العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

دول الخليج وأمن الملاحة في البحر الأحمر

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

السبت ١٤ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬نظر‭ ‬الفكر‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنه‭ ‬بحر‭ ‬عربي؛‭ ‬لامتلاك‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المشاطئة‭ ‬له‭ ‬نحو‭ ‬90%‭ ‬من‭ ‬سواحله،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تأتي‭ ‬السعودية‭ ‬بساحل‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬1830‭ ‬كم‭ ‬بنسبة‭ ‬33‭.‬9%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬طول‭ ‬الساحل،‭ ‬فيما‭ ‬تأتي‭ ‬مصر‭ ‬بعدها‭ ‬بساحل‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬1425‭ ‬كم‭ ‬وبنسبة‭ ‬25‭.‬5%،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬تأتي‭ ‬السودان‭ ‬تليها‭ ‬اليمن‭ ‬ثم‭ ‬جيبوتي‭ ‬ثم‭ ‬الأردن‭. ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬جزر‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬فيتبع‭ ‬السعودية‭ ‬1150‭ ‬جزيرة،‭ ‬تضعها‭ ‬كما‭ ‬تضع‭ ‬الساحل‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬استراتيجيتها‭ ‬لتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭ ‬وتطوير‭ ‬قطاع‭ ‬السياحة‭ ‬ليكون‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ركائز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السعودي،‭ ‬وتشمل‭ ‬رؤية‭ ‬2030‭ ‬تطوير‭ ‬200‭ ‬كم‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬ساحل‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وتنمية‭ ‬50‭ ‬جزيرة،‭ ‬كما‭ ‬توجد‭ ‬موانئ‭ ‬سعودية‭ ‬مهمة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭: ‬كجدة‭ ‬وينبع‭.‬

وعبر‭ ‬البحر‭ ‬تمر‭ ‬تجارة‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬مع‭ ‬أوروبا‭ ‬وشمال‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬والأمريكيتين‭ ‬استيرادًا‭ ‬وتصديرًا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عبره‭ ‬تأتي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مهددات‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الخليجي،‭ ‬سواء‭ ‬القرصنة‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬أمن‭ ‬السفن‭ ‬العابرة‭ ‬من‭ ‬وإلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬أو‭ ‬الإرهاب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تنظيمات‭ ‬كالقاعدة،‭ ‬أو‭ ‬تهريب‭ ‬المخدرات‭ ‬والأسلحة‭ ‬والبشر،‭ ‬أو‭ ‬تهديدات‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثي‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬والتي‭ ‬طالت‭ ‬أهدافًا‭ ‬ومواقع‭ ‬في‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات،‭ ‬وأصبحت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬أهم‭ ‬مهدد‭ ‬للملاحة‭ ‬فيه‭.‬

‮ ‬وبعد‭ ‬تصاعد‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتوجه‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثي‭ ‬لاستهداف‭ ‬السفن‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬تركز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬السفن‭ ‬المملوكة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أو‭ ‬المتجهة‭ ‬إليها،‭ ‬فقد‭ ‬رأينا‭ ‬كيف‭ ‬طالت‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬ناقلات‭ ‬النفط،‭ ‬مما‭ ‬هدد‭ ‬السلامة‭ ‬البيئية‭ ‬للبحر،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬المشروعات‭ ‬التنموية‭ ‬في‭ ‬منطقته‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬للسعودية‭ ‬أو‭ ‬لمصر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬دفع‭ ‬شركات‭ ‬الشحن‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬الرجاء‭ ‬الصالح،‭ ‬ما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬الشحن‭ ‬والتأمين‭ ‬وطول‭ ‬مدة‭ ‬الرحلة،‭ ‬وما‭ ‬يمثله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬تضخمية‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬المستهلك،‭ ‬كما‭ ‬أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬إيرادات‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬بنحو‭ ‬50%،‭ ‬فيما‭ ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الإيرادات‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ركائز‭ ‬الاقتصاد‭ ‬المصري‭.‬

والارتباط‭ ‬بين‭ ‬أمن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والأمن‭ ‬الخليجي،‭ ‬جعل‭ ‬السعودية‭ ‬تبادر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬إلى‭ ‬صياغة‭ ‬معادلة‭ ‬أمنية‭ ‬تقوم‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬المشاطئة‭ ‬له،‭ ‬وكان‭ ‬أحدث‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات،‭ ‬مبادرة‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬الملك‭ ‬‮«‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‮»‬‭ ‬في‭ ‬2018،‭ ‬بإنشاء‭ ‬كيان‭ ‬جامع‭ ‬للدول‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬حوض‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر؛‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالحهم‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاستثمارية،‭ ‬وتأمين‭ ‬حركة‭ ‬الملاحة‭ ‬العالمية،‭ ‬ويضم‭ ‬الكيان‭ (‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬واليمن‭ ‬والسودان‭ ‬وجيبوتي‭ ‬والصومال‭ ‬والأردن‭)‬،‭ ‬ويكون‭ ‬له‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الجوانب‭ ‬الأمنية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الجوانب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتنموية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬والبيئية،‭ ‬فيما‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي‭ ‬حينئذ‭ ‬‮«‬عادل‭ ‬الجبير‮»‬‭ ‬أن‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأساسية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬لتفادي‭ ‬تدخلات‭ ‬أي‭ ‬دول‭ ‬خارج‭ ‬المنطقة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الحساسة‭ ‬بالذات‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬كما‭ ‬عدت‭ ‬السعودية‭ ‬البحر‭ ‬جسرًا‭ ‬للتواصل‭ ‬بين‭ ‬الحضارات‭ ‬والثقافات،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬إعلان‭ ‬المبادرة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬دعت‭ ‬إليها‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬لوزراء‭ ‬خارجية‭ ‬الدول‭ ‬المذكورة‭.‬

ولم‭ ‬تكن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تبادر‭ ‬فيها‭ ‬المملكة‭ ‬لإنشاء‭ ‬تكتل‭ ‬إقليمي‭ ‬يحقق‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المطلة‭ ‬عليه،‭ ‬فقبلها‭ ‬كان‭ ‬ميثاق‭ ‬جدة‭ ‬1956‭ ‬لإقامة‭ ‬نظام‭ ‬أمني‭ ‬مشترك‭ ‬ضم‭ (‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬واليمن‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬1972‭ ‬كان‭ ‬مؤتمر‭ ‬جدة‭ ‬للدول‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬بمشاركة‭ (‬السعودية‭ ‬واليمن‭ ‬ومصر‭ ‬والسودان‭ ‬وأثيوبيا‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬مؤتمر‭ ‬جدة‭ ‬1976‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬إبرام‭ ‬الاتفاقية‭ ‬الإقليمية‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬بيئة‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن‭ ‬وتم‭ ‬اختيار‭ ‬جدة‭ ‬مقرًا‭ ‬لهذه‭ ‬المنطقة‭ ‬الإقليمية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬اتفاقية‭ ‬جدة‭ ‬1982‭ ‬بين‭ (‬السعودية‭ ‬والسودان‭ ‬والصومال‭ ‬والأردن‭ ‬واليمن‭)‬،‭ ‬وفيما‭ ‬يمثل‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬عمقًا‭ ‬استراتيجيًا‭ ‬للسعودية،‭ ‬فهو‭ ‬كذلك‭ ‬عمق‭ ‬استراتيجي‭ ‬لمصر،‭ ‬وهو‭ ‬نظام‭ ‬فرعي‭ ‬من‭ ‬إقليم‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وامتداد‭ ‬أمني‭ ‬لإقليم‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وقريب‭ ‬من‭ ‬حوض‭ ‬النيل‭ ‬والقرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإنه‭ ‬يمثل‭ ‬أولوية‭ ‬استراتيجية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج‭ ‬ومصر‭.‬

وقد‭ ‬تبلورت‭ ‬مبادرة‭ ‬خادم‭ ‬الحرمين‭ ‬الشريفين‭ ‬المذكورة‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬مجلس‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والأفريقية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التهديدات‭ ‬الإيرانية‭ ‬المتزايدة‭ ‬للملاحة‭ ‬البحرية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن،‭ ‬وتزايد‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬جماعة‭ ‬الحوثي‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬للمجرى‭ ‬الملاحي‭ ‬والمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬وقد‭ ‬ضم‭ ‬المجلس‭ (‬السعودية‭ ‬ومصر‭ ‬والأردن‭ ‬والسودان‭ ‬واليمن‭ ‬وإريتريا‭ ‬والصومال‭ ‬وجيبوتي‭)‬،‭ ‬وركز‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المجرى‭ ‬الملاحي،‭ ‬وتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المجلس؛‭ ‬لتحقيق‭ ‬التكامل‭ ‬والربط‭ ‬بين‭ ‬خطوط‭ ‬النقل‭ ‬والموانئ‭ ‬البحرية،‭ ‬وزيادة‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري؛‭ ‬بحيث‭ ‬تشكل‭ ‬المنطقة‭ ‬تكتلاً‭ ‬متماسكًا‭ ‬وقادرًا‭ ‬على‭ ‬تأمين‭ ‬حرية‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬واتخذ‭ ‬المجلس‭ ‬من‭ ‬الرياض‭ ‬مقرًا‭ ‬له‭.‬

وتزامنًا‭ ‬مع‭ ‬المبادرة‭ ‬السعودية،‭ ‬كان‭ ‬التوجه‭ ‬السعودي‭ ‬لإقامة‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬سعودية‭ ‬في‭ ‬المدخل‭ ‬عند‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تزايدت‭ ‬فيه‭ ‬القطع‭ ‬البحرية‭ ‬والقواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة؛‭ ‬حتى‭ ‬غدت‭ ‬أكثر‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬اكتظاظًا‭ ‬بهذه‭ ‬القطع‭ ‬والقواعد،‭ ‬والتي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬قوى‭ ‬إقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬لأهمية‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬القصوى‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬الجيواستراتيجية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وتعدد‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬مصالح‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬اتجهت‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬جيبوتي،‭ ‬التي‭ ‬رحبت‭ ‬بهذا‭ ‬التوجه‭ ‬السعودي‭ ‬لإقامة‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الأفريقي،‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬مصدرًا‭ ‬لتهريب‭ ‬البشر‭ ‬والهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬تجاه‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬فيما‭ ‬توجد‭ ‬في‭ ‬جيبوتي‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬فرنسية‭ ‬وأمريكية‭ ‬وصينية‭ ‬ويابانية‭ ‬وإسبانية‭ ‬وإيطالية‭ ‬وألمانية،‭ ‬وضمن‭ ‬الاستعدادات‭ ‬لإقامة‭ ‬القاعدة‭ ‬السعودية،‭ ‬وقعت‭ ‬السعودية‭ ‬مع‭ ‬جيبوتي‭ ‬اتفاقًا‭ ‬للتعاون‭ ‬الأمني،‭ ‬وآخر‭ ‬للتعاون‭ ‬القضائي،‭ ‬وارتباطًا‭ ‬بين‭ ‬التكامل‭ ‬الأمني‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬كما‭ ‬وقعت‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2024‭ ‬عقد‭ ‬المدينة‭ ‬اللوجستية‭ ‬السعودية‭ ‬بالمنطقة‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬جيبوتي‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬120‭ ‬ألف‭ ‬متر‭ ‬مربع‭ ‬في‭ ‬مرحلتها‭ ‬الأولى،‭ ‬ويمتد‭ ‬العقد‭ ‬مدة‭ ‬92‭ ‬عاما،‭ ‬ويشمل‭ ‬مقرا‭ ‬دائما‭ ‬ومنصة‭ ‬للصناعات‭ ‬السعودية‭ ‬ومنطقة‭ ‬تبادل‭ ‬تجاري‭.‬

وتأتي‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬السياق؛‭ ‬حيث‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬مصالحها‭ ‬بتحقيق‭ ‬وجود‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬والسواحل‭ ‬الإفريقية‭ ‬الشرقية،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬نشر‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية،‭ ‬لردع‭ ‬التهديدات‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬وتهدد‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر،‭ ‬ويرجع‭ ‬نشاط‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬إلى‭ ‬2010؛‭ ‬حيث‭ ‬نشطت‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬وإريتريا‭ ‬والصومال‭ ‬وأرض‭ ‬الصومال،‭ ‬ولدى‭ ‬الإمارات‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بوساسو،‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الصومال‭ ‬في‭ ‬بربرة،‭ ‬وفي‭ ‬إريتريا‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬عصب،‭ ‬وفي‭ ‬جزيرة‭ ‬سقطري‭ ‬اليمنية‭ ‬قبالة‭ ‬سواحل‭ ‬القرن‭ ‬الأفريقي‭.‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬تشارك‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬الجهد‭ ‬الدولي‭ ‬لتحقيق‭ ‬أمن‭ ‬الملاحة،‭ ‬وأكبر‭ ‬مجموعة‭ ‬للأمن‭ ‬البحري‭ ‬موجودة‭ ‬حاليًا‭ ‬هي‭ ‬القوات‭ ‬البحرية‭ ‬المشتركة‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬2001‭ ‬وتقودها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وتشارك‭ ‬فيها‭ ‬41‭ ‬دولة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬ودول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى،‭ ‬وتضم‭ ‬أسفل‭ ‬منها‭ ‬خمس‭ ‬قوات‭ ‬واجب‭ ‬تشكلت‭ ‬لمكافحة‭ ‬الأنشطة‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وخليج‭ ‬عدن‭ ‬والبحر‭ ‬العربي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬حارس‭ ‬الازدهار‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تشكيلها‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬هجمات‭ ‬الحوثيين‭ ‬على‭ ‬السفن،‭ ‬وتشارك‭ ‬فيها‭ ‬البحرين،‭ ‬كما‭ ‬تقوم‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬بالتنسيق‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬الشركاء‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأمن‭ ‬البحري،‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المجلس‭ ‬جماعيًا‭ ‬أو‭ ‬ثنائيًا‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬بمفردها‭.‬

وفي‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬التنسيق‭ ‬يقتضي‭ ‬الحال‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قدرة‭ ‬الحوثيين‭ ‬على‭ ‬تهديد‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬سببها‭ ‬الإخفاق‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بشأن‭ ‬فرض‭ ‬حظر‭ ‬توريد‭ ‬السلاح‭ ‬للحوثيين‭ ‬في‭ ‬2015،‭ ‬وإخفاق‭ ‬آليات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬آلية‭ ‬التفتيش‭ ‬والتحقق‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحيلولة‭ ‬دون‭ ‬وصول‭ ‬هذه‭ ‬الأسلحة،‭ ‬وكذلك‭ ‬آلية‭ ‬مراقبة‭ ‬ميناء‭ ‬الحديدة‭ ‬وفق‭ ‬اتفاق‭ ‬استكهولم‭ ‬2018،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬الألغام‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬زرعها‭ ‬الحوثيون‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬الإقليمية‭ ‬اليمنية،‭ ‬وهي‭ ‬تتحرك‭ ‬مع‭ ‬التيارات‭ ‬البحرية‭ ‬نحو‭ ‬ممرات‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية،‭ ‬ما‭ ‬نتج‭ ‬عنه‭ ‬إصابة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السفن،‭ ‬ويحتاج‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬تعاون‭ ‬دولي‭ ‬ومواثيق،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬نشاط‭ ‬الحوثيين‭ ‬المهدد‭ ‬للملاحة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬مرتبط‭ ‬بالعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فمن‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان‭ ‬نزع‭ ‬الذرائع‭ ‬لضرورة‭ ‬إنهاء‭ ‬هذا‭ ‬العدوان،‭ ‬والنظر‭ ‬إلى‭ ‬الارتباط‭ ‬الدائم‭ ‬بين‭ ‬أحداث‭ ‬الصراع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وقضايا‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬جميعها‭.‬

والخلاصة،‭ ‬إن‭ ‬أمن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬هو‭ ‬قضية‭ ‬أمن‭ ‬قومي‭ ‬عربي،‭ ‬وخليجي‭ ‬بامتياز،‭ ‬عملت‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬مبادرات‭ ‬السعودية‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬أكبر‭ ‬سواحله،‭ ‬ووضعت‭ ‬تنميته‭ ‬في‭ ‬رؤيتها‭ ‬المستقبلية،‭ ‬ونظرت‭ ‬إليه‭ ‬كمجال‭ ‬تكامل‭ ‬وتعاون‭ ‬وليس‭ ‬مجال‭ ‬صراع،‭ ‬وكان‭ ‬إنشاء‭ ‬مجلس‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية،‭ ‬ولكن‭ ‬التنافس‭ ‬الدولي‭ ‬والإقليمي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬لأهميتها‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬جعلها‭ ‬تزدحم‭ ‬بعدد‭ ‬القطع‭ ‬البحرية‭ ‬والقواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬مصالح‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬وكان‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬التنافس‭: ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬ومصر،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬التنسيق‭ ‬الخليجي‭ ‬مع‭ ‬الجهد‭ ‬الدولي‭ ‬لتحقيق‭ ‬أمن‭ ‬البحر،‭ ‬ولكن‭ ‬ينبغي‭ ‬وضع‭ ‬المهددات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬سياقها،‭ ‬خاصة‭ ‬الارتباط‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬أولى‭ ‬خطوات‭ ‬احتواء‭ ‬هذه‭ ‬التهديدات،‭ ‬هي‭ ‬وقف‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا