يحتفل العالم في 27 سبتمبر من كل عام باليوم العالمي للسياحة، والهدف من هذا اليوم هو زيادة الوعي بأهمية السياحة وقيمتها الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والاقتصادية، كما يتم تسليط الضوء على دور السياحة في تعزيز السلام والتفاهم بين الثقافات؛ ويتم اختيار موضوع عن السياحة في كل عام، وفي هذا العام سوف يتم التركيز على موضوع (إعادة التفكير في السياحة) باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية، ودورها في تعزيز الاندماج الاجتماعي، وحماية البيئة، وتعزيز التفاهم الثقافي؛ لذا يعُد قطاع السّياحة من أكبر القطاعات نموًا وتطورًا لما له من دور بارز في دفع الاقتصاد وخلق المزيد من فرص العمل، حيثُ تشهد مملكة البحرين تقدمًا ملحوظًا في تنمية القطاع السّياحي نظرًا إلى ما تملكه من مقومات سّياحية تؤهلها لتكون وجهة سياحية واعدة على الخارطة الدولية، وللدور الواضح في تحقيق التنمية المستدامة ضمن قطاعات الاقتصاد الوطني البحريني، وفي هذا السياق تمثل مملكة البحرين ووفقًا للاستراتيجية السياحية للأعوام 2022-2026، التي صادق عليها مجلس الوزراء بموافقة كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وذلك من أجل وضع القطاع السياحي في المملكة ضمن القطاعات الواعدة التي تعزز وتسهم في رفد الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل الوطني تماشيًا مع الرؤية الاقتصادية 2030، وقد جاءت هذه الاستراتيجية مرتكزة إلى عدد من العناصر هي: السياحة الرياضية والسياحة الترفيهية والسياحة التراثية والإعلام والأفلام السينمائية، إلى جانب التركيز على الواجهات والأنشطة البحرية وسياحة الأعمال والسياحة العلاجية.
الجدير بالذكر أن هذه الاستراتيجية تأتي امتداداً للاستراتيجية السياحية للمملكة، التي تم تدشين النسخة الأولى منها للأعوام 2016-2019، وارتكزت على أربع دعائم أساسية هي تسهيل الدخول والجذب السياحي، والتسويق، والترويج، والإقامة.
وبما أن السياحة التراثية تركز على اكتشاف وتجربة التراث الثقافي والتاريخي لمنطقة معينة. وهذا النوع من السياحة يجذب العديد من المسافرين الذين يبحثون عن فرصة للتعرف على تاريخ وتقاليد الوجهات التي يزورونها. فقد أشار الفيلسوف هنري برغسون الذي يعد أول من فكّر في توسيع لفكرة مفهوم التراث الثقافي بواسطة المشاركة في عام 1921 في ولادة اللجنة الدولية للتعاون الفكري، التي سبقت بدايات تأسيس اليونسكو عام 1945. وأما بالنسبة إلى المواقع التُّرَاثية تشكل محورًا مُهمًّا من محاور التنمية المستدامة، وخصوصًا في مجال التنمية السياحيّة بوصفها أحد الموارد المهمة للسياحة؛ وهو ما يستدعي البحث عن السُبل التي تحقق الاستغلال الأمثل لهذه المواقع وإمكاناتها التُّرَاثية، وبما يتفق مع مبدأ الاستدامة الذي أعلنته منظمة السياحة العالميّ.(WTO)
وانطلاقًا من أهمية السياحة التراثية، فإن مملكة البحرين تُعدُّ من الدول التي تم إدراج عدد من المواقع الأثرية فيها على قائمة التُّرَاث العالميّ من قبل منظمة اليونسكو ومن أبرز المواقع التُّرَاثيّة البحرينية: قلعة البحرين التي أدرجت في عام 2005، وبعدها مسار اللؤلؤ في عام 2012، ومدافن دلمون الأثرية عام 2019، التي تعتبر من أهم روافد السياحة؛ وذلك لما تملكه من مقومات تُّرَاثية واجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة يمكن أن يُستفاد منها؛ لذا فإن مختلف العمليات التنموية التي شهدتها أغلبية دول العالم، خلال السنوات الماضية أحدثت أثرًا سلبيًا على عمليات المحافظة على المقدرات الأثرية، ما أدى إلى استهلاك الكثير من مواردها التُّرَاثية، وتدهور حالتها ونسيجها العُمْرَانيّ، وتدنِّي الفوائد السياحيّة المرجوة منها، ولهذا فإن تبنِّي منظومة تنمية سياحيّة شاملة تُحقّق الاستدامة للمعالم التُّرَاثية، يُعُّدُ أفضل الحلول لمواجهة الانحسار والتدهور الاقتصاديّ والعُمْرَانيّ الذي تواجهه.
وبما أن المواقع الأثرية لمملكة البحرين تمثل مهدها وحضارتها وهويتها التي تكونت عبر آلاف السنين، وتظهر هويتنا البحرينية المتأصلة وبصمتنا الوطنية التي نتحدث بها إلى العالم، فإن الموقع الأثري يعدُ هوية الوطن وعراقته وتاريخه المعاصر عبر السنين وإنجازاته، كما يُمكن للآثار أن تُعطينا فكرةً عنِ الحِقب التّاريخيّةِ القديمةِ وشكلِها وطبيعتِها، وعن طبيعة حياة الأجيال التي عاشت فيها، وللآثار أهمّيّة كبيرة في ربط الماضي بالحاضر والمستقبل، حيث إن معرفة الإنسان لماضيه وحاضرِه تمكّنه من صياغة مستقبله ومستقبل الأجيال من بعدِه، لذلك فقد توجهت المملكة ضمن خطتها الاستراتيجية الى وضع السياحة التراثية ضم ركائزها، التي تعد أحد أهم أشكال السياحة المستدامة، فهي تركز على الحفاظ على الموروث الثقافي والتاريخي للمجتمعات المحلية، وفي الوقت نفسه تسهم في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة. وفي هذا المقال، سيسلط الضوء على مدى ارتباط السياحة التراثية بتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
لقد اعتمدت خطط التنمية المستدامة للحكومات على أن تشمل أهدافا لتحقيقها، التي كانت تتضمن بشكل أساسي تنمية السياحة واستدامتها، وكان للسياحة القدرة على المساهمة بصورة مباشرة وغير مباشرة، بجميع أهداف التنمية المستدامة، وقد أدركت على وجه التحديد ضمن الغايات للأهداف التالية، حيثُ إن السياحة التراثية تلعب دورًا مهمًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة على النحو التالي:
ان السياحة التراثية لها دور مهم في المساهمة في تحقيق الهدف الرابع للتنمية المستدامة (التعليم الجيد) بالطرق التالية، حيثُ إن السياحة التراثية تسهم في تعزيز التعليم والتدريب في مجالات مثل التاريخ والثقافة والفنون، مما يُسهم في رفع مستوى الوعي الثقافي وتطوير المهارات المطلوبة في قطاع السياحة.
تُشجع السياحة التراثية على تعلم وفهم التاريخ والثقافة المحلية لدى الزوار والمجتمعات المضيفة.
تنظيم برامج تعليمية وتدريبية حول التراث الثقافي والمحافظة عليه لطلاب المدارس والجامعات.
تطوير المهارات: تتطلب إدارة المواقع التراثية والخدمات السياحية المرتبطة بها مهارات متنوعة من إرشاد سياحي، حرف تقليدية، إدارة المتاحف، وغيرها.
تشجيع الابتكار في مجال الحفاظ على التراث الثقافي وتطوير تجارب سياحية تراثية جديدة.
تُسهم السياحة التراثية في التبادل الثقافي والتعاون الدَّوْليّ في مجالات التعليم والحفاظ على التراث.
تبادل الخبرات والممارسات الجيدة بين الدول في مجال إدارة المواقع التراثية.
يمكن للسياحة التراثية أن تسهم في تحسين جودة التعليم وتنمية المهارات اللازمة لتحقيق الهدف الرابع للتنمية المستدامة، إن إدراك أهمية التراث الثقافي وغرس هذا الوعي لدى الأجيال الجديدة هو مسؤولية مشتركة بين المؤسسات التعليمية والمجتمع كليًّا. وتقع على عاتق المؤسسات التعليمية مسؤولية كبيرة في هذا الجانب بالاستفادة من المناهج والبرامج والأنشطة التي تنظمها؛ لذا فإن الحفاظ على التراث الثقافي هو ضمان لاستمرارية هوية الشعوب وقيمها وتقاليدها. وأن إثراء المناهج التعليمية بالمعارف الخاصة عن التراث الثقافي والسياحي، يعدُ ذا أهمية لتعزيز الوعي السياحي لدى الأجيال المقبلة. وكذلك من الممكن الاستفادة من المعارف والخبرات التقليدية للسكان في تطوير العروض السياحية، لما يمتلكونه من معرفة بمنطقتهم، وكذلك فإن إشراك المجتمع المحلي وتشجيعه على المشاركة في الأنشطة السياحية التراثية، يصب في تحقيق البعد الاجتماعي لأهداف التنمية المستدامة. حيثُ إن تطبيق هذه الآليات بطريقة متكاملة سيسهم بشكل كبير في تنمية وتطوير السياحة التراثية.
وكما نرى، فإن الهدف الثامن هو (العمل اللائق والنمو الاقتصادي): يعمل على تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام وتوفير العمل اللائق للجميع، وحيث إن السياحة من المقومات التي تدفع بعجلة النمو الاقتصادي العالمي، وهي من الممكن أن توفر العديد من الوظائف وسبل كسب العيش للمجتمعات المحلية، وخاصة للشباب والنساء وتعزز المهارات والتطوير المهني، مما يسهم في النمو الاقتصادي المستدام. كذلك تسهم السياحة في تعزيز الاقتصاد المحلي انطلاقًا من توفير فرص عمل في مجالات مثل الفنادق والمطاعم والمتاجر والحرف اليدوية. وهي إلى ذلك تشجع على إنشاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تستفيد من الموروث الثقافي المحلي.
أما الهدف الحادي عشر وهو (مدن ومجتمعات محلية مستدامة): فإن المحافظة على التراث الثقافي والطبيعي يساعد على تعزيز الهوية المحلية والانتماء المجتمعي، وتحسين جاذبية المناطق السياحية، والحفاظ على التراث الثقافي والطبيعي، وهنا يتبين دور السياحة التراثية بأنها تلعب دورًا أساسيًا في الحفاظ على المواقع والمباني التاريخية والأثرية، فهي توفر الموارد المالية اللازمة لصيانتها والحفاظ عليها. وهي إلى ذلك تشجع السكان المحليين على المحافظة على تقاليدهم وعاداتهم وطرق معيشتهم، مما يسهم في الحفاظ على التنوع الثقافي.
ويتضح بالرجوع إلى ما سبق أن السياحة التراثية تلعب دورًا حيويًا في تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، نتيجة لـِ المحافظة على التراث الثقافي والطبيعي، وتعزيز الاقتصاد المحلي، وتحسين نوعية الحياة للسكان، وتشجيع التعليم والتدريب. لذا، فإن تطوير السياحة التراثية يُعد أحد الركائز الأساسية لخطط التنمية المستدامة في العديد من الدول حول العالم. إن تنفيذ هذا النوع من السّياحة سيدفع المجتمعات البحرينية إلى الحفاظ على المكتسبات التراثية والعادات والطابع الحضاري لثقافتهم، حيث يمكن استغلال البيوت القديمة التي قام أهلها بعمل الترميم والحفاظ عليها (نزل بيئي تراثي) في إقامة السائحين والتعرف على الحرف اليدوية، وطبيعة المجتمعات البحرينية، وأنظمة حياتهم وأزيائهم ولهجاتهم، إلى جانب الأكلات الشعبية المتنوعة التي تمتاز بها المملكة، وكذلك الفن البحريني الفلكلوري، وتمثل هذه الخدمات وتوافرها ومدى جودتها عامًلا أساسيًا في تلبية الاحتياجات السّياحية ومتطلباتها، التي يمكن استغلالها في خدمات الإيواء والنزل البيئي خاصة في البيوت التراثية القديمة التي ما زالت قائمة.
وختامًا فإن التراث يعتبَر وصلة حاضرة في نفوسنا وعقولنا وهي مفعمة بالقدرات والطاقات الإنسانية الكامنة التي يمكن أن توظّف وتستثمر في عملية بناء الهوية والتنمية وجودة الحياة، إن العمل على تنمية المناطق الأثرية والتاريخية بالمملكة، سوف تترك لدى السائح الذي يقصدها انطباعًا بمدى الاهتمام بالمنشآت السّياحية التي تشكل عنصرًا مهما في مجال جذب وتنمية السّياحة البيئية بالمملكة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك