العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«طوفان الأقصى» وطريق المقاومة الذي لا بديل عنه

بقلم: د. حسن نافعة {

الثلاثاء ١٧ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

نقترب‭ ‬من‭ ‬مرور‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تشنّها‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الصهيونية‭ ‬الجبّارة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأعزل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلوح‭ ‬بارقةُ‭ ‬أملٍ‭ ‬بقرب‭ ‬توقّفها‭. ‬وقد‭ ‬تابع‭ ‬العالم‭ ‬كلّه‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬الأسى‭ ‬والحزن‭ ‬ما‭ ‬تنقله‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬يومياً‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬الدمار‭ ‬الهائل،‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬هذه‭ ‬الرقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬المحدودة‭ ‬المساحة،‭ ‬والمكتظّة‭ ‬بالسكّان،‭ ‬كما‭ ‬تابع‭ ‬مظاهرَ‭ ‬المعاناة‭ ‬الإنسانية‭ ‬الرهيبة‭ ‬التي‭ ‬يكابدها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هناك،‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الـ50‭ ‬ألف‭ ‬شخص،‭ ‬وجرح‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬آخرين،‭ ‬أغلبهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬عدد‭ ‬غير‭ ‬مُحدّد‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬مدفوناً‭ ‬تحت‭ ‬الأنقاض،‭ ‬تقدّره‭ ‬مصادر‭ ‬موثوقة‭ ‬بأنّه‭ ‬لن‭ ‬يقلّ‭ ‬بأيّ‭ ‬حال‭ ‬عن‭ ‬عشرة‭ ‬آلاف،‭ ‬أمّا‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬فقد‭ ‬فُرض‭ ‬عليه‭ ‬النزوح‭ ‬القسري‭ ‬والترحال‭ ‬الجبري‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬تحت‭ ‬وابل‭ ‬من‭ ‬قصفٍ‭ ‬عشوائيٍّ‭ ‬لا‭ ‬ينقطع‭ ‬من‭ ‬الجوّ‭ ‬والبرّ‭ ‬والبحر،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬معاناته‭ ‬الشديدة‭ ‬من‭ ‬شحّ‭ ‬الطعام‭ ‬والمياه‭ ‬والدواء‭ ‬والوقود،‭ ‬ومن‭ ‬انقطاع‭ ‬الكهرباء‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بسبب‭ ‬تعمّد‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬التمتّع‭ ‬بأيّ‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬قوية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مرافقَ‭ ‬تصلح‭ ‬لتقديم‭ ‬أيّ‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الخدمات،‭ ‬وتكفّل‭ ‬الجيش‭ ‬‮«‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقهر‮»‬‭ ‬بتدمير‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭: ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬ومؤسّسات‭ ‬الإغاثة‭ ‬والبيوت‭ ‬والملاجئ‭ ‬والمخيّمات‭.‬

أمام‭ ‬هذه‭ ‬المأساة‭ ‬الإنسانية‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬بدأت‭ ‬أصوات‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬تتساءل‭ ‬عن‭ ‬جدوى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬بالنسبة‭ ‬الى‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬قد‭ ‬أخطأت‭ ‬التقدير‭ ‬والحساب‭ ‬حين‭ ‬أطلقت‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬معرفتها‭ ‬بالطبيعة‭ ‬الانتقامية‭ ‬الشرسة‭ ‬للعدو‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وبمخطّطاته‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبحجم‭ ‬الخلل‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬لمصلحته‭. ‬ولأنّنا‭ ‬نفترض‭ ‬فيمن‭ ‬يتبنون‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬هذه،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬الأقلّ،‭ ‬حسن‭ ‬النيّات،‭ ‬فهي‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬تستحق‭ ‬التوقّف‭ ‬عندها‭ ‬ومناقشتها،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنّها‭ ‬قابلة‭ ‬للتأثير‭ ‬في‭ ‬قطاعاتٍ‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬العربي‭ ‬الواقع‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬دعايات‭ ‬مُغرضة‭ ‬ومُوجّهة‭.‬

دعونا‭ ‬ننطلق‭ ‬أولاً‭ ‬من‭ ‬التسليم‭ ‬بحقيقة‭ ‬أساسية‭ ‬أصبحت‭ ‬مُسلَّمةً‭ ‬أو‭ ‬بديهيةً‭ ‬مفادها‭ ‬أنّه‭ ‬يحقّ‭ ‬لكلّ‭ ‬شعب‭ ‬احتُلّت‭ ‬أرضه‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وأن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬مقاومته‭ ‬بالوسائل‭ ‬والطرائق‭ ‬المتاحة‭ ‬كلّها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوسائل‭ ‬المسلّحة،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الدرس‭ ‬المُستخلَص‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الشعوب‭ ‬كافّة،‭ ‬التي‭ ‬خضعت‭ ‬للاحتلال،‭ ‬وهي‭ ‬كثيرة،‭ ‬فلا‭ ‬جدال‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬لم‭ ‬تتمكّن‭ ‬من‭ ‬التخلّص‭ ‬من‭ ‬الاستعمار،‭ ‬ولا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الاستقلال،‭ ‬إلّا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حملت‭ ‬السلاح،‭ ‬وقاتلت،‭ ‬وقدّمت‭ ‬التضحيات‭. ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬التعلّل‭ ‬هنا‭ ‬بالخلل‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬جيوش‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬وحركات‭ ‬التحرّر‭ ‬الوطني،‭ ‬التي‭ ‬حملت‭ ‬السلاح‭ ‬ضدّها،‭ ‬لأنّ‭ ‬هذه‭ ‬الموازين‭ ‬كانت‭ ‬دائماً‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬قوى‭ ‬الاستعمار‭.‬

‭ ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬انتصرت‭ ‬قوى‭ ‬التحرّر‭ ‬الوطني،‭ ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬لأنّها‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬بقاء‭ ‬الاحتلال‭ ‬واستمراره‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬كلفة‭ ‬رحيله‭. ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬نتذكّر‭ ‬الدروس‭ ‬المُستخلَصة‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الجزائر‭ ‬وفيتنام‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وغيرها،‭ ‬لندرك‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬بوضوح‭ ‬تامّ‭. ‬صحيحٌ‭ ‬أنّ‭ ‬تجربة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬تبدو‭ ‬مختلفةً‭ ‬لأنّه‭ ‬لم‭ ‬يتعرّض‭ ‬لاحتلال‭ ‬تقليدي‭ ‬عبر‭ ‬عملية‭ ‬غزو‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬جيشٌ‭ ‬ينتمي‭ ‬الى‭ ‬دولة‭ ‬بعيدة‭ ‬جغرافياً،‭ ‬وإنّما‭ ‬لاحتلال‭ ‬استيطاني‭ ‬تمارسه‭ ‬جماعةٌ‭ ‬دينيةٌ‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬جماعةً‭ ‬قوميةً،‭ ‬وتعبّر‭ ‬عن‭ ‬طموحات‭ ‬مشروع‭ ‬صهيوني‭ ‬تتبنّاه‭ ‬القوى‭ ‬الغربية،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬البقاء‭ ‬أو‭ ‬الاستمرار‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬دعمها،‭ ‬لكنّه‭ ‬اختلاف‭ ‬لا‭ ‬يغيّر‭ ‬شيئاً‭ ‬في‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراع،‭ ‬بل‭ ‬يُلقِي‭ ‬بمسؤوليات‭ ‬إضافية‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬حركة‭ ‬التحرّر‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬يتعيّن‭ ‬عليها‭ ‬ابتكارُ‭ ‬وسائلَ‭ ‬جديدة‭ ‬للمقاومة‭.‬

لم‭ ‬يبدأ‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الصهيوني،‭ ‬الذي‭ ‬تُشكّل‭ ‬الحربُ‭ ‬المشتعلةُ‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬إحدى‭ ‬جولاته،‭ ‬مع‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ (‬2023‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬ليس‭ ‬صراعا‭ ‬بين‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وجيش‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وإنما‭ ‬صراعٌ‭ ‬وجوديٌّ‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بمكوّناته‭ ‬كلّها‭ ‬ومشروعٍ‭ ‬صهيوني‭ ‬يحاول‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬وطنه‭ ‬التاريخي،‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن‭.‬

‭ ‬لذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بأنّه‭ ‬صراع‭ ‬يدور‭ ‬بين‭ ‬حركة‭ ‬تحرّر‭ ‬وطني‭ ‬فلسطيني‭ ‬شهدت‭ ‬عبر‭ ‬تطورها‭ ‬التاريخي‭ ‬منعطفات‭ ‬كثيرة‭ ‬انخرطت‭ ‬فيها‭ ‬فصائل‭ ‬عديدة‭ ‬متنوّعة‭ ‬المشارب‭ ‬والأيديولوجيات‭ (‬من‭ ‬بينها‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭)‬،‭ ‬والحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬قد‭ ‬برزت‭ ‬اليوم‭ ‬وأصبحت‭ ‬تتصدّر‭ ‬المشهدَ‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فليس‭ ‬لأنّها‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تُلحِق‭ ‬بالكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬خسائرَ‭ ‬غير‭ ‬مسبوقةٍ‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنّما‭ ‬أيضاً‭ ‬لأنّ‭ ‬فصائل‭ ‬غيرها‭ ‬جرّبت‭ ‬الوسائل‭ ‬السلمية‭ ‬سنواتٍ‭ ‬طويلةً‭ ‬وأخفقت‭. ‬غير‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬جواز‭ ‬اختزال‭ ‬حركة‭ ‬التحرّر‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬أنّه‭ ‬يمكن‭ ‬للأخيرة‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬بديلاً‭ ‬من‭ ‬الأولى،‭ ‬وإنّما‭ ‬يعني‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬باتت‭ ‬مكوّناً‭ ‬يستحيل‭ ‬تجاهله‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬وطنية‭ ‬فلسطينية‭ ‬تتطلّب‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيلها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ديمقراطية‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هدف‭ ‬‮«‬حماس‮»‬،‭ ‬حين‭ ‬قرّرت‭ ‬توجيه‭ ‬ضربتها‭ ‬لجيش‭ ‬الكيان‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬النهر،‭ ‬أو‭ ‬تمكين‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‭ ‬وإقامة‭ ‬دولته‭ ‬المستقلّة‭ ‬فوراً،‭ ‬وإنّما‭ ‬إثبات‭ ‬أنّه‭ ‬شعب‭ ‬لن‭ ‬يستسلم‭ ‬أو‭ ‬يستكين،‭ ‬ولن‭ ‬يقبل‭ ‬مُطلقاً‭ ‬تجاهلَ‭ ‬قضيّته‭ ‬أو‭ ‬تصفيتها،‭ ‬وللتأكيد،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬بمقدور‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المسلّحة‭ ‬رفع‭ ‬كلفة‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬الحدّ‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬تحمّله،‭ ‬وأسر‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬والمستوطنين‭ ‬لإجباره‭ ‬على‭ ‬إخلاء‭ ‬سجونه‭ ‬من‭ ‬المعتقلين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬كافّة،‭ ‬وتلك‭ ‬كلّها‭ ‬أهداف‭ ‬طبيعية‭ ‬ومشروعة‭ ‬لأيّ‭ ‬حركةٍ‭ ‬وطنيةٍ‭ ‬تحمل‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الاحتلال‭.‬

‭ ‬أمّا‭ ‬هدف‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬حين‭ ‬قرّر‭ ‬الردّ‭ ‬بشنّ‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬شاملة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬غزّة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬عسكرياً،‭ ‬وعزلها‭ ‬سياسياً،‭ ‬واستعادة‭ ‬الرهائن‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنّما‭ ‬أراد‭ ‬أيضاً‭ ‬اغتنام‭ ‬الفرصة‭ ‬لإخلاء‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬سكّانه،‭ ‬بإجبارهم‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬إلى‭ ‬سيناء،‭ ‬وإعادة‭ ‬احتلاله‭ ‬عسكرياً،‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بذلك،‭ ‬وإنّما‭ ‬قرّر‭ ‬التصعيد‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬الضفّة‭ ‬الغربية‭ ‬وممارسة‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬لإجبار‭ ‬سكّانها‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬إلى‭ ‬الأردن‭. ‬

وذلك‭ ‬هو‭ ‬بالتحديد‭ ‬برنامج‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬المُتطرّفة،‭ ‬التي‭ ‬تضمّ‭ ‬شخصيات‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬إيتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير‭ ‬وبتسلئيل‭ ‬سموتريتش‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الشخصيات،‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬مهمّة‭ ‬تصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بالكامل،‭ ‬وهو‭ ‬برنامج‭ ‬كان‭ ‬سيوضع‭ ‬موضع‭ ‬التنفيذ،‭ ‬حدث‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭. ‬دليلنا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬مساحة‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬استولت‭ ‬عليها‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬الضفّة‭ ‬الغربية،‭ ‬وعدد‭ ‬المستوطنات‭ ‬التي‭ ‬أقامتها‭ ‬أو‭ ‬شرعنتها،‭ ‬وحجم‭ ‬اقتحاماتها‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى،‭ ‬وذلك‭ ‬كلّه‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬واحدة،‭ ‬يفوق‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬أيّ‭ ‬حكومة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬فترةٍ‭ ‬زمنيةٍ‭ ‬مشابهةٍ‭.‬

في‭ ‬سياق‭ ‬كهذا،‭ ‬الظنّ‭ ‬أنّ‭ ‬تقييم‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬التي‭ ‬تمّت‭ ‬بمبادرة‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬حجم‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬تكبّدها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنّما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬اعتبارها‭ ‬أيضاً‭ ‬حجم‭ ‬الخسائر‭ ‬والأضرار‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بالمشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بصفة‭ ‬عامّة،‭ ‬وبالكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بصفة‭ ‬خاصّة،‭ ‬فقد‭ ‬أثبتت‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬أنّ‭ ‬جيشَ‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬قابلٌ‭ ‬للكسر،‭ ‬وأنّ‭ ‬أجهزته‭ ‬الأمنية‭ ‬قابلة‭ ‬للخداع‭ ‬والتغرير،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بهما‭ ‬معاً‭ ‬في‭ ‬معاركَ‭ ‬يُخطّط‭ ‬لها‭ ‬بعناية،‭ ‬وأثبت‭ ‬صمود‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬عزّة‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬أمام‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الصهيونية‭ ‬المدعومة‭ ‬بالأساطيل‭ ‬وأجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬الغربية،‭ ‬أنّ‭ ‬حرب‭ ‬التحرير‭ ‬الشعبية‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لاستنزاف‭ ‬هذه‭ ‬الآلة‭ ‬ميدانياً‭ ‬ومعنوياً‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أنّ‭ ‬صورة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬واحةً‭ ‬للديمقراطية‭ ‬وسط‭ ‬صحراء‭ ‬الاستبداد‭ ‬العربي،‭ ‬وكيان‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬التعدّدية‭ ‬واحترام‭ ‬القانون،‭ ‬سقطت‭ ‬نهائياً‭ ‬تحت‭ ‬وقع‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب،‭ ‬والجرائم‭ ‬ضدّ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬في‭ ‬حقّ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬لذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الثقة‭ ‬إنّ‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬قد‭ ‬اهتزّ‭ ‬تماماً،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬الغرب،‭ ‬وأنّه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬الطوفان‮»‬‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

علينا‭ ‬أن‭ ‬نتذكّر‭ ‬أنّ‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬هو‭ ‬جولة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬جولات‭ ‬صراع‭ ‬طويل‭ ‬وممتدّ‭ ‬مع‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬لكنها‭ ‬بالقطع‭ ‬أكثر‭ ‬جولاته‭ ‬أهمّيةً‭. ‬صحيح‭ ‬أنّها‭ ‬جولةٌ‭ ‬لم‭ ‬تنتهِ‭ ‬بعد،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬يصعب‭ ‬الحكم‭ ‬عليها‭ ‬وتقييمها‭ ‬منذ‭ ‬الآن،‭ ‬لكنّها‭ ‬تُؤكّد‭ ‬أنّ‭ ‬الكفاح‭ ‬المسلّح‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬الوحيد‭ ‬لهزيمة‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬وتحرير‭ ‬فلسطين‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

‭   ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا