العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حين يصمت العالم وتصرخ الأرض.. الوحدة درعنا في مواجهة التحديات

بقلم: نبيلة رجب

الأربعاء ٠٢ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬خضم‭ ‬الأزمات‭ ‬المتصاعدة،‭ ‬تقف‭ ‬غزة‭ ‬وبيروت‭ ‬كرمزين‭ ‬للصلابة‭ ‬والثبات،‭ ‬ورغم‭ ‬المسافة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بينهما،‭ ‬تشترك‭ ‬المدينتان‭ ‬في‭ ‬معاناتهما‭ ‬اليومية‭. ‬بين‭ ‬الأنقاض‭ ‬يتردد‭ ‬صوت‭ ‬الصواريخ‭ ‬بلا‭ ‬توقف،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تستمر‭ ‬الحياة،‭ ‬كأن‭ ‬الوجود‭ ‬نفسه‭ ‬يرفض‭ ‬الانكسار‭. ‬في‭ ‬الشوارع،‭ ‬تلتقي‭ ‬نظرات‭ ‬الناس‭ ‬المحملة‭ ‬بالحزن‭ ‬والأيمان،‭ ‬يواجهون‭ ‬الخراب‭ ‬بقلوب‭ ‬متعبة‭ ‬ولكنها‭ ‬مصممة‭ ‬على‭ ‬الصبر‭. ‬هاتان‭ ‬البقعتان‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ ‬تبقيان‭ ‬شعلة‭ ‬أمل‭ ‬متقدة،‭ ‬تحملان‭ ‬رؤية‭ ‬قوية‭ ‬عن‭ ‬قوة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭.‬

هذه‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬رموزًا‭ ‬لمعاناة‭ ‬الإنسانية‭ ‬تعكس‭ ‬جرحا‭ ‬عميقا‭ ‬في‭ ‬ضمير‭ ‬العالم‭. ‬الصمت‭ ‬الدولي‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬الآلام‭ ‬يشبه‭ ‬خنجرًا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العدالة،‭ ‬وكأننا‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬أصبح‭ ‬فيه‭ ‬الحلم‭ ‬بالسلام‭ ‬مطلبا‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭. ‬نلهث‭ ‬خلف‭ ‬لحظات‭ ‬نادرة‭ ‬من‭ ‬السكينة،‭ ‬كأنها‭ ‬كنوز‭ ‬خفية‭ ‬بين‭ ‬ركام‭ ‬الصراعات‭ ‬المستمرة‭.‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الألم،‭ ‬يظل‭ ‬التفاؤل‭ ‬بالمستقبل‭ ‬حيا‭. ‬ينبثق‭ ‬جهد‭ ‬يومي‭ ‬لمداواة‭ ‬الجراح‭ ‬وإصلاح‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إصلاحه‭ ‬وسط‭ ‬الدمار‭. ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬الحياة‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬التمني‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة‭ ‬عابرة،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬فعل‭ ‬ملموس‭. ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬السماء‭ ‬الملتهبة،‭ ‬ترى‭ ‬الأطفال‭ ‬يصنعون‭ ‬طائرات‭ ‬ورقية‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬المواد،‭ ‬تتعالى‭ ‬ضحكاتهم‭ ‬وهي‭ ‬تحلق،‭ ‬كأنهم‭ ‬يرفضون‭ ‬الخضوع‭ ‬للقهر‭. ‬يقول‭ ‬أحدهم‭: ‬‮«‬سنرتفع‭ ‬مثل‭ ‬طائراتنا،‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬سيهزمنا‮»‬‭. ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬تجسد‭ ‬حقيقة‭ ‬الإرادة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتزعزع،‭ ‬وترسل‭ ‬رسالة‭ ‬للعالم‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الألم‭.‬

معاناة‭ ‬غزة‭ ‬وبيروت‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدودهما،‭ ‬لتصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬إنسانية‭ ‬مشتركة‭. ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬المترابط،‭ ‬معاناة‭ ‬أي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬هي‭ ‬معاناة‭ ‬للجميع،‭ ‬ويجب‭ ‬علينا‭ ‬جميعا‭ ‬أن‭ ‬نتكاتف‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬المحن‭. ‬الإعلام،‭ ‬بأدواته،‭ ‬يحمل‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬نصيرًا‭ ‬للعدالة‭ ‬أو‭ ‬صامتا‭ ‬أمام‭ ‬المآسي‭. ‬نحن‭ ‬ككتاب‭ ‬ملتزمون،‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬كلماتنا‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬حروف‭ ‬تُكتب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التضامن‭ ‬الإنساني،‭ ‬ورسالة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬إيصال‭ ‬الحقيقة‭ ‬وتحريك‭ ‬الضمائر‭.‬

التاريخ‭ ‬يخبرنا‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الأزمات‭ ‬بتكاتف‭ ‬وإصرار‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تصنع‭ ‬فجرًا‭ ‬جديدًا‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نؤمن‭ ‬به،‭ ‬لكن‭ ‬الأمل‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭. ‬يتطلب‭ ‬الأمر‭ ‬توحيد‭ ‬الصفوف‭ ‬ودعم‭ ‬بعضنا‭ ‬البعض‭. ‬لتحقيق‭ ‬الأمان‭ ‬والازدهار‭. ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوحدة‭ ‬والحكمة،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحقق‭ ‬الاستقرار‭ ‬الدائم‭.‬

الغد‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬امتدادًا‭ ‬ليوم‭ ‬مظلم‭. ‬شمس‭ ‬العدالة‭ ‬ستشرق،‭ ‬والحياة‭ ‬ستعود‭ ‬لتملأ‭ ‬الشوارع‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬سنرى‭ ‬الأطفال‭ ‬يلعبون،‭ ‬والضحكات‭ ‬الحقيقية‭ ‬تعود،‭ ‬والأرض‭ ‬تزهر‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬غياب‭. ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬حلما،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬وعد‭ ‬يحمله‭ ‬كل‭ ‬شعاع‭ ‬شمس‭ ‬يتسلل‭ ‬بين‭ ‬الغيوم،‭ ‬وعدٌ‭ ‬تجسده‭ ‬كلمات‭ ‬الله‭: ‬‮«‬فإن‭ ‬مع‭ ‬العسر‭ ‬يسرا‭ ‬إن‭ ‬مع‭ ‬العسر‭ ‬يسرا‮»‬‭. ‬هي‭ ‬تذكرة‭ ‬بأن‭ ‬العدل‭ ‬سيظل‭ ‬قائما‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الانتظار‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬العصيبة،‭ ‬يتضح‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬أن‭ ‬قوتنا‭ ‬الحقيقية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تماسك‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬وترابطنا‭. ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬النسيج‭ ‬الوطني‭ ‬ونتكاتف،‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬فتحنا‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬التفرق‭ ‬والتمزق‭. ‬الوحدة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬شعار،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬الدرع‭ ‬الذي‭ ‬يحمي‭ ‬أمتنا‭ ‬من‭ ‬الاختراق‭ ‬والتفكك،‭ ‬ويمنحها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬كل‭ ‬العقبات‭. ‬ليكن‭ ‬الأمل‭ ‬طريقنا‭ ‬نحو‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل،‭ ‬نبني‭ ‬من‭ ‬أفعالنا‭ ‬جسورا‭ ‬نحو‭ ‬غد‭ ‬أفضل‭. ‬حيث‭ ‬يسوده‭ ‬العدل‭ ‬والسلام،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وزمان‭.‬

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا