العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحضارة الإسلامية.. في الميزان

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٧ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

عندما‭ ‬خلق‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬الوجود‭ ‬أقامه‭ ‬على‭ ‬الميزان‭ ‬القسط،‭ ‬وربط‭ ‬ذلك‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭: (‬والسماء‭ ‬رفعها‭ ‬ووضع‭ ‬الميزان‭ (‬7‭) ‬ألا‭ ‬تطغوا‭ ‬في‭ ‬الميزان‭ (‬8‭) ‬وأقيموا‭ ‬الوزن‭ ‬بالقسط‭ ‬ولا‭ ‬تخسروا‭ ‬الميزان‭ (‬9‭) ‬والأرض‭ ‬وضعها‭ ‬للأنام‭ ‬فيها‭ ‬فاكهة‭ ‬والنخل‭ ‬ذات‭ ‬الأكمام‭ (‬10‭)) ‬الرحمن‭.‬

وربط‭ ‬الميزان‭ ‬بالسماء‭ ‬التي‭ ‬خلقها‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬والتي‭ ‬بغير‭ ‬عمد‭ ‬نراها‭ ‬يثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬المشروعة،‭ ‬والتي‭ ‬ما‭ ‬فتئ‭ ‬الإنسان‭ ‬يطلب‭ ‬أجوبة‭ ‬شافية‭ ‬عنها،‭ ‬وهي‭ ‬تساؤلات‭ ‬يسعى‭ ‬الإنسان‭ ‬جاهدًا‭ ‬إلى‭ ‬فهم‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬يقول‭ ‬تعالى،‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬الخلق‭ ‬والمخلوقات‭ ‬والعلاقة‭ ‬فيما‭ ‬بينهم،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬والشمس‭ ‬تجري‭ ‬لمستقر‭ ‬لها‭ ‬ذلك‭ ‬تقدير‭ ‬العزيز‭ ‬العليم‭ (‬38‭) ‬والقمر‭ ‬قدرناه‭ ‬منازل‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬كالعرجون‭ ‬القديم‭(‬39‭) ‬لا‭ ‬الشمس‭ ‬ينبغي‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تدرك‭ ‬القمر‭ ‬ولا‭ ‬الليل‭ ‬سابق‭ ‬النهار‭ ‬وكل‭ ‬في‭ ‬فلك‭ ‬يسبحون‭ (‬10‭) ‬يس‭.‬

لقد‭ ‬اقتضت‭ ‬حكمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬خلق‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المخلوقات‭ ‬مكانا‭ ‬خاصا‭ ‬به،‭ ‬وفلكا‭ ‬لا‭ ‬يشاركه‭ ‬فيه‭ ‬مخلوق‭ ‬غيره،‭ ‬فإذا‭ ‬قامت‭ ‬الساعة،‭ ‬وأذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬للقيامة‭ ‬أن‭ ‬تقوم،‭ ‬وللأموات‭ ‬أن‭ ‬تُبعَث،‭ ‬وتنصب‭ ‬الموازين‭ ‬بالقسط،‭ ‬فعلى‭ ‬الإنسان‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬قيامته‭ ‬أن‭ ‬يحرص‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬استقامة‭ ‬الموازين،‭ ‬ولنقرأ‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬وهو‭ ‬يحذرنا‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬هذه‭ ‬الموازين‭ ‬وزيغها‭ ‬عن‭ ‬الحق،‭ ‬يقول‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭: (‬ويلٌ‭ ‬للمطففين‭ (‬1‭) ‬الذين‭ ‬إذا‭ ‬اكتالوا‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬يستوفون‭ (‬2‭) ‬وإذا‭ ‬كالوهم‭ ‬أو‭ ‬وزنوهم‭ ‬يخسرون‭ (‬3‭) ‬ألا‭ ‬يظن‭ ‬أولئك‭ ‬أنهم‭ ‬مبعوثون‭ (‬4‭) ‬ليوم‭ ‬عظيم‭ (‬5‭) ‬يوم‭ ‬يقوم‭ ‬الناس‭ ‬لرب‭ ‬العالمين‭ (‬6‭)) ‬المطففين‭.‬

إذًا،‭ ‬فعلى‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يستحضر‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬العظيم‭.. ‬يوم‭ ‬البعث‭ ‬والنشور،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كامل‭ ‬وعيه‭ ‬ويقظته‭ ‬بما‭ ‬سيؤول‭ ‬إليه‭ ‬أمره،‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬نعيم‭ ‬خالد،‭ ‬وإما‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬دائم،‭ ‬ولقد‭ ‬حذر‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬وأهواله،‭ ‬وبَيَنَ‭ ‬بعض‭ ‬علاماته،‭ ‬ويسر‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬عقباته،‭ ‬والقرآن‭ ‬العظيم‭ ‬حين‭ ‬يقص‭ ‬علينا‭ ‬أنباء‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬وأهواله‭ ‬لا‭ ‬يقصها‭ ‬لمجرد‭ ‬التسلية‭ ‬وقضاء‭ ‬الوقت،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬سبحانه‭ ‬يسوقها‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬الموعظة‭ ‬والدرس،‭ ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يستقبلها‭ ‬بما‭ ‬توحيه‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬دروس‭ ‬وعبر،‭ ‬يقول‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭: (‬نحن‭ ‬نقص‭ ‬عليك‭ ‬أحسن‭ ‬القصص‭ ‬بما‭ ‬أوحينا‭ ‬إليك‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬قبله‭ ‬لمن‭ ‬الغافلين‭) ‬يوسف‭ / ‬3‭.‬

ولما‭ ‬اختلف‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬فتية‭ ‬أهل‭ ‬الكهف،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬لهم،‭ ‬والحكمة‭ ‬من‭ ‬قصصهم،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬نحن‭ ‬نقص‭ ‬عليك‭ ‬نبأهم‭ ‬بالحق‭ ‬إنهم‭ ‬فتية‭ ‬آمنوا‭ ‬بربهم‭ ‬وزدناهم‭ ‬هدى‭ (‬13‭) ‬وربطنا‭ ‬على‭ ‬قلوبهم‭ ‬إذ‭ ‬قاموا‭ ‬فقالوا‭ ‬ربنا‭ ‬رب‭ ‬السموات‭ ‬والأرض‭ ‬لن‭ ‬ندعو‭ ‬من‭ ‬دونه‭ ‬إلهًا‭ ‬لقد‭ ‬قلنا‭ ‬إذًا‭ ‬شططا‭ (‬14‭)) ‬الكهف‭.‬

ومن‭ ‬موازين‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وسطيتها،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وكذلك‭ ‬جعلناكم‭ ‬أمة‭ ‬وسطا‭ ‬لتكونوا‭ ‬شهداء‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬ويكون‭ ‬الرسول‭ ‬عليكم‭ ‬شهيدا‭) ‬البقرة‭/ ‬143‭.‬

ومن‭ ‬موازين‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أيضًا‭ ‬رعايتها‭ ‬لحسن‭ ‬الجوار،‭ ‬وحفظ‭ ‬الحقوق‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬لا‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يقاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬ولم‭ ‬يخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬أن‭ ‬تبروهم‭ ‬وتقسطوا‭ ‬إليهم‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يحب‭ ‬المقسطين‭ (‬8‭) ‬إنما‭ ‬ينهاكم‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الذين‭ ‬قاتلوكم‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬وأخرجوكم‭ ‬من‭ ‬دياركم‭ ‬وظاهروا‭ ‬على‭ ‬إخراجكم‭ ‬أن‭ ‬تولوهم‭ ‬ومن‭ ‬يتولهم‭ ‬فأولئك‭ ‬هم‭ ‬الظالمون‭ (‬9‭)) ‬الممتحنة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬البيان‭ ‬الإلهي‭ ‬المعجز‭ ‬يتبين‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬لا‭ ‬يسوي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬المسالم‭ ‬منهم‭ ‬والمحارب‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ظلما‭ ‬كبيرا‭ ‬لا‭ ‬يرتضيه‭ ‬الإسلام‭.‬

ومن‭ ‬سمات‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وصفاتها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تنفك‭ ‬عنها‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬ولقد‭ ‬كرمنا‭ ‬بني‭ ‬آدم‭ ‬وحملناهم‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والبحر‭ ‬ورزقناهم‭ ‬من‭ ‬الطيبات‭ ‬وفضلناهم‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬ممن‭ ‬خلقنا‭ ‬تفضيلا‭) ‬الإسراء‭/‬70‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬التزام‭ ‬المسلمين‭ ‬بما‭ ‬أوحاه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلى‭ ‬رسوله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬من‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق،‭ ‬وصدق‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬حين‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إنما‭ ‬بُعثت‭ ‬لأتمم‭ ‬مكارم‭ ‬الأخلاق‮»‬‭ ‬الإمام‭ ‬مالك،‭ ‬وصدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬عن‭ ‬رسوله‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭): (‬وما‭ ‬أرسلناك‭ ‬إلا‭ ‬رحمة‭ ‬للعالمين‭) ‬سورة‭ ‬الأنبياء‭/‬10

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا