي‭ ‬لغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا،‭ ‬كما‭ ‬شهد‭ ‬مؤتمر‭ ‬المعادن‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬حضورًا‭ ‬خليجيا‭ ‬مميزا‭.‬

ومع‭ ‬تكثيف‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬قطاعي‭ ‬الطاقة‭ ‬والمعادن،‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬منافس‭ ‬للاستثمارات‭ ‬الصينية،‭ ‬ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬قدرة‭ ‬موارد‭ ‬القارة‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬استثمارات‭ ‬قوية‭. ‬وتسعى‭ ‬‮«‬الصين‮»‬،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬خطة‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬‭ ‬منذ‭ ‬2013،‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬أقدامها‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القطاعات،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬خليجية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الإمارات،‭ ‬والسعودية،‭ ‬وقطر‮»‬،‭ ‬أخذت‭ ‬تزاحم‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه،‭ ‬فيما‭ ‬أخذت‭ ‬شركات‭ ‬أمريكية‭ ‬وأوروبية‭ ‬أيضًا‭ ‬تدخل‭ ‬مضمار‭ ‬هذه‭ ‬المنافسة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬تمتلك‭ ‬ميزة‭ ‬توافر‭ ‬التمويل‭ ‬اللازم‭ ‬لاستثماراتها،‭ ‬فيما‭ ‬تعهدت‭ ‬‮«‬الإمارات‮»‬،‭ ‬وحدها‭ ‬باستثمارات‭ ‬تقرب‭ ‬من‭ ‬70‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬لتصبح‭ ‬بذلك‭ ‬أكبر‭ ‬مستثمري‭ ‬القارة،‭ ‬كما‭ ‬وسعت‭ ‬من‭ ‬حصتها‭ ‬في‭ ‬الموانئ‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وحصلت‭ ‬مجموعة‭ ‬موانئ‭ ‬أبوظبي‭ ‬على‭ ‬عقود‭ ‬تطوير‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬دولة‭ ‬بالقارة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أنجولا،‭ ‬والكونغو،‭ ‬ونيجريا،‭ ‬وغينيا،‭ ‬والسنغال‭.‬

ومع‭ ‬سوق‭ ‬إفريقي‭ ‬يبلغ‭ ‬حجمه‭ ‬قرابة‭ ‬1,2‭ ‬مليار‭ ‬نسمة‭ ‬بناتج‭ ‬محلي‭ ‬إجمالي‭ ‬قرابة‭ ‬3,4‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار،‭ ‬وموارد‭ ‬مازالت‭ ‬بكرًا،‭ ‬يتم‭ ‬تغذية‭ ‬شهية‭ ‬التوجه‭ ‬الاستثماري‭ ‬الخليجي،‭ ‬مع‭ ‬30%‭ ‬من‭ ‬احتياطي‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬المعادن،‭ ‬و8%‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي،‭ ‬و12%‭ ‬من‭ ‬النفط،‭ ‬و40%‭ ‬من‭ ‬الذهب،‭ ‬و90%‭ ‬من‭ ‬الكروم‭ ‬والبلاتين،‭ ‬و65%‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الصالحة‭ ‬للزراعة،‭ ‬و10%‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬المياه‭ ‬العذبة‭ ‬المتجددة،‭ ‬وأكبر‭ ‬احتياطات‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الكوبالت‭ ‬والماس‭ ‬واليورانيوم‭. ‬وبحسب‭ ‬‮«‬برنامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للبيئة‮»‬،‭ ‬تخسر‭ ‬القارة‭ ‬سنويا‭ ‬ما‭ ‬يقدر‭ ‬بحوالي‭ ‬195‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬مالها‭ ‬الطبيعي،‭ ‬نتيجة‭ ‬التدفقات‭ ‬المالية‭ ‬غير‭ ‬المشروعة،‭ ‬والتعدين‭ ‬غير‭ ‬القانوني،‭ ‬وقطع‭ ‬الأشجار‭ ‬غير‭ ‬المشروع،‭ ‬والاتجار‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬البرية،‭ ‬والصيد‭ ‬غير‭ ‬المنظم،‭ ‬والتدهور‭ ‬البيئي‭. ‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬انتشار‭ ‬‮«‬جائحة‭ ‬كورونا‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬في‭ ‬انخفاض‭ ‬إيرادات‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬واضطرابات‭ ‬سلاسل‭ ‬التوريد‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى؛‭ ‬أخذت‭ ‬توجهات‭ ‬الاستثمار‭ ‬الخليجي‭ ‬‮«‬قوة‭ ‬دفع‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬وضع‭ ‬التنوع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬كأولويات‭ ‬ملحة‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬دول‭ ‬المجلس،‭ ‬ودفعها‭ ‬إلى‭ ‬تنمية‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬مع‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وزيادة‭ ‬فرص‭ ‬التعاون‭ ‬في‭ ‬الزراعة‭ ‬والغذاء‭ ‬والمعادن،‭ ‬وصارت‭ ‬الإمارات‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬مستثمرة‭ ‬في‭ ‬القارة‭ -‬فيما‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬السعودية‮»‬،‭ ‬حاليًا‭ ‬خامس‭ ‬أكبر‭ ‬مستثمر،‭ ‬وتركز‭ ‬استثماراتها‭ ‬على‭ ‬الزراعة،‭ ‬والمياه،‭ ‬والطاقة،‭ ‬والإسكان‭- ‬وكان‭ ‬‮«‬صندوق‭ ‬أبوظبي‭ ‬للتنمية‮»‬‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬تلك‭ ‬الاستثمارات،‭ ‬وقام‭ ‬بتمويل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬66‭ ‬مشروعا‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬دولة‭ ‬إفريقية‭ ‬بقيمة‭ ‬16,6‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وفي‭ ‬‮«‬موزمبيق‮»‬،‭ ‬مثلاً‭ ‬بلغت‭ ‬استثماراتها‭ ‬نحو‭ ‬3,3‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬72‭ ‬مشروعا،‭ ‬فيما‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬شركاتها‭ ‬العاملة‭ ‬بها‭ ‬33‭ ‬شركة‭. ‬وبين‭ ‬2016‭ ‬‭ ‬2021‭ ‬استحوذت‭ ‬على‭ ‬88%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وجنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬بإجمالي‭ ‬1,2‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬

وعلى‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬العشر‭ (‬2012‭ ‬‭ ‬2022‭)‬،‭ ‬تصدرت‭ ‬الإمارات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬كأكبر‭ ‬مزود‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬للاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬قطاعات‭ ‬النمو‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬بـ‭ ‬59,4‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬فيما‭ ‬بلغ‭ ‬الإجمالي‭ ‬الخليجي‭ ‬101,9‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭. ‬ويتوقع‭ ‬‮«‬استاندرد‭ ‬بنك‭ ‬جروب‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬بنك‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الأصول،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬ظبي‮»‬،‭ ‬ستصبح‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬مصادر‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬المقبلة،‭ ‬مع‭ ‬تضاؤل‭ ‬التمويل‭ ‬الصيني‭ ‬وتراجع‭ ‬المشاركة‭ ‬الغربية،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تعهدت‭ ‬بضخ‭ ‬52,8‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأجنبي‭ ‬في‭ ‬2022،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تجاوز‭ ‬مساهمات‭ ‬‮«‬بكين‮»‬،‭ ‬بمقدار‭ ‬20‭ ‬مرة،‭ ‬ومساهمات‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬7‭ ‬مرات‭.‬

وفي‭ ‬2023،‭ ‬تعهدت‭ ‬‮«‬الإمارات‮»‬،‭ ‬بضخ‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬بنحو‭ ‬44,5‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬مساهمات‭ ‬‮«‬الصين‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬بقيمة‭ ‬25,9‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬و«المملكة‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬الثالثة‭ ‬بـ‭ ‬22,7‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬و«الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬الرابعة‭ ‬8‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬و«فرنسا‮»‬،‭ ‬6,2‭ ‬مليارات‭ ‬دولار،‭ ‬فيما‭ ‬تركز‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الإماراتية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬والمعادن‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وتواكب‭ ‬مع‭ ‬نمو‭ ‬استثماراتها‭ ‬نمو‭ ‬الاستثمارات‭ ‬السعودية‭ ‬والقطرية‭ ‬أيضًا‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬وجدت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الإفريقية‭ ‬ما‭ ‬تبحث‭ ‬عنه،‭ ‬سواء‭ ‬لخدمة‭ ‬خطط‭ ‬التصنيع‭ ‬من‭ ‬معادن‭ ‬أو‭ ‬لخدمة‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬أو‭ ‬مجالات‭ ‬استثمار‭ ‬آمنة‭ ‬غير‭ ‬خطرة‭ ‬ذات‭ ‬عوائد‭ ‬مجزية،‭ ‬أما‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نقلها‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬عن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬فقد‭ ‬تبين‭ ‬أنها‭ ‬مغلوطة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬مغالى‭ ‬فيها،‭ ‬فيما‭ ‬تجد‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الخليج‭ ‬مصدرا‭ ‬آمنا‭ ‬للاستثمار،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬المشروطية‭ ‬السياسية،‭ ‬وتجد‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬أيضًا‭ ‬واسطة‭ ‬العِقد‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬مع‭ ‬آسيا‭ ‬وأوروبا،‭ ‬ولهذا‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬المصالح‭ ‬المتبادلة‭ ‬قوة‭ ‬دافعة‭ ‬وراء‭ ‬صعود‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا