في خطوة تعكس رؤية طموحة لمستقبل القطاع العقاري في البحرين، أصدرت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني قرارًا تنظيميًا مهمًا (القرار رقم 788 لسنة 2024) يتعلق بتقسيم الأراضي المخصصة للتطوير وإعادة الإعمار. يأتي هذا القرار في وقت حاسم، حيث يشهد القطاع العقاري نموًا متسارعًا وطرحًا لمخططات تلبي الطلب المتزايد على الأراضي المحدودة. ويعكس القرار رؤية مستقبلية واضحة ويُعد نقلة نوعية في التزام الحكومة بتسريع وتيرة التطوير العقاري من خلال الانتقال من مرحلة بناء وتنفيذ مشاريع البنية التحتية إلى مرحلة الإشراف والرقابة على المشاريع التي ستنفذ من قبل القطاع الخاص، وذلك عبر تعزيز التعاون بين الحكومة والمستثمرين. إنه دعوة مفتوحة لمطوري العقارات والمستثمرين للمساهمة بفعالية في عملية التعمير وفق منظور جديد يفتح أبواب التنمية المستدامة ويجذب رؤوس الأموال للاستثمار في هذا المجال.
حددت التخطيط العمراني فترة ستة أشهر لتنفيذ القرار، الذي يفرض على المطور أو المستثمر تحمل كلفة البنية التحتية في الأراضي المقسمة اعتبارًا من 18 فبراير 2025. وكانت هذه التكاليف في السابق تُدفع كرسوم ثابتة عند تقديم طلبات تراخيص البناء، وكانت تُحتسب بناءً على مساحة البناء بقيمة موحدة لجميع أنواع المشاريع بمقدار 12 دينارًا لكل متر مربع، ولكن هذا النظام أُلغي العام الماضي بعد أن أثر سلبًا على وتيرة التطوير العقاري، وخصوصًا في المشاريع الاستثمارية الكبيرة. أما الآن فإن التكاليف الجديدة ستُحتسب بدقة بناءً على التكاليف الفعلية للبنية التحتية، التي ستُدفع مباشرة للمقاولين والاستشاريين الذين يعملون على تجهيز الأراضي وربطها بشبكات الطرق والصرف الصحي، وتوصيلات الكهرباء والمياه، ما سيؤدي إلى نظام أكثر عدلاً لتقدير تكاليف البناء مقارنة بالنظام السابق.
تم تصميم هذا القرار بعناية ليكون إطارًا تنظيميًا يسهل عملية تقسيم الأراضي وتنفيذ البنية التحتية بمرونة. ويضمن هذا القرار وضوح الكلفة الفعلية لتنفيذ المشاريع بشفافية، مع حرية اختيار المقاول والاستشاري والتفاوض معهم، ما يخلق سوقًا تنافسية تحدد الأفضلية بناءً على الجودة والسرعة والكلفة. إضافة إلى ذلك، تم وضع ضمانات استباقية لمعالجة الأخطاء وتعويض المتضررين خلال فترة زمنية معقولة بعد تسليم المشاريع للجهة الحكومية. شخصيًا، أتفاءل بأن الوضع سيتحسن، وسيكون أفضل من بيع أراضٍ دون وجود بنية تحتية أو حتى تقدير الوقت المتوقع لإنجاز المشاريع. إن ضبابية المعلومات وعدم وضوح الجداول الزمنية لإنجاز المشاريع يمكن أن تؤثر سلبًا على جذب المستثمرين والمطورين إلى المشاريع، ما قد يؤدي إلى خسائر في الوقت والمال الذي سوف نتفاداه في النظام الجديد.
ولا شك أن هذا القرار سيسهم في رفع أسعار الأراضي نتيجة زيادة كلفة البنية التحتية التي تضاف إلى السعر الإجمالي. لكن هذه الأموال ستدعم الدورة الاقتصادية وتحرك السيولة في السوق من خلال تشغيل شركات المقاولات والمكاتب الاستشارية، ما يسهم في الاستقرار المالي والتنمية في البلاد.
قد تكون زيادة الكلفة ذريعة لبعض الأطراف لرفع الأسعار وتحقيق أرباح مضاعفة. ولكن يمكن مواجهة هذا من خلال إنشاء قاعدة بيانات شفافة توضح الكلفة الحقيقية للبنية التحتية وسعر الأرض الخام، مع تشجيع طرح المخططات بوتيرة متسلسلة لتجنب احتكار السوق وشح المعروض. وعلى الرغم من أن البعض قد يتردد في المجازفة والدخول في هذا النظام الجديد، فإن السوق سيتكيف وسوف يصحح نفسه مع مرور الوقت كما حدث مع نظام «بنايات» في المكاتب الإشراف والهندسة عند بداية انطلاقه.
ورغم الإيجابيات العديدة لهذا القرار فإنه يحمل بعض التحديات التي تتطلب المتابعة والمعالجة قبل تفاقمها، مثل زيادة الفجوة بين ذوي الدخل المحدود ومتوسطي الدخل، الذين قد يجدون صعوبة في تحمل الكلفة الإضافية للأراضي وعدم القدرة على تغطية التمويلات قد تستدعي الدعم في تحمل جزء من العبء المالي لاسترجاع كلفة البنية التحتية.
ومن التحديات التي قد يواجهها السوق هو احتمالية المخالفة وبيع وتسويق القسائم قبل اكتمال البنية التحتية بشكل رسمي، ما قد يستغلها البعض في مراحل التخطيط الأولية. ولتفادي هذا يمكن تنظيم عملية البيع المبدئي تحت مظلة قانونية رسمية تضمن حقوق جميع الأطراف، سواء من خلال خلق آلية مبدئية في جهاز المساحة والتسجيل العقاري أو بالتعاون مع التنظيم العقاري، بما يحمي حقوق البائع والمشتري في حجز القسائم لتفادي التلاعب في حقوق الأطراف.
من المقترحات التي أتمنى أن تنظر فيها الجهات التنظيمية هو اعتماد تمديدات الاتصالات مثل كابلات الألياف الضوئية كجزء من البنية التحتية، بالتعاون مع شركات الاتصالات، لتجنب إعادة حفر الأرض لتمديد خطوط الإنترنت والاتصالات لاحقًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك