العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أين روسيا من الصراع الشرق أوسطي؟!

بقلم: هاني عوكل

الاثنين ١٤ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

يتساءل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمتابعين‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬عدم‭ ‬تدخل‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ - ‬الإسرائيلي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الحليف‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬والداعم‭ ‬الأهم‭ ‬لتل‭ ‬أبيب‭ ‬لبقاء‭ ‬تفوقها‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭.‬

قد‭ ‬يقول‭ ‬قائل،‭ ‬إن‭ ‬موسكو‭ ‬تدخلت‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬ووفرت‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬هناك‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬وجوده،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬التدخل‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬لإنقاذ‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬لخدمة‭ ‬المصالح‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الروسية‭ ‬وتعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

روسيا‭ ‬تربطها‭ ‬علاقة‭ ‬جيدة‭ ‬جداً‭ ‬بإسرائيل،‭ ‬وتدرك‭ ‬أن‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها‭ ‬يتطلب‭ ‬بقاءها‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والإسرائيلي،‭ ‬ولذلك‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬جعبتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موقفها‭ ‬السياسي‭ ‬الداعم‭ ‬لإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة،‭ ‬ورفض‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

ثمة‭ ‬أسباب‭ ‬عديدة‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والعربي‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬الدائر‭ ‬حالياً،‭ ‬إذ‭ ‬أولاً‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬الفوضى‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬خياراً‭ ‬مناسباً‭ ‬للاستفراد‭ ‬بأوكرانيا،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬الأمريكي‭ ‬وأولوية‭ ‬دعم‭ ‬تفوق‭ ‬إسرائيل‭ ‬وتوجيه‭ ‬أغلب‭ ‬الدعمَين‭ ‬المادي‭ ‬والعسكري‭ ‬لها‭.‬

ترى‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬استدارة‭ ‬واشنطن‭ ‬المؤقتة‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬مسألة‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليها،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬سيعني‭ ‬تفوقها‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬صعوبات‭ ‬توفير‭ ‬المعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفورية‭ ‬التي‭ ‬تطلبها‭ ‬كييف‭ ‬من‭ ‬شركائها‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والأوربيين‭.‬

كذلك‭ ‬تضع‭ ‬كل‭ ‬ثقلها‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬الاستنزافية‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬توظيف‭ ‬مجهودها‭ ‬التصنيعي‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يعيقها‭ ‬عن‭ ‬تصدير‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬معيقات‭ ‬أخرى‭ ‬تتصل‭ ‬بالعقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬المفروض‭ ‬عليها‭ ‬بشأن‭ ‬تصدير‭ ‬السلاح‭.‬

ثم‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬حساسة‭ ‬جداً‭ ‬لمسألة‭ ‬أي‭ ‬دعم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقدمه‭ ‬روسيا‭ ‬لدول‭ ‬تصنفها‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬بالعدو،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬ولذلك‭ ‬جرى‭ ‬الحديث‭ ‬مسبقاً‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬عقد‭ ‬صفقة‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وطهران‭ ‬بشأن‭ ‬تصدير‭ ‬طائرات‭ ‬حديثة‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬‮«‬سوخوي‭  ‬أو‭ ‬سو‭ ‬35‮»‬‭ ‬وأنظمة‭ ‬دفاع‭ ‬جوي،‭ ‬لكن‭ ‬الصفقة‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬أو‭ ‬تتحقق‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬دعمت‭ ‬موسكو‭ ‬بأسلحة‭ ‬في‭ ‬حربها‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وأشهرها‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة،‭ ‬لكن‭ ‬روسيا‭ ‬مقيّدة‭ ‬نوعاً‭ ‬ما‭ ‬بشأن‭ ‬تصدير‭ ‬بعض‭ ‬الأسلحة‭ ‬المتطورة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تزيد‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬القدرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬في‭ ‬سلاح‭ ‬الطيران،‭ ‬حيث‭ ‬تمتلك‭ ‬طهران‭ ‬طائرات‭ ‬قديمة‭ ‬لا‭ ‬يمكنها‭ ‬منافسة‭ ‬أسطول‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬الحديثة‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬تمتنع‭ ‬إسرائيل‭ ‬حتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬عن‭ ‬تزويد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بأسلحة‭ ‬بسبب‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تلجأ‭ ‬روسيا‭ ‬إلى‭ ‬إرسال‭ ‬أسلحة‭ ‬متطورة‭ ‬إلى‭ ‬إيران،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬ترسل‭ ‬أسلحة‭ ‬إلى‭ ‬كييف‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬موسكو‭ ‬التي‭ ‬يحتمل‭ ‬أيضاً‭ ‬أنها‭ ‬تدعم‭ ‬طهران‭ ‬بأسلحة‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭.‬

منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬أشبه‭ ‬بالـ«كعكة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يجري‭ ‬تقاسمها‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬إذ‭ ‬ترى‭ ‬موسكو‭ ‬أن‭ ‬وجودها‭ ‬الأساسي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتركز‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬وأنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬أولوية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الحالية‭ ‬لتعزيز‭ ‬نفوذها‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حربها‭ ‬المفتوحة‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭.‬

أيضاً‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ - ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مطبٌّ‭ ‬شائك‭ ‬والتدخل‭ ‬فيه‭ ‬لا‭ ‬يخدم‭ ‬مصالحها‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬واشنطن‭ ‬لن‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬وتعتبره‭ ‬حكراً‭ ‬عليها‭ ‬بدليل‭ ‬أنها‭ ‬الطرف‭ ‬الأكثر‭ ‬تدخلاً‭ ‬لحماية‭ ‬المصالح‭ ‬والوجود‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

لا‭ ‬ينبغي‭ ‬على‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يتفاءلوا‭ ‬بشأن‭ ‬أي‭ ‬تدخل‭ ‬روسي‭ ‬لحماية‭ ‬مصالحهم،‭ ‬ففي‭ ‬النهاية‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬تسير‭ ‬وفق‭ ‬مصالحها،‭ ‬وروسيا‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬وارد‭ ‬فتح‭ ‬جبهة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الخلاف‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬محورها‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬أدائها‭ ‬العسكري‭ ‬في‭ ‬كييف‭.‬

ثم‭ ‬إن‭ ‬واشنطن‭ ‬حشدت‭ ‬عشرات‭ ‬السفن‭ ‬الحربية‭ ‬والبوارج‭ ‬وقبلها‭ ‬أرسلت‭ ‬حاملة‭ ‬طائرات‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬ونشرت‭ ‬آلاف‭ ‬الجنود‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬موقف‭ ‬روسي‭ ‬حازم‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬التعليقات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬‮«‬تسمن‭ ‬ولا‭ ‬تغني‭ ‬من‭ ‬جوع‮»‬،‭ ‬تتضمن‭ ‬تخوفات‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬التصعيد‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

كذلك‭ ‬تشن‭ ‬إسرائيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الغارات‭ ‬على‭ ‬سورية،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬تحرك‭ ‬روسي‭ ‬قوي‭ ‬عدا‭ ‬التصريحات‭ ‬الاستنكارية‭ ‬بشأن‭ ‬تهديد‭ ‬السيادة‭ ‬السورية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬المسألة‭ ‬أشبه‭ ‬بتوزيع‭ ‬الأدوار‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

النتيجة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬لن‭ ‬تُحرّك‭ ‬أسطولها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أو‭ ‬العرب،‭ ‬ففي‭ ‬النهاية‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬بضعفها‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬الجمهور‭ ‬المتفرج‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬وإنتاج‭ ‬ومشاركة‭ ‬قوى‭ ‬دولية‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا