العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

بنيامين نتنياهو.. قراءة في أفكاره وسياساته المتطرفة

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٠٦ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

لبنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬عدة‭ ‬كتب‭ ‬تناول‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬أسماها‭ ‬بقضايا‭ ‬‮«‬التطرف‮»‬‭ ‬و«الإرهاب‮»‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬مكان‭ ‬بين‭ ‬الأمم‮»‬‭ ‬‭(‬A‭ ‬Place‭ ‬Among‭ ‬the‭ ‬Nations‭)‬‭ ‬وكتابه‭: ‬‮«‬محاربة‭ ‬الإرهاب‮»‬‭ (‬Fighting‭ ‬Terrorism‭)‬‭  ‬حيث‭ ‬عرض‭ ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬رؤيته‭ ‬للتطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬العالمي،‭ ‬وربطه‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بالإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬والفكر‭ ‬‮«‬المتطرف‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬وفقًا‭ ‬لرأيه‭- ‬الأمن‭ ‬العالمي‭!!‬

ففي‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬مكان‭ ‬بين‭ ‬الأمم‮»‬،‭ ‬يعرض‭ ‬نتنياهو‭ ‬رؤيته‭ ‬للصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ويبرر‭ ‬سياسات‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصويرهم‭ ‬كتهديد‭ ‬أمني‭ ‬وجودي،‭ ‬رابطاً‭ ‬‮«‬التطرف‮»‬‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالمعارضة‭ ‬المستمرة‭ ‬لوجود‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وداعياً‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬يعتبره‭ ‬‮«‬قوى‭ ‬التطرف‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬تدميرها‭.‬

كما‭ ‬يركز‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬ذاته‭ ‬على‭ ‬رفضه‭ ‬الشديد‭ ‬لاتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬الموقعة‭ ‬في‭ ‬1993‭ ‬بين‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬و«إسرائيل‮»‬،‭ ‬باعتبارها‭ ‬تمثل‭ ‬عنده‭ ‬تهديدًا‭ ‬لأمن‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومكانتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬مركزاً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تنازل‭ ‬عن‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬للفلسطينيين‭ (‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭) ‬يشكل‭ ‬خطرًا‭ ‬وجوديًا‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭.‬

وعليه،‭ ‬فإنه‭ ‬متشدّد‭ ‬في‭ ‬رفضه‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬محور‭ ‬تفاهمات‭ ‬أوسلو‭ (‬رغم‭ ‬تباين‭ ‬المفاهيم‭ ‬بخصوص‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬الحل‮»‬‭). ‬ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬بمثابة‭ ‬وثيقة‭ ‬تعكس‭ ‬أفكار‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليمينية‭ ‬ليس‭ ‬بخصوص‭ ‬فلسطين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تشمل‭ ‬مواقفه‭ ‬المعادية‭ ‬تجاه‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وتحديداً‭ ‬تجاه‭ ‬الأردن،‭ ‬ولبنان،‭ ‬والهضبة‭ ‬السورية،‭ ‬والقدس‭ ‬واللاجئين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وهي‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬اليوم‭ ‬أساس‭ ‬ائتلاف‭ ‬حكومته‭ ‬المتطرفة‭ ‬الراهنة‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬كتابه‭: ‬‮«‬محاربة‭ ‬الإرهاب‮»‬،‭ ‬فيشدد‭ ‬نتنياهو‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التصدي‭ ‬للتطرف‭ ‬الإسلامي‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬مرتبطًا‭ ‬بعدة‭ ‬دول‭ ‬ومنظمات‭ ‬مثل‭: ‬إيران‭ ‬و«حزب‭ ‬الله‭ ‬وحماس‮»‬،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يقتضي‭ ‬قيام‭ ‬تحالف‭ ‬عربي‭ ‬تقوده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لمحاربة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬والقوى‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬منتقديه‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬منحازة،‭ ‬حيث‭ ‬يربط‭ ‬التطرف‭ ‬بالدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭! ‬كما‭ ‬أنهم‭ ‬يتهمونه‭ ‬بتجاهل‭ ‬الأسباب‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬التطرف‮»‬،‭ ‬وبمراهنته‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الحلول‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬الخارجي،‭ ‬يتناول‭ ‬نتنياهو‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬لكنه‭ ‬يعزز‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬الرئيس‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬داعياً‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات‭ ‬بحزم‭.‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬يعد‭ ‬نتنياهو‭ ‬أحد‭ ‬أبرز‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬موضع‭ ‬الانتقاد‭ ‬عالمياً؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لتطرفه‭ ‬السياسي‭ ‬وتوجهاته‭ ‬القومية‭ ‬الشوفينية‭ ‬التي‭ ‬انعكست‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬استراتيجياته‭ ‬وممارساته‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬بل‭ ‬ان‭ ‬نتنياهو‭ ‬شكل‭ (‬لاعتبارات‭ ‬مصلحية‭ ‬بعضها‭ ‬انتهازي‭) ‬تحالفات‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬سياسية‭ ‬‮«‬أكثر‮»‬‭ ‬تطرفًا‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أبرزها‭ ‬حزبا‭ ‬بتسلئيل‭ ‬سموترتش،‭ ‬وإيتمار‭ ‬بن‭ ‬غفير،‭ ‬علماً‭ ‬بأن‭ ‬هذين‭ ‬الأخيرين‭ ‬معروفان‭ ‬بتوجهاتهما‭ ‬المتطرفة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وبدعواتهما‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬كامل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لإسرائيل‭.‬

نتنياهو،‭ ‬الطامح‭ ‬الأبدي‭ ‬للسلطة،‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬تحالفات‭ ‬سياسية‭ ‬لتشكيل‭ ‬حكوماته،‭ ‬ولا‭ ‬غرابة‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬قد‭ ‬وفر‭ ‬‮«‬مظلة‮»‬‭ ‬سياسية‭ ‬لعديد‭ ‬الشخصيات‭ ‬الموسومة‭ ‬بالإرهاب‭ (‬داخل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وخارجها‭). ‬وعبر‭ ‬تحالفه‭ ‬معهم،‭ ‬ساهم‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬تطبيع‭ ‬أفكارهم‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬العامة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الخطاب‭ ‬اليميني‭ ‬المتطرف‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والذي‭ ‬هو،‭ ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬خطاب‭ ‬نتنياهو‭ ‬الحقيقي‭.‬

لذلك،‭ ‬كان‭ ‬دوماً‭ ‬لهذا‭ ‬الأخير‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬اتفاقيات‭/‬تفاهمات‭ ‬أوسلو‭ ‬ورفض‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬‮«‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الإرهابية‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المستعمرات‭/‬‮«‬المستوطنات‮»‬‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬رافضاً،‭ ‬أي‭ ‬تسوية‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الأراضي‭. ‬هذا‭ ‬الفكر‭ (‬الموروث‭ ‬عن‭ ‬والده‭) ‬يقع‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬استراتيجيته،‭ ‬وأصبح‭ ‬جزءًا‭ ‬ثابتاً‭ ‬في‭ ‬سياساته‭. ‬

وبموازاة‭ ‬سياساته‭ ‬اليمينية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬نتنياهو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬زعيم‭ ‬متطرف،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المهندس‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تمضي‭ ‬نحو‭ ‬تطرف‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعميق‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين،‭ ‬ولاحقاً‭ ‬عبر‭ ‬تحالفه‭ ‬مع‭ ‬سموترتش‭ ‬وبن‭ ‬غفير‭ (‬والذي‭ ‬هو‭ ‬تحالف‭ ‬أيديولوجي‭ ‬المبتدى‭ ‬والمنتهى‭) ‬وليس‭ ‬مقتصراً‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الانتهازية‭ ‬لضمان‭ ‬صعوده‭ ‬وبقائه‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬السلطة‭!! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬نتنياهو‭-‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬وفي‭ ‬سياساته‭ ‬‭ ‬يتبنى‭ ‬ويمتلك‭ ‬‮«‬مظلة‮»‬‭ ‬أيديولوجية‭ ‬متطرفة‭ ‬ينضوي‭ ‬تحتها‭ ‬فكر‭ ‬ومواقف‭ ‬سموترتش‭ ‬وبن‭ ‬غفير‭ ‬وأمثالهما‭. ‬أما‭ ‬الفارق‭ ‬الوحيد‭ ‬بينه‭ ‬وبينهما‭ ‬فيكمن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬منطلقهما‭ ‬‮«‬ديني‭ ‬ميسياني‮»‬‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬منطلقة‭ ‬‮«‬قومي‭ ‬شوفيني‮»‬‭!‬

والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬يجسد‭ ‬نتنياهو‭ ‬‮«‬طاقة‭ ‬الدفع‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تزود‭ ‬‮«‬بارجة‭ ‬التطرف‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المعاصر‭ ‬بالوقود‭. ‬والشاهد‭ ‬الأكيد‭ ‬على‭ ‬السعار‭ ‬القومي‭ ‬اليميني‭ ‬لديه‭ ‬و‮«‬ثباته‮»‬‭ ‬على‭ ‬مقولاته‭ ‬الفاشية‭ ‬يتجلى‭ ‬في‭ ‬كتبه‭ ‬ومحاضراته‭ ‬سواء‭ ‬منذ‭ ‬شبابه‭ ‬المبكر‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سياساته‭ ‬ومقارفاته‭ ‬الراهنة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا