العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العشرة.. الغالبة المغلوبة!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

سُئِلَ‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬عن‭ ‬أَشَدِ‭ ‬جنود‭ ‬الله‭ ‬تعالى؟‭ ‬قال‭: ‬أشد‭ ‬جنود‭ ‬الله‭ ‬عشرة‭: ‬الجبال‭ ‬الرواسي،‭ ‬والحديد‭ ‬يقطع‭ ‬الجبال،‭ ‬فالحديد‭ ‬أقوى،‭ ‬والنار‭ ‬تذيب‭ ‬الحديد،‭ ‬فالنار‭ ‬أقوى،‭ ‬والماء‭ ‬يطفئ‭ ‬النار،‭ ‬فالماء‭ ‬أقوى،‭ ‬والسحاب‭ ‬يحمل‭ ‬الماء،‭ ‬فالسحاب‭ ‬أقوى،‭ ‬والريح‭ ‬تحمل‭ ‬السحاب،‭ ‬فالريح‭ ‬أقوى،‭ ‬وابن‭ ‬آدم‭ ‬يغلب‭ ‬الريح‭ ‬فابن‭ ‬آدم‭ ‬أقوى،‭ ‬والسكر‭ ‬يغلب‭ ‬ابن‭ ‬آدم،‭ ‬فالسكر‭ ‬أشد،‭ ‬والنوم‭ ‬يغلب‭ ‬السكر،‭ ‬فالنوم‭ ‬أشد،‭ ‬والهم‭ ‬يغلب‭ ‬النوم،‭ ‬فالهم‭ ‬أشد،‭ ‬فأشد‭ ‬جنود‭ ‬الله‭ ‬الهَمُّ‭! ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬هل‭ ‬وقف‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬ابن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬عند‭ ‬الهم،‭ ‬واعتبره‭ ‬أشد‭ ‬جنود‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬الراوي‭ ‬فاته‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬الإمام‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭)‬؟‭ ‬إذ‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬ويصاحب‭ ‬الهم‭ ‬طيلة‭ ‬حياته،‭ ‬ويبقى‭ ‬سجينًا‭ ‬له‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أشدُّ‭ ‬وأقوى‭.. ‬إنه‭ ‬الإيمان،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬وتطمئن‭ ‬قلوبهم‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬ألا‭ ‬بذكر‭ ‬الله‭ ‬تطمئن‭ ‬القلوب‭) ‬الرعد‭ / ‬28‭.‬

ونجد‭ ‬مصداق‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬فمن‭ ‬يرد‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يهديه‭ ‬يشرح‭ ‬صدره‭ ‬للإسلام‭ ‬ومن‭ ‬يرد‭ ‬أن‭ ‬يضله‭ ‬يجعل‭ ‬صدره‭ ‬ضيقًا‭ ‬حرجًا‭ ‬كأنما‭ ‬يصَّعَّد‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬كذلك‭ ‬يجعل‭ ‬الله‭ ‬الرجس‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭) ‬الأنعام‭/ ‬125‭.‬

إذًا،‭ ‬فمن‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬يتصدر‭ ‬الهم‭ ‬حياة‭ ‬المؤمن،‭ ‬وينفرد‭ ‬بمشاعره‭ ‬وأحاسيسه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يغلبه‭ ‬غالب‭ ‬أو‭ ‬توقفه‭ ‬قوة‭ ‬عند‭ ‬حد‭.‬

وحين‭ ‬نبحث‭ ‬عن‭ ‬الهم‭ ‬وأسبابه،‭ ‬ونشعر‭ ‬بالعجز‭ ‬عن‭ ‬إدراك‭ ‬أسبابه‭ ‬وبواعثه،‭ ‬لا‭ ‬ندري‭ ‬ولا‭ ‬نعلم‭ ‬بأي‭ ‬اسم‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الله‭ ‬الحسنى‭ ‬نستغيث‭ ‬حتى‭ ‬يزيل‭ ‬الهم‭ ‬عنا،‭ ‬فيدلنا‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬على‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬يوافق‭ ‬أحوالنا،‭ ‬فنسأله‭ ‬أن‭ ‬يستجيب‭ ‬لنا‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

يقول‭ ‬تعالى‭: (‬إن‭ ‬الذين‭ ‬قالوا‭ ‬ربنا‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬استقاموا‭ ‬تتنزل‭ ‬عليهم‭ ‬الملائكة‭ ‬ألا‭ ‬تخافوا‭ ‬ولا‭ ‬تحزنوا‭ ‬وأبشروا‭ ‬بالجنة‭ ‬التي‭ ‬كنتم‭ ‬توعدون‭) (‬فصلت‭/ ‬30‭)‬،‭ ‬فليطمئن‭ ‬المؤمن‭ ‬إلى‭ ‬حسن‭ ‬رعاية‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له،‭ ‬واهتمامه‭ ‬بشأنه،‭ ‬واختيار‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬الله‭ ‬الحسنى‭ ‬ما‭ ‬يناسب‭ ‬أحواله،‭ ‬ويحقق‭ ‬له‭ ‬رجاءه،‭ ‬وليطمئن‭ ‬أنه‭ ‬يأوي‭ ‬إلى‭ ‬ركن‭ ‬شديد،‭ ‬فالإله‭ ‬الذي‭ ‬يعبده،‭ ‬ويخلص‭ ‬العبادة‭ ‬له‭ ‬إله‭ ‬حي‭ ‬لا‭ ‬يموت،‭ ‬وهو‭ ‬سبحانه‭ ‬لا‭ ‬تأخذه‭ ‬سنة‭ ‬ولا‭ ‬نوم،‭ ‬فليطمئن‭ ‬المؤمن،‭ ‬ولتقر‭ ‬عينه،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬حصن‭ ‬منيع‭.‬

ونستطيع‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬في‭ ‬ثقة‭ ‬تامة‭ ‬إن‭ ‬الإيمان‭ ‬حصن‭ ‬حصين‭ ‬إذًا‭ ‬لجأ‭ ‬إليه‭ ‬المؤمن‭ ‬طابت‭ ‬نفسه،‭ ‬واطمأن‭ ‬قلبه،‭ ‬وهانت‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬الخطوب‭. ‬

وللنفس‭ ‬أحوال‭ ‬إذًا‭ ‬استعان‭ ‬بها‭ ‬المؤمن‭ ‬أعانته‭ ‬على‭ ‬وسوسة‭ ‬الشيطان،‭ ‬وحديث‭ ‬النفس‭ ‬الأمَّارة‭ ‬بالسوء،‭ ‬وهذه‭ ‬الأحوال‭ ‬هي‭: ‬النفس‭ ‬اللوَّامة،‭ ‬والنفس‭ ‬التقية‭ ‬والنفس‭ ‬الزكية،‭ ‬والنفس‭ ‬الراضية‭ ‬والمرضية،‭ ‬والنفس‭ ‬المطمئنة‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬له‭ ‬الفوز‭ ‬بالجنة،‭ ‬والنجاة‭ ‬من‭ ‬النار‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬يا‭ ‬أيتها‭ ‬النفس‭ ‬المطمئنة‭ (‬27‭) ‬ارجعي‭ ‬إلى‭ ‬ربك‭ ‬راضية‭ ‬مرضية‭ (‬28‭) ‬فادخلي‭ ‬في‭ ‬عبادي‭ (‬29‭) ‬وادخلي‭ ‬جنتي‭ (‬30‭)) ‬سورة‭ ‬الفجر‭.‬

وتأملوا‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬النفس‭ ‬بها‭ ‬الجنة،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬النفس‭ ‬المطمئنة‮»‬،‭ ‬ولهذا‭ ‬فلا‭ ‬عجب‭ ‬أن‭ ‬نبي‭ ‬الله‭ ‬إبراهيم‭ (‬عليه‭ ‬السلام‭) ‬يسأل‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬أن‭ ‬يمنحه‭ ‬الاطمئنان‭ ‬بأن‭ ‬يريه‭ ‬كيف‭ ‬يحي‭ ‬الموتى‭ ‬ليس‭ ‬شكًا‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬قدير،‭ ‬بل‭ ‬ليزداد‭ ‬إيمانًا،‭ ‬ويبلغ‭ ‬مرتبة‭ ‬الاطمئنان‭ ‬لأنها‭ ‬الحالة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬سبيلهم‭ ‬إلى‭ ‬دخول‭ ‬الجنة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وإذ‭ ‬قال‭ ‬إبراهيم‭ ‬رب‭ ‬أرني‭ ‬كيف‭ ‬تحي‭ ‬الموتى‭ ‬قال‭ ‬أولم‭ ‬تؤمن‭ ‬قال‭ ‬بلى‭ ‬ولكن‭ ‬ليطمئن‭ ‬قلبي‭..) ‬البقرة‭ / ‬260‭.‬

إذًا،‭ ‬فهناك‭ ‬صراع‭ ‬دائم،‭ ‬وتهديد‭ ‬مستمر‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬ذكر‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬وحصرها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القوى‭ (‬الغالبة‭ ‬والمغلوبة‭)‬،‭ ‬وختمها‭ ‬بالهم،‭ ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المؤمن‭ ‬سيبقى‭ ‬حبيس‭ ‬الهَمْ‭ ‬طيلة‭ ‬حياته،‭ ‬وللتغلب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬ملازمة‭ ‬حبل‭ ‬الله‭ ‬المتين،‭ ‬وحصنه‭ ‬الحصين‭ ‬بالاعتصام‭ ‬بالقرآن‭ ‬تدبرًا،‭ ‬وعملًا‭ ‬بأوامره‭ ‬وانتهاءً‭ ‬عن‭ ‬نواهيه،‭ ‬حين‭ ‬يُفَعِّلْ‭ ‬المؤمن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب،‭ ‬ويداوم‭ ‬عليها،‭ ‬ويتمثلها‭ ‬سلوكًا‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬ليحقق‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬وعدنا‭ ‬به،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭: (‬ولقد‭ ‬سبقت‭ ‬كلمتنا‭ ‬لعبادنا‭ ‬المرسلين‭ (‬171‭) ‬إنهم‭ ‬لهم‭ ‬المنصورون‭ (‬172‭) ‬وإن‭ ‬جندنا‭ ‬لهم‭ ‬الغالبون‭ (‬173‭) ‬الصافات‭. ‬

ويكفي‭ ‬المؤمن‭ ‬أن‭ ‬يبذل‭ ‬وسعه‭ ‬وجهده‭ ‬ليحقق‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬له‭ ‬النصر،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وأعدوا‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬استطعتم‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬ومن‭ ‬رباط‭ ‬الخيل‭ ‬ترهبون‭ ‬به‭ ‬عدو‭ ‬الله‭ ‬وعدوكم‭ ‬وآخرين‭ ‬من‭ ‬دونهم‭ ‬لا‭ ‬تعلمونهم‭ ‬الله‭ ‬يعلمهم‭ ‬وما‭ ‬تنفقوا‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬يوف‭ ‬إليكم‭ ‬وأنتم‭ ‬لا‭ ‬تظلمون‭) (‬الأنفال‭ / ‬60‭) ‬والله‭ ‬تعالى‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬علوًا‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ويكفي‭ ‬المؤمن‭ ‬النية‭ ‬الصادقة،‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭.‬

إذًا،‭ ‬فهناك‭ ‬قوة‭ ‬لم‭ ‬يذكرها‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬ليس‭ ‬إهمالًا‭ ‬لهًا،‭ ‬أو‭ ‬تقليلًا‭ ‬من‭ ‬شأنها،‭ ‬وإنما‭ ‬ذكرها‭ ‬تحصيل‭ ‬حاصل،‭ ‬وإنها‭ ‬تفهم‭ ‬من‭ ‬السياق،‭ ‬ولأن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬أجله‭.‬

إذًا،‭ ‬فالإيمان‭ ‬يغلب‭ ‬الهم،‭ ‬فأشد‭ ‬جنود‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الإيمان‭.. ‬وهنا‭ ‬تصح‭ ‬المعادلة‭ ‬لأن‭ ‬لكل‭ ‬قوة‭ ‬غالبة‭ ‬قوة‭ ‬مغلوبة‭ ‬أي‭ ‬خمس‭ ‬غالبة‭ ‬تعادلها‭ ‬خمس‭ ‬مغلوبة،‭ ‬ثم‭ ‬تبقى‭ ‬قوة‭ ‬القوى،‭ ‬وهي‭ ‬الإيمان‭ ‬القوة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الغالبة،‭ ‬ويبقى‭ ‬غيرها‭ ‬قوى‭ ‬مغلوبة،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬يدخل‭ ‬بها‭ ‬الإنسان‭ ‬الجنة،‭ ‬ونسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬من‭ ‬أهلها‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا