العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جامعة الصداقة بين الأمس واليوم

بقلم: د. نبيل العسومي

الخميس ٠٣ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

خلال‭ ‬سفرتي‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬زرت‭ ‬جامعة‭ ‬الصداقة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬احتضنتني‭ ‬مع‭ ‬مئات‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬تلقوا‭ ‬تعليمهم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬التخصصات‭ ‬العلمية‭ ‬والأدبية‭ ‬كما‭ ‬احتضنت‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬توافدوا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تأسيسها‭ ‬قبل‭ ‬65‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬لإعداد‭ ‬كوادر‭ ‬وطنية‭ ‬لدول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬النهج‭ ‬الأممي‭ ‬الذي‭ ‬انتهجه‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬واجبه‭ ‬الأممي‭ ‬تجاه‭ ‬الدول‭ ‬الفقيرة‭ ‬والتي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كوادر‭ ‬وطنية‭ ‬للنهوض‭ ‬بالمسيرة‭ ‬التنموية‭ ‬لبلادهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البعثات‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬خصصتها‭ ‬الدول‭ ‬السوفيتية‭ ‬لأبناء‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬حتى‭ ‬تحولت‭ ‬المنطقة‭ ‬الجامعية‭ ‬بموسكو‭ ‬إلى‭ ‬حي‭ ‬يختزل‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬ويحتضن‭ ‬طلابا‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬120‭ ‬دولة‭.‬

وبمجرد‭ ‬وصولي‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬عادت‭ ‬بي‭ ‬الذاكرة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬للوراء‭ ‬فتذكرت‭ ‬أيام‭ ‬الشباب‭ ‬والدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬وما‭ ‬أحلى‭ ‬أيام‭ ‬الدراسة‭ ‬الجامعية‭ ‬ففي‭ ‬كل‭ ‬خطوة‭ ‬خطوتها‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬الجامعي‭ ‬تذكرني‭ ‬بذكريات‭ ‬زملاء‭ ‬الدراسة‭ ‬الذين‭ ‬درسوا‭ ‬معي‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬درسوا‭ ‬في‭ ‬تخصصات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬والتي‭ ‬انتهت‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬انتهاء‭ ‬الدراسة‭ ‬ومغادرة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬الأوطان‭.‬

إلا‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬يحز‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الأساتذة‭ ‬والمعلمين‭ ‬الذين‭ ‬تلقينا‭ ‬علومنا‭ ‬على‭ ‬أيدهم‭ ‬قد‭ ‬غادروا‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدوا‭ ‬واجبهم‭ ‬تجاهنا‭ ‬بكل‭ ‬إخلاص‭ ‬وتفانٍ‭ ‬ولم‭ ‬يبقَ‭ ‬منهم‭ ‬إلا‭ ‬القليل‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عددهم‭ ‬أصابع‭ ‬اليدين‭.‬

وخلال‭ ‬جولتي‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬طفت‭ ‬على‭ ‬الفصول‭ ‬الدراسية‭ ‬التي‭ ‬تلقيت‭ ‬على‭ ‬مقاعدها‭ ‬تعليمي‭ ‬العالي‭ ‬فوجدتها‭ ‬قد‭ ‬تغيرت‭ ‬وتم‭ ‬تحديثها‭ ‬وتجديدها‭ ‬لتتناسب‭ ‬مع‭ ‬المرحلة‭ ‬الجديدة‭ ‬ومع‭ ‬التطورات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬التعليمية‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬فصول‭ ‬مجهزة‭ ‬بأحدث‭ ‬الوسائل‭ ‬التعليمية‭ ‬وبالتقنيات‭ ‬المتطورة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتعليم،‭ ‬وأنا‭ ‬أطوف‭ ‬بين‭ ‬جدران‭ ‬الجامعة‭ ‬وقع‭ ‬نظري‭ ‬على‭ ‬جريدة‭ ‬الجامعة‭ ‬الشهرية‭  ‬جريدة‭ ‬‮«‬الصداقة‮»‬‭ ‬وإذا‭ ‬بها‭ ‬خصصت‭ ‬عدد‭ ‬شهر‭ ‬أغسطس‭ ‬2024‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالذكرى‭ ‬المئوية‭ ‬لميلاد‭  ‬رئيس‭ ‬الجامعة‭ ‬الأسبق‭ ‬أثناء‭ ‬دراستي‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬فلاديمير‭ ‬فرانسيفيج‭ ‬ستانيس‭ ‬فتذكرت‭ ‬هذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬المرموقة‭ ‬وتذكرت‭ ‬كلماته‭ ‬المبدئية‭ ‬والنصوحة‭ ‬والتي‭ ‬وجهها‭ ‬لنا‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬التخرج‭ ‬ونحن‭ ‬نتسلم‭ ‬شهادة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬القاعة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحتضن‭ ‬الطلاب‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬لنا‭ ‬ناصحا‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الشهادة‭ ‬التي‭ ‬حصلتم‭ ‬عليها‭ ‬نعلم‭ ‬أنها‭ ‬سوف‭ ‬تؤهلكم‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مناصب‭ ‬رفيعة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مديرا‭ ‬أو‭ ‬وكيل‭ ‬وزارة‭ ‬أو‭ ‬وزيرا‭ ‬أو‭ ‬سفيرا‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬ورئيس‭ ‬دولة‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬ضد‭ ‬تقلدكم‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناصب‭ ‬بل‭ ‬نفرح‭ ‬بكم‭ ‬ونفتخر‭ ‬بانتمائكم‭ ‬وتخرجكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬ولكن‭ ‬أرجو‭ ‬ثم‭ ‬أرجو‭ ‬ألا‭ ‬يكون‭ ‬تقلدكم‭ ‬لهذه‭ ‬المناصب‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الفقراء‭ ‬فإذا‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬تعتبروا‭ ‬أنفسكم‭ ‬خريجي‭ ‬جامعة‭ ‬باتريس‭ ‬لومومبا‭ ‬للصداقة‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الجامعة‭ ‬تخرج‭ ‬فقط‭ ‬مناصري‭ ‬الفقراء‭.‬

أما‭ ‬المتاجر‭ ‬ومحلات‭ ‬بيع‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬فقد‭ ‬اختفت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬إزالتها‭ ‬وبناء‭ ‬مطاعم‭ ‬ومحلات‭ ‬بيع‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬لتقدم‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الأطعمة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة‭ ‬حيث‭ ‬للعرب‭ ‬نصيب‭ ‬الأسد‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬فضلوا‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬بعد‭ ‬التخرج‭ ‬فتذكرت‭ ‬كيف‭ ‬كنا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬أو‭ ‬مطاعم‭ ‬بعد‭ ‬الساعة‭ ‬التاسعة‭ ‬مساء‭ ‬وهو‭ ‬موعد‭ ‬إغلاق‭ ‬هذه‭ ‬المحلات‭.‬

أما‭ ‬الجامعة‭ ‬فقد‭ ‬تغيرت‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬وأصبحت‭  ‬ثالث‭ ‬أقوى‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بعد‭ ‬جامعة‭ ‬موسكو‭ ‬الحكومية‭ ‬وجامعة‭ ‬سانت‭ ‬بيترسبورغ‭ ‬الحكومية‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬الدراسة‭ ‬فيها‭ ‬بالمجان‭ ‬أصحبت‭ ‬برسوم‭ ‬فقد‭ ‬انتهى‭ ‬زمن‭ ‬المجانية‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬غالبية‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬الأجانب‭ ‬أصبح‭ ‬غالبية‭ ‬الطلبة‭ ‬من‭ ‬الروس‭ ‬وأصبح‭ ‬الأجانب‭ ‬يشكلون‭ ‬أقلية‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تحافظ‭ ‬الجامعة‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الأجانب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تخصيص‭ ‬بعض‭ ‬المنح‭ ‬الدراسية‭ ‬للدول‭ ‬النامية‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬حاول‭ ‬كاتب‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬خلال‭ ‬اجتماعه‭ ‬مع‭ ‬عميد‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬تخصيص‭ ‬منحتين‭ ‬لطلبة‭ ‬البحرين‭ ‬فوعد‭ ‬بدراسة‭ ‬الموضوع،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬طلابها‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬6000‭ ‬طالب‭ ‬يدرسون‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬تخصصات‭ ‬أصبح‭ ‬عدد‭ ‬طلابها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬27000‭ ‬طالب‭ ‬يدرسون‭ ‬عشرات‭ ‬التخصصات‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬توسعة‭ ‬المنطقة‭ ‬التعليمية‭ ‬وبناء‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المباني‭ ‬لاستيعاب‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الطلبة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا