العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا يتحسس الإسرائيليون اليهود «جوازات سفرهم البديلة»؟!

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الاثنين ٢٢ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

ما‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬يوم‭ (‬7‭) ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬كان‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬المنطقة‭ ‬تصعيدًا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬“قطاع‭ ‬غزة”،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬باتت‭ ‬ضربات‭ ‬المقاومة‭ ‬متواترة‭ ‬وتستهدف‭ ‬كل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬موجع‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬–ضمن‭ ‬أمور‭ ‬أساسية‭ ‬أخرى–‭ ‬شكل‭ ‬بداية‭ ‬لعملية‭ ‬هجرة‭ ‬يهودية‭ ‬معاكسة‭ (‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬وفقا‭ ‬لمصادر‭ ‬رصينة‭) ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬المحتلة‭ ‬بحثًا‭ ‬عن‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬إثر‭ ‬تزايد‭ ‬مشاعر‭ ‬القلق‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬في‭ ‬أوساطهم،‭ ‬نتيجة‭ ‬انكسار‭ ‬أسباب‭ ‬الاستقرار‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والاقتصاد‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬أسباب‭ ‬الهجرة‭ ‬المعاكسة‭: ‬قلق‭ ‬اليهود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الأمني‭          -‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المختلطة‭ ‬والحدودية‭- ‬حيث‭ ‬تصاعدت‭ ‬مخاوفهم‭ ‬من‭ ‬الهجمات‭ ‬المحتملة‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬تزايد‭ ‬المواجهات‭ ‬والخسائر‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ما‭ ‬دفعهم‭ ‬إلى‭ ‬الإمعان‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬مستقبلهم‭ ‬وأمن‭ ‬عائلاتهم‭. ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التدهور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬شهدته‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تأثرت‭ ‬الاقتصادات‭ ‬المحلية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وأغلقت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬أبوابها،‭ ‬وارتفعت‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬فاقم‭ ‬الضغوطات‭ ‬في‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يجدر‭ ‬التنويه‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬بهجرة‭ ‬الاستثمارات‭ ‬والمستثمرين‭ ‬وبالذات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المتقدمة‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أساساً‭ ‬في‭ ‬البنيان‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬مختلف،‭ ‬من‭ ‬عمّق‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬واقع‭ ‬تباين‭ ‬الأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬مواقفها،‭ ‬وسيطرة‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬على‭ ‬مفاصل‭ ‬السلطة،‭ ‬واعتماده‭ ‬سياسة‭ ‬عنصرية‭ ‬متطرفة‭ ‬أبعدت‭ ‬كل‭ ‬أفق‭ ‬للسلام‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الإرباك‭ ‬وزاد‭ ‬الطين‭ ‬بله‭! ‬وبالطبع‭ ‬فإن‭ ‬أمل‭ ‬هؤلاء‭ ‬اليهود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬وشعورهم‭ ‬بأن‭ ‬العيش‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬قد‭ ‬يوفر‭ ‬لهم‭ ‬ولعائلاتهم‭ ‬فرصًا‭ ‬أفضل،‭ ‬للعيش،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الدوافع‭ ‬المهمة،‭ ‬يضاف‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬النبوءات‭ ‬المخيفة‭ ‬المتوارثة‭ ‬عن‭ ‬الزوال‭ ‬القريب،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضعفت‭ ‬قدرة‭ ‬الأجهزة‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستخباراتية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬حمايتهم،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬قدرته‭ ‬‮«‬الأسطورية‮»‬‭ ‬على‭ ‬الردع،‭ ‬وظهرت‭ ‬معالم‭ ‬هشاشة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬بنيانه‭ ‬وسط‭ ‬حزام‭ ‬معاد‭ ‬يشكل‭ -‬بعباراتهم‭- ‬‮«‬تهديدا‭ ‬وجوديا‮»‬‭!‬

بعد‭ (‬7‭) ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬بات‭ ‬الإسرائيليون،‭ ‬بفعل‭ ‬سقوط‭ ‬صواريخ‭ ‬المقاومة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ (‬سواء‭ ‬من‭ ‬الجبهة‭ ‬اللبنانية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬وايضاً‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭) ‬ينزحون‭ ‬أيضا‭ ‬–‭ ‬وهو‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لطالما‭ ‬ملاصقا‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬والعرب‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تطولها‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬ولقد‭ ‬أكدت‭ ‬جهات‭ ‬اسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ (‬500‭) ‬ألف‭ ‬يهودي‭ ‬نزحوا‭ ‬داخل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهم‭ ‬‮«‬مستوطنون‮»‬‭ ‬مستعمرون‭/ ‬مهاجرون‭ ‬في‭ ‬الأصل،‭ ‬فيما‭ ‬تم‭ ‬إخلاء‭ ‬مدينة‭ ‬سديروت‭ ‬بالكامل،‭ ‬وهي‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬نحو‭ ‬20‭ ‬ألف‭ ‬‮«‬مستوطن‮»‬‭/‬مستعمر،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إخلاء‭ ‬‮«‬المستوطنات‮»‬‭/ ‬المستعمرات‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬مع‭ ‬لبنان‭ ‬ومن‭ ‬‮«‬غلاف‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬زيف‭ ‬مقولة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬ويعطي‭ ‬انطباعا‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬عما‭ ‬قد‭ ‬تؤول‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬مستقبلا‭.‬

ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬الآن،‭ ‬ومع‭ ‬تزايد‭ ‬حدة‭ ‬الأحداث‭ (‬والانقسامات‭) ‬المجتمعية‭ ‬السابقة‭ ‬لـ«طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬وبعده،‭ ‬بدأ‭ ‬نصف‭ ‬المجتمع‭ ‬اليهودي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬هويتهم‭ ‬كإسرائيليين،‭ ‬وفي‭ ‬تقييم‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬باعتبارها‭ ‬‮«‬الملجأ‭ ‬الأبدي‭ ‬الآمن‭ ‬وأرض‭ ‬اللبن‭ ‬والعسل‮»‬‭. ‬فهؤلاء‭ ‬رأوا‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬الحالية‭ ‬وشبه‭ ‬المترسخة‭ ‬في‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬لا‭ ‬تعكس‭ ‬قيمهم‭ ‬ومبادئهم‭ ‬ومعتقداتهم‭ ‬ولا‭ ‬توفر‭ ‬لهم‭ ‬الأمن‭ ‬والأمان،‭ ‬فباتوا‭ ‬يتفقدون‭ ‬جوازات‭ ‬سفرهم‭ ‬البديلة‭ ‬المكتسبة‭ ‬بحكم‭ ‬جنسياتهم‭ ‬الأصلية‭ ‬القديمة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬حصلوا‭ ‬عليها‭ ‬لاحقا،‭ ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬‮«‬المشروع‭ ‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬برهبته،‭ ‬وبأبعاده‭ ‬الدينية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والأمنية،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مغريا‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬عنصر‭ ‬جذب‭ ‬لهم‭ ‬للبقاء؛‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬كلها‭ ‬مرشحة‭ ‬للذهاب‭ ‬إلى‭ ‬فراغ؛‭ ‬فلا‭ ‬أمن‭ ‬ولا‭ ‬استقرار‭ ‬ولا‭ ‬ازدهار،‭ ‬ومعظم‭ ‬من‭ ‬يخرجون‭ ‬باتوا‭ ‬لا‭ ‬يفكرون‭ ‬بالعودة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يضرب‭ ‬بعمق‭ ‬العقيدة‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عنصر‭ ‬الإحلال‭ ‬والاستعمار‭ ‬والاستقرار‭ ‬وتشجيع‭ ‬الهجرة‭ ‬المكثفة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الميعاد‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬لطالما‭ ‬كان‭ ‬هاجسا‭ ‬للوكالة‭ ‬اليهودية‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها‭ ‬عام‭ ‬1922،‭ ‬ولايزال‭!‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا