العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا لا تشكل الانتخابات في إيران فرصة للتغيير؟

بقلم: فاروق يوسف {

الأربعاء ١٠ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

إيران‭ ‬انتخبت‭ ‬رئيسا‭ ‬جديدا،‭ ‬وبحسب‭ ‬المراقبين،‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬كرئيس‭ ‬معتدل‭ ‬يمثل‭ ‬الجناح‭ ‬الإصلاحي‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬معنى‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هيمنة‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬وسيطرة‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬للثورة‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬السياسي؟

مرشح‭ ‬المحافظين‭ ‬المتشدد‭ ‬سعيد‭ ‬جليلي‭ ‬ومرشح‭ ‬الإصلاحيين‭ ‬مسعود‭ ‬بزشكيان‭ ‬انتقلا‭ ‬من‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬وهي‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬بزشكيان‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬رئيسا‭ ‬جديدا‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإيرانية‭.‬

بالتأكيد‭ ‬هناك‭ ‬مسافة‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬رئيس‭ ‬محافظ‭ ‬ورئيس‭ ‬إصلاحي‭. ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬المسافة‭ ‬تصغر‭ ‬وتكبر‭ ‬حسب‭ ‬الزاوية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭. ‬فتجربة‭ ‬رئيس‭ ‬إصلاحي‭ ‬ليست‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬إيران‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حسن‭ ‬روحاني‭ ‬وهو‭ ‬إصلاحي‭ ‬معمم‭.  ‬وحين‭ ‬زار‭ ‬روما‭ ‬اضطرت‭ ‬إدارة‭ ‬متحفها‭ ‬إلى‭ ‬تغطية‭ ‬التماثيل‭ ‬الأثرية‭ ‬الرومانية‭ ‬العارية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬زار‭ ‬المتحف‭.‬

بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬هيمنة‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬ومؤسساته‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬صار‭ ‬الإيرانيون‭ ‬على‭ ‬دراية‭ ‬بأساليب‭ ‬اللعبة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭. ‬فلا‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬محافظين‭ ‬وإصلاحيين‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخطاب‭ ‬الموجه‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭. ‬وهو‭ ‬خطاب‭ ‬يتسم‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الخداع‭ ‬والكذب‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬إصلاحيا‭ ‬وبالمناورة‭ ‬والتضليل‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬محافظا‭.‬

ولكن‭ ‬الرئيس‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬محافظا‭ ‬أو‭ ‬إصلاحيا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مؤمنا‭ ‬بخط‭ ‬الإمام‭ ‬الخميني‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬الذي‭ ‬يتولى‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬شؤونه‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬مؤسسة‭ ‬الرئاسة‭ ‬هي‭ ‬أدنى‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬التابعة‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭.‬

يبدو‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬مغلوبا‭ ‬على‭ ‬أمره‭ ‬ولكنه‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭ ‬عمليا‭. ‬كل‭ ‬الذين‭ ‬حكموا‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬ديمقراطيتها‭ ‬كانوا‭ ‬معادين‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬قدسهم‭ ‬ليست‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬العالم‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يكمن‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬المؤشرات‭ ‬على‭ ‬خضوعهم‭ ‬التام‭ ‬والطوعي‭ ‬لتعليمات‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭. ‬فالعداء‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬يشكل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مفردات‭ ‬الثورة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬بنظام‭ ‬حكم‭ ‬الملالي‭ ‬في‭ ‬إيران‭.‬

ذلك‭ ‬العداء‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬عنه‭ ‬التنظيمات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي؛‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والحوثيون‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬والحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التنظيمات‭ ‬إنما‭ ‬وُجدت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القفز‭ ‬على‭ ‬العروبة‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭. ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬التفكير‭ ‬برئيس‭ ‬إيراني‭ ‬إصلاحي‭ ‬باعتباره‭ ‬أملا‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬الساذج‭.‬

الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬اليائس‭ ‬من‭ ‬رئاسته‭ ‬لن‭ ‬ينتخب‭ ‬إلا‭ ‬رئيسا‭ ‬عدوّا‭ ‬للعرب‭. ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الخيار‭ ‬الوحيد‭ ‬أمامه‭ ‬وهو‭ ‬بحكم‭ ‬تربيته‭ ‬الوطنية‭ ‬والطائفية‭ ‬لن‭ ‬يرى‭ ‬شرا‭ ‬فيما‭ ‬يفعل‭. ‬سيكون‭ ‬ذلك‭ ‬فعلا‭ ‬ثانويا‭.‬

لا‭ ‬يثير‭ ‬العداء‭ ‬للعرب‭ ‬هواجس‭ ‬الإيرانيين‭ ‬العاديين‭. ‬ما‭ ‬يخيفهم‭ ‬حقا‭ ‬درجة‭ ‬العداء‭ ‬للعالم‭ ‬الخارجي‭. ‬ولقد‭ ‬كشف‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬عن‭ ‬موهبة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬التحكم‭ ‬بتلك‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سلوك‭ ‬حرباوي‭ ‬تصعيدي‭ ‬متلوّن‭. ‬

يلين‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬الإيراني‭ ‬حين‭ ‬يشتد‭ ‬حزم‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ممثلا‭ ‬بالغرب،‭ ‬أما‭ ‬حين‭ ‬تنخفض‭ ‬حدة‭ ‬الصوت‭ ‬الغربي‭ ‬فإن‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬يتشدد‭. ‬وفي‭ ‬الحالين‭ ‬يعرف‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬الأخير‭ ‬بيد‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬وأن‭ ‬مَن‭ ‬يفاوضونهم‭ ‬مجرد‭ ‬دمى‭ ‬محشوة‭ ‬بكلام،‭ ‬كل‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬شراء‭ ‬الوقت‭.‬

لا‭ ‬ينظر‭ ‬العالم‭ ‬باهتمام‭ ‬إلى‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬مع‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬تعرف‭ ‬شعوبها‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قيمة‭ ‬لأصواتها‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬التغيير‭. ‬ليست‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬فرصة‭ ‬للتغيير‭. ‬فالرئيس‭ ‬هناك‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬محافظا‭ ‬أم‭ ‬إصلاحيا‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬أصلا‭ ‬في‭ ‬التغيير‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬ولائه‭ ‬لمبادئ‭ ‬الثورة‭ ‬وإخلاصه‭ ‬لها‭.‬

رضا‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬هو‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬إلا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التصالح‭ ‬مع‭ ‬مؤسسة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬وهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أخطبوط‭ ‬يمد‭ ‬أذرعه‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬بسياستيها‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬وإلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بصادراته‭ ‬ووارداته،‭ ‬وإلى‭ ‬المجتمع‭ ‬باعتباره‭ ‬مختبرا‭ ‬لتطبيق‭ ‬قوانين‭ ‬الدولة‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬الحرس‭ ‬بحمايتها‭.‬

وسط‭ ‬ذلك‭ ‬النشاط‭ ‬المحتدم‭ ‬والمحكم‭ ‬تحل‭ ‬مفردة‭ ‬‮«‬إصلاح‮»‬‭ ‬بطريقة‭ ‬شاذة‭. ‬علينا‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نتأمل‭ ‬طويلا‭ ‬مفهوم‭ ‬الإصلاح‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬التأمل‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬اليأس‭. ‬يضع‭ ‬الإصلاحيون‭ ‬في‭ ‬أجندتهم‭ ‬مسألة‭ ‬إصلاح‭ ‬النظام‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬يغلب‭ ‬عليه‭ ‬الفساد‭ ‬بسبب‭ ‬هيمنة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬عليه‭. ‬تلك‭ ‬عملية‭ ‬ترقيع‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬خداع‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬وأن‭ ‬عبر‭ ‬عن‭ ‬استيائه‭ ‬من‭ ‬كبت‭ ‬الحريات‭ ‬العامة‭ ‬وبالأخص‭ ‬حرية‭ ‬المرأة‭.‬

وليس‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬التشاؤم‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬الجديد،‭ ‬رغم‭ ‬كونه‭ ‬إصلاحيا‭ ‬لن‭ ‬يجرؤ‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬الحريات‭ ‬العامة،‭ ‬فهو‭ ‬شخصيا‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬بحرية‭. ‬الرئيس‭ ‬سجين‭ ‬مؤسسة‭ ‬يحكم‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬قبضته‭ ‬عليها‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا