العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٩ - الثلاثاء ٢٦ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تدمير وتفكيك الدول والمجتمعات

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٦ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬محاضرة‭ ‬امتدت‭ ‬حوالي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬للعميل‭ ‬السوفيتي‭ ‬المنشق،‭ (‬يوري‭ ‬بيزمينوف‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬1983،‭ ‬ركز‭ ‬فيها‭ ‬وأشار‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬إلى‭ ‬إنّ‭ ‬زمن‭ ‬الحروب‭ ‬العسكرية‭ ‬لإخضاع‭ ‬الدول‭ ‬قد‭ ‬ولى‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬له‭ ‬مكان‭ ‬اليوم،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬فالانتصار‭ ‬الآن‭ ‬يتم‭ ‬تحقيقه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تمزيق‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬فإن‭ ‬تم‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬للدولة‭ ‬الغازية‭ ‬المحتلة،‭ ‬إذ‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬كجزء‭ ‬أصيل‭ ‬وكيان‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬كيان‭ ‬المجتمع‭ ‬والدولة‭ ‬المنكوبة،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬سكان‭ ‬أمريكا‭ ‬وأستراليا‭ ‬الأصليين،‭ ‬وكذلك‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬سكان‭ ‬الدولة‭ ‬الأصليون‭ ‬مع‭ ‬الشعوب‭ ‬الغازية‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬بطريقة‭ ‬توافقية‭ ‬أو‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭.‬

تقوم‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬الجنرال‭ ‬الصيني‭ (‬سن‭ ‬تزو‭) ‬قبل‭ ‬قرابة‭ ‬2500،‭ ‬الذي‭ ‬يُعد‭ ‬واحدًا‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬المخططين‭ ‬الاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬الحروب،‭ ‬فبناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬الملك‭ (‬هوو‭ ‬لوو‭) ‬وضع‭ ‬كتابًا‭ ‬بعنوان‭ (‬فن‭ ‬الحرب‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬ضمّنه‭ ‬خلاصة‭ ‬تجاربه‭ ‬وخبراته‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية،‭ ‬ومن‭ ‬حينها،‭ ‬أصبح‭ ‬الكتاب‭ ‬مرجعًا‭ ‬لا‭ ‬يُستغنى‭ ‬عنه‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬ولا‭ ‬السياسي‭ ‬ولا‭ ‬الإداري‭ ‬أيضًا،‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬خلق‭ ‬ميزات‭ ‬تنافسية‭ ‬له‭ ‬ضد‭ ‬خصومه،‭ ‬وكيفية‭ ‬التغلب‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬معترك‭ ‬الجيوش،‭ ‬وأيضًا،‭ ‬وهو‭ ‬الأهم،‭ ‬هزيمتهم‭ ‬داخليًا‭ ‬خلف‭ ‬جدرانهم‭ ‬الحصينة‭.‬

الفكرة‭ ‬تنحصر‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭ ‬على‭ ‬الغزو‭ ‬الداخلي‭ ‬الفكري‭ ‬والنفسي‭ ‬للدولة‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هدم‭ ‬أربعة‭ ‬أعمدة‭ ‬أساسية‭ ‬يقوم‭ ‬عليها‭ ‬المجتمع،‭ ‬وهي‭ ‬مراحل‭ ‬متتالية‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬استكمال‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬وهكذا،‭ ‬وهي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬مرحلة‭ ‬إسقاط‭ ‬الأخلاق‭ ‬وتدمير‭ ‬الدين،‭ ‬مرحلة‭ ‬إفساد‭ ‬التعليم،‭ ‬مرحلة‭ ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬الداخلي،‭ ‬ومرحلة‭ ‬خلق‭ ‬الأزمات‭ ‬الداخلية‭. ‬لنحاول‭ ‬أن‭ ‬نلقي‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المراحل‭.‬

المرحلة‭ ‬الأولى‭: ‬إسقاط‭ ‬الأخلاق‭ ‬وتدمير‭ ‬الدين؛‭ ‬في‭ ‬المعجم‭ ‬الوسيط‭ ‬فإن‭ ‬الأخلاق‭ ‬تعني‭ ‬حالة‭ ‬للنفس‭ ‬الراسخة‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عنها‭ ‬الأفعال‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أفعالا‭ ‬خيرة‭ ‬أو‭ ‬سيئة،‭ ‬وتصدر‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬فكرٍ‭ ‬ورويّة‭. ‬وبمعنى‭ ‬آخر‭ ‬فإن‭ ‬الأخلاق‭ ‬هي‭ ‬القِيَم،‭ ‬وهي‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬والسلوكيات‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬بحيث‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬سعادة‭ ‬البشرية،‭ ‬وقد‭ ‬حثت‭ ‬عليها‭ ‬الشرائع‭ ‬السماوية‭ ‬السمحة‭ ‬من‭ ‬لَدُن‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬إلى‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭.‬

وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الدولة‭ ‬الغازية‭ ‬بوضع‭ ‬مخطط‭ ‬يتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬إلى‭ ‬20‭ ‬سنة،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬المنظومة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬الجيل‭ ‬القديم،‭ ‬وإنشاء‭ ‬منظومة‭ ‬أخلاقية‭ ‬جديدة‭ ‬يتربى‭ ‬عليها‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬البديلة،‭ ‬والأخلاقيات‭ ‬المبتذلة،‭ ‬التي‭ ‬يراد‭ ‬ترسيخها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬وحتى‭ ‬يتم‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تدمير‭ ‬الدين‭ ‬وذلك‭ ‬بالسخرية‭ ‬منه‭ ‬ومِن‭ ‬رجالاته،‭ ‬وتهويل‭ ‬المآخذ‭ ‬عليه،‭ ‬وتلميع‭ ‬من‭ ‬يهاجمونه،‭ ‬ووصفهم‭ ‬بالمفكّرين،‭ ‬واستبداله‭ ‬بالعقائد‭ ‬الباطنية‭ ‬المنحرفة،‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تسويقها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أكثر‭ (‬إلهامًا‭) ‬للناس،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬ساذجة‭ ‬أو‭ ‬بدائية‭ ‬أو‭ ‬متناقضة،‭ ‬وتمجيد‭ ‬أصحابها،‭ ‬وإبرازهم‭ ‬كرموز‭ ‬للرأي‭ ‬الحر‭ ‬والفكر‭ ‬المختلف،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬استبدال‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬المحترمة،‭ ‬بمنظمات‭ ‬وهمية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬إرهابية‭ ‬حتى‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬صرف‭ ‬انتباه‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الإيمان‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وجذبهم‭ ‬لأنواع‭ ‬العقائد‭ ‬الدخيلة‭ ‬التي‭ ‬تفسد‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬حياته‭ ‬ومجتمعه‭.‬

المرحلة‭ ‬الثانية‭: ‬إفساد‭ ‬التعليم؛‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ (‬بروتوكولات‭ ‬حكماء‭ ‬صهيون‭ ‬‭ ‬المخططات‭ ‬الماسونية‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬العالم‭) ‬للكاتب‭ ‬منصور‭ ‬عبد‭ ‬الحكيم‭ ‬يشير‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬البرتوكول‭ ‬16‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬تفريغ‭ ‬التعليم‭ ‬من‭ ‬محتواه‭ ‬وتدمير‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬وخاصة‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭)‬،‭ ‬يقول‭ ‬البرتوكول‭: ‬‮«‬رغبة‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المشروعات‭ ‬الجمعية‭ ‬غير‭ ‬مشروعنا،‭ ‬سنبيد‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬مرحلته‭ ‬التمهيدية‭ ‬أي‭ ‬إننا‭ ‬سنغير‭ ‬الجامعات،‭ ‬ونغير‭ ‬إنشاءها‭ ‬حسب‭ ‬خططنا‭ ‬الخاصة‭. ‬وسيكون‭ ‬رؤساء‭ ‬الجامعات‭ ‬وأساتذتها‭ ‬معدين‭ ‬إعدادًا‭ ‬خاصًا‭ ‬وسيلته‭ ‬برنامج‭ ‬عملي‭ ‬سري‭ ‬متقن‭ ‬سيهذبون‭ ‬ويشكلون‭ ‬بحسبة‭ ‬ولن‭ ‬يستطيعوا‭ ‬الانحراف‭ ‬عنه‭ ‬بغير‭ ‬عقاب،‭ ‬وسيرشحون‭ ‬بعناية‭ ‬بالغة‭ ‬ويكونون‭ ‬معتمدين‭ ‬كل‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬وسنحذف‭ ‬من‭ ‬فهرسنا‭ ‬كل‭ ‬تعاليم‭ ‬القانون‭ ‬المدني‭ ‬مثله‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مثل‭ ‬أي‭ ‬موضوع‭ ‬سياسي‭ ‬آخر‮»‬‭.‬

ويقول‭ ‬مؤلف‭ ‬الكتاب‭ ‬معلقًا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬البرتوكول‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭: ‬‮«‬إن‭ ‬معنى‭ ‬تفكيك‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬ألا‭ ‬يتم‭ ‬تطوير‭ ‬أساليب‭ ‬التعليم‭ ‬حسب‭ ‬مقتضيات‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬وأن‭ ‬تجعل‭ ‬التعليم‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬حشو‭ ‬العقول‭ ‬بمعلومات‭ ‬تلقن‭ ‬وتحفظ‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تفهم،‭ ‬وكذلك‭ ‬عدم‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬للجميع‭ ‬أن‭ ‬يصلوا‭ ‬إلى‭ ‬الجامعات،‭ ‬ورفع‭ ‬تكاليف‭ ‬التعليم‭ ‬أي‭ ‬إلغاء‭ ‬التعليم‭ ‬المجاني‮»‬‭.‬

المرحلة‭ ‬الثالثة‭: ‬زعزعة‭ ‬الاستقرار‭ ‬والأمن‭ ‬الداخلي؛‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الداخلي‭ ‬للمجتمعات‭ ‬والأفراد‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الأساسية‭ ‬للإنسان‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الحقائق‭ ‬والنظريات‭ ‬التي‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬الاحتياجات‭ ‬البشرية،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬فهمت‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬وتفكك‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬المستقرة‭ ‬فإنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تزعزع‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬للمجتمع‭.‬

تقول‭ ‬الكاتبة‭ ‬الكندية‭ (‬نعومي‭ ‬كلاين‭) ‬في‭ ‬كتابها‭ (‬عقيدة‭ ‬الصدمة‭) ‬إنه‭ ‬في‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬طرح‭ ‬العالم‭ ‬دونالد‭ ‬كمرون‭ ‬سؤالا،‭ ‬وهو‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬أفكار‭ ‬الإنسان‭ ‬بصورة‭ ‬كاملة؟‭ ‬بمعنى‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬إنسانًا‭ ‬جديدًا‭ ‬مختلفا‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬الإنسان‭ ‬القديم‭ ‬بكل‭ ‬أفكاره‭ ‬وقيمه‭ ‬وعواطفه‭ ‬وقناعاته؟‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬والأطروحات‭ ‬توصل‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬صنع‭ ‬إنسان‭ ‬جديد؛‭ ‬ولكن‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬الإنسان‭ ‬القديم‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬صفحة‭ ‬بيضاء‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬صنع‭ ‬إنسان‭ ‬جديد‭ ‬بكل‭ ‬القيم‭ ‬والأفكار‭ ‬الجديدة‭.‬

وحتى‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬يمكن‭ ‬تنفيذها‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تحويل‭ ‬الفكرة‭ ‬وكل‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الأمريكي‭ ‬اليهودي‭ ‬الاقتصادي‭ (‬ميلتون‭ ‬فريدمان‭) ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬حينئذ‭ ‬كدكتور‭ ‬محاضر‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬شيكاغو،‭ ‬والذي‭ ‬خرج‭ ‬بالنظرية‭ ‬التالية‭: ‬‮«‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تعرضها‭ ‬لصدمة‭ ‬كبيرة‭ ‬جدًا‭ ‬بحيث‭ ‬تفقدها‭ ‬توازنها‭ ‬وبالتالي‭ ‬قيمها،‭ ‬ومبادئها،‭ ‬لتجعلها‭ ‬ملكا‭ ‬لك‭ ‬وحدك‭ ‬ومستسلمة‭ ‬لك‭ ‬تمام‭ ‬الاستسلام،‭ ‬تنفذ‭ ‬أوامرك‭ ‬ورغباتك،‭ ‬ومرعوبة‭ ‬من‭ ‬عدو‭ ‬وهمي‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬إلا‭ ‬أنت‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‮»‬‭. ‬

وحتى‭ ‬تتم‭ ‬هذه‭ ‬الصدمات‭ ‬وتنشأ‭ ‬بعدها‭ ‬تلك‭ ‬الزعزعة‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إذكاء‭ ‬النعرات‭ ‬الطائفية‭ ‬والعصبيات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬المتماسك‭ ‬لتمزيقه،‭ ‬وتقديم‭ ‬قدوات‭ ‬زائفة،‭ ‬لتسطيح‭ ‬الفكر‭ ‬المجتمعي،‭ ‬ونقل‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المهمات،‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬سفاسف‭ ‬الأمور،‭ ‬والجري‭ ‬وراء‭ ‬الموضة‭ ‬والملذات،‭ ‬وفقدان‭ ‬الحس‭ ‬بأهمية‭ ‬احترام‭ ‬الوطن‭ ‬وأُسسه‭ ‬ورموزه،‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬يتم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الخونة‭ ‬المندسين،‭ ‬عن‭ ‬أصحاب‭ ‬الأجندات‭ ‬المريبة‭ ‬والمطامع‭ ‬الشخصية،‭ ‬عن‭ ‬أتباع‭ ‬العقائد‭ ‬المناقضة‭ ‬والمنافرة‭ ‬لعقيدة‭ ‬البلد،‭ ‬وغير‭ ‬المتعايشة‭ ‬معها،‭ ‬عن‭ ‬عملاء‭ ‬دول‭ ‬معادية،‭ ‬يمكن‭ ‬شراؤهم‭ ‬وتجنيدهم،‭ ‬ثم‭ ‬دعم‭ ‬الجميع‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬ملحوظة‭.‬

وهنا‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تتزعزع‭ ‬المواطنة‭ ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬ليصبح‭ ‬الولاء‭ ‬للطائفة‭ ‬والفكر،‭ ‬وربما‭ ‬أجندات‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬فكر‭ ‬المجتمع‭.‬

وللأسف‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬تجرنا‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬الأخيرة‭. ‬

المرحلة‭ ‬الرابعة‭: ‬خلق‭ ‬الأزمات‭ ‬الداخلية؛‭ ‬تعرف‭ ‬الأزمة‭ ‬أنها‭ ‬نمط‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬أو‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الإنسان‭ ‬أو‭ ‬المجتمع،‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬تتطلب‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬لاستعادة‭ ‬مكانته‭ ‬الثابتة‭ ‬وبالتالي‭ ‬تتم‭ ‬استعادة‭ ‬التوازن،‭ ‬وللأسف‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تتحدى‭ ‬الفرد‭ ‬مما‭ ‬يضطره‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬وإعادة‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬كليهما‭. ‬فالأزمات‭ ‬ببساطة‭ ‬حوادث‭ ‬أو‭ ‬مشاكل‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬في‭ ‬العائدات‭ ‬أو‭ ‬الموارد‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأنفس‭ ‬لذلك‭ ‬فإنها‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إدارتها‭ ‬بصورة‭ ‬ذكية‭ ‬ومنهجية‭ ‬احترافية‭ ‬موضوعية‭ ‬حتى‭ ‬يمكن‭ ‬التخلص‭ ‬منها‭.‬

ووجود‭ ‬الأزمات‭ ‬نتيجة‭ ‬حتمية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬المراحل‭ ‬السابقة،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬حدوثها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تدمير‭ ‬الأخلاق‭ ‬وإفساد‭ ‬التعليم‭ ‬وزعزعة‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬حينئذ‭ ‬يتم‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬المُلمَّعَة‭ ‬تتصدر‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬والمجتمعي،‭ ‬وتدين‭ ‬بالولاء‭ ‬للعدو‭ ‬الخارجي،‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬أزمات‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬سياسية‭ ‬وانفلات‭ ‬أمني،‭ ‬ودخول‭ ‬البلد‭ ‬في‭ ‬نفق‭ ‬مظلم،‭ ‬أو‭ ‬حرب‭ ‬أهلية،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ينتهي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

وهذه‭ ‬الفئة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يتصدرون‭ ‬المشهد‭ ‬تذكرني‭ ‬بحديث‭ ‬نبوي‭ ‬شريف‭ ‬قال‭ ‬فيه‭ ‬رسولنا‭ ‬الكريم‭: ‬‮«‬سيأتي‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬سنوات‭ ‬خداعات‭ ‬يصدق‭ ‬فيها‭ ‬الكاذب،‭ ‬ويكذب‭ ‬فيها‭ ‬الصادق،‭ ‬ويؤتمن‭ ‬فيها‭ ‬الخائن،‭ ‬ويخون‭ ‬فيها‭ ‬الأمين،‭ ‬وينطق‭ ‬فيها‭ ‬الرويبضة‭. ‬قيل‭: ‬وما‭ ‬الرويبضة؟‭ ‬قال‭: ‬الرجل‭ ‬التافه‭ ‬يتكلم‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬العامة‮»‬‭. ‬وعندما‭ ‬فُسر‭ ‬معنى‭ ‬الرويبضة‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬السفيه‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬عقل‭ ‬له،‭ ‬ولا‭ ‬كياسة‭ ‬عنده‭ ‬يتكلم‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬العامة‭ ‬ويمثلهم،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬الأمور،‭ ‬وانقلاب‭ ‬الأحوال،‭ ‬ورجوع‭ ‬الأمر‭ ‬القهقري‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الزمان‭.‬

طبعًا،‭ ‬عندما‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬مراحل‭ ‬أربع‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أبدًا‭ ‬أنها‭ ‬كل‭ ‬المراحل،‭ ‬وإنما‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المراحل‭ ‬بل‭ ‬والأساليب‭ ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬الدول‭ ‬الغازية‭ ‬المحتلة‭ ‬لتدمير‭ ‬معنويات‭ ‬الدول،‭ ‬لتصبح‭ ‬ضعيفة‭ ‬وتقبل‭ ‬الهزيمة‭ ‬وتستكين‭ ‬للراحة،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬تقبل‭ ‬الخنوع‭ ‬والذل،‭ ‬وتجد‭ ‬أنها‭ ‬مجبرة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬على‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الغازي‭ ‬والمحتل‭ ‬كأحد‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬الجزء‭ ‬الأساسي،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يُعد‭ ‬هو‭ ‬الأساس‭ ‬أصبح‭ ‬ثانويا‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬معسكرات‭ ‬ومحميات‭.‬

 

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا