يوميات سياسية
السيـــــــد زهـــــــره
سرُّ ثورة 23 يوليو
مِن بين كل الثورات في التاريخ العربي تبقى ثورة 23 يوليو هي الحاضرة دوما في الوعي والوجدان المصري والعربي. في كل عام في ذكرى الثورة يتجدد الاحتفاء بها وبإنجازاتها على كافة المستويات الشعبية والرسمية.
ما سرُّ هذه المكانة الفريدة التي تحتلها ثورة 23 يوليو؟
السرُّ يكمن في عوامل كثيرة، لكن في مقدمتها ثلاثة كبرى:
أولا: شخصية زعيم الثورة، جمال عبدالناصر.
لم يكن جمال عبدالناصر زعيما عاديا. كان من نوع القيادات الفذة التي لا تتكرر كثيرا في التاريخ.
زعامة عبدالناصر لم تأت من فراغ. كانت محصلة لحظة تاريخية فارقة، وخصال فريدة تمتع بها، وأدوار مشهودة لعبها.
لم يحدث في التاريخ العربي أن حظي زعيمٌ بالشعبية التي حظي بها عبدالناصر في كل الدول العربية.. الشعوب العربية اعتبرت عبدالناصر دوما رمزا للوطنية والعروبة والإخلاص والنزاهة والشرف.. إلى آخر الخصال التي تتطلع إليها الشعوب في أي زعامة وطنية.
حتى أعداء عبدالناصر والثورة، وحتى الذين يتحدثون فقط عن أخطاء ارتكبها، يجمعون على احترامه وتقديره. الكل يجمع على تجرده ووطنيته ونزاهته وإخلاصه.
ثانيا: إن ثورة يوليو سعت إلى تحقيق أكبر ما تطمح إليه الشعوب؛ أي العدل الاجتماعي.
بالنسبة إلى الشعب المصري، هذا أكبر إنجازات الثورة على الإطلاق. الثورة أنصفت الفقراء. فلولا الثورة وبرامجها وسياساتها للإصلاح والتغيير الاجتماعي ما كان عشرات الملايين من المصريين قد أتيحت لهم فرص التعليم المجاني، والرعاية الصحية، والعمل.. إلخ.
المصريون لا ينسون أبدا إرث الثورة في مجال العدل الاجتماعي خصوصا عندما يـتأملون التطورات التي حدثت بعد ذلك في هذا المجال.
ثالثا: إن الثورة تمثل بالنسبة إلى الشعوب العربية رمزا للتحرر والاستقلال والعزة والكرامة العربية.
الثورة اندلعت في مرحلة فاصلة في التاريخ العربي. مرحلة انحسار الاستعمار والسعي إلى التحرر والاستقلال وبناء الدولة العربية. في تلك المرحلة الفاصلة قاد عبدالناصر معركة الاستقلال العربية بكل قوة، وباسم العرب تعامل مع قادة الدول الكبرى من موقع الند مدافعا عن حرية واستقلال وكرامة العرب.
ورسخ عبدالناصر لدى الشعوب العربية قيم الحرية والاعتزاز والفخر بالعروبة والانتماء إلى الأمة العربية، ورسخ القناعة بأن العرب يجب أن يحتلوا مكانتهم اللائقة على خريطة العالم. وكان عبدالناصر في هذا ملهما لحركة التحرٌّرِ الوطني في العالم الثالث كله، وكانت شعوبٌ كثيرةٌ في إفريقيا وغيرها يعتبرونه معبرا عنهم وعن آمالهم التحررية.
هذه باختصار شديد بعض العوامل الأساسية التي تجعل ثورة يوليو حاضرة دوما في الوعي والوجدان العربي.
بالطبع أن يتحدث كثيرون باستمرار كلما أتى ذكر ثورة يوليو عن الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الثورة.. وهذا صحيح.. صحيح أن الثورة كانت لها أخطاء كثيرة بعضها فادح، لكن في المحصلة النهائية تظل الثورة بالنسبة إلى المواطنين العرب، أو أغلبيتهم الساحقة، نموذجا يعتزون به ويفتخرون في تاريخنا العربي.
اليوم والشعوب العربية تتابع ما يجري على ساحة فلسطين والأراضي العربية من مآسٍ، وما وصل إليه حالنا من مهانة وعجز، فإنها تتطلع إلى هذه العوامل التي بسببها تعلقت بثورة يوليو.. تتطلع إلى زعامة وطنية توحِّد الأمة وتدافع عن الكرامة العربية والاستقلال.. تتطلع إلى العدل الاجتماعي وإنصاف الفقراء وحمايتهم.. وتتطلع إلى ردِّ الاعتبار لقيم الحرية والكرامة والعزة العربية.. تتطلع إلى أمة عربية لها مكانة تليق بها في العالم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك