العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دلالات فوز اليسار وهزيمة اليمين المتطرف في فرنسا

بقلم: باسم برهوم

الاثنين ١٥ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

خلال‭ ‬أسبوع‭ ‬انتفضت‭ ‬فرنسا‭ ‬ديمقراطيا،‭ ‬ونحت‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬جانبا،‭ ‬وربحت‭ ‬نفسها،‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬ربحت‭ ‬أوروبا‭ ‬نفسها‭ ‬ايضا،‭ ‬ولا‭ ‬نبالغ‭ ‬ان‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬الإنسانية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬قد‭ ‬ربحت،‭ ‬فعندما‭ ‬يهيمن‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬البشرية‭ ‬ان‭ ‬تحبس‭ ‬أنفاسها،‭ ‬فالتاريخ‭ ‬علمنا‭ ‬ان‭ ‬أوروبا‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬قد‭ ‬تجر‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬أجواء‭ ‬مشحونة‭ ‬وعنصرية،‭ ‬وربما‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬تدمر‭ ‬الحياة‭ ‬البشرية‭. ‬هذه‭ ‬المخاوف‭ ‬لها‭ ‬أسبابها‭ ‬فعندما‭ ‬حكمت‭ ‬القوى‭ ‬الفاشية‭ ‬المانيا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬في‭ ‬ثلاثينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬لم‭ ‬يعتقد‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬سيجر‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثانية‭ ‬عام‭ ‬1939‭.‬

أوروبا‭ ‬ربحت‭ ‬لان‭ ‬فرنسا‭ ‬بلد‭ ‬رئيسي‭ ‬ومؤثر‭ ‬فيها‭. ‬فهي‭ ‬دولة‭ ‬كبرى‭ ‬ونتائج‭ ‬انتخاباتها‭ ‬تؤثر‭ ‬وتغير‭ ‬الموازين،‭ ‬ولكان‭ ‬بالفعل‭ ‬وجه‭ ‬أوروبا‭ ‬الذي‭ ‬عرفناه‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬سيتغير‭ ‬حتما،‭ ‬وتعود‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬العجوز‭ ‬إلى‭ ‬وجهها‭ ‬العنصر‭ ‬والاستعماري‭ ‬الأكثر‭ ‬كحالة،‭ ‬وتكون‭ ‬سيئة‭ ‬لنفسها‭ ‬وللعالم‭. ‬ان‭ ‬فشل‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬قدم‭ ‬فرصة‭ ‬لكي‭ ‬تعيد‭ ‬أوروبا‭ ‬حساباتها‭ ‬وتقوم‭ ‬بتغيير‭ ‬بعض‭ ‬سياساتها،‭ ‬وان‭ ‬تركز‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬الحوار‭ ‬والتسامح،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬لهم‭ ‬ذاكرة‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬البشعة‭ ‬الكثير،‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬لان‭ ‬جيل‭ ‬الشباب‭ ‬اقل‭ ‬ثقافة‭ ‬وإطلاع‭ ‬على‭ ‬التاريخ،‭ ‬فالعالم‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬في‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬المعلومات‭ ‬وسرعة‭ ‬تناقل‭ ‬وتبادل‭ ‬المعلومات‭ ‬احدثت‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الفوضى‭ ‬الفكرية،‭ ‬واحدثت‭ ‬فجوات‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬التي‭ ‬تراكم‭ ‬بطريق‭ ‬متقطعة‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬معها‭ ‬الناس‭ ‬الاستفادة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عبر‭ ‬دروس‭ ‬التاريخ‭.‬

بغض‭ ‬النظر‭ ‬فإن‭ ‬الصحوة‭ ‬الفرنسية‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬تؤكد‭ ‬ان‭ ‬الإنسان‭ ‬الأوروبي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يصوت‭ ‬بمسؤولية‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الخطر‭ ‬داهما،‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسي‭ ‬الوجودي‭ ‬جون‭ ‬بول‭ ‬سارتر‭ ‬وبعد‭ ‬حربين‭ ‬عالميتين‭ ‬شهدتهما‭ ‬أوروبا‭ ‬قال‭: ‬‮«‬الحرية‭ ‬الفردية‭ ‬مسؤولية،‭ ‬والحرية‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬مسؤولية،‭ ‬بمعنى‭ ‬ان‭ ‬الفرد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يمنع‭ ‬فوز‭ ‬الفاشية‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬

على‭ ‬أي‭ ‬حال‭ ‬أثبتت‭ ‬فرنسا‭ ‬انها‭ ‬منحازة‭ ‬إلى‭ ‬ثقافتها‭ ‬التنويرية‭ ‬لا‭ ‬للتعصب‭ ‬والعنصرية‭. ‬فالشعب‭ ‬الفرنسي‭ ‬أنقذ‭ ‬هوية‭ ‬فرنسا‭ ‬الثقافية‭ ‬التنويرية،‭ ‬وأنقذ‭ ‬هوية‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬المنفتحة‭ ‬على‭ ‬الاخر،‭ ‬وهذه‭ ‬اراحت‭ ‬الجميع‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬فاشيي‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬القلاع‭ ‬والاسوار‭ ‬العالية،‭ ‬وعلى‭ ‬اعتبار‭ ‬الاخر‭ ‬عرقا‭ ‬أدنى‭.‬

الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ربما‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬يتابع‭ ‬الانتخابات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية،‭ ‬والفلسطيني‭ ‬يقيس‭ ‬الأمور‭ ‬بميزان‭ ‬الذهب،‭ ‬ويريد‭ ‬ان‭ ‬يرى‭ ‬قوى‭ ‬سياسية‭ ‬أكثر‭ ‬ميلا‭ ‬للعدل،‭ ‬واحترام‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬املا‭ ‬بأن‭ ‬تدعم‭ ‬حقوقه‭ ‬وترفع‭ ‬عنه‭ ‬الظلم‭ ‬التاريخي‭ ‬المزمن،‭ ‬وهو‭ ‬يهتم‭ ‬بأوروبا‭ ‬أكثر‭ ‬لان‭ ‬شعوب‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬ان‭ ‬استقيظوا،‭ ‬ونفضوا‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬ارث‭ ‬تاريخهم‭ ‬الاستعماري،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬حال‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفي‭ ‬فلسطين‭ ‬سوف‭ ‬يتبدل،‭ ‬فهذه‭ ‬القارة‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬الظلم‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬فرحة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بنتائج‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬للانتخابات‭ ‬الفرنسية‭ ‬كبيرة‭ ‬واعطتهم‭ ‬املا‭ ‬بإمكانية‭ ‬انصافهم‭.‬

الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لا‭ ‬يعادي‭ ‬أحدا‭ ‬ولا‭ ‬يعادي‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬ولا‭ ‬غيرها‭ ‬وانما‭ ‬هو‭ ‬يقرأ‭ ‬ويسمع‭ ‬ويراقب‭ ‬المواقف،‭ ‬وعندما‭ ‬يشعر‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يناصب‭ ‬قضيته‭ ‬العداء‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬ان‭ ‬يفرح‭ ‬أو‭ ‬يغضب‭ ‬لنتائج‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬أو‭ ‬تلك‭. ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬فرنسا‭ ‬الان‭ ‬تمنحه‭ ‬املا‭ ‬أكثر،‭ ‬لان‭ ‬شبح‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬يرتبط‭ ‬مع‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعلاقات‭ ‬قوية‭ ‬قد‭ ‬ابتعد‭ ‬قليلا‭ ‬وللسنوات‭ ‬القادمة‭.‬

فوز‭ ‬اليسار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وان‭ ‬يأتي‭ ‬حزب‭ ‬الوسط،‭ ‬حزب‭ ‬ماكرون‭ ‬ثانيا‭ ‬وخسارة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬هو‭ ‬امر‭ ‬مهم،‭ ‬صحيح‭ ‬ان‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬الاطراف‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬الأغلبية‭ ‬المطلقة،‭ ‬ولكن‭ ‬النتائج‭ ‬قالت‭ ‬إن‭ ‬الشعب‭ ‬الفرنسي‭ ‬يرفض‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف،‭ ‬وان‭ ‬الشعب‭ ‬اختار‭ ‬اليسار‭ ‬والوسط‭ ‬واليمين‭ ‬التقليدي‭ ‬وجميعهم‭ ‬اقل‭ ‬ضررا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬ما‭ ‬يأمله‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬تقود‭ ‬هذه‭ ‬النتائج‭ ‬إلى‭ ‬اعتراف‭ ‬فرنسا‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وعندها‭ ‬فقط‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬قد‭ ‬انتصر‭ ‬لفكره‭ ‬التنويري‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا