انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة غريبة تزامنت مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والتوسع في استخدامها وسهولة الوصول إليها، وهي ظاهرة الإصدارات «الأدبية» حيث كثر إصدار ونشر ما يسمى دواوين الشعر والروايات حتى أصبح من الصعب ملاحقتها أو التعرف على عناوينها أو أسماء أصحابها حتى أصبحت تصلنا إعلانات يومية أو شبه يومية عن دواوين شعراء أو روايات جديدة أو كتب جديدة أو إصدارات جديدة تم تدشينها لأشخاص مجهولين لم نسمع في يوم من الأيام أنهم كانوا جزءا من الحركة الأدبية أو يمتلكون سيرة أدبية وإبداعية معروفة، حتى أننا قرأنا خلال الأشهر الماضية خبرا عن تدشين ديوان لكاتبة شابة عرفت من خلال التقديم أثناء التدشين وفي النهاية تبين أن هذا الديوان الذي يتم تدشينه في هذه المناسبة هو الديوان التاسع، وهذا أمر مدهش يحيلنا إلى بعض التساؤلات التي نطرحها في هذا المقال المتواضع مع الاحترام والتقدير الكبير للكتاب والمبدعين الحقيقيين في بلادنا.
قد نتفهم رغبة العديد من الشباب في تجربة الكتابة في المجالات المختلفة والاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع لنشر تجاربهم وأفكارهم وإبداعاتهم الشبابية، ويمكن تدريجيا خلال عدة سنوات من الكتابة والتجريب أن بعض الكتاب يبقى من بين 20 أو 30 كاتبا عدد قليل منهم قادرا على مواصلة المسيرة ولفت الانتباه، ولكن الذي نشاهده الآن ليس الاكتفاء بنشر التجارب على المواقع، وإنما الانتقال إلى نشر الكتب والدواوين والروايات التي لا يقرأها أحد ربما باستثناء عدد من الأقارب والأصدقاء الذين قد يقرأونها من باب المجاملة لا أكثر ولا أقل.
وللأمانة، فإن عددا من الكتب وقع بين يدي وحاولت القراءة فيها، لكنني لم أقدر على المواصلة لأنني وجدت معظم المكتوب هو أقرب إلى الهراء أو الدردشة التي لا تقدم للقارئ شيئا ولا تمنحه متعة القراءة أو المتابعة.
إن سهولة النشر والطباعة قد أدت إلى سهولة أن يتجرأ كل من هبّ ودبّ على نشر الكتب تحت عنوان دواوين أو روايات أو غير ذلك من المسميات العديدة الأخرى. وبطبيعة الحال، فإن هذه السهولة لها وجه إيجابي في إطار حرية النشر التي كانت صعبة فيما مضى، ولكن لها جانبا سلبيا وهو المساعدة على نشر الكلام الفارغ الذي لا يقدم ولا يؤخر ولا يخلق لنا مبدعين من ذوي الوزن القادرين على التنافس إقليميا ودوليا وقد يطرح هذا الأمر مسألة الضوابط الأدبية التي يجب أن تكون متوافرة لغربلة هذا الكلام أو الثرثرات الكبيرة حتى لا يصبح النشر مفتوحا على مصراعيه. فيما مضى من الزمان كانت هنالك حركة نقدية قوية وشرسة تتناول ما ينشر وما لا ينشر من النصوص الأدبية في النوادي والجمعيات الثقافية بقدر كبير من الدقة، حتى أصبح النقد هو أحد المعايير التي تفحص الإنتاج المسمى أدبيا، ومن يستطيع أن يتجاوز عتبة النقد بجدارة يصبح ممتلكا لجواز العبور إلى الساحة الإبداعية ومن يتبين أنه من المتطفلين على الإبداع فإنه سريعا ما يختفي ولا يلتف إليه أحد. ولكن للأسف أن الحركة النقدية اليوم صارت ضعيفة أو غائبة في الدراسة الاكاديمية ولا تهتم بما ينشر من النصوص الأدبية شعراً أو رواية إلا قليلا وربما هذا سبب من الأسباب التي شجعت على أن تمتلئ الساحة بالعديد والعديد من الكتابات التي لا قيمة لها ولا إبداع فيها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك