العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تاريخ الأوبئة.. دروس الماضي واستعدادات اليوم

بقلم: نبيلة رجب

الأربعاء ٢١ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

منذ‭ ‬أن‭ ‬خط‭ ‬الإنسان‭ ‬أولى‭ ‬خطواته‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأرض،‭ ‬كانت‭ ‬الأوبئة‭ ‬دائماً‭ ‬تشكل‭ ‬تحدياً‭ ‬عظيماً،‭ ‬تحدياً‭ ‬استنزف‭ ‬أرواح‭ ‬الملايين‭ ‬وأثار‭ ‬خوف‭ ‬الأمم‭. ‬فقد‭ ‬سجل‭ ‬التاريخ‭ ‬ملاحم‭ ‬مروعة‭ ‬لكيفية‭ ‬فتك‭ ‬الأمراض‭ ‬بالشعوب‭ ‬والإمبراطوريات،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأدوات‭ ‬العلمية‭ ‬والفكرية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬اليوم‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬العلم،‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الزمن،‭ ‬أهدى‭ ‬الإنسانية‭ ‬قوة‭ ‬التصدي‭ ‬لهذه‭ ‬الآفات،‭ ‬وفتح‭ ‬لنا‭ ‬أبواب‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يعتبر‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬محتما‭.‬

في‭ ‬الأزمنة‭ ‬الماضية،‭ ‬كان‭ ‬الوعي‭ ‬حول‭ ‬مسببات‭ ‬الأمراض‭ ‬بدائيا،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬العلاج‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬التخمين‭ ‬والأساطير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬العلمية‭. ‬ومع‭ ‬تطور‭ ‬الزمن‭ ‬وانتقال‭ ‬المعرفة‭ ‬بين‭ ‬الحضارات،‭ ‬بدأ‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬تحليل‭ ‬أسباب‭ ‬الأمراض‭ ‬بطرق‭ ‬أكثر‭ ‬منهجية‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بدأ‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬العصور‭ ‬الوسطى‭ ‬بوضع‭ ‬فرضيات‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية‭ ‬مثل‭ ‬الهواء‭ ‬والمياه‭ ‬الملوثة‭ ‬على‭ ‬انتشار‭ ‬الأمراض‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الفهم‭ ‬العميق‭ ‬للأوبئة‭ ‬لم‭ ‬يبدأ‭ ‬بالتبلور‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬وبدأت‭ ‬تظهر‭ ‬نظريات‭ ‬مثل‭ ‬نظرية‭ ‬الجراثيم‭ ‬التي‭ ‬قلبت‭ ‬المفاهيم‭ ‬السابقة‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب‭.‬

مع‭ ‬ظهور‭ ‬العلم‭ ‬الحديث،‭ ‬تغيرت‭ ‬وسائل‭ ‬مواجهة‭ ‬الأوبئة‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭. ‬كان‭ ‬اكتشاف‭ ‬اللقاحات‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬كبرى،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬اكتشاف‭ ‬إدوارد‭ ‬جينر‭ ‬لقاح‭ ‬الجدري‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭ ‬وهو‭ ‬الاكتشاف‭ ‬الذي‭ ‬أنقذ‭ ‬ملايين‭ ‬الأرواح‭ ‬ووضع‭ ‬الأساس‭ ‬للتطعيمات‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬اليوم‭. ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬أصبح‭ ‬العلم‭ ‬والدراسات‭ ‬الطبية‭ ‬أدوات‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الصحية‭.‬

وفي‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬التطور‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬الأوبئة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬شهدت‭ ‬البشرية‭ ‬تحسناً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬الوقاية‭ ‬وتقليل‭ ‬الوفيات‭. ‬تشير‭ ‬الإحصاءات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأوبئة‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬الإنفلونزا‭ ‬الإسبانية‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬عام‭ ‬1918‭ ‬قد‭ ‬تضاءلت‭ ‬آثارها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬التطور‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الطبية‭ ‬والوقائية‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أودت‭ ‬تلك‭ ‬الجائحة‭ ‬بحياة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬50‭ ‬إلى‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬شخص،‭ ‬فإن‭ ‬الأوبئة‭ ‬المعاصرة‭ ‬مثل‭ ‬فيروس‭ ‬H1N1‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬عام‭ ‬2009‭ ‬أودت‭ ‬بحياة‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬بفضل‭ ‬التطور‭ ‬الهائل‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الطبية‭ ‬والوقائية‭.‬

ومع‭ ‬كل‭ ‬جائحة‭ ‬جديدة،‭ ‬تزداد‭ ‬خبرات‭ ‬البشرية‭ ‬وتتراكم‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭. ‬مثلا،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬فيروس‭ ‬نقص‭ ‬المناعة‭ ‬البشرية‭ (‬HIV‭) ‬في‭ ‬الثمانينات،‭ ‬واجه‭ ‬العالم‭ ‬صدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الضخمة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتوعية‭ ‬العامة‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تطورات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬العلاج‭ ‬والوقاية،‭ ‬مما‭ ‬حوّل‭ ‬هذا‭ ‬المرض‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬بالإعدام‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬مزمنة‭ ‬يمكن‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭.‬

اليوم،‭ ‬ونحن‭ ‬نواجه‭ ‬تحديات‭ ‬صحية‭ ‬جديدة‭ ‬مثل‭ ‬فيروس‭ ‬جدري‭ ‬القردة‭ ‬الذي‭ ‬أعلنت‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬صحية‭ ‬بسببه،‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬التصدي‭ ‬للأوبئة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقتصراً‭ ‬على‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬العشوائية،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬خطط‭ ‬استباقية‭ ‬مدروسة‭. ‬فالوعي‭ ‬المتزايد‭ ‬بأهمية‭ ‬اللقاحات،‭ ‬وتحسين‭ ‬طرق‭ ‬الرصد‭ ‬والمراقبة،‭ ‬والتعاون‭ ‬الدولي،‭ ‬كلها‭ ‬أمور‭ ‬جعلتنا‭ ‬أكثر‭ ‬استعداداً‭ ‬لمواجهة‭ ‬التهديدات‭ ‬الصحية‭.‬

وكجزء‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬العالمي،‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬البحرين‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي،‭ ‬بل‭ ‬أظهرت‭ ‬استعداداً‭ ‬متقدماً‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬خلال‭ ‬تصريحاتها‭ ‬أنها‭ ‬تتابع‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬المستجدات‭ ‬العالمية‭ ‬حول‭ ‬فيروس‭ ‬‮«‬جدري‭ ‬القرود‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬إعلان‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬صحية‭ ‬عامة‭. ‬وبفضل‭ ‬الخطط‭ ‬الوقائية‭ ‬التي‭ ‬وضعتها،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬السابقة‭ ‬لجائحة‭ ‬كوفيد‭-‬19،‭ ‬أثبتت‭ ‬أنها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الضرورية‭ ‬بسرعة‭ ‬وكفاءة،‭ ‬ونشر‭ ‬الوعي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬للتصدي‭ ‬لهذا‭ ‬الوباء،‭ ‬بجهوزية‭ ‬عالية‭ ‬للمراكز‭ ‬الصحية‭ ‬والمستشفيات‭ ‬وتوفير‭ ‬التطعيمات‭ ‬اللازمة‭ ‬والاستعداد‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬حالات‭ ‬طارئة‭.‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الصحية‭ ‬المستمرة،‭ ‬تبقى‭ ‬الوقاية‭ ‬والوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬أسلحة‭ ‬حاسمة‭. ‬إن‭ ‬تكاتف‭ ‬المجتمع‭ ‬مع‭ ‬الجهات‭ ‬الصحية‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬مكافحة‭ ‬أي‭ ‬أزمة‭ ‬صحية‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التعاون‭ ‬المستمر‭ ‬وتبادل‭ ‬المعرفة‭ ‬والتوعية،‭ ‬يمكننا‭ ‬التصدي‭ ‬بفعالية‭ ‬لأي‭ ‬تهديد‭ ‬صحي،‭ ‬مما‭ ‬يضمن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬وسلامة‭ ‬الجميع‭. ‬إن‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬والتخطيط‭ ‬المسبق‭ ‬هما‭ ‬المفتاح‭ ‬لتجاوز‭ ‬الأزمات‭ ‬وبناء‭ ‬مستقبل‭ ‬صحي‭ ‬آمن‭.‬

nrajabnabeela@gmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا