العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحرب الدينية تقود إسرائيل إلى مصير مظلم

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٢٥ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

رغم‭ ‬تحذيرات‭ ‬قديمة‭/‬جديدة،‭ ‬فلسطينية‭ ‬وعربية‭ ‬ودولية،‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬حافة‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الدينية‮»‬،‭ ‬تأكد‭ ‬للمراقبين‭ ‬أن‭ ‬اتباع‭ ‬‮«‬الفكر‭ ‬التلمودي‭ ‬المحَّرَف‭ ‬والمنحرِف‮»‬‭ ‬للذين‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحالية‭ ‬كفيل‭ ‬بالمضي‭ ‬قُدماً‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬سياسات‭ (‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭) ‬الذي‭ ‬ترأس‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬حكومات‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الاسرائيلية‭ (‬وبالذات‭ ‬الحكومة‭ ‬الراهنة‭) ‬إنما‭ ‬كانت‭ ‬عملياً‭ ‬وجوهرياً‭ ‬تصب‭ ‬الحبوب‭ ‬باستمرار‭ ‬في‭ ‬طاحونة‭ ‬الحرب‭ ‬الدينية‭. ‬واليوم،‭ ‬ها‭ ‬هم‭ ‬دعاتها‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬يتذوقون‭ ‬بعض‭ ‬مرارة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬سعوا‭ ‬اليها‭ ‬بوعي‭ ‬ديني‭ ‬مزيف،‭ ‬أو‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬مضمون‭ ‬صهيونيتهم‭ ‬الاستعمارية‭/‬العنصرية‭/‬الإحلالية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬التهجير‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬أمام‭ ‬أسماع‭ ‬وأنظار‭ ‬العالم‭!! ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي،‭ ‬بدأوا‭ ‬بتنفيره‭ ‬منهم‭ ‬واستجلاب‭ ‬عدائه‭ ‬لهم‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخهم‭ ‬المعاصر،‭ ‬والحبل‭ ‬على‭ ‬الجرار‭!‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬جماهير‭ ‬العالمين‭ ‬العربي‭ ‬والاسلامي،‭ ‬نلحظ‭ ‬أن‭ ‬علائم‭ ‬وتباشير‭ ‬الوعي‭ ‬الجذري‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬يتبلور‭ ‬في‭ (‬1‭) ‬‮«‬ضوء‭ ‬المقارفات‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والابادة‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الارض‭ ‬الفلسطينية‭ (‬وبالذات‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬شمالها‭ ‬والقدس‭) ‬وايضاً‭ (‬2‭) ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ذات‭ ‬الثقل‭ ‬الجهادي‭ ‬الإسلامي‭ ‬الراهن‭. ‬القادم‭ ‬أعظم‭ ‬مع‭ ‬تحولات‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الصهيونية‭ ‬التلمودية‭ (‬المحرفة‭ ‬والمنحرفة‭) ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬ديني‭. ‬ذلك،‭ ‬ان‭ ‬مخزون‭ ‬الاستشهاد،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬المسيحي‭ ‬العربي،‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬مخزون‭ ‬هائل‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يتفعل‭ ‬مع‭ ‬اتضاح‭ ‬مساعي‭ ‬الصهيونية‭ ‬التلمودية‭ ‬لتهويد‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ (‬وغيرها‭ ‬لاحقاً‭) ‬بحيث‭ ‬تشتمل‭ ‬عملية‭ ‬التهويد‭ ‬على‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ (‬بشتى‭ ‬الأساليب‭ ‬العنيفة‭ ‬و«الناعمة‮»‬‭) ‬مستهدفاً‭ ‬معه‭ ‬الوجودين‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭/ ‬والعربي‭ ‬المسيحي‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مساجد‭ ‬المسلمين‭ ‬وكنائس‭ ‬المسيحيين،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سيستنهض‭ ‬همم‭ ‬الكفاح‭ ‬والنضال‭ ‬والجهاد‭ ‬والاستشهاد‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين‭ ‬وعموم‭ ‬العرب‭ ‬لسنين‭ ‬طويلة‭ ‬قادمة‭.‬

ولأسباب‭ ‬ثقافية‭ ‬بنيوية،‭ ‬فإن‭ ‬يهود‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬قد‭ ‬اختاروا‭ ‬الحياة‭ ‬وبالذات‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬انتصارهم‮»‬‭ ‬في‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‮»‬،‭ ‬عندئذٍ‭ ‬تحولت‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬‮«‬إسبارطة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أثينا‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬ولأسباب‭ ‬ثقافية‭ ‬بنيوية‭ ‬أيضاً‭ (‬قوامها‭ ‬موروث‭ ‬ديني‭ ‬عميق‭) ‬نجد‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين‭ ‬وأشقائهم‭ ‬المسيحيين‭ ‬العرب‭ ‬حالة‭ ‬مترسخة‭ ‬من‭ ‬إعلاء‭ ‬قيمة‭ ‬الاستشهاد‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬والدين‭ ‬والوطن‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬والسنة،‭ ‬وفي‭ ‬الإنجيل‭. ‬وطبعاً،‭ ‬تزداد‭ ‬قوة‭ ‬هذه‭ ‬‮«‬الثقافة‭ ‬الاستشهادية‮»‬‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬لدى‭ ‬المنتظمين‭ ‬في‭ ‬أحزاب‭ ‬وحركات‭ (‬إسلامية،‭ ‬أو‭ ‬قومية‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سورية‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬وطنية‭ ‬مثل‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‮…‬الخ‭). ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المنتمين‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ (‬الأحزاب‭) ‬الفصائل‭ (‬وبالخصوص‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وفي‭ ‬المقدمة‭ ‬منها‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭) ‬يعتبرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬‮«‬مشاريع‭ ‬شهداء‮»‬‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬اوج‭ ‬حيواتهم،‭ ‬مثلما‭ ‬ان‭ ‬دينهم‭ ‬وعوائلهم‭/‬قبائلهم‭/‬عشائرهم‭/‬شعوبهم‭ ‬ينظرون‭ ‬إليهم‭ (‬حين‭ ‬يرتقون‭ ‬بالاستشهاد‭) ‬باعتبارهم‭ ‬قد‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مراتب‭ ‬الشرف؛‭ ‬فيستقبلون‭ ‬بالتكريم‭ ‬الديني‭ ‬والمجتمعي‭ ‬الخاص،‭ ‬وبزغاريد‭ ‬الأمهات‭ ‬والشقيقات‭ ‬وعموم‭ ‬النساء‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فقط‭ ‬تذكروا‭ ‬شعار‭ ‬الوداع‭ ‬الحاشد‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬للشهيد‭ ‬القائد‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية‭ ‬في‭ ‬طهران‭: (‬هنيئاً‭ ‬لك‭ ‬يا‭ ‬هنية‭). ‬والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬وبفضل‭ ‬قوة‭ ‬الانموذج‭ ‬الذي‭ ‬يرسّخه‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشهداء‭ ‬يصبحون‭ ‬في‭ ‬مماتهم‭ (‬بمعنى‭ ‬محدد‭) ‬‮«‬احياء‮»‬‭ ‬كونهم‭ ‬يستولدون‭ ‬‮«‬مشاريع‭ ‬شهداء‮»‬‭ ‬جدد‭ ‬على‭ ‬أتم‭ ‬الجاهزية‭ ‬للاستشهاد‭ ‬وبالتالي‭ ‬لاستيلاد‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬‮«‬مشاريع‭ ‬الشهداء‮»…‬‭ ‬وهكذا‭ ‬دواليك‭.‬

وعن‭ ‬الانتقال‭ ‬‭ ‬فلسطينيا‭ ‬‭ ‬من‭ ‬ضفة‭ ‬نهر‭ ‬‮«‬جيل‭ ‬الاستشهاد‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬ضفة‭ ‬‮«‬الجيل‭ ‬الشاهد‮»‬‭ ‬نلحظ‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬هو‭ ‬حقاً‭ ‬‮«‬الشاهد‮»‬‭ (‬1‭) ‬على‭ ‬عطاء‭ ‬الشهداء‭ ‬الذين‭ ‬ارتقوا،‭ ‬مثلما‭ ‬هو‭ ‬شاهد‭ ‬أيضاً‭ (‬2‭) ‬على‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬أصابت‭ ‬كافة‭ ‬مقومات‭ ‬الأهل‭ (‬البشر،‭ ‬والشجر،‭ ‬والحجر‭)! ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬قيل‭     ‬في‭ ‬العقل‭ ‬الجماعي‭ ‬للمسلمين‭ ‬وللمسيحيين‭ ‬العرب‭ ‬عن‭ ‬كواكب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشهداء‭: ‬

‮«‬أيها‭ ‬الشباب‭ ‬إن‭ ‬عيون‭ ‬الشهداء‭ ‬تحدّق‭ ‬بكم‭. ‬إذا‭ ‬ضللتم‭ ‬الطريق‭ ‬فاتبعوا‭ ‬الشهداء،‭ ‬وسلام‭ ‬لشهداء‭ ‬أخذهم‭ ‬الموت‭ ‬ليعلم‭ ‬الأحياء‭ ‬معنى‭ ‬الكرامة‮»‬‭. ‬ويكفي‭ ‬الشهيد‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬الجماعي‭ ‬ذاته‭ ‬انه‭ ‬‮«‬حي‭ ‬يرزق‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬ويكفيه‭ ‬أيضاً‭ ‬انه‭ ‬دخل‭ ‬الجنة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حساب‮»‬‭. ‬وكذلك‭ ‬قولهم‭: ‬‮«‬أشرف‭ ‬الموت‭ ‬موت‭ ‬الشهداء،‭ ‬ولا‭ ‬نبكيهم‭ ‬لأنهم‭ ‬باستشهادهم‭ ‬قد‭ ‬بدأوا‭ ‬للتو‭ ‬حيواتهم،‭ ‬وانهم‭ ‬حين‭ ‬يرون‭ ‬من‭ ‬فضل‭ ‬الشهادة‭ ‬فانهم‭ ‬يحبون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬الدنيا‭ ‬ليستشهدوا‭ ‬من‭ ‬جديد‮»‬‭.‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬أوليس‭ ‬من‭ ‬الصحيح‭ ‬الافتراض‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬نتنياهو‭ (‬وصحبه‭ ‬من‭ ‬اتباع‭ ‬الفكر‭ ‬التلمودي‭ ‬المحّرف‭ ‬والمنحرف‭) ‬الذين‭ ‬يدفعون‭ ‬الامور‭ ‬باتجاه‭ ‬الحرب‭ ‬الدينية،‭ ‬انما‭ ‬هم‭ ‬ينتهجون‭ ‬سياسة‭ ‬عبثية‭ ‬مجنونة‭ ‬تقودهم‭ ‬إلى‭ ‬مصير‭ ‬مظلم،‭ ‬طال‭ ‬الزمان‭ ‬أم‭ ‬قصر؟

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا