زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن القطيعة مع الرياضة (1)
اعترف بأنني «ذبحت» القراء بالحديث المتكرر عن تدهور العلاقات بيني وبين علم الرياضيات وصولا إلى مرحلة القطيعة التامة بيننا، وبسبب العقدة من تلك المادة صارت عندي حساسية من الرياضة، فما من رجل إلا ولعب بالكرة في طفولته وصباه، إلا صاحبكم هذا، ولحسن حظي لم تكن كرة القدم قد «دخلت» بلدتنا في شمال السودان، ولم يكن من ثم أي حديث او نقاش حولها او حول الأندية ذات الشنة والرنة في هذا المجال كما كان ولا يزال حادثا في السودان الأوسط، حيث الولاء لناديي المريخ والهلال يعلو على الولاء الحزبي والقبلي.
وأعرف ان الرياضة ممتعة لمن يمارسونها ولمن يشاهدون ويتابعون من يمارسها، وأعرف أن كرة القدم لعبة ديمقراطية، يمارسها الأغنياء والفقراء والكبار والصغار في مختلف القارات، وأعرف أن الولع بالرياضة لا يعرف الطبقية، فهناك الأستاذ الجامعي المخضرم المنضبط في كل شيء، ولكن إذا كانت هناك منافسة رياضية تهمه، فإنه يلغي المحاضرات ويؤجل الامتحانات ليشهد وقائعها، وهناك عامل البناء البسيط الذي يعمل باليومية ولكنه مستعد للتضحية بأجر يوم كامل (يعني الكثير بالنسبة له)، ليحضر مباراة في كرة القدم تكلفه أجر أسبوع كامل. كرة القدم بالتحديد هي حبيبة البلايين من مختلف القارات، ولهذا صارت بعض الصحف تخصص ملحقا كاملا في أعدادها اليومية للأنشطة الرياضية، وكشخص كان يقرأ ما بين خمس الى سبع صحف يوميا في العصر الذهبي للصحف الورقية (يعني قبل نحو عشر سنوات) فقد كان أول شيء أفعله فور الإمساك بها هو «التخلص» من الملاحق الرياضية. وأعرف أن هناك نقادا وكتابا متخصصين في الرياضة يجد القراء في كتاباتهم متعة إضافية رغم أنها عن أحداث رياضية شهدوا وقائعها، وأعرف بحكم العمل في مجال الصحافة بكل أنواعها أن هناك نقادا رياضيين ذوي ثقافة موسوعية في الرياضة ويكلمونك فتدرك ان الرياضة ليست مجرد حركات بل نشاط إنساني محكوم بقواعد وضوابط. بس ربنا خلقني هكذا: لم أمارس نشاطا رياضيا في حياتي ولست معجبا بأي ناد لكرة القدم أو كرة الأنف وبالتالي لا معنى لأن أقرأ الملاحق الرياضية.
وأكثر ما يضايقني في الكلام حول الرياضة شفاهة او كتابة، الموال السخيف عن الأخلاق الرياضية وكيف ان الرياضة هي سفير سلام بين الشعوب، وتحضرني في هذا الصدد وقائع مباراة بين المنتخبين المصري والجزائري في الخرطوم قبل أعوام، والتي اشتعلت فيها الحرب الكلامية ثم التشابك بالأيدي والأسلحة البيضاء والحجارة قبل وبعد كل مباراة، وسياسيون وإعلاميون غوغائيون عمدوا إلى تحويل التنافس الكروي الى حرب سياسية ودبلوماسية شاملة، ولو كان البلدان متجاورين لما كان مستبعدا أن يتقاتل جيشاهما! واسألوا أهل هندوراس والسلفادور، البلدان اللذان دخلا في حرب بالطائرات والدبابات بسبب «هدف» مختلف على صحته. في الدول المتقدمة صارت الرياضة تجارة وأندية كرة قدم مثل مانشستر يونايتد وبرشلونة وإيه سي ميلان، مدرجة في البورصات.. مانشستر يونايتد كسب 450 مليون دولار خلال عام 2010، ولكنه اليوم يعاني من دين يفوق الـ450 مليون دولار، ولا ينجح فريق او ناد تجاريا ما لم يكسب الكثير من المباريات. يكسبها بأي طريقة: عرقلوا جناحهم الأيمن بطريقة تجعله يصاب ولا يكمل المباراة، وهذه مهمتك يا كوتوموتو يا روح أمك «ولو طردك الحكم خير وبركة». ويكون اللاعب كوتوموتو هذا عديم الفائدة ولم يجد النادي من يشتريه و«صابر عليه» إلى ان تنتهي مدة التعاقد معه.
وعندنا صارت مباريات كرة القدم «برستيج»، خاصة في المباريات الخارجية. دول مسكينة وغلبانة وتعرف أنها عاجزة عن تحقيق أي نجاح في ميدان العلوم والاختراعات والمعرفة بصفة عامة، وتجد العزاء والفرحة في فوز الفرق التي تمثلها في مباريات مع فرق من دول غير مذكورة في الأطلس.. المهم هو الفوز.. تذكروا فضيحة اتحاد كرة قدم في دولة عربية: استعدادا لمنافسات خارجية، استقدموا فريقا إفريقيا وفاز منتخبهم عليه عن جدارة 9-صفر، واتضح أن الفريق الإفريقي مكون من عيال يعملون في مسح الأحذية وغسل السيارات.
غدا بإذن الله أحكي لكم أشياء ستجعل معظمكم يطلق كرة القدم بالثلاثة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك