العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«الغذاء العضوي».. هل هو مجرد وهم؟

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الاثنين ٠٨ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

لا‭ ‬تخلو‭ ‬الآن‭ ‬أي‭ ‬برادة‭ ‬صغيرة‭ ‬كانت‭ ‬أم‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬منتجات‭ ‬غذائية‭ ‬وغير‭ ‬غذائية‭ ‬مكتوب‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬منتج‭ ‬عضوي‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬البرادات‭ ‬الكبيرة‭ ‬بشكلٍ‭ ‬خاص‭ ‬تُشاهد‭ ‬رُكناً‭ ‬خاصاً،‭ ‬أو‭ ‬رفوفاً‭ ‬محددة‭ ‬تُوضع‭ ‬عليها‭ ‬فقط‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬التي‭ ‬تُميزها‭ ‬عن‭ ‬المنتجات‭ ‬التقليدية‭ ‬القديمة‭ ‬المعروفة‭ ‬لدى‭ ‬الجميع‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وتكون‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬العضوية‭ ‬الجديدة‭ ‬عادة‭ ‬الأغلى‭ ‬والأعلى‭ ‬سعراً‭ ‬مقارنة‭ ‬بالمنتجات‭ ‬التقليدية‭ ‬المماثلة‭ ‬لها‭.‬

وهذه‭ ‬المنتجات‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬عضوية‮»‬‭ ‬عليها‭ ‬لإعطائها‭ ‬وصفاً‭ ‬خاصاً‭ ‬ومميزاً‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬طبيعية‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬مُحورة‭ ‬جينياً،‭ ‬وأنها‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الشوائب‭ ‬غير‭ ‬المرغوبة‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مواد‭ ‬كيميائية‭ ‬صناعية‭ ‬كالأسمدة‭ ‬الكيميائية‭ ‬وحمئة‭ ‬مياه‭ ‬المجاري،‭ ‬والمواد‭ ‬الحافظة‭ ‬والملونة‭ ‬والمانعة‭ ‬للتأكسد‭ ‬والتلف،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تُغَير‭ ‬من‭ ‬لون‭ ‬المنتج‭ ‬ليزيد‭ ‬من‭ ‬جاذبيته‭ ‬وجماله‭ ‬وتحسين‭ ‬مظهره‭ ‬الخارجي‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬العضوية‭ ‬الطبيعية‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إليها‭ ‬المبيدات‭ ‬بكافة‭ ‬أنواعها‭ ‬الحشرية،‭ ‬والفطرية،‭ ‬ومبيدات‭ ‬الأعشاب‭ ‬والطفيليات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬ادخال‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المضادات‭ ‬الحيوية‭ ‬وهرمونات‭ ‬النمو‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬هدف‭ ‬صناعة‭ ‬‮«‬المنتج‭ ‬العضوي‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬المنتج‭ ‬الطبيعي،‭ ‬تدَّعي‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬الزراعية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تُنتج‭ ‬المحاصيل‭ ‬الزراعية‭ ‬من‭ ‬خضراوات‭ ‬وفواكه‭ ‬وألبان‭ ‬ولحوم،‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬تنتج‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬الطازجة‭ ‬والمعلبة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحاصيل،‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬أعمالها‭ ‬وممارساتها‭ ‬اليومية،‭ ‬وكافة‭ ‬مراحل‭ ‬إنتاجها‭ ‬للمنتج‭ ‬العضوي‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬فعلاً‭ ‬من‭ ‬‮«‬الطبيعية‮»‬‭ ‬وإلى‭ ‬الطبيعة،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬استخدام‭ ‬المواد‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الإنتاج‭. ‬

ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬البيئي‭ ‬المرير‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬تشبع‭ ‬جميع‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا‭ ‬بشتى‭ ‬أنواع‭ ‬الملوثات،‭ ‬وانتشارها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موقعٍ‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬كوكبنا،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬يكون‭ ‬كالظمآن‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬السراب‭ ‬ظناً‭ ‬منه‭ ‬أنه‭ ‬ماء،‭ ‬فعندما‭ ‬يقترب‭ ‬منه‭ ‬لا‭ ‬يجده‭ ‬شيئاً،‭ ‬ولذلك‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬بشكلٍ‭ ‬شامل‭ ‬وكامل‭ ‬وهمٌ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليه،‭ ‬مهما‭ ‬فعلنا‭ ‬واتخذنا‭ ‬من‭ ‬احتياطات‭ ‬وإجراءات‭ ‬احترازية‭. ‬

فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬من‭ ‬أول‭ ‬أساسيات‭ ‬المنتج‭ ‬العضوي‭ ‬النباتي‭ ‬والحيواني‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المحصول‭ ‬قد‭ ‬ارتوى‭ ‬بأساس‭ ‬الحياة،‭ ‬أي‭ ‬بمياه‭ ‬نقية‭ ‬عذبة‭ ‬زلال‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬ملوثات،‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬نوعها‭ ‬أو‭ ‬تركيزها‭. ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬الواقعية‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬جداً‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬الصافية‭ ‬من‭ ‬المياه‭ ‬الخالية‭ ‬كلياً‭ ‬من‭ ‬الشوائب،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬ماء‭ ‬المطر‭ ‬الذي‭ ‬ينزل‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬والذي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خالياً‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬ومن‭ ‬أية‭ ‬مواد‭ ‬غريبة‭. ‬ففي‭ ‬عصر‭ ‬التلوث‭ ‬الذي‭ ‬نحن‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬فإن‭ ‬الملوثات‭ ‬بجميع‭ ‬أنواعها‭ ‬دخلت‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا‭ ‬الحية‭ ‬وغير‭ ‬الحية،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬البيئات‭ ‬الحضرية‭ ‬والمدن‭ ‬المكتظة‭ ‬بمصادر‭ ‬التلوث،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأرياف‭ ‬والقرى‭ ‬النائية‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬التلوث‭. ‬

فمصادر‭ ‬التلوث‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ ‬تُطلق‭ ‬الملوثات‭ ‬الخطرة‭ ‬والمسرطنة‭ ‬إلى‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬ثم‭ ‬يرتفع‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬العليا‭ ‬فيختلط‭ ‬مع‭ ‬السحب‭ ‬ويدخل‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬قطرات‭ ‬ماء‭ ‬المطر،‭ ‬حيث‭ ‬ينزل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ماء‭ ‬ملوث،‭ ‬كالمطر‭ ‬الحمضي‭ ‬المعروف،‭ ‬أو‭ ‬الأمطار‭ ‬الملوثة‭ ‬بالمواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬الأخرى‭ ‬مثل‭ ‬الميكروبلاستيك،‭ ‬ومركبات‭ ‬الفلور‭ ‬العضوية‭. ‬وهذه‭ ‬الأمطار‭ ‬المشبعة‭ ‬بالملوثات‭ ‬تُسمم‭ ‬التربة‭ ‬الزراعية‭ ‬وغير‭ ‬الزراعية،‭ ‬ومنها‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬النبات،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬الساق‭ ‬والورق،‭ ‬فيأكل‭ ‬الإنسان‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬المحصول‭ ‬العضوي‮»‬‭ ‬الملوث‭ ‬بالمواد‭ ‬الكيميائية‭ ‬التي‭ ‬انبعثت‭ ‬من‭ ‬المصانع‭ ‬والسيارات‭ ‬ومحطات‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء‭. ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬أيضاً‭ ‬هذا‭ ‬المطر‭ ‬الملوث‭ ‬يسمم‭ ‬الأرض‭ ‬الواسعة‭ ‬الخصبة‭ ‬بالأعشاب‭ ‬والحشائش‭ ‬الطبيعية‭ ‬الفطرية‭ ‬التي‭ ‬ترعى‭ ‬وتتغذى‭ ‬عليها‭ ‬الأبقار‭ ‬والأغنام‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأليفة‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬حجر‭ ‬أساس‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬العضوية‭. ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬ونُطلق‭ ‬عليها‭ ‬بالمنتجات‭ ‬العضوية‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تلوثت‭ ‬بكميات‭ ‬من‭ ‬السموم،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬منخفضة‭ ‬في‭ ‬تركيزها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلبية‭ ‬الرئيسة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬تكتسب‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬شعبية‭ ‬عالية،‭ ‬ويقْدُم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬شرائها‭ ‬واستهلاكها،‭ ‬وذلك‭ ‬رُبما‭ ‬اتباعاً‭ ‬للحكمة‭ ‬القائلة‭: ‬‮«‬أخف‭ ‬الضررين،‭ ‬وأهون‭ ‬الشرين‮»‬‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15%‭ ‬من‭ ‬مبيعات‭ ‬الخضراوات‭ ‬والفواكه‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬منتجات‭ ‬تُصنَّف‭ ‬بأنها‭ ‬عضوية،‭ ‬وعليها‭ ‬الختم‭ ‬الرسمي،‭ ‬أو‭ ‬العلامات‭ ‬الخاصة‭ ‬بها‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬وزارة‭ ‬الزراعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬شهادة‭ ‬لهذه‭ ‬المنتجات،‭ ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬مبيعات‭ ‬المنتجات‭ ‬العضوية‭ ‬الغذائية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬بلغت‭ ‬61‭.‬7‭ ‬مليارا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬بحسب‭ ‬المنشور‭ ‬من‭ ‬‮«‬جمعية‭ ‬التجارة‭ ‬العضوية‮»‬‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬مايو‭ ‬2023‭.‬

والخلاصة،‭ ‬أن‭ ‬المنتجات‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬تقديري‭ ‬أفضل‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تُصنَّع‭ ‬وتُنتج‭ ‬بكميات‭ ‬ضخمة‭ ‬جداً،‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬ولا‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬المحذورات‭ ‬الصحية‭ ‬العامة،‭ ‬ولا‭ ‬تتحرى‭ ‬الدقة‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬الإجراءات‭ ‬البيئية‭ ‬الآمنة‭ ‬لمكونات‭ ‬البيئة‭ ‬وجودة‭ ‬المنتج،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فمن‭ ‬الأفضل‭ ‬شراء‭ ‬المنتجات‭ ‬العضوية‭ ‬الغذائية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المنتجات‭ ‬الغذائية‭ ‬التقليدية‭. ‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا