العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مستقبل التعاون العربي الصيني في ظل التغيرات العالمية

بقلم: نجلاء الزرعوني {

السبت ٢٤ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

على‭ ‬مدار‭ ‬العقد‭ ‬الماضي‭ ‬قامت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بتحويل‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭ ‬وأهدافها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬تدريجيا‭ ‬نحو‭ ‬الشرق‭. ‬وكانت‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬التوجيه‭ ‬هذه‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬موازنة‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬بين‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والقوى‭ ‬العالمية‭ ‬الجديدة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الصين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الاقتصادات‭ ‬الناشئة،‭ ‬كالهند‭ ‬وروسيا‭. ‬وكان‭ ‬لهذه‭ ‬الجهود‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬ديناميكيات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

فبشكل‭ ‬خاص‭ ‬كان‭ ‬تعميق‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الصين؛‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬تغيير‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الشراكات‭ ‬الإقليمية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

في‭ ‬30‭ ‬مايو‭ ‬الماضي،‭ ‬احتفلت‭ ‬الصين‭ ‬ودول‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بالذكرى‭ ‬العشرين‭ ‬لمنتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬عام‭ ‬2004‭.‬

واستضافت‭ ‬بكين‭ ‬القادة‭ ‬والوزراء‭ ‬العرب‭ ‬لمراجعة‭ ‬الأوضاع‭ ‬الحالية‭ ‬للتعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي،‭ ‬وإعادة‭ ‬تحديد‭ ‬أولويات‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬اتخاذها‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الأزمات‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬المتنامية‭ ‬والمعطيات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬المتغيرة‭. ‬وقد‭ ‬حضر‭ ‬المنتدى‭ ‬ممثلون‭ ‬من‭ ‬22‭ ‬دولة‭ ‬عربية،‭ ‬منهم‭ ‬مسؤولون‭ ‬رئاسيون‭ ‬ووزاريون؛‭ ‬بهدف‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬العلاقات‭ ‬الإقليمية‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭.‬

أشارت‭ ‬دورة‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬منتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي‭ (‬CASCF‭) ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬بإعادة‭ ‬تعريف‭ ‬التعاون‭ ‬طويل‭ ‬الأجل،‭ ‬وسلطت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الصين‭ ‬المتزايدة‭ ‬كشريك‭ ‬في‭ ‬صنع‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الدورة،‭ ‬أقامت‭ ‬الصين‭ ‬و14‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬شراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬شاملة،‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬بإشراك‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬نشاطات‭ ‬جيوسياسية‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العظمى‭ ‬والقوى‭ ‬المتوسطة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أظهرت‭ ‬الصين‭ ‬استعداداً‭ ‬سياسياً‭ ‬لفهم‭ ‬الأزمات‭ ‬الإقليمية‭ ‬القائمة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬حلها؛‭ ‬وتُعد‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬تحولاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الصين‭ ‬الخارجية‭ ‬تجاه‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية؛‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬سياساتها‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الداخلية‭.‬

أضف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬إحراز‭ ‬تقدم‭ ‬كبير‭ ‬خلال‭ ‬المنتدى؛‭ ‬إذ‭ ‬توصل‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬والصينيون‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مهمة‭. ‬وأسفر‭ ‬المنتدى‭ ‬عن‭ ‬إصدار‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوثائق‭ ‬المهمة،‭ ‬مثل‭: ‬إعلان‭ ‬بكين،‭ ‬وخطة‭ ‬العمل‭ ‬التنفيذية‭ ‬للأعوام‭ ‬2024-2026،‭ ‬والبيان‭ ‬المشترك‭ ‬للصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬بشأن‭ ‬أزمة‭ ‬غزة‭. ‬وهذه‭ ‬الوثائق‭ ‬لا‭ ‬تُعد‭ ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬العربية‭ ‬فحسب؛‭ ‬بل‭ ‬تقدم‭ ‬أيضاً‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬جيدة‭ ‬التصميم‭ ‬للتعاون‭ ‬الإقليمي‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أعلن‭ ‬الجانبان‭ ‬إجراءات‭ ‬جوهرية‭ ‬لتعزيز‭ ‬التنمية‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭. ‬وتضمن‭ ‬ذلك‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬توافق‭ ‬في‭ ‬الآراء‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬الرئيسية‭ ‬ذات‭ ‬الاهتمام‭ ‬المشترك،‭ ‬مثل‭: ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومكافحة‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وتغير‭ ‬المناخ،‭ ‬والتحول‭ ‬الأخضر،‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬والتكنولوجيات‭ ‬الجديدة‭. ‬هذا‭ ‬وستواصل‭ ‬الصين‭ ‬تنسيق‭ ‬استثماراتها‭ ‬الإقليمية،‭ ‬ومبادراتها‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وأنشطتها‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬ويدعم‭ ‬هذا‭ ‬التعاون‭        ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الثنائي‭ ‬والإقليمي‭ ‬الأهداف‭ ‬التنموية‭ ‬للمنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬ودور‭ ‬الصين‭ ‬الجديد‭ ‬كقوة‭ ‬عالمية‭ ‬مسؤولة‭.‬

لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬مشتركة‭ ‬وموقف‭ ‬متفق‭ ‬عليه‭ ‬بشأن‭ ‬الأزمات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬كأزمة‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال؛‭ ‬فالدعم‭ ‬السياسي‭ ‬المستمر‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬وحل‭ ‬الدولتين؛‭ ‬سهّل‭ ‬مشاركتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬واستكمل‭ ‬مبادئ‭ ‬المستقبل‭ ‬الصيني‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭.‬

وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر؛‭ ‬أدى‭ ‬الموقف‭ ‬المتردد‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬في‭ ‬غزة؛‭ ‬إلى‭ ‬تقريب‭ ‬الصين‭ ‬والقوى‭ ‬الشرقية‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬المنظور‭ ‬العربي‭ ‬بشأن‭ ‬غزة،‭ ‬وكشف‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬المواقف‭ ‬الخادعة‭ ‬لحلفائه‭ ‬الغربيين‭ ‬التقليديين‭ ‬بشأن‭ ‬الأزمة‭. ‬فموقف‭ ‬الصين‭ ‬الواضح‭ ‬المعالم‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بغزة‭ ‬يعزز‭ ‬الثقة‭ ‬السياسية‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد‭ ‬بين‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬والحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يدعم‭ ‬صورة‭ ‬الصين‭ ‬باعتبارها‭ ‬نموذجاً‭ ‬عالمياً‭ ‬للسلام‭ ‬والرخاء‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭.‬

ومن‭ ‬النتائج‭ ‬المهمة‭ ‬الأخرى‭ ‬للمنتدى؛‭ ‬مواءمة‭ ‬العلاقات‭ ‬الصينية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬والعالمي‭. ‬فلقد‭ ‬تبنت‭ ‬الصين‭ ‬نهجاً‭ ‬متميزاً‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬والأمني‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى،‭ ‬ووازنت‭ ‬مشاركتها‭ ‬بعناية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أداء‭ ‬دور‭ ‬الوسيط‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬في‭ ‬النزاعات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬المعقدة،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الزج‭ ‬بنفسها‭ ‬كقوة‭ ‬منحازة؛‭ ‬وقد‭ ‬رحب‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بهذا‭ ‬الدور‭.‬

وقد‭ ‬أثبت‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬تبنته‭ ‬الصين‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬فعاليته،‭ ‬وقد‭ ‬تمثل‭ ‬في‭ ‬قيامها‭ ‬بالتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬قوتين‭ ‬إقليميتين‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬هما‭: ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران،‭ ‬عام‭ ‬2023؛‭ ‬لاستعادة‭ ‬العلاقات‭. ‬وتطبق‭ ‬الصين‭ ‬نفس‭ ‬النهج‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬حتى‭ ‬خارج‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬إذ‭ ‬تسهم‭ ‬بنشاط‭ ‬مكثف‭ ‬لحلحلة‭ ‬الأزمة‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭. ‬وتتجلى‭ ‬مشاركة‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬السلام‭ ‬عالمياً‭ ‬في‭ ‬دعمها‭ ‬لاتفاق‭ ‬السلام‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬مبادرة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنها‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وصممها‭ ‬الحزب‭ ‬الشيوعي‭ ‬الصيني‭ ‬بهدف‭ ‬وضع‭ ‬إطار‭ ‬أمني‭ ‬عالمي‭ ‬يتجاوز‭ ‬الانقسامات‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬والإقليمية‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فلا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬العربي‭ ‬والصيني‭ ‬لتمكين‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬دورها‭ ‬كوسيط‭ ‬للسلام‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الغرب‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وأن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تقدّر‭ ‬التعاون‭ ‬الواقع‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الصين‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬أولويات‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬أجندة‭ ‬التنمية‭.‬

إن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬حذر‭ ‬في‭ ‬تعاونه‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية،‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكرر‭ ‬خطأه‭ ‬السابق‭ ‬حين‭ ‬سمح‭ ‬للقوى‭ ‬الغربية‭ ‬بدمج‭ ‬نفسها‭ ‬بعمق‭ ‬في‭ ‬شؤونه‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والأمنية‭. ‬فلقد‭ ‬أثبتت‭ ‬أحداث‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬والتقلبات‭ ‬الأخيرة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬الخارجية‭ ‬لأزمات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬القوى‭ ‬العظمى؛‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬فراغ‭ ‬طويل‭ ‬الأمد‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬مع‭ ‬عواقب‭ ‬أخرى‭ ‬سيئة؛‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬العربي؛‭ ‬ونتيجةً‭ ‬لذلك‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬ارتكاب‭ ‬نفس‭ ‬الخطأ‭ ‬عندما‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬الشرق‭ ‬اليوم‭.‬

وكما‭ ‬ينتهج‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬اليوم‭ ‬منهج‭ ‬الحذر‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية؛‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تتعامل‭ ‬بحذر‭ ‬وتتجنب‭ ‬تولي‭ ‬القيادة‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬حل‭ ‬القضايا‭ ‬العربية،‭ ‬وتسعى‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنأى‭ ‬بنفسها‭ ‬عن‭ ‬الارتباط‭ ‬بالإمبريالية‭ ‬والهيمنة‭ ‬الغربية‭. ‬فاستراتيجية‭ ‬الصين‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬الفرص‭ ‬وإيجاد‭ ‬التوقيت‭ ‬الأنسب‭ ‬لجمع‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬محايد‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬كوسيط‭. ‬ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬الصين‭ -‬باعتبارها‭ ‬أكبر‭ ‬شريك‭ ‬تجاري‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬دولة‭ ‬ومساهما‭ ‬رئيسيا‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬العالمية‭ ‬‭ ‬جهة‭ ‬فاعلة‭ ‬عالمية‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها‭.‬

بينما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يؤيد‭ ‬قيام‭ ‬الصين‭ ‬بدور‭ ‬عالمي‭ ‬جديد؛‭ ‬فإن‭ ‬تحقيق‭ ‬رؤية‭ ‬الصين‭ ‬للأمن‭ ‬العالمي‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬التحديات‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل؛‭ ‬فالحلول‭ ‬المُرضية‭ ‬لأزمات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط؛‭ ‬تتطلب‭ ‬التوافق‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬والجيوسياسي‭ ‬والأمني‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬صيني‭ ‬أكثر‭ ‬حسماً‭ ‬بشأن‭ ‬الأحداث‭ ‬المضطربة‭ ‬والمربكة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭.‬

وينتقد‭ ‬بعض‭ ‬المراقبين‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي‭ ‬لافتقاره‭ ‬إلى‭ ‬مشروعات‭ ‬محددة،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الزيارات‭ ‬المنتظمة‭ ‬رفيعة‭ ‬المستوى‭ ‬والاجتماعات‭ ‬السنوية‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭. ‬ويرى‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتجاوزوا‭ ‬المنتديات‭ ‬المجردة‭ ‬والتوقيع‭ ‬على‭ ‬مذكرات‭ ‬تفاهم‭ ‬عامة؛‭ ‬لبناء‭ ‬تقدم‭ ‬حقيقي‭ ‬ونتائج‭ ‬ملموسة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭.‬

ولكي‭ ‬نعرف‭ ‬لماذا‭ ‬تقوم‭ ‬الصين‭ ‬بذلك،‭ ‬فمن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬لديها‭ ‬نهج‭ ‬مختلف‭ ‬في‭ ‬تعاونها‭ ‬وتعزيز‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى‭ ‬مقارنة‭ ‬بالغرب‭. ‬فكثيراً‭ ‬ما‭ ‬يُصدر‭ ‬صانعو‭ ‬السياسات‭ ‬الصينيين‭ ‬إعلانات‭ ‬عامة‭ ‬أو‭ ‬أطر‭ ‬تعاون‭ ‬مجردة‭ ‬عن‭ ‬شكل‭ ‬تعاونهم‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬الأقاليم‭ ‬الأخرى،‭ ‬ومن‭ ‬مميزات‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬أنه‭ ‬يسمح‭ ‬بإجراء‭ ‬تعديلات‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬التعاون‭ ‬المقترحة،‭ ‬ويضفي‭ ‬قدراً‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المرونة؛‭ ‬يُمكِّن‭ ‬من‭ ‬حشد‭ ‬جهات‭ ‬فاعلة‭ ‬محلية‭ ‬ودولية‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬أطر‭ ‬التعاون‭ ‬الفضفاضة‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬الصين‭ ‬تعطي‭ ‬الفرصة‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الإسهامات‭ ‬الإقليمية؛‭ ‬مما‭ ‬يضمن‭ ‬توافق‭ ‬جداول‭ ‬أعمال‭ ‬المناطق‭ ‬الشريكة‭ ‬ومصالحها‭ ‬واحتياجاتها‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

يرتبط‭ ‬النهج‭ ‬الصيني‭ ‬المعاصر‭ ‬الخاص‭ ‬بممارسة‭ ‬العلاقات‭ ‬الخارجية‭ ‬بمفهوم‭ ‬‮«‬سياسة‭ ‬الشعارات‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬ويقوم‭ ‬بتوضيح‭ ‬كيف‭ ‬للسياسات‭ ‬الصينية‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬وتتفاعل‭ ‬مع‭ ‬الشركاء‭ ‬الخارجيين‭. ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬واجهت‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭ ‬انتقادات‭ ‬كبيرة‭ ‬عند‭ ‬إعلانها‭ ‬عام‭ ‬2013؛‭ ‬لأنها‭ ‬مجردة‭ ‬وغامضة؛‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬إحجام‭ ‬البلدان‭ ‬والأقاليم‭ ‬المختلفة‭ ‬عن‭ ‬الانضمام‭ ‬إليها،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬قامت‭ ‬الصين‭ ‬تدريجياً‭ ‬بدمج‭ ‬مشروعات‭ ‬ثنائية‭ ‬وإقليمية‭ ‬قائمة‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مبادرة‭ ‬الحزام‭ ‬والطريق‭.‬

وهكذا،‭ ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬انتهاج‭ ‬الصين‭ ‬لهذا‭ ‬النهج‭ ‬الفضفاض‭ ‬في‭ ‬تعاونها‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬وإقامة‭ ‬شراكات‭ ‬استراتيجية‭ ‬معهم؛‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬يسمح‭ ‬للأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬بالتكيف‭ ‬مع‭ ‬الديناميكيات‭ ‬المتغيرة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬إبقاء‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬العامة‭ ‬والتعاون‭ ‬المتفق‭ ‬عليه،‭ ‬وإتمامه‭ ‬تدريجيا‭ ‬بمشروعات‭ ‬ومخرجات‭ ‬محددة‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬وضعه‭ ‬الجانبان‭ ‬معا‭.‬

ختاماً،‭ ‬يمثل‭ ‬منتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي‭ ‬لعام‭ ‬2024‭ ‬علامة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬تقييم‭ ‬وتعديل‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي،‭ ‬ومع‭ ‬وضع‭ ‬الصين‭ ‬الجديد‭ ‬كقوة‭ ‬عالمية‭ ‬كبرى،‭ ‬والأزمات‭ ‬والاحتياجات‭ ‬المستمرة‭ ‬داخل‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فمن‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬تعديل‭ ‬شكل‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬ليتناسب‭ ‬بصورة‭ ‬أفضل‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬والأحداث‭ ‬الحالية‭. ‬وأحد‭ ‬الجوانب‭ ‬الجديرة‭ ‬بالملاحظة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬من‭ ‬منتدى‭ ‬التعاون‭ ‬الصيني‭ ‬العربي،‭ ‬هو‭ ‬التوافق‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬المواقف‭ ‬السياسية‭ ‬والأمنية‭ ‬للجانبين‭. ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬تنفيذ‭ ‬التوصيات‭ ‬المعلنة‭ ‬يتطلب‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬الطويل‭.‬

 

{‭ ‬باحث‭ ‬أول‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الصين‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا