العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الرجل الصالح والقدر المتكلم

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٥ أغسطس ٢٠٢٤ - 02:00

لسنا‭ ‬معنيين‭ ‬بهوية‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬الذي‭ ‬رافق‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬المعرفة،‭ ‬فحتى‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬غيب‭ ‬هويته‭ ‬وماهيته،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬من‭ ‬هو؟‭ ‬وهل‭ ‬هو‭ ‬إنسان‭ ‬أم‭ ‬مخلوق‭ ‬آخر؟‭ ‬وهذه‭ ‬القضايا‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬لم‭ ‬يبينها‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬لذلك‭ ‬فمن‭ ‬الأولى‭ ‬أن‭ ‬نتركها‭ ‬لأنها‭ ‬ليست‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬القصة‭ ‬والموضوع‭ ‬الذي‭ ‬سنتحدث‭ ‬فيه‭.‬

بعض‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬هو‭ (‬القدر‭ ‬المتكلم‭)‬،‭ ‬فماذا‭ ‬يعني‭ ‬هذ‭ ‬المصطلح؟

القدر‭ ‬هو‭ ‬حكم‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وأفعاله‭ ‬في‭ ‬تيسير‭ ‬الأمور،‭ ‬فهو‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عالم‭ ‬بمقادير‭ ‬الكون‭ ‬وأحوالها‭ ‬وأزمانها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬توجد،‭ ‬فقد‭ ‬سبق‭ ‬علمه‭ ‬أنه‭ ‬يوجده‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬في‭ ‬علمه،‭ ‬فلا‭ ‬يحدث‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون‭ ‬إلا‭ ‬بعلمه‭ ‬وقدرته‭ ‬وإرادته،‭ ‬وكل‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يؤمن‭ ‬بهذا‭ (‬القدر‭). ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬القدر‭ ‬يتكلم؟

لنعود‭ ‬إلى‭ ‬قصه‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬مع‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام،‭ ‬وقد‭ ‬ينتابنا‭ ‬الفضول‭ ‬والدهشة‭ ‬والتساؤل،‭ ‬لماذا‭ ‬جعل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬علم‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬نبي‭ ‬مرسل؟‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬الإجابة‭.‬

وربما‭ ‬التساؤل‭ ‬الآخر‭ ‬هو‭ ‬لماذا‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬من‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬لبلوغ‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬سيلاقي‭ ‬فيه‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ (‬وَإِذْ‭ ‬قَالَ‭ ‬مُوسَى‭ ‬لِفَتَاهُ‭ ‬لَا‭ ‬أَبْرَحُ‭ ‬حَتَّى‭ ‬أَبْلُغَ‭ ‬مَجْمَعَ‭ ‬البَحرَينِ‭ ‬أَو‭ ‬أَمضِيَ‭ ‬حُقُباً‭)‬؟

وجد‭ ‬بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬إذ‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬تتعلق‭ ‬بعلم‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬علم‭ ‬الإنسان‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الأسباب‭ ‬والمسببات،‭ ‬وليس‭ ‬هو‭ ‬علم‭ ‬الأنبياء‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الوحي،‭ ‬إنما‭ ‬نحن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬أمام‭ ‬علم‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬أخرى‭ ‬غامضة‭ ‬أشد‭ ‬الغموض،‭ ‬علم‭ ‬القدر‭ ‬الأعلى،‭ ‬علم‭ ‬أسدلت‭ ‬عليه‭ ‬الأستار‭ ‬الكثيفة،‭ ‬كما‭ ‬أسدلت‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬اللقاء‭ ‬وزمانه‭ ‬وحتى‭ ‬اسم‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬وما‭ ‬هيته،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ (‬عَبداً‭ ‬مِن‭ ‬عِبَادِنَا‭)‬،‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬كان‭ ‬استثنائيًا‭ ‬لأنه‭ ‬يجيب‭ ‬على‭ ‬أصعب‭ ‬سؤال‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬آدم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يرث‭ ‬الله‭ ‬الأرض‭ ‬وما‭ ‬عليها،‭ ‬والسؤال‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬الشر‭ ‬والفقر‭ ‬والمعاناة‭ ‬والحروب‭ ‬والأمراض؟‭ ‬وكيف‭ ‬يعمل‭ ‬القدر؟

النوع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القدر‭: ‬يركب‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬والعبد‭ ‬الصالح‭ ‬السفينة،‭ ‬فيخرقها‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يتلف‭ ‬جزء‭ ‬منها،‭ ‬فيكون‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬بعمله‭ ‬الدنيوي‭ (‬قَالَ‭ ‬أَخَرَقتَهَا‭ ‬لِتُغرِقَ‭ ‬أَهلَهَا‭ ‬لَقَد‭ ‬جِئتَ‭ ‬شَيئا‭ ‬إِمرا‭)‬،‭ ‬فما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬العبد‭ ‬الصالح‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يرد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬الرحلة‭ (‬قَالَ‭ ‬أَلَم‭ ‬أَقُل‭ ‬لك‭ ‬إِنَّكَ‭ ‬لَن‭ ‬تَستَطِيعَ‭ ‬مَعِيَ‭ ‬صَبرا‭). ‬ولكن‭ ‬عند‭ ‬نهاية‭ ‬الرحلة‭ ‬يوضح‭ ‬العبد‭ ‬الصالح‭ ‬هذا‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬القدر‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ (‬أَمَّا‭ ‬السَّفِينَةُ‭ ‬فَكَانَت‭ ‬لِمَسَاكِينَ‭ ‬يَعمَلُونَ‭ ‬فِي‭ ‬البَحرِ‭ ‬فَأَرَدتُّ‭ ‬أَن‭ ‬أَعِيبَهَا‭ ‬وَكَانَ‭ ‬وَرَاءَهُم‭ ‬مَّلِك‭ ‬يَأخُذُ‭ ‬كُلَّ‭ ‬سَفِينَةٍ‭ ‬غَصبا‭). ‬وهو‭ ‬القدر‭ ‬الذي‭ ‬يصيبنا‭ ‬فنظنه‭ ‬أنه‭ ‬شرًا،‭ ‬وذلك‭ ‬بحسب‭ ‬علمنا‭ ‬القاصر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬الصورة‭ ‬كاملة‭.‬

فحينما‭ ‬يفشل‭ ‬مشروعنا‭ ‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬يتلف‭ ‬شيء‭ ‬نمتلكه‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬يولد‭ ‬طفلنا‭ ‬ببعض‭ ‬العاهات‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬شخصيته،‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬نجلس‭ ‬ونتذمر‭ ‬ونعاتب‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نفكر‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬التلف‭ ‬أو‭ ‬هذا‭ ‬العيب‭ ‬هو‭ ‬سر‭ ‬النجاح‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نعلم‭ ‬ذلك،‭ ‬فخرق‭ ‬السفينة‭ ‬عطل‭ ‬وأفشل‭ ‬عمل‭ ‬الصيادين‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التعطيل‭ ‬حماهم‭ ‬من‭ ‬ظلم‭ ‬السلطان،‭ ‬فيذهب‭ ‬هذا‭ ‬العتاب‭ ‬هدرًا‭ ‬فأصحاب‭ ‬السفينة‭ ‬الذين‭ ‬تأففوا‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬العبد‭ ‬الصالح‭ ‬ما‭ ‬لبثوا‭ ‬أن‭ ‬عرفوا‭ ‬بعد‭ ‬ذهاب‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬والعبد‭ ‬الصالح‭ ‬وبعد‭ ‬مجيء‭ ‬جنود‭ ‬السلطان‭ ‬أن‭ ‬خرق‭ ‬القارب‭ ‬كان‭ ‬شرًا‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬ولكنه‭ ‬مفيد‭ ‬لهم‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬إلا‭ ‬السفن‭ ‬السليمة‭. ‬لهذا‭ ‬فيجب‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نؤمن‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شر‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬يمنعنا‭ ‬من‭ ‬خطر‭ ‬أشد‭ ‬شرًا‭ ‬علينا‭.‬

النوع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القدر‭: ‬يمضي‭ ‬الرجلان،‭ ‬فيقوم‭ ‬العبد‭ ‬الصالح‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بالرحمة‭ ‬بقتل‭ ‬الغلام،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬يمضي‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬كلمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬يغضب‭ ‬ويعاتب‭ ‬بلهجة‭ ‬أشد‭ (‬أَقَتَلْتَ‭ ‬نَفْسًا‭ ‬زَكِيَّةً‭ ‬بِغَيرِ‭ ‬نَفسٍ‭ ‬لَقَد‭ ‬جِئتَ‭ ‬شَيئًا‭ ‬نُكرًا‭)‬،‭ ‬يعاتبه‭ ‬على‭ ‬قتل‭ ‬الغلام‭ ‬والمشي‭ ‬مبتعدًا‭ ‬وكأنه‭ ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭.‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬القائم؛‭ ‬هل‭ ‬عرفت‭ ‬أم‭ ‬الغلام‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬لولدها‭ ‬ولماذا‭ ‬قُتل؟‭ ‬الجواب‭: ‬لا،‭ ‬بالتأكيد‭ ‬تفطر‭ ‬قلبها،‭ ‬ومن‭ ‬التأكيد‭ ‬مضت‭ ‬الأيام‭ ‬والليالي‭ ‬الطويلة‭ ‬حزنًا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الغلام‭ ‬الذي‭ ‬ربته‭ ‬في‭ ‬حجرها‭ ‬ليأتي‭ ‬رجل‭ ‬غريب‭ ‬فيقتله‭ ‬هكذا‭ ‬وبكل‭ ‬بساطة‭ ‬ويمضي‭. ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬حقيقة‭ ‬وطبيعة‭ ‬هذا‭ ‬الولد‭ ‬فهي‭ ‬أمام‭ ‬شر‭ ‬مستطير،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬هذا‭ ‬الغلام‭ ‬عندما‭ ‬يكبر،‭ ‬فكان‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الغيب‭ ‬مكتوب‭ ‬أنه‭ ‬شرير‭ ‬إن‭ ‬استمرت‭ ‬حياته‭ ‬لذلك‭ ‬تم‭ ‬الانتهاء‭ ‬منه‭ ‬وتخليص‭ ‬الأم‭ ‬والبشرية‭ ‬من‭ ‬شره‭.‬

وقتل‭ ‬الغلام؛‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمثل‭ ‬موت‭ ‬شخص‭ ‬عزيز‭ ‬على‭ ‬قلوبنا‭ ‬أو‭ ‬فقد‭ ‬شيء‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬ولكننا‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬موت‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ ‬العزيز‭ ‬علينا‭ ‬رحمة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬مرض‭ ‬كان‭ ‬يعاني‭ ‬منه،‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬أحل‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬فقدنا‭ ‬لهذا‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬الصديق‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬نحب‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لنا‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭ ‬أو‭ ‬الصديق‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مستقبلاً‭ ‬شر‭ ‬لنا،‭ ‬فموت‭ ‬الغلام‭ ‬كان‭ ‬رحمة‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬النار‭ ‬فأراد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يميته‭ ‬وهو‭ ‬صغير‭ ‬بلا‭ ‬ذنب‭ ‬ليدخله‭ ‬الجنة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يكبر‭ ‬ويذنب‭ ‬فيدخل‭ ‬النار‭.‬

فالحدث‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬ونحسبه‭ ‬شرًا،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬باطنه‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هو‭ ‬خير،‭ ‬ولكنه‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يكشف‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لنا‭ ‬ذلك‭ ‬فنعيش‭ ‬عمرنا‭ ‬ونحن‭ ‬نعتقد‭ ‬أنه‭ ‬شر،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬خير،‭ ‬فالغلام‭ ‬عندما‭ ‬قُتل‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬أمه‭ ‬أبدًا‭ ‬لماذا‭ ‬قتل‭.‬

النوع‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬القدر‭: ‬وربما‭ ‬هو‭ ‬الأهم،‭ ‬فهو‭ ‬الشر‭ ‬يصرفه‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عنا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬ذلك،‭ ‬فالله‭ ‬سبحانه‭ ‬يحمينا‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الشر‭ ‬ويلطف‭ ‬بنا،‭ ‬فلأيتام‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬وكذلك‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬أهل‭ ‬القرية‭ ‬لماذا‭ ‬قام‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬ببناء‭ ‬الجدار‭. ‬ثم‭ ‬نكتشف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تحت‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬كان‭ ‬يوجد‭ ‬ثروة‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأيتام‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الحري‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬الكنز‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬حتى‭ ‬يبلغ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأيام‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ ‬ويستخرجا‭ ‬كنزهما،‭ ‬وهذا‭ ‬رحمة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭. ‬فهل‭ ‬عرف‭ ‬الأيتام‭ ‬أن‭ ‬الجدار‭ ‬كان‭ ‬آيلاً‭ ‬للسقوط؟ وهل‭ ‬عرف‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬السر‭ ‬من‭ ‬بناء‭ ‬الجدار؟‭ ‬

فبناء‭ ‬الجدار‭ ‬وحبس‭ ‬كنز‭ ‬اليتيمين؛‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يمثل‭ ‬تأخر‭ ‬الرزق‭ ‬في‭ ‬حياتنا،‭ ‬كتأخر‭ ‬وظيفة‭ ‬ننتظرها‭ ‬أو‭ ‬زواج‭ ‬أو‭ ‬أطفال‭ ‬نحلم‭ ‬بهم،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬التأخير‭ ‬والتعطيل‭ ‬في‭ ‬مصلحتنا‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬يختار‭ ‬لنا‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬ليعطينا‭ ‬هذا‭ ‬الرزق،‭ ‬فبناء‭ ‬الجدار‭ ‬كان‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬تأخير‭ ‬الكنز‭ ‬على‭ ‬اليتيمين‭ ‬حتى‭ ‬يشتد‭ ‬عودهما‭ ‬ويقدرا‭ ‬على‭ ‬استخراج‭ ‬كنزهما‭ ‬بنفسهما‭ (‬فَأَرَادَ‭ ‬رَبُّكَ‭ ‬أَن‭ ‬يَبلُغَا‭ ‬أَشُدَّهُمَا‭) ‬لكيلا‭ ‬يتعرضا‭ ‬لطمع‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬الناس‭.‬

وتنتهي‭ ‬قصة‭ ‬سيدنا‭ ‬موسى‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬مع‭ ‬العبد‭ ‬الصالح‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬ولكن‭ ‬موضوع‭ ‬القدر‭ ‬وجريان‭ ‬القدر‭ ‬موضوع‭ ‬عميق،‭ ‬فمن‭ ‬الصعب‭ ‬الغوص‭ ‬فيه،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يغرق‭ ‬الإنسان‭. ‬

ببساطة‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬تنظم‭ ‬حياتنا‭ ‬روحيًا‭ ‬وتعلمنا‭ ‬أن‭ ‬نواجه‭ ‬الأحداث‭ ‬المفاجئة‭ ‬التي‭ ‬تطرأ‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬بإيمان‭ ‬كامل‭ ‬بالله‭ ‬وثقة‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬تدبيره‭ ‬لأحداث‭ ‬حياتنا‭. ‬فلنستعين‭ ‬بإيماننا‭ ‬بلطف‭ ‬الله‭ ‬الخفي‭ ‬لنصبر‭ ‬على‭ ‬أقداره‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفهمهما،‭ ‬ولنقل‭ ‬في‭ ‬أنفسنا،‭ ‬‮«‬قد‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬أقدار‭ ‬الله‭ ‬لكنني‭ ‬موقن‭ ‬به‭ ‬وثقتي‭ ‬فيه‭ ‬تؤكد‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قدره‭ ‬الله‭ ‬خير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حال‮»‬‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا