العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تعزيز ثقافة التسامح والتعايش السـلـمـي ورسـالـة البـحرين إلى العالم

بقلم: نبيلة رجب

الجمعة ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

عبر‭ ‬التاريخ،‭ ‬كان‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬تُبنى‭ ‬عليه‭ ‬الحضارات،‭ ‬موحدا‭ ‬البشر‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬أبهى‭. ‬جميع‭ ‬الرسالات‭ ‬السماوية‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬التفاهم‭ ‬والمحبة،‭ ‬محذرة‭ ‬من‭ ‬دروب‭ ‬العنف‭ ‬والكراهية‭. ‬فالتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬غياب‭ ‬الصراعات،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انسجام‭ ‬الروح‭ ‬مع‭ ‬الكون،‭ ‬وإرساء‭ ‬دعائم‭ ‬الاستقرار‭ ‬والرخاء‭.‬

يحتفل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬بيوم‭ ‬السلام‭ ‬العالمي،‭ ‬وهو‭ ‬دعوة‭ ‬متجددة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الوئام‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭. ‬السلام‭ ‬يتجاوز‭ ‬كونه‭ ‬مجرد‭ ‬شعارات،‭ ‬هو‭ ‬التزام‭ ‬يومي‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬أفعالنا‭ ‬وكلماتنا،‭ ‬ويشكل‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬لمجتمعات‭ ‬آمنة‭ ‬ومتقدمة‭. ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭: ‬‮«‬السلام‭ ‬هو‭ ‬الطريق‮»‬،‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬هدفا‭ ‬نبتغيه‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬نعتمده‭ ‬في‭ ‬تعاملاتنا‭ ‬اليومية‭.‬

التعليم‭ ‬يشكل‭ ‬عنصراً‭ ‬جوهرياً‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬قيم‭ ‬السلام‭. ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭: ‬‮«‬التعليم‭ ‬هو‭ ‬أقوى‭ ‬سلاح‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامه‭ ‬لتغيير‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬إنه‭ ‬الوسيلة‭ ‬التي‭ ‬تفتح‭ ‬العقول‭ ‬وتحررها‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬التعصب،‭ ‬مما‭ ‬يدعم‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاهم‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭. ‬تجربة‭ ‬اليابان‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬تُظهر‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للتعليم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أداة‭ ‬لإعادة‭ ‬البناء،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬توجيه‭ ‬الجهود‭ ‬نحو‭ ‬تعزيز‭ ‬قيم‭ ‬السلم‭ ‬والتعاون‭ ‬الدولي،‭ ‬ما‭ ‬مكنها‭ ‬من‭ ‬النهوض‭ ‬كواحدة‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭. ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬مماثل،‭ ‬ركزت‭ ‬رواندا‭ ‬بعد‭ ‬الأحداث‭ ‬المأساوية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬كسبيل‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالحة،‭ ‬مما‭ ‬ساعدها‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مجتمع‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬للحقوق‭ ‬الإنسانية‭ ‬بين‭ ‬الفصائل‭ ‬المتنازعة‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬الحالي،‭ ‬تظهر‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬كأداة‭ ‬فعالة‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬تسخيرها‭ ‬لتعزيز‭ ‬قيم‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬بطرق‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬فاستخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمنصات‭ ‬الرقمية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬رسائل‭ ‬التسامح‭ ‬والتفاهم‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع،‭ ‬متجاوزاً‭ ‬الحواجز‭ ‬الثقافية‭ ‬والجغرافية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حملات‭ ‬توعية‭ ‬ومبادرات‭ ‬تفاعلية‭. ‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬تتيح‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬مثل‭ ‬الواقع‭ ‬الافتراضي‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬تجارب‭ ‬تعليمية‭ ‬تفاعلية‭ ‬تُمكن‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬الآخرين‭ ‬وفهم‭ ‬تجاربهم،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬التعاطف‭ ‬والتفاهم‭. ‬كما‭ ‬يجدر‭ ‬توظيف‭ ‬هذه‭ ‬التقنيات‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والجامعات‭ ‬لنشر‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬والتسامح،‭ ‬وترسيخ‭ ‬الحوار‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات‭ ‬والأديان‭ ‬بطريقة‭ ‬مبتكرة‭ ‬وفعالة‭.‬

ومثلما‭ ‬تبرز‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬كأداة‭ ‬فعالة‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي،‭ ‬تلعب‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬دورًا‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬إن‭ ‬قوة‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬الحواجز‭ ‬اللغوية‭ ‬والثقافية‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬القلوب‭ ‬مباشرة‭. ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الموسيقى،‭ ‬الأدب،‭ ‬والفنون‭ ‬البصرية،‭ ‬يمكن‭ ‬للفنانين‭ ‬نقل‭ ‬رسائل‭ ‬السلام‭ ‬والتفاهم‭ ‬بطرق‭ ‬مؤثرة‭ ‬وملهمة‭. ‬المهرجانات‭ ‬الثقافية‭ ‬والمعارض‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬مختلف‭ ‬الشعوب‭ ‬تُسهم‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الفهم‭ ‬المتبادل‭ ‬والتقدير‭ ‬للتنوع،‭ ‬مما‭ ‬يمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لعلاقات‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاحترام‭ ‬والتسامح‭. ‬وبهذا،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬تعزيز‭ ‬للجمال‭ ‬والإبداع،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬خطوة‭ ‬أساسية‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬مجتمعات‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬استقرار‭ ‬وطمأنينة‭.‬

من‭ ‬البحرين،‭ ‬تنبثق‭ ‬دعوات‭ ‬السلام‭ ‬بعمق‭ ‬إنساني‭ ‬وأصالة‭ ‬حضارية‭. ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬يحتضن‭ ‬تنوع‭ ‬الثقافات،‭ ‬يُعد‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭. ‬فجائزة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬للتعايش‭ ‬السلمي‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬كتقدير‭ ‬للجهود‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاهم‭ ‬بين‭ ‬الثقافات،‭ ‬مُظهرة‭ ‬التزام‭ ‬المجتمع‭ ‬بتلك‭ ‬القيم‭ ‬النبيلة‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحدود‭ ‬والاختلافات‭. ‬البحرين‭ ‬تقدم‭ ‬رسالة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬السلام‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬غياب‭ ‬للنزاع،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬إقامة‭ ‬روابط‭ ‬التفاهم‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬هذه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬تنطلق‭ ‬رؤية‭ ‬أكبر‭ ‬لعالم‭ ‬يعيش‭ ‬فيه‭ ‬الجميع‭ ‬بكرامة‭ ‬وسلام‭.‬

‭ ‬فالسلام‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬ضرورة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حق‭ ‬أساسي‭ ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التفريط‭ ‬فيه‭. ‬فمن‭ ‬خلاله،‭ ‬نحقق‭ ‬العدالة‭ ‬ونجسد‭ ‬الكرامة‭ ‬الإنسانية‭. ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬يمتد‭ ‬ليشمل‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬من‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬يتوق‭ ‬فيه‭ ‬البشر‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬والسكينة‭. ‬إن‭ ‬الأمل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تُرفع‭ ‬فيه‭ ‬راية‭ ‬العدل،‭ ‬وتُعاد‭ ‬فيه‭ ‬الحقوق‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها‭. ‬يوم‭ ‬يسود‭ ‬فيه‭ ‬الوئام‭ ‬والتسامح،‭ ‬ويعيش‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬بكرامة‭ ‬وأمان،‭ ‬ويشعر‭ ‬الجميع‭ ‬بقيمهم‭ ‬الحقيقية‭ ‬ومكانتهم‭ ‬الإنسانية‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا