العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الفلسطينيون وحقهم التاريخي في الحرية والاستقلال

بقلم: فاروق يوسف

الأحد ٢٢ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

من‭ ‬حق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬العادي‭ ‬أن‭ ‬يحلم‭ ‬بفلسطين‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭. ‬ذلك‭ ‬منطق‭ ‬الحياة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬أحد‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬جريانه‭. ‬من‭ ‬حق‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬يحلموا‭.‬

ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬ليس‭ ‬قرارا‭ ‬سياسيا‭ ‬ولا‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬خطر،‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬مَن‭ ‬يحلم‭ ‬ولا‭ ‬على‭ ‬مَن‭ ‬يستمع‭ ‬إلى‭ ‬تفاصيل‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭. ‬كفاءة‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬شفافيته‭ ‬وكثافته‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬على‭ ‬الفلسطيني‭.‬

حلم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليس‭ ‬ثقيلا‭ ‬ولا‭ ‬مزعجا‭. ‬إنه‭ ‬يشبه‭ ‬الأشياء‭ ‬الحية‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحكاية‭. ‬وهو‭ ‬طازج‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬يستجيب‭ ‬لفصول‭ ‬السنة‭ ‬مثل‭ ‬الزيتون‭ ‬والبرتقال‭.‬

ولو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬السياسة‭ ‬لكان‭ ‬هناك‭ ‬فهم‭ ‬آخر‭ ‬للحلم‭ ‬الفلسطيني‭. ‬يكمل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حكايته‭ ‬بالحلم‭ ‬ويكمل‭ ‬حلمه‭ ‬بالحكاية‭. ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬أرض‭ ‬الحكاية‭ ‬والحلم‭ ‬واحدة‭.‬

ما‭ ‬لم‭ ‬نعرفه‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬عنهم‭ ‬شيئا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬العثور‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أجندات‭ ‬الحركات‭ ‬والمنظمات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬تتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬الإخباري‭.‬

صار‭ ‬ثقيلا‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مادة‭ ‬لا‭ ‬للأخبار‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬للقتل‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬الأخبار‭. ‬الخبر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬خبر‭ ‬الموت‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬لن‭ ‬يرغب‭ ‬فيه‭ ‬شعب‭ ‬يحب‭ ‬الحياة‭.‬

ولو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يحب‭ ‬الحياة‭ ‬لما‭ ‬حافظ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬هويته‭ ‬التي‭ ‬اتفق‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬محوها‭. ‬قاومت‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬الجبارة‭ ‬لإلغائها‭. ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لكلمة‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬الخارطة‭ ‬الدولية‭.‬

ولكن‭ ‬حلم‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬تمتد‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬ظل‭ ‬مصدر‭ ‬أرق‭ ‬للعالم‭ ‬الذي‭ ‬طرد‭ ‬بلادهم‭ ‬من‭ ‬خارطته‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬أجيالا‭ ‬نذرت‭ ‬نفسها‭ ‬للموت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أجيالا‭ ‬نذرت‭ ‬نفسها‭ ‬للحياة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ترى‭ ‬ساحة‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬وقد‭ ‬اتسعت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬الموتى‭ ‬والأحياء‭ ‬كانوا‭ ‬واقعيين‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬بالطريقة‭ ‬التي‭ ‬تهب‭ ‬السياسيين‭ ‬حق‭ ‬التصرف‭ ‬بالحلم‭.‬

الفلسطيني‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬لكي‭ ‬يرى‭ ‬بلاده‭ ‬ويشم‭ ‬أزهارها‭ ‬وينصت‭ ‬إلى‭ ‬صفير‭ ‬الملائكة‭ ‬بين‭ ‬أزقتها‭ ‬ويلمس‭ ‬جدران‭ ‬مدنها‭ ‬العتيقة‭.‬

علاقة‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بأرضه‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬أو‭ ‬الموت،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬الحياة‭. ‬لا‭ ‬فائدة‭ ‬إن‭ ‬مات‭ ‬الجميع‭. ‬ستكون‭ ‬فلسطين‭ ‬حية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬شعبها‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬حيا‭.‬

الحلم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لا‭ ‬يكذب‭. ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬فلسطين‭. ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬وتلك‭ ‬الفلسطين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يوضعا‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬يليق‭ ‬بهما‭.‬

من‭ ‬المؤلم‭ ‬أن‭ ‬يُصادر‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بعض‭ ‬القوى‭ ‬والتوجهات،‭ ‬ومن‭ ‬المخزي‭ ‬أن‭ ‬تُعرض‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬مزاد‭ ‬ترعاه‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭ ‬لا‭ ‬تفكر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬سكانها‭.‬

الأهم‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يفكر‭ ‬فيه‭ ‬الفلسطينيون؟‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬تألم‭ ‬مثلما‭ ‬تألموا‭. ‬كان‭ ‬ألمهم‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬عنوانا‭ ‬مزدوجا‭ ‬للظلم‭ ‬والصبر‭. ‬لنتخيل‭ ‬الألم‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬المفكر‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬الحقيقة‭. ‬ما‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تتكلم‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬ذلك‭ ‬البركان‭.‬

حق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نصمت‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تكلموا‭. ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الضجيج‭ ‬الذي‭ ‬تصنعه‭ ‬الحروب‭ ‬والتظاهرات‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬والمفاوضات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألّا‭ ‬يقول‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كلمته‭. ‬وهي‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬تلخص‭ ‬معنى‭ ‬الحرية‭.‬

لطالما‭ ‬سلبه‭ ‬الآخرون‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬الكلام‭. ‬غير‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬حلمه‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬غامضا‭ ‬عليهم‭. ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬الذي‭ ‬تلخصه‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬الحرية‭.‬

حرية‭ ‬أن‭ ‬يحلم‭ ‬تُخيف‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬يُخيف‭ ‬الحلم؟‭ ‬يُخيف‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬امتد‭ ‬خيطا‭ ‬بين‭ ‬النهر‭ ‬والبحر‭. ‬ويخيف‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أعاد‭ ‬رسم‭ ‬خطوط‭ ‬العودة‭ ‬التي‭ ‬محتها‭ ‬الاتفاقات‭ ‬الدولية‭.‬

بعد‭ ‬كل‭ ‬القتل‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬دير‭ ‬ياسين‭ ‬إلى‭ ‬أيلول‭ ‬الأسود‭ ‬إلى‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬مرورا‭ ‬بكل‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬لونت‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬بلون‭ ‬الدم‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الفلسطيني‭ ‬متمسكا‭ ‬بترف‭ ‬الحلم‭ ‬ورفاهيته‭ ‬وهو‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يتآمرون‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬احتوائه‭ ‬ووضعه‭ ‬في‭ ‬حقائبهم‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬حلمه‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بندقية‭ ‬دائما‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا