العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٧ - الأربعاء ٠٤ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٣ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

أولمبياد باريس ووحشية الحرب الناعمة!

{‭ ‬كان‭ ‬الحفل‭ ‬الافتتاحي‭ ‬الذي‭ ‬أرادته‭ ‬فرنسا‭ ‬للدورة‭ ‬الأولمبية‭ ‬2024‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬كسرًا‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬القواعد‭! ‬حيث‭ ‬انطلق‭ ‬‮«‬أولمبياد‭ ‬باريس‭ ‬2024‮»‬‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الماضي،‭ ‬وسيكون‭ ‬الختام‭ ‬في‭ ‬11‭ ‬أغسطس،‭ ‬ليشكل‭ ‬انطلاقة‭ ‬على‭ ‬‮«‬نهر‭ ‬السين‮»‬‭ ‬سابقة‭ ‬أولى‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬افتتاحيات‭ ‬الأولمبياد‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬فيها،‭ ‬على‭ ‬ملاعب‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭! ‬ولكن‭ ‬المكان‭ ‬والنمط‭ ‬والشكل‭ ‬والتقنيات‭ ‬والديكورات‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬الديكور‭ ‬الخارجي‭ ‬أيضًا‭ ‬لمحتوى‭ ‬ومضمون‭ ‬غرائبي‭ ‬بدوره‭ ‬كسر‭ ‬كل‭ ‬‮«‬أخلاقيات‮»‬‭ ‬الدورات‭ ‬الأولمبية‭ ‬السابقة‭! ‬ورغم‭ ‬الكلمات‭ ‬الافتتاحية‭ ‬وكلمة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮«‬ماكرون‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬التضامن‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬واحترام‭ ‬ثقافاتها،‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬مجرد‭ ‬كلمات‭ ‬تساقطت‭ ‬في‭ ‬عروض‭ ‬الافتتاح‭ ‬قبل‭ ‬إيصال‭ ‬الشعلة‭ ‬للمنطاد‭ ‬الطائر‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬باريس‭ ‬وللتجميع‭ ‬الأولمبي‭ ‬تحت‭ ‬أعمدة‭ ‬برج‭ ‬إيفل‭!‬

{‭ ‬كثيرة‭ ‬هي‭ ‬الانتقادات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬في‭ ‬افتتاحيات‭ ‬الصحف‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬صحف‭ ‬بريطانية‭ ‬وأمريكية‭ ‬حول‭ ‬مضامين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬اللوحات‭ ‬في‭ ‬الافتتاح‭! ‬فلقد‭ ‬لاحظ‭ ‬ملايين‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يشاهدون‭ ‬العرض‭ ‬الباريسي،‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬لوحات‭ ‬تعرضت‭ ‬لمجمل‭ ‬الأديان‭ ‬منها‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي،‭ ‬حين‭ ‬تحوّل‭ ‬مشهد‭ ‬‮«‬العشاء‭ ‬الأخير‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬سخرية‭ ‬وازدراء،‭ ‬مما‭ ‬استفز‭ ‬حتى‭ ‬علمانيي‭ ‬الغرب‭ ‬ومنهم‭ ‬الفرنسيون‭!‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬لوحات‭ ‬روجت‭ ‬للشذوذ‭ ‬الجنسي‭ ‬والتحول‭ ‬الجنسي‭ ‬وتعددية‭ ‬الممارسة‭ ‬الجنسية‭! ‬ولوحات‭ ‬أخرى‭ ‬وشت‭ ‬بوضوح‭ ‬بطقوس‭ ‬‮«‬عبادة‭ ‬الشيطان‮»‬‭! ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وبخلاف‭ ‬معتقدات‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬منها‭ ‬العالم‭ ‬المسيحي‭ ‬والدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬حرية‭ ‬الحب‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬فوضوي‭! ‬والمساواة‭ ‬المخلة‭ ‬بثقافات‭ ‬وتقاليد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعوب‭! ‬حين‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬زرع‭ ‬قبول‭ ‬‮«‬الشواذ‮»‬،‭ ‬وفرضهم‭ ‬باسم‭ ‬الحرية‭ ‬على‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الرافضة‭ ‬لهم‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الأولمبياد‮»‬‭ ‬هو‭ ‬تجمع‭ ‬عالمي‭ ‬لمختلف‭ ‬الرياضات‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهو‭ ‬أكبر‭ ‬تجمع‭ ‬رياضي‭ ‬عالمي،‭ ‬يشارك‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة،‭ ‬وبوفود‭ ‬تعدادية‭ ‬حسب‭ ‬أنواع‭ ‬المشاركات‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬البطولات،‭ ‬وحين‭ ‬يتم‭ ‬كل‭ ‬4‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬بلدان‭ ‬العالم،‭ ‬فذلك‭ ‬على‭ ‬خليفة‭ (‬المعنى‭ ‬الفعلي‭ ‬للتشارك‭ ‬العالمي‭ ‬وتضامن‭ ‬الدول‭) ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬احترام‭ ‬اختلافاتها‭ ‬وتنوعها‭ ‬الديني‭ ‬والثقافي‭ ‬والأخلاقي‭! ‬وإن‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الرياضة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ضابطة‭ ‬ومعروفة‭!‬

ليأتي‭ ‬‮«‬أولمبياد‭ ‬باريس‮»‬‭ ‬للإخلال‭ ‬بالكثير‭ ‬منها،‭ ‬واستغلال‭ ‬فرصة‭ ‬إقامتها‭ ‬في‭ ‬فرنسا،‭ (‬للترويج‭ ‬للأفكار‭ ‬الإلحادية‭ ‬وازدراء‭ ‬الأديان‭ ‬والطقوس‭ ‬الشيطانية‭ ‬مثل‭ ‬طقس‭ ‬عبادة‭ ‬الشيطان،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الترويج‭ ‬للقيم‭ ‬الانحلالية‭ ‬باسم‭ ‬الحريات‭)! ‬وهذا‭ ‬إخلال‭ ‬كبير‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬افتتاحية‭ ‬للأولمبياد‭ ‬سابقًا‭!‬

وليس‭ ‬من‭ ‬حق‭ ‬فرنسا،‭ ‬التي‭ ‬أعطت‭ ‬تنظيم‭ ‬الافتتاح‭ ‬لأحد‭ ‬الشواذ‭ ‬الفرنسيين‭! ‬أن‭ ‬تزدري‭ ‬معتقدات‭ ‬وأديان‭ ‬وثقافات‭ ‬العالم،‭ ‬التي‭ ‬اجتمعت‭ ‬لبطولات‭ ‬الرياضة،‭ ‬وليس‭ ‬لتلقي‭ ‬دروس‭ ‬وعروض‭ ‬هي‭ ‬بمثابة‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬ناعمة‮»‬‭ ‬على‭ ‬العقول‭ ‬باسم‭ ‬الفنون‭ ‬والرقص،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬وحشية‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬المعتادة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العسكري‭!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬الاختراق‭ ‬الفاضح‭ ‬لتكريس‭ (‬القيم‭ ‬الشيطانية‭) ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفكري‭ ‬والجنسي‭ ‬والأخلاقي‭ ‬وازدراء‭ ‬الدين،‭ ‬يمثل‭ ‬بدوره‭ ‬اختراقًا‭ ‬فاضحًا‭ ‬لكل‭ ‬أسس‭ ‬الدورات‭ ‬الأولمبية،‭ ‬ولا‭ ‬يهمنا‭ ‬هنا‭ ‬التقنية‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬العرض‭ ‬قبل‭ ‬الافتتاح،‭ ‬ولا‭ ‬استغلال‭ ‬جمالية‭ ‬‮«‬نهر‭ ‬السين‮»‬‭ ‬وقوارب‭ ‬المشاركين،‭ ‬لأن‭ ‬الأهم‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬من‭ ‬مضمون‭ ‬رفضته‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭! ‬وكان‭ ‬على‭ ‬المراكز‭ ‬العالمية‭ ‬سواء‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الكبرى‭ ‬و«الفاتيكان‮»‬،‭ ‬والأزهر‭ ‬والمراكز‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬ودولهم‭ ‬مشاركة‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأولمبياد‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬رفضها‭ ‬بل‭ ‬مقاطعتها،‭ ‬حين‭ ‬يصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬ازدراء‭ ‬واضح‭ ‬لدينها‭ ‬وثقافاتها‭ ‬وتراثها‭ ‬الأخلاقي‭ ‬وقيمها‭! ‬حتى‭ ‬تدرك‭ ‬فرنسا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إجبار‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬تقبل‭ ‬رؤيتها‭ ‬‮«‬الفوضوية‮»‬‭ ‬حول‭ ‬الدين‭ ‬والقيم‭ ‬والأخلاق،‭ ‬لغالبية‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬بمن‭ ‬فيها‭ ‬شعبها‭ ‬الفرنسي‭ ‬نفسه،‭ ‬الذي‭ ‬استهجن‭ ‬التعرض‭ ‬للدين‭ ‬المسيحي‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬‮«‬العشاء‭ ‬الأخير‮»‬‭ ‬المعروفة‭ ‬للرسام‭ ‬‮«‬ليوناردو‭ ‬دافنشي‮»‬‭ ‬والمأخوذ‭ ‬عن‭ ‬المسيحية‭!‬

{‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬أنبياء‭ ‬البشرية‭ ‬وأديانهم‭! ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬الترويج‭ ‬لقيم‭ ‬شيطانية‭ ‬تخالف‭ ‬الفطرة‭ ‬الإنسانية‭ ‬لكامل‭ ‬البشرية‭! ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬فرض‭ ‬طقوس‭ ‬عبادة‭ ‬الشيطان‭ ‬والانحلال‭ ‬الخلقي‭ ‬والجنسي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬رياضي‭ ‬عالمي‭!‬

ليس‭ ‬من‭ ‬الحرية‭ ‬إشراك‭ ‬العالم‭ ‬قسرًا‭ ‬في‭ ‬رؤى‭ ‬يعتنقها‭ ‬بعض‭ ‬الفرنسيين‭ ‬وفي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الأخرى‭! ‬ليتم‭ ‬فرضهم‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬باسم‭ ‬الحرية‭ ‬والمساواة‭! ‬وأخيرًا‭ ‬يكفي‭ ‬الاستهجان‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬لما‭ ‬أرادت‭ ‬فرنسا‭ ‬أن‭ ‬تُبهر‭ ‬به‭ ‬الدول‭! ‬فجاء‭ ‬سقوطها‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬عميقة‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬لتوضح‭ ‬الظلامية‭ ‬خلف‭ ‬ادعاء‭ ‬النور‭ ‬وبلاد‭ ‬النور،‭ ‬فما‭ ‬رآه‭ ‬العالم‭ ‬ظلامية‭ ‬لا‭ ‬سابق‭ ‬لها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا