العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأخطار السياسية لمنصات «التواصل الاجتماعي»

بقلم: د. ياسر عبد العزيز

الأربعاء ٠٧ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تملأ‭ ‬فيه‭ ‬منصات‭ ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬الدنيا‭ ‬وتشغل‭ ‬الناس،‭ ‬الذين‭ ‬يزيد‭ ‬اعتمادهم‭ ‬عليها‭ ‬يومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬وتتعاظم‭ ‬درجة‭ ‬ارتباطهم‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الصُعد‭ ‬كافة،‭ ‬تبرز‭ ‬المشكلة‭ ‬الكبرى‭ ‬بخصوص‭ ‬تلك‭ ‬المنصات؛‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تعريفها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬واضح‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة،‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬نطاق‭ ‬تأثيرها،‭ ‬والصلاحيات‭ ‬التي‭ ‬تكتسبها‭ ‬باطراد،‭ ‬تتسم‭ ‬باتساع‭ ‬لا‭ ‬سقف‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬حدود‭.‬

لقد‭ ‬باتت‭ ‬تلك‭ ‬المنصات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صلاحياتها‭ ‬الهائلة‭ ‬المتنوعة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬شتى،‭ ‬آليات‭ ‬اتصال‭ ‬حكومي‭ ‬كاملة‭ ‬الأركان،‭ ‬كما‭ ‬أضحت‭ ‬منابر‭ ‬لأصحابها؛‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يخوضوا‭ ‬معارك‭ ‬سياسية،‭ ‬أو‭ ‬يؤطروا‭ ‬الفهم‭ ‬العالمي‭ ‬لقضايا‭ ‬ملتبسة‭ ‬وساخنة‭.‬

في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬ثلاثة‭ ‬أخبار‭ ‬بارزة‭ ‬بخصوص‭ ‬صلاحيات‭ ‬تلك‭ ‬المنصات؛‭ ‬أولها‭ ‬قرار‭ ‬حظر‭ ‬‮«‬إنستجرام‮»‬‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬الذي‭ ‬اتخذته‭ ‬سلطة‭ ‬الاتصالات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد،‭ ‬بعدما‭ ‬قدرت‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬المنصة‭ ‬حجبت‭ ‬‮«‬أخبار‭ ‬التعازي‮»‬‭ ‬الخاصة‭ ‬بمقتل‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬في‭ ‬إيران‭.‬

 

أما‭ ‬ثاني‭ ‬تلك‭ ‬الأخبار،‭ ‬فكان‭ ‬يتعلق‭ ‬بانتقادات‭ ‬حادة‭ ‬وجهتها‭ ‬الحكومة‭ ‬الماليزية‭ ‬الى‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬ميتا‭ ‬بلاتفورمز‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬منصتي‭ ‬‮«‬إنستجرام‮»‬‭ ‬و«فيس‭ ‬بوك‮»‬،‭ ‬وتديرهما،‭ ‬ضمن‭ ‬عدد‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬المنصات،‭ ‬بداعي‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬حذفت‭ ‬منشورًا‭ ‬حول‭ ‬لقاء‭ ‬سابق‭ ‬عقده‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الماليزي‭ ‬أنور‭ ‬إبراهيم‭ ‬مع‭ ‬‮«‬هنية‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬الخبر‭ ‬الثالث،‭ ‬كنا‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬قصة‭ ‬أقل‭ ‬حدة‭ ‬وأكثر‭ ‬إثارة؛‭ ‬إذ‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الملياردير‭ ‬الشهير‭ ‬إيلون‭ ‬ماسك،‭ ‬مالك‭ ‬شركة‭ ‬‮«‬إكس‮»‬‭- ‬التي‭ ‬اشتراها‭ ‬قبل‭ ‬عامين‭ ‬في‭ ‬صفقة‭ ‬بلغت‭ ‬قيمتها‭ ‬44‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬اقتصادية‭ ‬واضحة‭- ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يُجرب‭ ‬مجددًا‭ ‬فاعلية‭ ‬منصته‭ ‬في‭ ‬دمجه‭ ‬ضمن‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬المُهمة،‭ ‬ومنحه‭ ‬الفرصة‭ ‬لتصدر‭ ‬قوائم‭ ‬الأخبار؛‭ ‬فخاض‭ ‬تراشقًا‭ ‬كلاميًّا‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬إحدى‭ ‬الدول‭.‬

فقد‭ ‬قرر‭ ‬ماسك‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المثيرة‭ ‬للجدل،‭ ‬التي‭ ‬قادت‭ ‬الرئيس‭ ‬الفنزويلي‭ ‬نيكولاس‭ ‬مادورو‭ ‬إلى‭ ‬ولاية‭ ‬جديدة،‭ ‬بالطعن‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬الانتخابات،‭ ‬ووصف‭ ‬الرئيس‭ ‬بـ«الديكتاتور‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬رد‭ ‬عليه‭ ‬مادورو‭ ‬بدعوة‭ ‬الملياردير‭ ‬الشهير‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬قتال‮»‬‭ ‬مباشر‭.‬

ستقودنا‭ ‬تلك‭ ‬الأخبار‭ ‬الثلاثة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الحقائق،‭ ‬التي‭ ‬يصعب‭ ‬جدًّا‭ ‬دحضها‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمنصات‭ ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي؛‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الحقائق‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬باتت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تأطير‭ ‬الخطاب‭ ‬والفهم‭ ‬العالمي‭ ‬للقضايا‭ ‬السياسية‭ ‬الخطيرة‭ ‬والمُهمة،‭ ‬وأنها‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬لذلك‭ ‬تستخدم‭ ‬آليات‭ ‬كشف‭ ‬آلي،‭ ‬أو‭ ‬مراجعة‭ ‬بشرية‭ ‬دقيقة‭ ‬لاستبعاد‭ ‬أفكار‭ ‬بعينها،‭ ‬أو‭ ‬الترويج‭ ‬لأفكار‭ ‬أخري‭.‬

 

ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الحقائق‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنصات‭ ‬لا‭ ‬تحفل‭ ‬بما‭ ‬ينالها‭ ‬من‭ ‬انتقادات‭ ‬بسبب‭ ‬سلوكها‭ ‬هذا،‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬أنها‭ ‬مُجبرة‭ ‬على‭ ‬تسويغه‭ ‬أو‭ ‬توضيحه،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬فهمناه‭ ‬حين‭ ‬امتنع‭ ‬مسؤولو‭ ‬‮«‬ميتا‭ ‬بلاتفورمز‮»‬‭ ‬عن‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬أنباء‭ ‬حظر‭ ‬‮«‬إنستجرام‮»‬‭ ‬في‭ ‬تركيا،‭ ‬أو‭ ‬انتقادات‭ ‬أنور‭ ‬إبراهيم‭ ‬للشركة‭ ‬بسبب‭ ‬إجراءات‭ ‬‮«‬فيس‭ ‬بوك‮»‬‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬حجب‭ ‬بعض‭ ‬الأخبار‭ ‬الحكومية‭ ‬الماليزية‭.‬

أما‭ ‬الحقيقة‭ ‬الثالثة،‭ ‬فتتلخص‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬امتلاك‭ ‬إحدى‭ ‬تلك‭ ‬المنصات‭ ‬والقيام‭ ‬بتشغيلها‭ ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬تسيير‭ ‬يضعها‭ ‬المالك،‭ ‬إنما‭ ‬تمنح‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬الفرصة‭ ‬لكي‭ ‬يكون‭ ‬قطبًا‭ ‬سياسيًّا،‭ ‬يستطيع‭ ‬من‭ ‬منصته‭ ‬أن‭ ‬يقارع‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬والزعماء‭ ‬السياسيين،‭ ‬وأن‭ ‬يسخر‭ ‬منهم،‭ ‬ويتحكم‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬وصول‭ ‬أخبارهم‭ ‬إلى‭ ‬الجمهور،‭ ‬الذي‭ ‬يتخطى‭ ‬مئات‭ ‬الملايين‭.‬

وسيدعم‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة‭ ‬بالذات‭ ‬ما‭ ‬نتذكره‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق،‭ ‬المرشح‭ ‬الرئاسي‭ ‬الحالي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬الذي‭ ‬أُبعد‭ ‬عن‭ ‬المنصة‭ ‬المُفضلة‭ ‬له‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬‭ (‬‮«‬إكس‮»‬‭ ‬حاليًا‭)‬،‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬أحداث‭ ‬اقتحام‭ ‬الكابيتول،‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2021،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬منصة‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ (‬‮«‬تروث‭ ‬سوشيال‮»‬‭)‬،‭ ‬لكي‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬عصمته‭ ‬الاتصالية‭ ‬في‭ ‬يده‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬يضطر‭ ‬للخضوع‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬حظر‭ ‬أو‭ ‬تأطير،‭ ‬ترهن‭ ‬وجوده‭ ‬وخطابه‭ ‬لإرادة‭ ‬آخرين‭.‬

 

وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬ميتا‭ ‬بلاتفورمز‮»‬‭ ‬مُحقة‭ ‬في‭ ‬حجب‭ ‬أو‭ ‬تأطير‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بحركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تُصنفها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬ودول‭ ‬أخري‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬إرهابية‮»‬،‭ ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬أيضًا‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬فنزويلا‭ ‬‮«‬نزيهة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬خضعت‭ ‬للتلاعب‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬ترك‭ ‬الأمور‭ ‬لأصحاب‭ ‬منصات‭ ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬لقيادة‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مراجعة‭ ‬أو‭ ‬قواعد‭ ‬شفافة‭ ‬واضحة،‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬خطير،‭ ‬وستكون‭ ‬له‭ ‬عواقب‭. ‬وقد‭ ‬تأكد‭ ‬لنا‭ ‬هذا‭ ‬بوضوح‭ ‬حين‭ ‬اتخذت‭ ‬تلك‭ ‬المنصات‭ ‬معظمها‭ ‬قرارات‭ ‬بدت‭ ‬منحازة‭ ‬وملتبسة‭ ‬عند‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭- ‬الأوكرانية‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬منصات‭ ‬‮«‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‮»‬‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬امتلكته‭ ‬من‭ ‬فاعلية‭ ‬وتأثير‭ ‬ونفاذ‭ ‬وزخم‭. ‬هذا‭ ‬صحيح،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الخطير‭ ‬جدًّا‭ ‬أن‭ ‬تُمنح‭ ‬تلك‭ ‬السلطات‭ ‬والصلاحيات‭ ‬كلها،‭ ‬بلا‭ ‬رقيب‭ ‬أو‭ ‬مُنظم‭ ‬لأصحابها‭ ‬من‭ ‬فرسان‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وحدهم‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا