العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

هذه النزعة المتأصلة لإبادة الشعوب والعجز الدولي!

{‭ ‬مرارًا‭ ‬كتبت‭ ‬عما‭ ‬فعله‭ ‬المهاجرون‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬للسكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬‮«‬الهنود‭ ‬الحمر‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬أغلب‭ ‬أولئك‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭! ‬وهم‭ ‬ذاتهم‭ ‬الذين‭ ‬فعلوا‭ ‬ما‭ ‬فعلوه‭ ‬بالهنود‭ ‬الحمر‭ ‬ضد‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين‭ ‬في‭ ‬أستراليا‭ ‬أيضا‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بحكم‭ ‬البيض‭! ‬واليوم‭ ‬ذات‭ ‬المنوال‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬1948‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وهذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تتبع‭ ‬ذات‭ (‬العقلية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الاستئصالية‭) ‬ضدّ‭ ‬شعب‭ ‬فلسطيني،‭ ‬متشبث‭ ‬بأرضه‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬مآسي‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬9‭ ‬أشهر‮»‬‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مثل‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬تحت‭ ‬قبضة‭ ‬الفوضى‭ ‬والحروب‭ ‬وعامل‭ ‬التدمير‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬أثبتت‭ ‬‮«‬العقلية‭ ‬الاستئصالية‮»‬‭ ‬أنها‭ ‬مستمرة‭ ‬في‭ ‬نهجها،‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬اعتبار‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬أو‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬لشعارات‭ ‬‮«‬الليبرالية‭ ‬الكاذبة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬والكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬إنتاجها‭! ‬لتصبح‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬مكشوفة‭ ‬تمامًا،‭ ‬وتعاني‭ ‬من‭ ‬اهتراء‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬بقيادة‭ ‬المستعمرين‭ ‬الغربيين،‭ ‬واهتراء‭ ‬مؤسساته،‭ ‬وانعدام‭ ‬أي‭ ‬منظور‭ ‬إنساني‭ ‬وأخلاقي‭ ‬يمكن‭ ‬الاستناد‭ ‬إليه‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬وغزة‭ ‬تشهد‭ ‬المجازر،‭ ‬آخرها‭ ‬مجزرة‭ ‬‮«‬المواصي‮»‬‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لها‭ ‬مجزرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ومرة‭ ‬بحجة‭ ‬ملاحقة‭ ‬القيادات‭ ‬و«محمد‭ ‬ضيفا‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يثبت‭ ‬وجوده‭ ‬أو‭ ‬قتله‭ ‬في‭ ‬المكان‭! ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬استشهد‭ ‬هم‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والمدنيين‭ ‬في‭ ‬مشاهد‭ ‬ينخلع‭ ‬لها‭ ‬القلب‭ ‬لوحشيتها‭ ‬وقسوتها،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك،‭ (‬يتباهى‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬وجنوده‭ ‬بخروجهم‭ ‬من‭ ‬مربع‭ ‬الإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬مربع‭ ‬الكائنات‭ ‬الدخيلة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭) ‬وحيث‭ ‬حتى‭ ‬الحيوانات‭ ‬تخجل‭ ‬من‭ ‬أفعالهم‭ ‬ووحشيتهم‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬بادعاء‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭!‬

{‭ ‬هذه‭ ‬النزعة‭ ‬المتأصلة‭ ‬للإبادة‭ ‬التي‭ ‬كرسها‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان،‭ ‬فجاءت‭ ‬لتتجلىّ‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬اللقيط،‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم،‭ ‬وتتألم‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬وكل‭ ‬أصحاب‭ ‬الضمير‭ ‬مما‭ ‬يشاهدونه،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬مستمرة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬ببشاعة‭ ‬أكبر،‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬للسجناء‭ ‬والمعتقلين‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬الكيان‭ ‬أبسط‭ ‬الحقوق‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تمارس‭ ‬ضدّهم‭ ‬أبشع‭ ‬أنواع‭ ‬التعذيب‭ ‬التي‭ ‬فاقت‭ ‬كل‭ ‬البشاعات‭ ‬التعذيبية‭ ‬السابقة‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تصاعد‭ ‬الوفيات‭ ‬بسبب‭ ‬القصف‭ ‬الجوي‭ ‬المتواصل،‭ ‬يترك‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬ونقص‭ ‬الأدوية،‭ ‬والظروف‭ ‬البيئية‭ ‬القاتلة،‭ ‬والنزوح‭ ‬المستمر‭ ‬واستهداف‭ ‬النازحين،‭ ‬يترك‭ ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬بدورهم‭ ‬للموت‭! ‬ليتضاعف‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬إلى‭ ‬أضعاف‭ ‬مضاعفة‭ ‬في‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬في‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬50‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‮»‬،‭ ‬منهم‭ ‬آلاف‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬وهذا‭ ‬العدد‭ ‬سيتكشف‭ ‬لاحقًا‭ ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ‮«‬200‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‮»‬‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬نشرته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬الجارديان‮»‬‭ ‬البريطانية‭! ‬والمتوقع‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أيضًا‭.‬

{‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يبرّر‭ ‬هذا‭ (‬العجز‭ ‬الدولي‭) ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬مستسلم‭ ‬تمامًا‭ ‬لسطوة‭ ‬وحوش‭ ‬وشياطين‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬الذين‭ ‬يمدون‭ ‬الكيان‭ ‬القاتل‭ ‬بكل‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬واللوجستي‭ ‬ليمارس‭ ‬وحشيته‭ ‬وإبادته‭! ‬

في‭ ‬خطاب‭ ‬الغرب‭ ‬الإعلامي‭ ‬والسياسي‭ ‬تتضح‭ ‬الهوّة‭ ‬بين‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال،‭ ‬وحيث‭ ‬تغليف‭ ‬التناقضات‭ ‬بالخطاب‭ ‬الناعم‭ ‬بعد‭ ‬الانسلاخ‭ ‬عن‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجديًا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬انكشاف‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لمأساة‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬تحت‭ ‬قبضة‭ ‬‮«‬النزعة‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬المتأصلة‭ ‬للإبادة،‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬وأطماعها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬القميئة‭! ‬وحيث‭ ‬رفاهية‭ ‬الغرب‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬الطويلة‭ ‬الماضية،‭ ‬كانت‭ ‬بسبب‭ ‬استمرار‭ ‬الإذلال‭ ‬ونهب‭ ‬ثروات‭ ‬الشعوب‭ ‬الأضعف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تستمر‭ ‬عليه‭ ‬العقلية‭ ‬الوحشية‭ ‬للغرب‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭!‬

{‭ ‬أحداث‭ ‬غزة‭ ‬طرحت‭ ‬مرارًا‭ ‬تساؤل‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬عن‭ (‬بنية‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭) ‬المحكوم‭ ‬بهذه‭ ‬العقلية‭ ‬العنصرية‭ ‬والاستعلائية‭ ‬للمستعمرين‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭ ‬ضدّ‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬العالم‭ ‬محفوفًا‭ ‬بالمخاطر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وفق‭ ‬أجندة‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى‭! ‬التي‭ ‬تنتهك‭ ‬كل‭ ‬القواعد‭ ‬الدولية،‭ ‬وحتى‭ ‬ما‭ ‬تدعيه‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬ومُثل‭ ‬استخدمها‭ ‬المستعمرون‭ ‬لترسيخ‭ ‬هيمنتهم‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومحاولتهم‭ ‬الكارثية‭ ‬لقتل‭ ‬‮«‬التنوع‭ ‬الحضاري‮»‬‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬لتكون‭ ‬تحت‭ ‬تبعية‭ ‬قيم‭ ‬الليبرالية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬الغربية‭ ‬الزائفة‭ ‬والمأزومة‭ ‬وحكم‭ ‬القانون‭ ‬واقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬والتجارة‭ ‬ومنظمات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والبنك‭ ‬الدولي‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وكلها‭ ‬وفق‭ ‬المقاسات‭ ‬والإرشادات‭ ‬والهيمنة‭ ‬لتلك‭ ‬الدول‭!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أنتج‭ ‬التدمير‭ ‬الممنهج‭ ‬لاستقلالية‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول،‭ ‬وفرض‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬الإبادة‭ ‬الجماعة‮»‬‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬استدعت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬كالذي‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ومنها‭ ‬غزة‭! ‬لأن‭ ‬وحوش‭ ‬العصر‭ ‬الاستعماري‭ ‬الجديد،‭ ‬يعتقدون‭ ‬في‭ ‬أنفسهم‭ ‬أنهم‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬البشرية‭! ‬ومن‭ ‬حقهم‭ ‬سفك‭ ‬الدماء‭ ‬والقتل‭ ‬والدوس‭ ‬على‭ ‬هويات‭ ‬الشعوب‭ ‬وحضاراتها‭ ‬وتاريخها‭ ‬وثقافاتها‭ ‬وجعلها‭ ‬تقلدهم‭ ‬كنموذج‭!‬،‭ ‬بل‭ ‬وارتكاب‭ ‬المجازر‭ ‬ضدها‭ ‬والحروب،‭ ‬لتكون‭ ‬أحداث‭ ‬غزة،‭ ‬مجرد‭ ‬تتويج‭ ‬أخير‭ ‬لتلك‭ ‬النزعة‭ ‬العنصرية‭ ‬واللاأخلاقية‭ ‬واللاإنسانية‭ ‬لشياطين‭ ‬العصر‭! ‬فيما‭ ‬العجز‭ ‬الدولي‭ ‬يتجلى‭ ‬بدوره‭ ‬بشكل‭ ‬فاقع،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يحتمله‭ ‬أي‭ ‬منطق‭ ‬وأي‭ ‬عقل‭! ‬والسؤال‭ ‬إلى‭ ‬متى؟‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا