العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

المخلفات البلاستيكية تغزو حليب الأم

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

الأربعاء ٣١ يوليو ٢٠٢٤ - 02:00

نحن‭ ‬أمام‭ ‬حربٍ‭ ‬طويلة‭ ‬ومعقدة‭ ‬نخوضها‭ ‬ضد‭ ‬التلوث‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬وكلما‭ ‬انتصرنا‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬واحدة‭ ‬فاصلة‭ ‬ضد‭ ‬أحد‭ ‬الملوثات،‭ ‬انكشفت‭ ‬وظهرت‭ ‬لنا‭ ‬ملوثات‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬الحسبان‭ ‬ولم‭ ‬تخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أحد،‭ ‬وتكون‭ ‬أشد‭ ‬قوة‭ ‬وبأساً،‭ ‬وأكثر‭ ‬وطأة‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬وصحة‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬الملوثات‭ ‬السابقة،‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬لن‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬الانتصار‭ ‬كلياً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الماراثونية‭ ‬المتغيرة‭ ‬في‭ ‬هويتها‭ ‬وقوتها،‭ ‬وإنما‭ ‬ستبقى‭ ‬معنا‭ ‬ويضطر‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتعايش‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬هدنة‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬فلا‭ ‬يستطيع‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭ ‬جذريا‭ ‬وكليا‭.‬

ففي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬ساحة‭ ‬جديدة‭ ‬نحارب‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬ونصطدم‭ ‬معها‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مباشر،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬المعارك‭ ‬الدائرة‭ ‬ليست‭ ‬ثابتة‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬واحد‭ ‬وإنما‭ ‬تنتقل‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬فكانت‭ ‬ساحة‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬هي‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬من‭ ‬ماءٍ،‭ ‬وهواءٍ،‭ ‬وتربة‭ ‬وفي‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬الإنسان،‭ ‬ثم‭ ‬انتقلت‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬ومع‭ ‬ازدياد‭ ‬مصادر‭ ‬التلوث‭ ‬والملوثات‭ ‬وارتفاع‭ ‬أحجامها‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬بعيدة‭ ‬جداً‭ ‬ونائية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬رؤيتها‭ ‬أو‭ ‬الإحساس‭ ‬بوجودها،‭ ‬مثل‭ ‬سفوح‭ ‬الجبال‭ ‬العالية‭ ‬الشاهقة،‭ ‬أو‭ ‬الثلوج‭ ‬في‭ ‬القطبين‭ ‬الشمالي‭ ‬والجنوبي‭ ‬ومياه‭ ‬المحيطات‭ ‬المتجمدة،‭ ‬أو‭ ‬أعماق‭ ‬البحار‭ ‬السحيقة‭ ‬الشديدة‭ ‬البرودة‭ ‬والظلمة‭ ‬وعلى‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬كيلومترات‭ ‬تحت‭ ‬سطح‭ ‬المحيطات‭. ‬

وبعد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬في‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬الملوثات‭ ‬من‭ ‬نوعٍ‭ ‬جديد‭ ‬وخطير‭ ‬في‭ ‬داخل‭ ‬أجسامنا،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عضو‭ ‬من‭ ‬جسدنا‭ ‬صغيرا‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬كبيرا،‭ ‬فانتقلت‭ ‬ساحة‭ ‬المعركة‭ ‬إلى‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه،‭ ‬وهددت‭ ‬كيانه‭ ‬واستدامة‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭. ‬فقد‭ ‬كشف‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬الملوثات‭ ‬أولاً‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬التنفسي‭ ‬أو‭ ‬الرئتين،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأول‭ ‬أمام‭ ‬غزو‭ ‬الملوثات،‭ ‬ثم‭ ‬امتدت‭ ‬ساحة‭ ‬القتال‭ ‬إلى‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬خلية‭ ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬الجسد،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬خلايا‭ ‬المخ،‭ ‬أو‭ ‬الكلية،‭ ‬أو‭ ‬الأنسجة‭ ‬القلبية،‭ ‬أو‭ ‬أنسجة‭ ‬المشيمة‭ ‬التي‭ ‬تمد‭ ‬الجنين‭ ‬بالغذاء‭ ‬والحياة،‭ ‬أو‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬طبيعة‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬وهويته‭ ‬اختلفت‭ ‬عبر‭ ‬الزمن،‭ ‬فكلما‭ ‬تعرف‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬طبيعة‭ ‬وخصائص‭ ‬وهوية‭ ‬أحد‭ ‬الأعداء‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معه‭ ‬والتغلب‭ ‬عليه‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انبعاثه‭ ‬إلى‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة،‭ ‬ظهر‭ ‬عدو‭ ‬جديد‭ ‬آخر‭ ‬وغريب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬البشري‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬عنه‭ ‬الكثير،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تصرفه‭ ‬عند‭ ‬ولوجه‭ ‬في‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة،‭ ‬ومن‭ ‬حيث‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التراكم‭ ‬والتركيز‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة‭ ‬واحتمالية‭ ‬انتقاله‭ ‬وتراكمه‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يشكلها‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الصحي‭ ‬للبشر،‭ ‬وشدة‭ ‬الأمراض‭ ‬التي‭ ‬ستُصيب‭ ‬الإنسان‭.‬

فالعدو‭ ‬في‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬كان‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬الدخان‭ ‬الأسود،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بالجسيمات‭ ‬الدقيقة‭ ‬الكربونية،‭ ‬وأكاسيد‭ ‬الكبريت‭ ‬والنيتروجين‭ ‬والكربون‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬العناصر‭ ‬الثقيلة‭ ‬كالرصاص‭ ‬والزئبق‭ ‬والكروميوم‭ ‬والكادميوم‭ ‬في‭ ‬المسطحات‭ ‬المائية‭ ‬والتربة‭. ‬وتمكن‭ ‬الإنسان‭ ‬بعد‭ ‬معارك‭ ‬ضارية‭ ‬ضد‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬أن‭ ‬يعرف‭ ‬خصائصها‭ ‬جيداً‭ ‬ونقاط‭ ‬قوتها‭ ‬وضعفها،‭ ‬فقام‭ ‬بتطوير‭ ‬الوسائل‭ ‬والسبل‭ ‬والتقنيات‭ ‬للتحكم‭ ‬فيها‭ ‬ومنع‭ ‬انطلاقها‭ ‬كلياً‭ ‬إلى‭ ‬عناصر‭ ‬البيئة،‭ ‬أو‭ ‬الخفض‭ ‬من‭ ‬انبعاثاتها‭. ‬وهذه‭ ‬الملوثات‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬قديمة‭ ‬وتقليدية‭ ‬وتغلب‭ ‬عليها‭ ‬الإنسان‭ ‬وأصبحت‭ ‬الآن‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الهدنة‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الإنسان،‭ ‬فظهرت‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ملوثات‭ ‬حديثة‭ ‬غير‭ ‬تقليدية،‭ ‬فوجد‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬يواجه‭ ‬عدواً‭ ‬جديداً‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬عنه‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يتعامل‭ ‬معه،‭ ‬مثل‭ ‬غاز‭ ‬الأوزون‭ ‬والملوثات‭ ‬المؤكسدة‭ ‬الأخرى،‭ ‬وثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المركبات‭ ‬العضوية‭ ‬المتعددة‭ ‬الفلورين‭ ‬والكلورين‭ ‬الأروماتيكية‭ ‬الثابتة‭ ‬والمستقرة‭ ‬وغير‭ ‬الأروماتيكية‭. ‬وبعض‭ ‬هذه‭ ‬الملوثات‭ ‬انتشر‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬جغرافي‭ ‬واسع‭ ‬جداً‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬ساحة‭ ‬الصراع‭ ‬معها‭ ‬غطت‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬برمتها،‭ ‬مما‭ ‬استدعي‭ ‬تجنيد‭ ‬كل‭ ‬قوى‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬العالم‭ ‬للتصدي‭ ‬لها‭ ‬وتجنب‭ ‬تهديداتها‭ ‬ومخاطرها‭ ‬الصحية‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬وعلى‭ ‬سلامة‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭.‬

واليوم‭ ‬يواجه‭ ‬البشر‭ ‬ومنذ‭ ‬نحو‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬عدواً‭ ‬شرساً‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬بال‭ ‬أحد،‭ ‬ودائرة‭ ‬الصراع‭ ‬معه‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬شبرٍ‭ ‬صغير‭ ‬أو‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬كوكبنا،‭ ‬وغطت‭ ‬كل‭ ‬موقع‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬أنشطة‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬امتدت‭ ‬المعارك‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬خلية‭ ‬من‭ ‬خلايا‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهذا‭ ‬العدو‭ ‬هو‭ ‬المواد‭ ‬البلاستيكية‭ ‬والمخلفات‭ ‬التي‭ ‬تنجم‭ ‬عن‭ ‬استخدامها‭ ‬ثم‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭.‬

فمنذ‭ ‬قرابة‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬والعلماء‭ ‬منشغلون‭ ‬بالتعرف‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬الضعف‭ ‬والقوة‭ ‬لهذا‭ ‬العدو‭ ‬الذي‭ ‬تغلغل‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬بيئتنا،‭ ‬وانتقل‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬جسد‭ ‬الإنسان‭. ‬وهنا‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أُركز‭ ‬على‭ ‬وصول‭ ‬زحف‭ ‬هذه‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬إلى‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬تحولاً‭ ‬خطيراً‭ ‬وتهديداً‭ ‬عميقاً‭ ‬ليس‭ ‬لأطفالنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجيل،‭ ‬وإنما‭ ‬للأجيال‭ ‬اللاحقة‭ ‬والمستقبلية‭. ‬فانتقال‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬إلى‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬له‭ ‬مدلولات‭ ‬ومؤشرات‭ ‬كثيرة،‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬تمكن‭ ‬بنجاح‭ ‬من‭ ‬تخطي‭ ‬والقفز‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الموانع‭ ‬والحواجز‭ ‬الحيوية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬جسم‭ ‬الإنسان،‭ ‬كحاجز‭ ‬الدورة‭ ‬الدموية،‭ ‬وغزو‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬لجدار‭ ‬الخلايا‭ ‬وتراكمه‭ ‬هناك‭ ‬واحتلاله‭ ‬لهذا‭ ‬الموقع‭ ‬المتقدم‭ ‬جداً‭ ‬للبشر،‭ ‬إضافة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬المخلفات‭ ‬البلاستيكية‭ ‬في‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬يؤكد‭ ‬انتقال‭ ‬المعركة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الحالي‭ ‬إلى‭ ‬الأجيال‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬ونجاح‭ ‬هذا‭ ‬العدو‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬كسر‭ ‬حاجز‭ ‬الأجيال‭ ‬وعبور‭ ‬الحدود‭ ‬الزمانية‭. ‬

فأول‭ ‬دراسة‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬الجسيمات‭ ‬الميكروبلاستيكية‭ ‬في‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬نُشرت‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬يونيو‭ ‬2022‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬المواد‭ ‬المتبلمرة‮»‬‭ (‬Polymers‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الكشف‭ ‬والتشخيص‭ ‬عن‭ ‬الميكروبلاستيك‭ ‬في‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬باستخدام‭ ‬جهاز‭ ‬رامان‭ ‬مايكروسبكتروسكوبي‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬صدرت‭ ‬كعدد‭ ‬خاص‭ ‬حول‭: ‬‮«‬تحلل‭ ‬المواد‭ ‬المتبلمرة‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬البيئية‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬جُمعت‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬من‭ ‬34‭ ‬امرأة،‭ ‬وتم‭ ‬الكشف‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬لجسيمات‭ ‬المخلفات‭ ‬المايكروبلاستيكية‭ ‬في‭ ‬26‭ ‬عينة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬34،‭ ‬وأكثر‭ ‬أنواع‭ ‬الميكروبلاستيك‭ ‬كان‭ ‬البولي‭ ‬إيثلين،‭ ‬وبولي‭ ‬فاينل‭ ‬كلوريد،‭ ‬وبولي‭ ‬بروبلين،‭ ‬حيث‭ ‬تراوح‭ ‬حجم‭ ‬الجسيمات‭ ‬من‭ ‬2‭ ‬إلى‭ ‬12‭ ‬مايكرومتراً‭.‬

وجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬أن‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬أصبح‭ ‬المؤشر‭ ‬الحيوي‭ ‬الذي‭ ‬يُثبت‭ ‬تعرض‭ ‬الإنسان‭ ‬لشتى‭ ‬أنواع‭ ‬الملوثات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬بيئتنا‭. ‬وآخر‭ ‬دراسة‭ ‬نُشرت،‭ ‬بحسب‭ ‬معلوماتي‭ ‬حول‭ ‬وجود‭ ‬الملوثات‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬حليب‭ ‬الأم‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬24‭ ‬يناير‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬العلوم‭ ‬والتقنية‭ ‬البيئية‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬تأثير‭ ‬التعرض‭ ‬البيئي‭ ‬على‭ ‬دهون‭ ‬حليب‭ ‬الثدي‭ ‬البشري‭ ‬في‭ ‬الأمراض‭ ‬المناعية‭ ‬المستقبلية‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬كشفت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬ملوثات‭ ‬عضوية‭ ‬متعددة‭ ‬الفلورين‭ (‬perfluorinated‭ ‬alkyl‭ ‬substances‭ (‬PFASs‭)) ‬في‭ ‬حليب‭ ‬أمهات‭ ‬السويد‭.‬

وهكذا‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬نخوض‭ ‬حرباً‭ ‬ضروساً‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬بسبب‭ ‬المنتجات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬نُطلقها‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬بدون‭ ‬دراسات‭ ‬كافية‭ ‬وشاملة،‭ ‬والتي‭ ‬تنجم‭ ‬عنها‭ ‬مخلفات‭ ‬وملوثات‭ ‬غازية،‭ ‬وسائلة،‭ ‬وصلبة‭ ‬قديمة‭ ‬وحديثة‭ ‬ومتجددة،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬علينا‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬نحسب‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬حساب‭ ‬للتصدي‭ ‬لملوث‭ ‬جديد‭ ‬يدخل‭ ‬بيئتنا‭ ‬وأجسادنا،‭ ‬ثم‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬الحلول‭ ‬العملية‭ ‬والمستدامة‭ ‬للتعامل‭ ‬معها،‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬الملوثات‭ ‬لن‭ ‬تنتهي‭ ‬أبداً،‭ ‬وستصبح‭ ‬الملوثات‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬بيئتنا‭ ‬ومن‭ ‬السلسلة‭ ‬الغذائية‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬أخيراً‭ ‬بالإنسان‭.‬

 

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا