العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

اللوبي الصهيوني في أمريكا (إيباك).. وتحدي مجابهته

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ١٤ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

قبل‭ ‬الـسابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬وبعده،‭ ‬ظلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬دعمها‭ ‬الراسخ‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬منكرة‭ ‬إبادتها‭ ‬الجماعية‭ ‬وجرائمها‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬‮«‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬‭ ‬و«الضفة‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬والقدس‭. ‬هذا‭ ‬التبني‭ ‬الأمريكي‭ ‬الكامل‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬بالسياسة‭ ‬وبالسلاح‭ ‬والمال،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬رئيسها‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلى‭ ‬تجاوز‭ ‬الكونجرس‭ ‬مرتين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬وإمداد‭ ‬الاحتلال‭ ‬بمختلف‭ ‬صنوف‭ ‬الأسلحة‭ ‬خلال‭ ‬عدوانه‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬،‭ ‬ويدفعنا‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬‮«‬لجنة‭ ‬الشؤون‭ ‬العامة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬American‭-‬Israel‭ ‬Public‭ ‬Relations‭ ‬Committee‭ ‬AIPAC‭)) ‬التي‭ ‬جندت‭ ‬خلال‭ ‬أشهر‭ ‬الحرب‭ ‬مواردها‭ ‬السياسية‭ ‬والمالية‭ ‬والبشرية‭ ‬ومصالحها‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬ثابت‭ ‬أمريكي‭ ‬يواجه‭ ‬المظاهرات‭ ‬الألفية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬عواصم‭ ‬الولايات‭ ‬وأمام‭ ‬الكابيتول‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬دعمًا‭ ‬لفلسطين‭.‬

تأسست‭ ‬اللجنة‭ ‬‭ (‬AIPAC‭) ‬عام‭ ‬1954‭ ‬لتمثل‭ ‬اللوبي‭ ‬الضاغط‭ ‬الذي‭ ‬يستخدمه‭ ‬يهود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وأنصارهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توفير‭ ‬الدعم‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭ ‬بأشكاله‭ ‬كافة،‭ ‬توازيًا‭ ‬مع‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأخرى،‭ ‬بما‭ ‬يعمق‭ ‬التحالف‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬ويمنع‭ ‬حصول‭ ‬أي‭ ‬تحالفات‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬أي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬الضرر‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وكذلك‭ ‬منع‭ ‬الكونجرس‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬تشريعات‭ ‬تمس‭ ‬الأخيرة‭ ‬ولو‭ ‬بمقدار‭ ‬ضئيل،‭ ‬حيث‭ ‬تشكل‭ ‬هذه‭ (‬اللجنة‭) ‬السد‭ ‬المنيع‭ ‬والحاجز‭ ‬الحصين‭ ‬أمام‭ ‬استصدار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬تجاوبًا‭ ‬مع‭ ‬مظاهرات‭ ‬أو‭ ‬مطالبات‭ ‬عامة‭ ‬تقودها‭ ‬عادة‭ ‬شخصيات‭ ‬أمريكية‭ ‬تقدمية‭ ‬مؤيدة‭ ‬لفلسطين‭.‬

لطالما‭ ‬أكدت‭ ‬هذه‭ (‬اللجنة‭) ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬بوصفها‭ ‬‮«‬حامية‭ ‬حمى‭ ‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬في‭ (‬الشرق‭ ‬الأوسط‭!)‬،‭ ‬مهم‭ ‬جدًا‭ ‬لحماية‭ ‬المصالح‭ ‬الأمريكية‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬أخطار‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم‭ ‬المهم،‭ ‬ولطالما‭ ‬ضغطت‭ (‬اللجنة‭) ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نيل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬بواسطة‭ ‬تعميق‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬و‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬عن‭ ‬طريق‭: ‬زيادة‭ ‬الدعم‭ ‬بواسطة‭ ‬القروض،‭ ‬ثم‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬القروض‭ ‬إلى‭ ‬هبات،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬شطبها‭. ‬هذا،‭ ‬ويشكل‭ ‬اليهود‭ ‬النسبة‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬‮«‬إيباك‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬بشبكة‭ ‬علاقات‭ ‬تشمل‭ ‬مئات‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المتبرعين‭ ‬الأثرياء‭ ‬اليهود‭ ‬وغير‭ ‬اليهود،‭ ‬وترى‭ ‬نفسها‭ ‬الناطق‭ ‬باسم‭ ‬المجموعات‭ ‬اليهودية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة؛‭ ‬كالسياسيين‭ ‬والمنظمات‭ ‬ومجموعات‭ ‬الضغط‭ ‬وأجهزة‭ ‬الإعلام‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬والتفكير‭ ‬والطلاب‭.‬

تستميل‭ ‬‮«‬إيباك‮»‬‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الزيارات‭ ‬الخاصة‭ ‬ودعوتهم‭ ‬إلى‭ ‬لقاءات‭ ‬واحتفالات‭ ‬وموائد،‭ ‬وتتقرب‭ ‬من‭ ‬رؤساء‭ ‬اللجان‭ ‬العاملة‭ ‬داخل‭ ‬الكونغرس‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬ترتيب‭ ‬وتنظيم‭ ‬عمليات‭ ‬الاقتراع‭ ‬على‭ ‬قرارات‭ ‬ومشاريع‭ ‬القوانين،‭ ‬ولا‭ ‬تخصص‭ ‬‮«‬اللجنة‮»‬‭ ‬دعمها‭ ‬لحزبٍ‭ ‬دون‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الديمقراطيين‭ ‬أو‭ ‬الجمهوريين؛‭ ‬بل‭ ‬تقف‭ ‬مع‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يقفون‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭! ‬ويعتبر‭ ‬الرئيس‭ (‬جو‭ ‬بايدن‭) ‬أكثر‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬الذين‭ ‬تلقوا‭ ‬دعمًا‭ ‬ماليًا‭ ‬من‭ ‬المانحين‭ ‬الداعمين‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬،‭ ‬خلال‭ (‬1990‭ ‬‭ ‬2009‭) ‬عبر‭ ‬عضويته‭ (‬سبع‭ ‬فترات‭)‬،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬نائبًا‭ ‬للرئيس‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭. ‬كما‭ ‬تعتبر‭ ‬‮«‬إيباك‮»‬‭ ‬أكبر‭ ‬جهة‭ ‬مانحة‭ ‬لزعماء‭ ‬وأعضاء‭ ‬ديمقراطيين‭ ‬وجمهوريين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء،‭ ‬وتموّل‭ (‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤسسات‭ ‬ترعاها‭) ‬رحلات‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونغرس‭ ‬إلى‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وتقدم‭ ‬تبرعات‭ ‬لمجموعات‭ ‬سياسية‭ ‬وثقافية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لترسيخ‭ ‬‮«‬المعلومات‮»‬‭ ‬الكاذبة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وإبقاء‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونغرس‭ ‬من‭ ‬الحزبين‭ ‬الجمهوري‭ ‬والديمقراطي‭ ‬على‭ ‬مواقفهم‭ ‬الراسخة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭.‬

أما‭ ‬الجانب‭ ‬الأكثر‭ ‬ظلمة‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬‮«‬إيباك‮»‬‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬بالكونغرس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فيتمثل‭ ‬في‭ ‬تهديدها‭ ‬الدائم‭ ‬للنواب‭ ‬والأعضاء‭ ‬الذين‭ ‬يتعاطفون‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتسيير‭ ‬حملات‭ ‬الإعلانات‭ ‬ضدهم،‭ ‬وضد‭ ‬المرشحين‭ ‬التقدميين‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬التمهيدية‭ ‬للحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والجمهوري،‭ ‬لصالح‭ ‬مرشحين‭ ‬أكثر‭ ‬دعمًا‭ ‬لـ‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬المعروفة‭ ‬بمناصرتها‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتفعيل‭ ‬ذات‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬المؤثرين‭ (‬Influencers‭) ‬حول‭ ‬العالم،‭ ‬واستهداف‭ ‬وعي‭ ‬الشباب‭ ‬الأمريكي،‭ ‬ومحاولة‭ ‬تعزيز‭ ‬الرواية‭ ‬الصهيونية‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بينت‭ ‬نتائج‭ ‬استطلاع‭ ‬أمريكي‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬هؤلاء‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬تفكيك‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وعودة‭ ‬كل‭ ‬يهودي‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭ ‬الأصلي‭!‬

لا‭ ‬ننكر‭ ‬براعة‭ ‬الـــ«إيباك‮»‬‭ ‬وأخواتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬الأموال‭ ‬وصرفها‭ ‬لدعم‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬لكننا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬اللوبي‮»‬‭ ‬الأخطبوطي‭ ‬يمر‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬أزمة‭ ‬هوية‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬حياته‭ ‬أصبحت‭ ‬معقدة،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬إطلاق‭ ‬ائتلاف‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬المصالح‭ ‬التقدمية‭ ‬مبادرة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬ارفض‭ ‬إيباك‮»‬‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لمواجهة‭ ‬مبلغ‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تنفقه‭ ‬‮«‬إيباك‮»‬‭ ‬لهزيمة‭ ‬مرشحي‭ ‬الكونجرس‭ ‬الذين‭ ‬شجبوا‭ ‬معاناة‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬ويبقى‭ ‬السؤال‭: ‬متى‭ ‬نؤسس‭ ‬ونمؤسس‭ ‬‮«‬لجنة‮»‬‭ ‬تواجه‭ ‬‮«‬لجنة‭ ‬إيباك‮»‬،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬استحواذ‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬التأييد‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬لا‭ ‬بل،‭ ‬والعالمي‭ ‬أيضا‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهنا‭! ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا