العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل ترغب إدارة بايدن حقا في إنهاء الحرب على غزة؟

بقلم: د. حسن نافعة {

الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

شهدت‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التحرّكات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬الإيحاء‭ ‬بأن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬تسعى‭ ‬بجدية‭ ‬لوضع‭ ‬نهاية‭ ‬فورية‭ ‬للحرب‭ ‬الوحشية‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬تسعة‭ ‬أشهر‭.‬

ساعدت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬هذا‭ ‬الإيحاء،‭ ‬أهمها‭: ‬تزايد‭ ‬إدراكها‭ ‬باستحالة‭ ‬تحقيق‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬للأهداف‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬وتصاعد‭ ‬المخاوف‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬تحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬تشارك‭ ‬فيها‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تحتاج‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬هدوء‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالتركيز‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية،‭ ‬وحاجة‭ ‬بايدن‭ ‬الماسّة‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬أصوات‭ ‬الجاليات‭ ‬اليهودية‭ ‬والعربية‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الانتخابات‭ ‬البالغة‭ ‬الحساسية،‭ ‬وهو‭ ‬هدف‭ ‬يصعب‭ ‬تحقيقه‭ ‬إلا‭ ‬بالنجاح‭ ‬في‭ ‬إبرام‭ ‬صفقة‭ ‬متوازنة‭ ‬تضمن‭ ‬توقّف‭ ‬القتال‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬المقبلة‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬صورة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تشوّهت‭ ‬كثيراً‭ ‬بسبب‭ ‬الانتهاكات‭ ‬وعمليات‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بأسلحة‭ ‬أمريكية‭.‬

ففي‭ ‬31‭/‬5‭/‬2024،‭ ‬ألقى‭ ‬بايدن‭ ‬خطاباً‭ ‬من‭ ‬أمام‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬خصصه‭ ‬بالكامل‭ ‬لطرح‭ ‬مبادرة‭ ‬تستهدف‭ ‬التوصّل‭ ‬إلى‭ ‬صفقة‭ ‬تتكوّن‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭. ‬ولأنه‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬أن‭ ‬مبادرته‭ ‬تأسست‭ ‬على‭ ‬‮«‬مقترحات‭ ‬إسرائيلية‮»‬،‭ ‬طالب‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬بالموافقة‭ ‬عليها‭ ‬كي‭ ‬يمكن‭ ‬الشروع‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬في‭ ‬وضعها‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الجدل‭ ‬الذي‭ ‬ثار‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬كشف‭ ‬بوضوح‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬مبادرة‭ ‬بايدن‭ ‬لم‭ ‬تناقش‭ ‬مسبقاً‭ ‬داخل‭ ‬أجهزة‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬الكيان،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ليست‭ ‬محل‭ ‬إجماع‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬مختلف‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬تتكوّن‭ ‬منها‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬الائتلافية،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬بتأييد‭ ‬واضح‭ ‬أو‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه‭.‬

ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الجدل،‭ ‬الذي‭ ‬تسبّب‭ ‬في‭ ‬قدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الإحباط‭ ‬لدى‭ ‬معظم‭ ‬المراقبين،‭ ‬لم‭ ‬يفتّ‭ ‬في‭ ‬عضد‭ ‬بايدن‭ ‬ولم‭ ‬يضعف‭ ‬من‭ ‬عزيمته‭ ‬على‭ ‬المضي‭ ‬قدماً‭ ‬على‭ ‬الطريق‭ ‬الذي‭ ‬اختاره،‭ ‬ما‭ ‬يفسّر‭ ‬محاولته‭ ‬اللاحقة‭ ‬لإعطاء‭ ‬مبادرته‭ ‬زخماً‭ ‬أقوى‭ ‬وغطاء‭ ‬دولياً‭ ‬أوسع،‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬يطرح‭ ‬على‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬كي‭ ‬تصبح‭ ‬مبادرة‭ ‬عالمية‭ ‬أكثر‭ ‬منها‭ ‬أمريكية‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬لم‭ ‬تتردّد‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬إدخال‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬مشروعها‭ ‬الأصلي‭ ‬كي‭ ‬يحظى‭ ‬بأوسع‭ ‬تأييد‭ ‬ممكن‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فعلاً‭. ‬فعندما‭ ‬طرحت‭ ‬الصيغة‭ ‬النهائية‭ ‬لمشروع‭ ‬القرار‭ ‬للتصويت‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يوم‭ ‬10‭/‬6‭/‬2024،‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬14‭ ‬دولة،‭ ‬وامتنعت‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬عن‭ ‬التصويت،‭ ‬هي‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أصبحت‭ ‬مبادرة‭ ‬بايدن‭ ‬هي‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬رقم‭ ‬2735‭.‬

حين‭ ‬تبيّن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬التأثير‭ ‬المطلوب،‭ ‬رغم‭ ‬إعلان‭ ‬حماس‭ ‬موافقتها‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يكتنف‭ ‬بعض‭ ‬نصوص‭ ‬المبادرة‭ ‬من‭ ‬غموض،‭ ‬لم‭ ‬تيأس‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬بل‭ ‬أبدت‭ ‬استعدادها‭ ‬لاقتراح‭ ‬صياغة‭ ‬جديدة‭ ‬لبعض‭ ‬النصوص‭ ‬التي‭ ‬يكتنفها‭ ‬غموض‭ ‬يسمح‭ ‬بتأويلات‭ ‬متباينة،‭ ‬وخاصة‭ ‬النص‭ ‬المتعلق‭ ‬بكيفية‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬خلالها‭ ‬استكمال‭ ‬تنفيذ‭ ‬صفقة‭ ‬التبادل‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬شروط‭ ‬التوصّل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬هدوء‭ ‬مستدام‮»‬‭.‬

فمنذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬أبدت‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬استعدادها‭ ‬لتقديم‭ ‬صياغة‭ ‬جديدة‭ ‬لنص‭ ‬المادة‭ ‬الثامنة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة،‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭: ‬‮«‬البدء‭ ‬بالدخول‭ ‬في‭ ‬مباحثات‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬وبما‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬اليوم‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى،‭ ‬بشأن‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬شروط‭ ‬تنفيذ‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الشروط‭ ‬المتعلقة‭ ‬بمفاتيح‭ ‬تبادل‭ ‬المحتجزين‭ ‬والأسرى،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬والاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‮»‬‭. ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬العقدة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬التوصّل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭.‬

فحماس،‭ ‬ومعها‭ ‬جميع‭ ‬قوى‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الأخرى،‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬جادة‭ ‬تضمن‭ ‬التوصّل‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬تام‭ ‬ودائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وإلى‭ ‬انسحاب‭ ‬كامل‭ ‬للقوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬محورا‭ ‬فيلادلفيا‭ ‬ونتساريم،‭ ‬وإلى‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬بكميات‭ ‬كافية،‭ ‬بمجرد‭ ‬دخول‭ ‬الاتفاق‭ ‬حيّز‭ ‬التنفيذ،‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناطق‭ ‬القطاع،‭ ‬وإلى‭ ‬إنهاء‭ ‬الحصار‭ ‬وبدء‭ ‬عمليات‭ ‬الإعمار‭.‬

ولأنها‭ ‬لا‭ ‬تثق‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬المنحازة‭ ‬بالكامل‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬عبّرت‭ ‬حماس‭ ‬عن‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ضمانات‭ ‬دولية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬ما‭ ‬يتمّ‭ ‬التوصّل‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬اتفاقات،‭ ‬وأبدت‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وربما‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬أيضاً،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الضامنين‭ ‬لتنفيذها‭.‬

أما‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬بدا‭ ‬واضحاً‭ ‬أنها‭ ‬تريد‭ ‬شيئاً‭ ‬واحداً‭ ‬فقط،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬استعادة‭ ‬كلّ‭ ‬المحتجزين،‭ ‬الأحياء‭ ‬منهم‭ ‬والأموات‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬ترفض‭ ‬الانسحاب‭ ‬الكامل‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وتصرّ‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬قواتها‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬معيّنة‭ ‬منه،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬محوري‭ ‬نتساريم‭ ‬وفيلادلفيا،‭ ‬بل‭ ‬وترفض‭ ‬التقيّد‭ ‬بوقف‭ ‬دائم‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬تصرّ‭ ‬على‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬لنفسها‭ ‬بالحقّ‭ ‬في‭ ‬تتبّع‭ ‬ومطاردة‭ ‬قوات‭ ‬حماس،‭ ‬لمنعها‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬صفوفها‭ ‬وللحيلولة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتمكّن‭ ‬من‭ ‬إحكام‭ ‬قبضتها‭ ‬الأمنية‭ ‬أو‭ ‬المدنية‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬القطاع‭. ‬لذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬واسعة‭ ‬جداً،‭ ‬بل‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للجسر‭.‬

لم‭ ‬تفصح‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬الصياغة‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬تقترحها‭ ‬لنص‭ ‬المادة‭ ‬الثامنة‭ ‬من‭ ‬المبادرة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬التقارير‭ ‬الإعلامية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬تؤكد‭ ‬أنها‭ ‬تكثف‭ ‬اتصالاتها‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬دفع‭ ‬مصر‭ ‬وقطر،‭ ‬لبذل‭ ‬جهود‭ ‬مع‭ ‬حماس‭ ‬واقناعها‭ ‬بقبول‭ ‬هذه‭ ‬الصياغة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لقبول‭ ‬المبادرة‭ ‬ككلّ‭ ‬في‭ ‬صيغتها‭ ‬النهائية‭.‬

المثير‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أنها،‭ ‬أي‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تصّر‭ ‬على‭ ‬تحميل‭ ‬حماس‭ ‬كامل‭ ‬المسؤولية‭ ‬عن‭ ‬تعثّر‭ ‬المفاوضات‭ ‬وعدم‭ ‬التوصّل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬يفضي‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تدرك‭ ‬تمام‭ ‬الإدراك‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬تحميلها‭ ‬هذه‭ ‬المسؤولية‭ ‬بالكامل‭.‬

فلا‭ ‬شك‭ ‬أنها‭ ‬تستمع‭ ‬يومياً‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬نتنياهو‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتحدّث‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬حكومته‭ ‬التام‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬تسمّيه‭ ‬‮«‬الانتصار‭ ‬المطلق‮»‬‭ ‬على‭ ‬حماس،‭ ‬كما‭ ‬تستمع‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وزرائه،‭ ‬في‭ ‬مقدّمتهم‭ ‬سموتريتش‭ ‬وبن‭ ‬غفير،‭ ‬وهم‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬احتلال‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وأهمية‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬المستوطنات‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬ضمّ‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬رسمياً‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭.‬

لذا‭ ‬فالأرجح‭ ‬أن‭ ‬تفشل‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬في‭ ‬ردم‭ ‬الفجوة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وحركة‭ ‬حماس،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬موقفها‭ ‬المنحاز‭ ‬بالكامل‭ ‬للمشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬رغم‭ ‬خلافات‭ ‬ظاهرة‭ ‬طفيفة‭ ‬مع‭ ‬المواقف‭ ‬الحالية‭ ‬لحكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بتأدية‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬النزيه‭ ‬أو‭ ‬بطرح‭ ‬أي‭ ‬تصوّر‭ ‬جدّي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬حلّ‭ ‬حقيقي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

ففي‭ ‬مداخلة‭ ‬له‭ ‬أمام‭ ‬معهد‭ ‬بروكينجز،‭ ‬طرح‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن،‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن،‭ ‬تصوّر‭ ‬إدارته‭ ‬لـ«اليوم‭ ‬التالي‮»‬،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬لاءات‭ ‬ثلاث‭: ‬لا‭ ‬لعودة‭ ‬حماس‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬لا‭ ‬لعودة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إليه،‭ ‬لا‭ ‬لأي‭ ‬فراغ‭ ‬أو‭ ‬فوضى‭ ‬فيه‭. ‬وحول‭ ‬البديل‭ ‬الذي‭ ‬يفضّله،‭ ‬قال‭ ‬بايدن‭: ‬‮«‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ترك‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بلا‭ ‬حكم،‭ ‬وقد‭ ‬عملنا‭ ‬مع‭ ‬حلفائنا‭ ‬العرب‭ ‬طوال‭ ‬الشهر‭ ‬الماضي‭ ‬لوضع‭ ‬خطط‭ ‬لمستقبل‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‮»‬‭. ‬وشرح‭ ‬بلينكن‭ ‬ما‭ ‬يعنيه‭ ‬بالفراغ‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬يعني‭ ‬عودة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬القطاع،‭ ‬أو‭ ‬استمرار‭ ‬سيطرة‭ ‬حماس‭ ‬عليه،‭ ‬أو‭ ‬تركه‭ ‬للفوضى،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬غير‭ ‬مقبول‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬أشارت‭ ‬بعض‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأميركية‭ ‬والإسرائيلية،‭ ‬منذ‭ ‬أيام‭ ‬قليلة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬لدى‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬خططاً‭ ‬لإدارة‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حماس‮»‬،‭ ‬سواء‭ ‬وافقت‭ ‬الأخيرة‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬التبادل‭ ‬أم‭ ‬لم‭ ‬توافق‭. ‬وتقوم‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضلاع،‭ ‬الأول‭: ‬إعلان‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬أنها‭ ‬حقّقت‭ ‬انتصاراً‭ ‬كاملاً‭ ‬على‭ ‬حماس،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ألحقت‭ ‬بها‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬تجعلها‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬بـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬أو‭ ‬القيام‭ ‬بهجوم‭ ‬مماثل‭ ‬لما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭.‬

الثاني‭: ‬بقاء‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬محوري‭ ‬نتساريم‭ ‬وفيلادلفيا‭ ‬فترة‭ ‬غير‭ ‬محدودة،‭ ‬وذلك‭ ‬لملاحقة‭ ‬عناصر‭ ‬حماس،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬ولمواجهة‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يطرأ‭ ‬من‭ ‬تهديدات،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

الثالث‭: ‬تشكيل‭ ‬قوة‭ ‬مسلحة‭ ‬لضبط‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬تتكوّن‭ ‬من‭ ‬وحدات‭ ‬عربية،‭ ‬وتشرف‭ ‬عليها‭ ‬لجنة‭ ‬توجيهية‭ ‬يقودها‭ ‬ضباط‭ ‬أميركيون‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬القطاع‭ ‬وتتولى‭ ‬القيام‭ ‬بالمهام‭ ‬اللوجستية‭.‬

لا‭ ‬يحتاج‭ ‬المرء‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬تحليل‭ ‬متعمّق‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التصوّر‭ ‬صمّم‭ ‬لخدمة‭ ‬الأهداف‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بالكامل،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬تخيّل‭ ‬أن‭ ‬تبدي‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬استعدادها‭ ‬لتبنّيه‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لمجرد‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬باعتباره‭ ‬طرحاً‭ ‬قابلاً‭ ‬للنقاش‭.‬

فليس‭ ‬لهذا‭ ‬التصوّر‭ ‬سوى‭ ‬معنى‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬تطلب‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬‮«‬الحليفة‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تتولّى‭ ‬بنفسها‭ ‬محاربة‭ ‬حماس‭ ‬لحساب‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬والمساندة‭ ‬لنظام‭ ‬عنصري‭ ‬استيطاني‭ ‬توسّعي،‭ ‬أقيم‭ ‬على‭ ‬جماجم‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬مازالت‭ ‬دماؤهم‭ ‬ساخنة‭ ‬لم‭ ‬تجف‭ ‬بعد‭.‬

لذا‭ ‬أعتقد‭ ‬جازماً‭ ‬أنّ‭ ‬التصوّر‭ ‬الأمريكي‭ ‬لمرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬توقّف‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬سيفشل‭ ‬حتماً،‭ ‬لأنه‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬هدفه‭ ‬الحقيقي‭ ‬ليس‭ ‬إنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الوحشية‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬بل‭ ‬تمكين‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬بالسياسة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عجز‭ ‬عن‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬ميدان‭ ‬القتال‭.  ‬

 

{‭ ‬أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا