العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

في ظل التشرد والموت: آباء وأمهات صغار في مخيمات نزوح غزة

بقلم: سما حسن

الجمعة ١٩ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

تقف‭ ‬على‭ ‬باب‭ ‬الخيمة‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬وتصدر‭ ‬صوتا‭ ‬خافتا‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬نحنحة‭ ‬خجولة،‭ ‬وتحرك‭ ‬الباب‭ ‬برفق‭ ‬بحيث‭ ‬يشعر‭ ‬مَنْ‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬بقدومها،‭ ‬ويكون‭ ‬الوقت‭ ‬مبكراً‭ ‬جداً،‭ ‬ولذلك،‭ ‬فإن‭ ‬مَنْ‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬يعرفون‭ ‬حتماً‭ ‬مَنْ‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬فيطل‭ ‬أحدهم‭ ‬رأسه‭ ‬وهو‭ ‬يحمل‭ ‬‮«‬بقجة‮»‬‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الملابس،‭ ‬ويمدها‭ ‬نحوها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينبس‭ ‬ببنت‭ ‬شفه،‭ ‬وتفعل‭ ‬هي‭ ‬بالمثل،‭ ‬فتلتقط‭ ‬البقجة‭ ‬وتغيب‭ ‬سريعاً‭ ‬عن‭ ‬ناظرَيه،‭ ‬وتعود‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬المساء،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬حاملة‭ ‬بين‭ ‬كفَيها‭ ‬محتوى‭ ‬البقجة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬عمود‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬الملابس‭ ‬المهندمة‭ ‬والمرتبة،‭ ‬التي‭ ‬تفوح‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬مسحوق‭ ‬غسيل‭ ‬يدوي‭ ‬رخيص،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الرائحة‭ ‬تشي‭ ‬بأن‭ ‬الملابس‭ ‬نظيفة،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬قام‭ ‬بغسلها‭ ‬قد‭ ‬اعتنى‭ ‬بذلك‭ ‬جيداً‭.‬

إنها‭ ‬في‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬لكنها‭ ‬فجأة‭ ‬شعرت‭ ‬بأنها‭ ‬قد‭ ‬أصبحت‭ ‬تبلغ‭ ‬أضعاف‭ ‬هذا‭ ‬العمر‭ ‬حين‭ ‬فقدت‭ ‬ألعابها‭ ‬في‭ ‬بيتهم‭ ‬الصغير‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬غزة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬خيمة‭ ‬مع‭ ‬أقاربها،‭ ‬وقد‭ ‬استشهد‭ ‬والداها‭ ‬وإخوتها‭ ‬الأربعة،‭ ‬ولم‭ ‬يبقَ‭ ‬سواها،‭ ‬هي‭ ‬وشقيقها‭ ‬الأصغر‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬فأخذها‭ ‬أحد‭ ‬أقاربها‭ ‬لتعيش‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬خيمة،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬لها‭ ‬غيرهم،‭ ‬وصور‭ ‬باهتة‭ ‬للبيت‭ ‬الصغير‭ ‬الذي‭ ‬ذهب‭ ‬وذهب‭ ‬معه‭ ‬والداها‭ ‬وباقي‭ ‬إخوتها‭.‬

وهي‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬كيف‭ ‬فرّوا‭ ‬رعباً‭ ‬من‭ ‬بيتهم‭ ‬بعد‭ ‬قصْفه،‭ ‬ولم‭ ‬تشعر‭ ‬بنفسها‭ ‬إلاّ‭ ‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬قدماها‭ ‬إلى‭ ‬آلة‭ ‬للعدو،‭ ‬وبينما‭ ‬كانت‭ ‬تركض،‭ ‬سمعت‭ ‬صوت‭ ‬بكاء‭ ‬وراءها،‭ ‬فتوقفت‭ ‬قليلاً‭ ‬لتجد‭ ‬شقيقها‭ ‬الأصغر‭ ‬يمسك‭ ‬بثوبها‭ ‬ويبكي،‭ ‬وهكذا‭ ‬أدركت‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬غيرهما‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬وسمعت‭ ‬صوت‭ ‬إحدى‭ ‬قريباتها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسكن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬بيتهم‭ ‬تحثها‭ ‬على‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬الجري،‭ ‬وهكذا‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنقّلوا‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخيمة‭ ‬مع‭ ‬شقيقها‭ ‬الذي‭ ‬أصبحت‭ ‬أمًّا‭ ‬له،‭ ‬لكن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تعيل‭ ‬نفسها‭ ‬وألاّ‭ ‬تشعر‭ ‬بأنها‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬أقاربها‭ ‬الذين‭ ‬تربطهم‭ ‬بعائلتها‭ ‬صِلَة‭ ‬بعيدة‭.‬

وهكذا‭ ‬تفتّق‭ ‬ذهنها‭ ‬الصغير‭ ‬عن‭ ‬فكرة،‭ ‬فأصبحت‭ ‬تغسل‭ ‬الملابس‭ ‬لمن‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬مقابل‭ ‬مبلغ‭ ‬صغير،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬ملابس‭ ‬خاصة‭ ‬بالعاملين‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬كالصحفيين،‭ ‬وموظفي‭ ‬الإغاثة،‭ ‬الذين‭ ‬يقضون‭ ‬فترات‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬خيام‭ ‬مخصصة‭ ‬لهم،‭ ‬فتغسل‭ ‬ملابسهم‭ ‬لقاء‭ ‬مقابل‭ ‬مادي،‭ ‬وأحياناً‭ ‬يمنحونها‭ ‬بعض‭ ‬الطعام‭.‬

لقد‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الأيام،‭ ‬لكنها‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬حين‭ ‬يأتي‭ ‬لكي‭ ‬تسرع‭ ‬وتنتهي‭ ‬من‭ ‬عملها‭ ‬وتراقب‭ ‬الملابس‭ ‬النظيفة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تجف‭ ‬على‭ ‬حبال‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬خيمتها،‭ ‬ثم‭ ‬تعود‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها،‭ ‬وحين‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المال،‭ ‬تشتري‭ ‬قطعة‭ ‬حلوى‭ ‬لشقيقها،‭ ‬وقد‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تدّخر‭ ‬مبلغاً‭ ‬صغيراً،‭ ‬وابتاعت‭ ‬له‭ ‬خفاًّ‭ ‬من‭ ‬البلاستيك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ظل‭ ‬أياما‭ ‬طويلة‭ ‬يمشي‭ ‬حافياً‭.‬

حالها‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬طفل‭ ‬آخر‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬من‭ ‬عائلته‭ ‬سواه،‭ ‬وأصبح‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬وقد‭ ‬رآه‭ ‬الجميع‭ ‬بعيون‭ ‬باكية‭ ‬وهو‭ ‬يمشي‭ ‬في‭ ‬جنازة‭ ‬أخيه‭ ‬الأخير‭ ‬المتبقّي‭ ‬من‭ ‬العائلة،‭ ‬وشعروا‭ ‬كلّهم‭ ‬بما‭ ‬يشعر‭ ‬به‭ ‬قلب‭ ‬الصغير‭ ‬من‭ ‬أسى،‭ ‬وَهُم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬كيف‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬القطاع‭ ‬مع‭ ‬شقيقه،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬صامتاً،‭ ‬وتحدّث‭ ‬عن‭ ‬قصْف‭ ‬بيتهم‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزة،‭ ‬وكيف‭ ‬ظل‭ ‬يركض‭ ‬مع‭ ‬شقيقه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬بين‭ ‬جموع‭ ‬غفيرة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬وأصوات‭ ‬تطلب‭ ‬منهم‭ ‬عبر‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت‭ ‬وبلكنة‭ ‬غريبة،‭ ‬لكن‭ ‬بكلمات‭ ‬عربية،‭ ‬أن‭ ‬يتوجهوا‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب،‭ ‬وهكذا،‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬القطاع،‭ ‬ويده‭ ‬الصغيرة‭ ‬تمسك‭ ‬بيد‭ ‬شقيقه‭ ‬الذي‭ ‬يصغره‭ ‬بعامَين،‭ ‬وأنهما‭ ‬أمضيا‭ ‬أياماً‭ ‬طويلة‭ ‬وهما‭ ‬يجمعان‭ ‬بقايا‭ ‬الطعام،‭ ‬حتى‭ ‬تعثّرا‭ ‬بعبوة‭ ‬تشبه‭ ‬عبوات‭ ‬المعلّبات،‭ ‬فطار‭ ‬بها‭ ‬شقيقه‭ ‬فرحاً‭ ‬ظناًّ‭ ‬منه‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬وجبة‭ ‬مشبعة‭ ‬ليوم‭ ‬كامل،‭ ‬وحين‭ ‬فرّ‭ ‬بها‭ ‬بعيداً‭ ‬لكي‭ ‬يستأثر‭ ‬بِفَرْحَةِ‭ ‬فَتْحِهَا،‭ ‬تبيّن‭ ‬أنها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قنبلة‭ ‬انفجرت‭ ‬بين‭ ‬يدَيه،‭ ‬وأودت‭ ‬بحياته‭ ‬على‭ ‬الفور‭. ‬وهكذا،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬وحيداً‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬نقْل‭ ‬الماء‭ ‬للنازحين‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬لقمته،‭ ‬وقد‭ ‬عمل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬المرهق‭ ‬لطفولته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يؤمّن‭ ‬قروشاً‭ ‬ابتاع‭ ‬بها‭ ‬معطفاً‭ ‬لشقيقه،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬يصبح‭ ‬وحيداً‭ ‬ومسؤولاً‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬شيئاً‭ ‬عن‭ ‬عائلته‭ ‬سوى‭ ‬أسمائهم‭.‬

أمّا‭ ‬الأب‭ ‬الثلاثينيّ،‭ ‬فبعد‭ ‬رحيل‭ ‬زوجته،‭ ‬وبدقّة‭ ‬أكثر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تركها‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬أصبح‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعتني‭ ‬بأطفالهما‭ ‬الأربعة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬ابنه‭ ‬الأكبر‭ ‬ذا‭ ‬الـ12‭ ‬عاماً،‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬جرّاء‭ ‬شلل‭ ‬دماغي‭ ‬منذ‭ ‬ولادته‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كلّه،‭ ‬أصبح‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬مصدر‭ ‬رزق‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬النزوح،‭ ‬ولم‭ ‬يجد‭ ‬أمامه‭ ‬حلاًّ‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬‮«‬بسطة‮»‬‭ ‬صغيرة،‭ ‬ويبيع‭ ‬فوقها‭ ‬بعض‭ ‬مواد‭ ‬التنظيف‭ ‬الرخيصة،‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بتركيبها‭ ‬بيدَيه،‭ ‬فقد‭ ‬اكتسب‭ ‬هذه‭ ‬الخبرة‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مصانع‭ ‬المنظفات‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬مدن‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬ومع‭ ‬بدء‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وعودته‭ ‬إليها،‭ ‬استطاع‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬المبادئ‭ ‬الأولية‭ ‬لهذه‭ ‬الصناعة‭ ‬ومن‭ ‬خامات‭ ‬بسيطة‭. ‬وهكذا،‭ ‬أصبحت‭ ‬له‭ ‬‮«‬بسطة‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬الخيمة،‭ ‬وحين‭ ‬يتعيّن‭ ‬عليه‭ ‬العناية‭ ‬بنظافة‭ ‬ابنه‭ ‬المريض،‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حمام‭ ‬يومي‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬توافر‭ ‬الماء،‭ ‬وتطلُّب‭ ‬ذلك‭ ‬جهداً‭ ‬مضاعفاً،‭ ‬مِن‭ ‬إشعال‭ ‬النار‭ ‬وتسخين‭ ‬الماء‭ ‬وتغسيل‭ ‬كائن‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يساعده‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬خلع‭ ‬ثيابه،‭ ‬فهو‭ ‬يترك‭ ‬بضاعته‭ ‬لابنته‭ ‬الصغيرة‭ ‬ذات‭ ‬الـ10‭ ‬أعوام،‭ ‬والتي‭ ‬تقوم‭ ‬ببيع‭ ‬الزبائن،‭ ‬لكنها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنها‭ ‬تتعرض‭ ‬للاستغلال،‭ ‬إذ‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يسرق‭ ‬منها‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬البضاعة‭ ‬خلسة،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يعطيها‭ ‬نقوداً‭ ‬ممزقة‭ ‬ومهترئة،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬كي‭ ‬يرعى‭ ‬ابنه‭ ‬المريض،‭ ‬ثم‭ ‬يعود‭ ‬ليقف‭ ‬أمام‭ ‬بسطته‭ ‬بينما‭ ‬تقوم‭ ‬طفلته،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أمًّا‭ ‬لإخوتها‭ ‬الصغار،‭ ‬بغسل‭ ‬الملابس‭ ‬وتنظيف‭ ‬الخيمة‭ ‬بقدر‭ ‬استطاعتها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يحين‭ ‬موعد‭ ‬الوجبة‭ ‬اليومية،‭ ‬التي‭ ‬يجتمعون‭ ‬عليها،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬معلبات‭ ‬رديئة‭ ‬الجودة‭ ‬مع‭ ‬خبز‭ ‬جاف‭ ‬تقوم‭ ‬جارتهم‭ ‬العجوز‭ ‬بِخَبْزِهِ‭ ‬على‭ ‬الحطب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يمنحوها‭ ‬الدقيق‭ ‬وقليلاً‭ ‬من‭ ‬خميرة‭ ‬الخبز‭.‬

ولأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬وغيرهم‭ ‬استطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬صغاراً‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الكبار،‭ ‬فإن‭ ‬الطفلة‭ ‬‮«‬حلا‭ ‬نصار‮»‬‭ ‬تتساءل‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬بعد‭ ‬ارتقاء‭ ‬أمها،‭ ‬طالبة‭ ‬المساعدة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الصامت،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تدري‭ ‬على‭ ‬صِغَرِ‭ ‬سنّها‭ ‬كيف‭ ‬ستعتني‭ ‬بشقيقها‭ ‬ذي‭ ‬العامَين‭ ‬ونصف‭ ‬العام،‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬وحيداً،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬كيف‭ ‬ستصبح‭ ‬أمًّا‭ ‬كبيرة‭ ‬لهذا‭ ‬الصغير‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬أم‭ ‬ترعاها،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة،‭ ‬ومن‭ ‬الظلم‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬حملاً‭ ‬لا‭ ‬تطيقه،‭ ‬لكنه‭ ‬ظُلم‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬أودى‭ ‬بأطفال‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الطريق،‭ ‬ففقدوا‭ ‬طفولتهم‭ ‬وحقوقهم،‭ ‬وقاموا‭ ‬بأدوار‭ ‬أكبر‭ ‬منهم،‭ ‬تاركين‭ ‬ألعابهم‭ ‬وأَسِرَّتَهم‭ ‬الدافئة،‭ ‬وأحلامهم‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬كوابيس‭ ‬تقتل‭ ‬طفولتهم‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬وتلاحقهم‭ ‬في‭ ‬المساء‭.‬

{‭ ‬كاتبة‭ ‬من‭ ‬غزة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا