العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

إعصار ميلتون.. لا توجد دولة آمنة

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

سأل‭ ‬أحد‭ ‬الملاحين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬سفينة‭ (‬تايتانيك‭) ‬مصمم‭ ‬السفينة‭: ‬هل‭ ‬يقدر‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يغرق‭ ‬هذه‭ ‬السفينة؟‭ ‬قال‭: ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليها‭. ‬غطرسة‭ ‬إنسان‭. ‬فقامت‭ ‬برحلتها‭ ‬الأولى‭ ‬والأخيرة‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلنطي‭ ‬من‭ ‬إنجلترا‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬أبريل‭ ‬1912،‭ ‬ولكنها‭ ‬لم‭ ‬تصل،‭ ‬لأنها‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬غرقت‭. ‬علمًا‭ ‬بأنها‭ ‬سميت‭ (‬تايتانيك‭) ‬لأنه‭ ‬يعني‭ (‬المارد‭).‬

هذه‭ ‬الغطرسة‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬ظهرت‭ ‬لنا‭ ‬جليًا‭ ‬طوال‭ ‬الأعوام‭ ‬الماضية‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬بدت‭ ‬واضحة‭ ‬خلال‭ ‬السنة‭ ‬الماضية،‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬إن‭ ‬أمريكا‭ ‬لا‭ ‬تنحني‭ ‬لأحد‮»‬،‭ ‬فانحنت‭ ‬أمام‭ ‬إعصار‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مألوفًا‭ ‬للبشرية‭ ‬حسب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المؤشرات‭ ‬المناخية‭.‬

في‭ ‬تقرير‭ ‬نُشر‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬أكتوبر‭ ‬2024‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ضرب‭ ‬إعصار‭ ‬ميلتون‭ ‬ولاية‭ ‬فلوريدا‭ ‬الأمريكية‭ ‬الأربعاء‭ ‬9‭ ‬أكتوبر‭ ‬مخلفًا‭ ‬وراءه‭ ‬دمارًا‭ ‬واسعًا‭ ‬وأضرارًا‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬كبيرة‭. ‬وُصف‭ ‬الإعصار‭ ‬بأنه‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أشد‭ ‬الأعاصير‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬الولاية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حيث‭ ‬بلغت‭ ‬سرعته‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬ميلاً‭ ‬في‭ ‬الساعة،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬الحيوية‮»‬‭.‬

ماذا‭ ‬حدث؟‭ ‬وكيف‭ ‬حدث؟‭ ‬ولماذا‭ ‬حدث؟

قالت‭ ‬وكالة‭ ‬أنباء‭ ‬البحرين‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬12‭ ‬أكتوبر‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬الإعصار‭ (‬ميلتون‭) ‬قد‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬خسائر‭ ‬وأضرار‭ ‬تقدر‭ ‬بنحو‭ ‬50‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭.‬

في‭ ‬تقرير‭ ‬آخر‭ ‬قال‭: ‬‮«‬إن‭ ‬حصيلة‭ ‬القتلى‭ ‬ارتفعت‭ ‬جراء‭ ‬الإعصار‭ ‬ميلتون‭ ‬إلى‭ ‬16‭ ‬قتيلاً‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬فلوريدا،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬11‭ ‬أكتوبر،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬فيه‭ ‬السكان‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬منازلهم،‭ ‬وسط‭ ‬استمرار‭ ‬انقطاع‭ ‬الكهرباء‭ ‬عن‭ ‬الملايين‭. ‬وقدّر‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬قيمة‭ ‬الخسائر‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬خلفها‭ ‬الإعصار‭ ‬بـ50‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬الزوابع‭ ‬وليس‭ ‬مياه‭ ‬الفيضانات‭ ‬وراء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوفيات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬العاصفة‭. ‬وفيما‭ ‬تستمر‭ ‬عمليات‭ ‬البحث‭ ‬والإنقاذ‭ ‬وإزالة‭ ‬الركام،‭ ‬حض‭ ‬بايدن‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬مغادرة‭ ‬منازلهم‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬إزالة‭ ‬خطوط‭ ‬الكهرباء‭ ‬والحطام‭ ‬المتناثر‭.‬

ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬يقول‭ ‬التقرير‭ ‬إنه‭ ‬‮«‬ظل‭ ‬نحو‭ ‬2‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬منزل‭ ‬ومقر‭ ‬شركة‭ ‬محرومة‭ ‬من‭ ‬الكهرباء،‭ ‬بينما‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬العاصفة‭ ‬بالغة‭ ‬العنف‭ ‬من‭ ‬خليج‭ ‬المكسيك‭ ‬إلى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مغمورة‭ ‬بالمياه‮»‬‭.‬

علمًا‭ ‬بأن‭ ‬المنطقة‭ ‬نفسها‭ ‬تعرضت‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬شهر‭ (‬سبتمبر‭ ‬2024‭) ‬إلى‭ ‬إعصار‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭(‬هيلين‭)‬،‭ ‬والتي‭ ‬أشارت‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخسائر‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬إعصار‭ ‬هيلين‭ ‬بلغت‭ ‬حوالي‭ ‬47‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬لأصحاب‭ ‬العقارات،‭ ‬وتسبّب‭ ‬في‭ ‬فيضانات‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬ومدمرة‭ ‬في‭: ‬فلوريدا،‭ ‬كارولاينا‭ ‬الشمالية،‭ ‬كارولاينا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وجورجيا‭. ‬

وفي‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬علماء‭ ‬المناخ‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬كوارث‭ ‬الأعاصير‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬قال‭:‬

ذلك‭ ‬هو‭ ‬موسم‭ ‬الأعاصير‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬سجلت‭ ‬مراكز‭ ‬بحوث‭ ‬الأعاصير‭ ‬رقمًا‭ ‬قياسيًا‭ ‬جديدًا،‭ ‬إذ‭ ‬حدث‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬اجتمع‭ ‬إعصاران‭ ‬معًا‭ ‬تتخطى‭ ‬سرعة‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬240‭ ‬كيلومترًا‭ ‬في‭ ‬الساعة،‭ ‬إنهما‭ ‬إعصارا‭ (‬إيرما‭) ‬و‭(‬خوسيه‭) ‬اللذان‭ ‬ضربًا‭ ‬سواحل‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2017‭.‬

كان‭ (‬إيرما‭) ‬قد‭ ‬سجل‭ ‬منفردًا‭ ‬رقمًا‭ ‬قياسيًا‭ ‬جديدًا‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬الضرب‭ ‬بسرعة‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬كيلومتر‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬مدة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬65‭ ‬ساعة‭ ‬متواصلة،‭ ‬وهو‭ ‬بذلك‭ ‬يكسر‭ ‬رقمًا‭ ‬كارثيًا‭ ‬سابقًا‭ ‬لإعصار‭ (‬ألين‭) ‬في‭ ‬المكسيك‭ ‬بالاستمرار‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الذروة‭ ‬مدة‭ ‬18‭ ‬ساعة‭ ‬فقط‭. ‬وقد‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬الأعاصير‭ ‬من‭ ‬المقياس‭ ‬4‭ ‬و5‭ ‬‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ترتفع‭ ‬سرعة‭ ‬الرياح‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬200‭ ‬إلى‭ ‬250‭ ‬كم‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬‭ ‬من‭ ‬معدل‭ ‬10‭ ‬أعاصير‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الفائت‭ ‬ليصل‭ ‬في‭ ‬التسعينيات‭ ‬إلى‭ ‬18‭ ‬إعصارًا‭ ‬في‭ ‬السنة‭.‬

وإجابة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭: ‬لكن‭ ‬لم‭ ‬تتطور‭ ‬الأعاصير‭ ‬فتصبح‭ ‬أشد‭ ‬قوة‭ ‬وتدميرًا؟‭ ‬قال‭: ‬نعتقد‭ ‬أن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬له‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬بالطبع‭ ‬التحديد‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬إعصار‭ ‬بعينه‭ ‬قد‭ ‬تأثر‭ ‬بالتغير‭ ‬المناخي،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬المجمل‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬التحليلات‭ ‬العلمية‭ ‬والمناخية‭ ‬والبيئية،‭ ‬فنحن‭ ‬اليوم‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬الأعاصير‭ ‬والفيضانات‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬الظواهر‭ ‬هي‭ ‬ظواهر‭ ‬طبيعية‭ ‬تحدث‭ ‬وفق‭ ‬نواميس‭ ‬وقوانين‭ ‬كونية‭ ‬محددة،‭ ‬ربما‭ ‬تزيد‭ ‬أو‭ ‬تنقص،‭ ‬بأسباب‭ ‬معينة،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬بسبب‭ ‬التلوث‭ ‬أو‭ ‬بأسباب‭ ‬أخرى،‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتحكم‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬صانع‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬فسواء‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬أوروبا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬مسلمة‭ ‬فهي‭ ‬مقدرة‭ ‬ومحددة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬والزمان‭ ‬الذي‭ ‬قدرهما‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

والله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لا‭ ‬يجامل‭ ‬أحدا‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬أحد،‭ ‬وربما‭ ‬هنا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬حادثة‭ ‬كسوف‭ ‬الشمس‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬يوم‭ ‬وفاة‭ ‬إبراهيم‭ ‬ابن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬فقال‭ ‬الناس‭: ‬انكسفت‭ ‬الشمس‭ ‬لموت‭ ‬إبراهيم،‭ ‬فقال‭ ‬النبي‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭ ‬آيتان‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬ينكسفان‭ ‬لموت‭ ‬أحد‭ ‬ولا‭ ‬لحياته‭ ‬فإذا‭ ‬رأيتم‭ ‬ذلك‭ ‬فافزعوا‭ ‬إلى‭ ‬ذكر‭ ‬الله‭ ‬وإلى‭ ‬الصلاة‮»‬‭. ‬

وهذا‭ ‬هو‭ ‬واقع‭ ‬الحال،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬نواميس‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬توازن‭ ‬الحياة‭ ‬والكون‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنهم‭ ‬بلغوا‭ ‬مرحلة‭ ‬الألوهية‭ ‬وأنه‭ ‬يمكنهم‭ ‬أن‭ ‬ينازعوا‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬سلطانه،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ذروة‭ ‬جبروتهم‭ ‬وطغيانه‭ ‬وغطرستهم‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬لهم‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬توقفوا‭ ‬هنا،‭ ‬فأنا‭ ‬الجبار،‭ ‬والأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭:‬

فرعون؛‭ ‬فقد‭ ‬بلغت‭ ‬به‭ ‬الغطرسة‭ ‬أن‭ ‬أعلن‭ ‬على‭ ‬الملأ‭ ‬وقال‭: (‬أنا‭ ‬ربكم‭ ‬الأعلى‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬جبروته‭ ‬وفي‭ ‬أوج‭ ‬قوّته،‭ ‬أخذه‭ ‬الله‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬رأسِ‭ ‬جيشه‭ ‬المدجج‭.‬

وحين‭ ‬أهلكَ‭ ‬اللهُ‭ (‬النمرود‭) ‬لم‭ ‬يهلكه‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ضعفٍ،‭ ‬وإنما‭ ‬أهلكه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬قمّة‭ ‬غطرسته،‭ ‬يُنادي‭ ‬في‭ ‬النَّاس‭: (‬أنا‭ ‬أُحيي‭ ‬وأميتُ‭).‬

وقوم‭ ‬عاد‭ ‬حينما‭ ‬أهلكها‭ ‬لم‭ ‬يهلكها‭ ‬بتغيير‭ ‬الأسباب‭ ‬وانقلاب‭ ‬الموازين،‭ ‬وإنما‭ ‬أهلكهم‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭: (‬من‭ ‬أشدُّ‭ ‬منّا‭ ‬قوَّة‭).‬

وثمود‭ ‬أهلكها‭ ‬وهم‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يجوبون‭ ‬الصَّخر‭ ‬بالواد‭.‬

وشتت‭ ‬شمل‭ ‬الأحزاب‭ ‬يوم‭ ‬الخندق،‭ ‬بعدما‭ ‬ضاقت‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬المؤمنين‭ ‬بما‭ ‬رحبت،‭ ‬وبلغت‭ ‬القلوب‭ ‬الحناجر‭.‬

وغيرهم‭ ‬الكثير،‭ ‬ترى‭ ‬أين‭ ‬ذهبوا؟‭ ‬وكيف‭ ‬ذهبوا؟‭ ‬وربما‭ ‬عاصرنا‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭. ‬فالاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬‭ ‬مثلاً‭ ‬‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬جابت‭ ‬الأرض‭ ‬شرقها‭ ‬وغربها،‭ ‬وحكمت‭ ‬نصف‭ ‬قارة‭ ‬آسيا،‭ ‬وأخضعت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والجمهوريات‭ ‬والبشر،‭ ‬ومنعت‭ ‬الصلاة‭ ‬والصيام‭ ‬وقراءة‭ ‬القرآن،‭ ‬وأعلنت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محفل‭ ‬أنه‭ (‬لا‭ ‬إله‭ ‬والحياة‭ ‬مادة‭) ‬وأن‭ (‬الدين‭ ‬أفيون‭ ‬الشعوب‭) ‬أين‭ ‬هي‭ ‬اليوم؟‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬لها‭ ‬أثر‭.‬

ولكن‭ ‬قبلما‭ ‬يبلغ‭ ‬الإنسان‭ ‬مرحلة‭ ‬الغطرسة‭ ‬والاعتقاد‭ ‬أنه‭ ‬بلغت‭ ‬فيه‭ ‬الإمكانيات‭ ‬أنه‭ ‬المتحكم‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬والأرزاق‭ ‬والحياة‭ ‬تأتي‭ ‬بعض‭ ‬الآيات‭ ‬القليلة‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لتذكره‭ ‬وتوقفه‭ ‬عند‭ ‬حده،‭ ‬لعل‭ ‬أن‭ ‬يتدارك‭ ‬نفسه‭ ‬ويرعوي،‭ ‬فيقول‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬يونس‭ ‬‭ ‬الآية‭ ‬24‭:(‬حَتَّى‭ ‬إذَا‭ ‬أخَذَتِ‭ ‬الأرْضُ‭ ‬زُخْرُفَهَا‭ ‬وازينت‭ ‬وَظَنَّ‭ ‬أهْلُهَا‭ ‬أنَّهُمْ‭ ‬قَادِرُونَ‭ ‬عَلَيْهَا‭ ‬أتَاهَا‭ ‬أمْرُنَا‭ ‬لَيْلًا‭ ‬أوْ‭ ‬نَهَارًا‭ ‬فَجَعَلْنَاهَا‭ ‬حَصِيدًا‭ ‬كَأن‭ ‬لَّمْ‭ ‬تَغْنَ‭ ‬بِالْأَمْسِ‭ ‬كَذَلِكَ‭ ‬نُفَصِّلُ‭ ‬الْآيَاتِ‭ ‬لِقَوْمٍ‭ ‬يَتَفَكَّرُونَ‭). ‬

والقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬واضح‭ ‬وصريح،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬العهد‭ ‬به،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬يوضح‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬يعاقب‭ ‬الطغيان‭ ‬والغطرسة‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الذل،‭ ‬وإنما‭ ‬يعاقبهم‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬أقوى‭ ‬درجاتهم‭ ‬وذروة‭ ‬الجبروت،‭ ‬بحيث‭ ‬يشعرون‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المحال‭ ‬أن‭ ‬يمسهم‭ ‬أي‭ ‬أذى‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬الأذى‭ ‬صغيرا،‭ ‬وأنهم‭ ‬امتلكوا‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬بحيث‭ ‬أصبحت‭ ‬حتى‭ ‬الطبيعة‭ ‬خاضعة‭ ‬لهم،‭ ‬فيقول‭ ‬‮«‬لا‭ ‬ننحني‭ ‬لأحد‮»‬،‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬يأتي‭ ‬أمر‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى،‭ ‬فيجبرونه‭ ‬على‭ ‬الانحناء‭.‬

ربما‭ ‬يأتي‭ ‬عقاب‭ ‬الغطرسة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬إعصار،‭ ‬فيسحق‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أمامه‭ ‬من‭ ‬بنيه‭ ‬تحتية‭ ‬من‭ ‬بيوت‭ ‬وشوارع‭ ‬وأشجار‭ ‬كما‭ ‬وجدنا‭ ‬في‭ ‬إعصار‭ ‬ميلتون،‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬عقاب‭ ‬الغطرسة‭ ‬زلزالاً‭ ‬يدمر‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأرض،‭ ‬وربما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬مخلوق‭ ‬صغير‭ ‬جدًا،‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬إلا‭ ‬ببعض‭ ‬المجاهر‭ ‬الخاصة،‭ ‬مثل‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬أتذكرون‭ ‬ماذا‭ ‬حدث‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬عندما‭ ‬قبعت‭ ‬البشرية‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المنزل،‭ ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المخلوق‭ ‬الصغير‭ ‬جدًا،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬إعصارًا‭ ‬أو‭ ‬وحشًا‭ ‬أم‭ ‬ديناصورًا‭ ‬ضخمًا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬فيروسًا،‭ ‬علمًا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المخلوق‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬العلماء‭ ‬تصنيفه،‭ ‬هل‭ ‬هو‭ ‬كائن‭ ‬حي‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يعد‭ ‬كائنًا‭ ‬حيًا،‭ ‬عجبي‭.‬

ومرة‭ ‬أخرى،‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نوضح‭ ‬أن‭ ‬إعصار‭ ‬ميلتون‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬عقابًا‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬يحاول‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬قوله،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬يكون،‭ ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬مقادير‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬تسير،‭ ‬ولكنه‭ ‬حتمًا‭ ‬عقاب‭ ‬الغطرسة‭ ‬الغربية‭ ‬الملحدة‭ ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬أقدار‭ ‬البشر،‭ ‬والطبيعة،‭ ‬والكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وتعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تحي‭ ‬وتميت،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬اعتقدت‭ ‬أنها‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتحكم‭ ‬في‭ ‬المناخ‭ ‬والطقس‭ ‬والظروف‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ولكنهم‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬تتوقف‭ ‬قدراتهم‭ ‬وتتجلى‭ ‬قدرة‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬فهو‭ ‬المتحكم‭ ‬والقادر،‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نعيد‭ ‬التفكير،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الدقائق‭ ‬والحقائق،‭ ‬وأن‭ ‬نقف‭ ‬بجلال‭ ‬أمام‭ ‬أفلام‭ ‬الفيديو‭ ‬التي‭ ‬بثت‭ ‬عبر‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬واليوتيوب‭ ‬للإعصار،‭ ‬ونحمد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أننا‭ ‬بخير‭. ‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا