العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف فاقمت «المعلومات المضللة» الاضطرابات في بريطانيا؟

بقلم: آية يحيى

الثلاثاء ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

سلطت‭ ‬الاضطرابات‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬بريطانيا‭ ‬منذ‭ ‬أواخر‭ ‬يوليو‭ ‬2024،‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسببها‭ ‬‮«‬المعلومات‭ ‬المضللة»؛‭ ‬إذ‭ ‬اندلعت‭ ‬تظاهرات،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬عنف،‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬وبلدات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬بريطانيا‭ ‬عقب‭ ‬انتشار‭ ‬معلومات‭ ‬مضللة‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬تزعم‭ ‬تورط‭ ‬مهاجر‭ ‬مسلم‭ ‬في‭ ‬مقتل‭ ‬ثلاث‭ ‬فتيات‭ ‬صغيرات‭ ‬في‭ ‬حفل‭ ‬رقص‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬ساوثبورت‭ ‬بمقاطعة‭ ‬ميرسيسايد‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي‭.‬

وجاءت‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الشرطة‭ ‬البريطانية‭ ‬ألقت‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المشتبه‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬القتل،‭ ‬وهو‭ ‬شخص‭ ‬يُدعى‭ ‬أكسل‭ ‬موغانوا‭ ‬روداكوبانا،‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬عاماً،‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬مدينة‭ ‬كارديف‭ ‬عاصمة‭ ‬ويلز‭ ‬لأبوين‭ ‬روانديين،‭ ‬ووجهت‭ ‬له‭ ‬تهمة‭ ‬القتل‭ ‬ومحاولة‭ ‬القتل‭. ‬واستمرت‭ ‬أعمال‭ ‬الشغب‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أسبوع،‭ ‬غذتها‭ ‬بالأساس‭ ‬جماعات‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يلقي‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يؤديه‭ ‬المحتوى‭ ‬المضلل‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمنصات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬الاضطرابات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

انتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭:‬

بدايةً،‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬اختلافاً‭ ‬بين‭ ‬مصطلحي‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭(‬Misinformation‭) ‬والأخبار‭ ‬الزائفة‭ (‬Fake‭ ‬news‭)‬،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬معلومات‭ ‬خاطئة‭ ‬ينشرها‭ ‬الأشخاص‭ ‬على‭ ‬اعتقاد‭ ‬أنها‭ ‬صحيحة‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬نية‭ ‬خبيثة‭ ‬وراءها‭. ‬وهذه‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاطئة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬نتيجة‭ ‬لسوء‭ ‬فهم،‭ ‬أو‭ ‬تحريف‭ ‬غير‭ ‬مقصود‭ ‬للحقائق،‭ ‬أو‭ ‬نشر‭ ‬معلومات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬صحتها‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬موثوقة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قد‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬يُترجم‭ ‬تقرير‭ ‬علمي‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬صحيح؛‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬معلومة‭ ‬خاطئة‭ ‬حول‭ ‬نتيجة‭ ‬معينة‭ ‬تحدث‭ ‬سوء‭ ‬فهم‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬نية‭ ‬للتضليل‭.‬

بينما‭ ‬تشير‭ ‬الأخبار‭ ‬الزائفة‭ ‬إلى‭ ‬محتوى‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤه‭ ‬عمداً‭ ‬بقصد‭ ‬التضليل،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬اتجاهات‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬نحو‭ ‬قضية‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬معلومات‭ ‬خاطئة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬صحيحة‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬تنظيم‭ ‬حملة‭ ‬موجهة‭ ‬لترويج‭ ‬أخبار‭ ‬كاذبة‭ ‬حول‭ ‬منتج‭ ‬جديد‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬معينة؛‭ ‬بهدف‭ ‬التلاعب‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭ ‬وتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اقتصادية‭.‬

وغالباً‭ ‬ما‭ ‬ترتبط‭ ‬الأخبار‭ ‬الزائفة‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬بالسياسة،‭ ‬بينما‭ ‬تُعد‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬أعم‭ ‬وأشمل؛‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المعلومات‭ ‬الخاطئة‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬موضوعات‭ ‬واسعة‭ ‬مثل‭: ‬الصحة‭ ‬والبيئة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والاجتماع‭ ‬عبر‭ ‬جميع‭ ‬المنصات‭.‬

ويعزز‭ ‬الاستخدام‭ ‬الواسع‭ ‬لشبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬انتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة،‭ ‬فغالباً‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬إطلاق‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬عبر‭ ‬المنصات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتناقلها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬ونشرات‭ ‬الأخبار‭. ‬وأسهم‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬تسهيل‭ ‬نشر‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬إلى‭ ‬الآلاف‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد‭. ‬فخوارزميات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬التي‭ ‬تُخصص‭ ‬المحتوى‭ ‬وفقاً‭ ‬لتفضيلات‭ ‬المستخدمين،‭ ‬تجعل‭ ‬أي‭ ‬تفاعل،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬سلبياً،‭ ‬يساعد‭ ‬المحتوى‭ -‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬دقته‭- ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المستخدمين؛‭ ‬لأن‭ ‬الخوارزمية‭ ‬تفهم‭ ‬فقط‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الشيء‭ ‬شائعاً‭ ‬أم‭ ‬لا؛‭ ‬ما‭ ‬يعزل‭ ‬المستخدمين‭ ‬عن‭ ‬رؤى‭ ‬ووجهات‭ ‬نظر‭ ‬متعددة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تساعدهم‭ ‬على‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬المعلومات‭ ‬والأخبار‭ ‬المتداولة‭.‬

حالة‭ ‬بريطانيا‭:‬

شهدت‭ ‬مدينة‭ ‬ساوثبورت‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬يوم‭ ‬29‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬حادثاً‭ ‬مأساوياً،‭ ‬إذ‭ ‬أسفر‭ ‬هجوم‭ ‬بسكين‭ ‬على‭ ‬درس‭ ‬رقص‭ ‬للأطفال‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬ثلاث‭ ‬فتيات‭ ‬صغيرات،‭ ‬تتراوح‭ ‬أعمارهن‭ ‬بين‭ ‬6‭ ‬و9‭ ‬سنوات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬إصابة‭ ‬ثمانية‭ ‬أطفال‭ ‬آخرين‭ ‬واثنين‭ ‬من‭ ‬البالغين‭ ‬بجروح‭ ‬خطرة‭. ‬وألقت‭ ‬الشرطة‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬المشتبه‭ ‬به،‭ ‬بتهمتي‭ ‬القتل‭ ‬والشروع‭ ‬في‭ ‬القتل،‭ ‬قائلة‭ ‬إنه‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬17‭ ‬عاماً،‭ ‬ولم‭ ‬تعتبر‭ ‬الهجوم‭ ‬جريمة‭ ‬إرهابية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬تفاصيل‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬عن‭ ‬المشتبه‭ ‬به‭ ‬لأنه‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬سنة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬هويته‭ ‬بموجب‭ ‬القانون‭.‬

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬الحادث،‭ ‬انتشرت‭ ‬معلومات‭ ‬مضللة‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬حول‭ ‬أن‭ ‬المشتبه‭ ‬به‭ ‬مهاجر‭ ‬مسلم‭ ‬غير‭ ‬مصرح‭ ‬له‭ ‬بالإقامة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وهي‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬تلقفتها‭ ‬جماعات‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬لتأجيج‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬ضد‭ ‬الحكومة،‭ ‬وإثارة‭ ‬مشاعر‭ ‬الكراهية‭ ‬ضد‭ ‬المهاجرين؛‭ ‬مستغلة‭ ‬غياب‭ ‬معلومات‭ ‬تفصيلية‭ ‬عن‭ ‬المشتبه‭ ‬به‭. ‬ففي‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لحادث‭ ‬الطعن،‭ ‬نظم‭ ‬أنصار‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬احتجاجات‭ ‬مناهضة‭ ‬للمسلمين‭ ‬في‭ ‬ساوثبورت‭ ‬وحاولوا‭ ‬مهاجمة‭ ‬مسجد‭ ‬البلدة‭.‬

وأدت‭ ‬خوارزميات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬دوراً‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬بريطانيا؛‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬نطاق‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬وامتدادها‭ ‬إلى‭ ‬مدن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد،‭ ‬مثل‭: ‬هال‭ ‬وليفربول‭ ‬وبريستول‭ ‬ومانشستر‭ ‬وستوك‭ ‬أون‭ ‬ترينت‭ ‬وبلاكبول‭ ‬وبلفاست،‭ ‬وبما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العاصمة‭ ‬لندن‭. ‬وتخللت‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬مثل‭: ‬إضرام‭ ‬النيران‭ ‬في‭ ‬المركبات،‭ ‬والاشتباك‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬الشرطة،‭ ‬وتخريب‭ ‬الممتلكات‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬المساجد‭ ‬وأماكن‭ ‬الإقامة‭ ‬لطالبي‭ ‬اللجوء‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬انتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬حول‭ ‬هوية‭ ‬المتهم‭ ‬وتحميل‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬سياسات‭ ‬الحكومة‭ ‬بشأن‭ ‬الهجرة‭ ‬مسؤولية‭ ‬الحادث؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬استمرار‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬لقرابة‭ ‬أسبوع؛‭ ‬رفعت‭ ‬المحكمة‭ ‬شرط‭ ‬عدم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬المشتبه‭ ‬به‭ ‬بسبب‭ ‬صغر‭ ‬سنه،‭ ‬وأعلنت‭ ‬أنه‭ ‬يُدعى‭ ‬أكسل‭ ‬موغانوا‭ ‬روداكوبانا،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬كارديف‭ ‬لأبوين‭ ‬روانديين،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬السردية‭ ‬الخاطئة‭ ‬المنتشرة‭ ‬حول‭ ‬الحادث‭. ‬

إجراءات‭ ‬حكومية‭:‬

اتخذت‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬دقة‭ ‬المعلومات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬وحماية‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬التأثيرات‭ ‬السلبية‭ ‬للمعلومات‭ ‬المضللة‭. ‬فقد‭ ‬شرعت‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬شامل‭ ‬لتتبع‭ ‬مصدر‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وشملت‭ ‬التحقيقات‭ ‬دور‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وكذلك‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬وتضخيم‭ ‬المعلومات‭ ‬غير‭ ‬الدقيقة؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تغذية‭ ‬الاضطرابات‭ ‬العنيفة،‭ ‬دون‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬ومعالجتها‭.‬

وأدان‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني،‭ ‬كير‭ ‬ستارمر،‭ ‬بشدة‭ ‬العنف‭ ‬الذي‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة،‭ ‬وأعلن‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬حكومته‭ ‬تقديم‭ ‬تشريعات‭ ‬جديدة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬الشفافية‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتعزيز‭ ‬مساءلة‭ ‬الشركات‭ ‬التقنية‭ ‬بشأن‭ ‬محتوى‭ ‬المعلومات‭. ‬وتشمل‭ ‬هذه‭ ‬التشريعات‭ ‬فرض‭ ‬غرامات‭ ‬على‭ ‬الشركات‭ ‬التي‭ ‬تفشل‭ ‬في‭ ‬إزالة‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬بسرعة‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬تتعاون‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬مع‭ ‬شركات‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الكبرى،‭ ‬مثل‭: ‬فيسبوك‭ ‬وإكس‭ ‬وجوجل،‭ ‬لتطوير‭ ‬أدوات‭ ‬وتقنيات‭ ‬جديدة‭ ‬لمراقبة‭ ‬وتحديد‭ ‬المعلومات‭ ‬غير‭ ‬الصحيحة‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭. ‬وأطلقت‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬حملات‭ ‬توعية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعليم‭ ‬الجمهور‭ ‬كيفية‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬المعلومات،‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬والأخبار‭ ‬الزائفة‭.‬

أزمات‭ ‬سابقة‭:‬

ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬ليس‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها،‭ ‬فهناك‭ ‬سلسلة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الحوادث‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬تفاقمت‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬معلومات‭ ‬مضللة‭ ‬حول‭ ‬ظواهر‭ ‬طبيعية‭ ‬وأزمات‭ ‬صحية‭. ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬ضرب‭ ‬بقوة‭ ‬مقاطعة‭ ‬سوريجاو‭ ‬ديل‭ ‬سور‭ ‬الفلبينية،‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023؛‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬أضرار‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬والمنازل؛‭ ‬لتنتشر‭ ‬بعدها‭ ‬معلومات‭ ‬مضللة‭ ‬غير‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬أدلة‭ ‬علمية‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تحذر‭ ‬من‭ ‬تسونامي‭ ‬ضخم‭ ‬وشيك‭. ‬وتم‭ ‬تدعيم‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬بمنشورات،‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬صور‭ ‬ومقاطع‭ ‬فيديو‭ ‬معدلة‭ ‬ومفبركة،‭ ‬تزعم‭ ‬أن‭ ‬الزلزال‭ ‬قد‭ ‬أثار‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الانفجارات‭ ‬البركانية‭ ‬تحت‭ ‬الماء؛‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فيضانات‭ ‬ساحلية‭ ‬كارثية‭.‬

وأظهر‭ ‬تحليل‭ ‬بيانات‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أن‭ ‬تحذيرات‭ ‬التسونامي‭ ‬تلك‭ ‬المستندة‭ ‬لمعلومات‭ ‬مضللة،‭ ‬تمت‭ ‬مشاركتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬خلال‭ ‬الأربع‭ ‬والعشرين‭ ‬ساعة‭ ‬الأولى؛‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الذعر‭ ‬والارتباك‭ ‬العام‭ ‬وفاقم‭ ‬تداعيات‭ ‬الزلزال‭. ‬وقام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفلبينيين،‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬القلق‭ ‬بسبب‭ ‬الزلزال،‭ ‬بإخلاء‭ ‬منازلهم‭ ‬بسرعة؛‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬مشاهد‭ ‬فوضوية،‭ ‬إذ‭ ‬هرب‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬مرتفعة‭. ‬ولم‭ ‬يؤد‭ ‬هذا‭ ‬الذعر‭ ‬المنتشر‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تعطيل‭ ‬سير‭ ‬الأنشطة‭ ‬اليومية،‭ ‬بل‭ ‬فرض‭ ‬أيضاً‭ ‬عبئا‭ ‬إضافيا‭ ‬على‭ ‬فرق‭ ‬الطوارئ،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مشغولة‭ ‬بالفعل‭ ‬بتقييم‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬الزلزال،‭ ‬وعرقلت‭ ‬الفوضى‭ ‬والخوف‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬تحذيرات‭ ‬التسونامي،‭ ‬عملها؛‭ ‬إذ‭ ‬تم‭ ‬تحويل‭ ‬الموارد‭ ‬لإدارة‭ ‬تداعيات‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭.‬

وفي‭ ‬مثال‭ ‬آخر،‭ ‬سلطت‭ ‬جائحة‭ ‬‮«‬كورونا‮»‬‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الأزمات‭ ‬الصحية‭ ‬العالمية‭. ‬فقد‭ ‬انتشرت‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬معلومات‭ ‬مضللة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الفيروس‭ ‬وأصوله‭ ‬وعلاجاته،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تفوقت‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬الدقيقة‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬الصحية؛‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬العام‭ ‬والمقاومة‭ ‬للتدابير‭ ‬الصحية‭ ‬المتخذة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭.‬

وكان‭ ‬لانتشار‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬أثناء‭ ‬الجائحة‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة،‭ ‬فقد‭ ‬أدت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬غير‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬أدلة‭ ‬علمية‭ ‬عن‭ ‬العلاج‭ ‬إلى‭ ‬سلوكيات‭ ‬خطرة‭ ‬وأحياناً‭ ‬إلى‭ ‬وفيات‭. ‬كما‭ ‬أسهمت‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة‭ ‬حول‭ ‬اللقاحات‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬التردد‭ ‬بشأن‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬ومقاومة‭ ‬ذلك؛‭ ‬مما‭ ‬أعاق‭ ‬الجهود‭ ‬الرامية‭ ‬لتحقيق‭ ‬‮»‬مناعة‭ ‬القطيع‮«‬‭. ‬كذلك‭ ‬أدت‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة‭ ‬التي‭ ‬ربطت‭ ‬بين‭ ‬تقنية‭ ‬الجيل‭ ‬الخامس‭ ‬و»كورونا‮«‬‭ ‬إلى‭ ‬وقوع‭ ‬هجمات‭ ‬حرق‭ ‬عمد‭ ‬على‭ ‬أبراج‭ ‬الهاتف‭ ‬المحمول‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭.‬

في‭ ‬المُجمل،‭ ‬أعادت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬خلال‭ ‬الأسبوعين‭ ‬الماضيين،‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬العواقب‭ ‬الوخيمة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدثها‭ ‬المعلومات‭ ‬المضللة؛‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬نهجا‭ ‬شاملا‭ ‬ومتكاملا‭ ‬لمواجهتها؛‭ ‬بحيث‭ ‬يشمل‭ ‬تحسين‭ ‬تقنيات‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬المحتوى،‭ ‬وتعزيز‭ ‬شفافية‭ ‬الخوارزميات‭ ‬المستخدمة‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتحديد‭ ‬الأولويات‭ ‬ونشر‭ ‬المعلومات‭ ‬الصحيحة،‭ ‬وبذل‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬لمحو‭ ‬‮»‬الأمية‭ ‬الإعلامية‮«‬‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬ليصبحوا‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬تقييم‭ ‬المعلومات‭ ‬بدقة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬قوانين‭ ‬صارمة‭ ‬تضمن‭ ‬المساءلة‭ ‬للمنصات‭ ‬الرقمية،‭ ‬وتعزز‭ ‬نشر‭ ‬المعلومات‭ ‬الدقيقة‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا