وافق ائتلاف اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو على اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله بلبنان، بوساطة أمريكية فرنسية وذلك في 26 نوفمبر 2024، مُنهيًا ثلاثة عشر شهرًا من المواجهة مع العدو الصهيوني عبر الحدود، حيث تصاعدت المواجهة عقب شن الجيش الإسرائيلي عدوانًا بريًا وجويًا في أول أكتوبر، مكررًا اعتداءاته السابقة أعوام 1978 و1982 و2006.
الاتفاق ينص على وقف الأعمال العدائية لمدة 60 يومًا، وأن ينسحب مقاتلو حزب الله لمسافة 40 كيلومترًا من الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، مقابل انسحاب جيشها من أراضيه، وأن وقف إطلاق النار هذا يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 1701 الذي أوقف حرب عام 2006.
وأقر جوناثان بانيكوف، من المجلس الأطلسي، وعدة أكاديميين غربيين بأن الاتفاق يمثل «هدنة» لأكثر من مليون لبناني أُجبروا على ترك منازلهم تحت وطأة العدوان الإسرائيلي، وأصدر المحللون أيضًا تحذيرات بشأن احتمال نجاح مثل هذا الهدنة على المدى الطويل، وذلك بعد إعلان الحكومة الإسرائيلية باحتمال شن المزيد من الهجمات ضد لبنان، تدعمها الإدارة الأمريكية رغم أنها عضو في لجنة مراقبة تنفيذ شروط الهدنة.
وفي تقييم «دانييل بايمان»، من جامعة جورج تاون، فإن حزب الله تضرر كثيرًا جراء «سلسلة الهجمات الإسرائيلية، بما في ذلك تفجير أجهزة الاتصال بحوزة عناصره في سبتمبر، فضلاً عن مقتل أمينه العام، حسن نصر الله في نفس الشهر، إلا أنه أقر بقدرة الحزب على استهداف إسرائيل بالصواريخ والمسيرات.
ويرى بلال صعب من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن وقف إطلاق النار لا يعادل «انتصارًا دائمًا لإسرائيل» بسبب عدم تدمير قدرات حزب الله كُليًا على الرغم من تقليصها وإضعافها.
وأكد أن المواطنين الإسرائيليين أنفسهم «متشككين» في تأكيدات حكومة نتنياهو بأن «خطر» صواريخ حزب الله أصبحت «تحت السيطرة»، وخاصة مع تذكر إخفاقات أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية في استكشاف الهجوم الذي شنته حماس في 7 أكتوبر 2023. وفي حين تمكن قرابة 60 ألف إسرائيلي تم إجلاؤهم من المناطق الحدودية مع لبنان للإقامة إلي أماكن أخرى بالبلاد، فإن مئات الآلاف من سكان لبنان الذين يرجعون إلى ديارهم الآن لم يتأت لهم مثل شبكات الأمان هذه، وبالإضافة إلى حملة القصف الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 3500 مدني وتشريد أكثر من 1.2 مليون، يقدر البنك الدولي أن كُلفة الأضرار والخسائر الاقتصادية بلبنان تتجاوز 8.5 مليارات دولار، وبالتالي عرقلة ما وصفه كلوي كورنيش وريتشارد سلامة، من صحيفة «فاينانشال تايمز» بـ«انتعاش متواضع كانت تحياه الشركات اللبنانية عقب أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية الطاحنة».
فمع الاتفاق على وقف إطلاق النار الآن ونجاحه في يومه الأول، استقبل المحللون بحذر ادعاء جو بايدن، الرئيس الأمريكي ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون بأن هذا الاتفاق «سيخلق الظروف لاستعادة الهدوء الدائم والسماح للسكان في كلا البلدين بالعودة بأمان إلى ديارهم»، محذرين من فشل الهدنات السابقة في الإبقاء على الأمن طويلًا، حيث أشار صعب إلى أن قرار الأمم المتحدة رقم 1701 لعام 2006 «دعا إلى اتخاذ كل الأمور الصحيحة»، بما في ذلك نشر قوات حفظ سلام دولية كقوة «اليونيفيل» بجنوب لبنان مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي، لكن القرار فشل بسبب عدم الالتزام به، حيث «دأبت إسرائيل على انتهاك سيادة لبنان ومجاله الجوي»، وفي المقابل، «سارع حزب الله إلى إعادة تسليح وبناء بنية تحتية عسكرية عريضة»، في حين «حصلت قوات حفظ السلام الدولية على تفويض رمزي فقط». وفي إشارة إلى أن شروط اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر 2024 «لا تختلف بشكل كبير عن 1701»، فقد تساءل صعب عما إذا كانت قوات حفظ السلام الدولية «ستكون أكثر فعالية هذه المرة»، وكذلك عما إذا كانت الحكومة اللبنانية ستتلقى بالفعل الدعم المالي اللازم من الحكومات الغربية (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة) لنشر قواتها جنوب البلاد، معترفًا بأنه إذا لم تتلق مثل هذا الدعم، فإنها لن تتمكن من تحمل تكاليف القيام بذلك.
كما رفض صعب فكرة «فرض آلية مراقبة أكثر قوة» من قبل الولايات المتحدة وفرنسا، بحجة أن هذا لن يكون «عاملاً حاسمًا أو قويًا» في جلب الاستقرار الطويل الأجل إلى لبنان، وخاصة أن إسرائيل مازالت تحتفظ «بضوء أخضر من الولايات المتحدة» لمهاجمة لبنان «متى رأت ذلك ضرورياً ودون ردع من أحد».
وفيما يتصل بالتداعيات الإقليمية الأوسع نطاقا المترتبة على قبول وقف إطلاق النار، أفاد صعب أن هذا يمثل «نكسة استراتيجية» للنظام الإيراني في طهران، بعد أن نجحت الحكومة الإسرائيلية في منع النظام الإيراني ووكلائه في تطويق جيشها من خلال القوة. وفي حين أشار بانيكوف بأن النظام الإيراني «ربما يدعم بهدوء الاتفاق» كوسيلة لإنهاء هجمات إسرائيل ضد وكيلها الرئيسي في المنطقة، فقد علق قائلا إن «إيران بقبولها الاتفاق تخاطر بعدم القدرة على إعادة بناء قدرات حزب الله بنفس السهولة التي فعلتها بعد حرب 2006» وبالتالي «تقويض هيكل الردع الإقليمي الخاص بها» ضد إسرائيل وداعميها.
ولكن في تقدير بايمان، فإن وقف إطلاق النار في لبنان لن يؤدي فقط إلى «مضاعفة» طهران لدعم حزب الله لإعادة بناء قوته داخل لبنان وقدراته على مهاجمة إسرائيل مستقبلا، بل من المرجح أيضًا أن نرى إيران «تعزز دعمها للحوثيين في اليمن»، لاسيما في ظل الاعتراف بأن تلك الجماعات التي تعطل ممرات الشحن في البحر الأحمر كانت ولا زالت تمثل «ضربة قوية» لكل من إسرائيل ورعاتها الغربيين. وعلاوة على ذلك، فقد تأمل «بايمان» أنه مع تدهور وكيلها الرئيسي في لبنان وكشف أوجه القصور في آلية ردعه الصاروخي ضد إسرائيل خلال الأشهر العديدة الماضية، فإن هذا الأمر يزيد من «حوافز طهران لتطوير سبل الردع النهائية لديها» – «الأسلحة النووية»، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزعزع توازن الأمن في المنطقة برمتها.
وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق مؤقت لوقف إطلاق النار في لبنان، إلا أنه لا توجد مثل هذه النتيجة في الأفق في غزة. لقد أشارت جينا أبركرومبي وينستانلي، بالمجلس الأطلسي، أن وقف إطلاق النار في لبنان يعني «أن هناك الآن مساحة لإلقاء نظرة أخرى على غزة»، ولكن إتش إيه هيلير، بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، رد بأن إنهاء العنف في لبنان «لا يعني شيئا بالنسبة لغزة» ولا يجعل من توقف الأعمال العدائية من الجيش الإسرائيلي ضد غزة «أكثر احتمالا».
وفي حين أن بانيكوف قد أشار أن وقف إطلاق النار في لبنان «يكسر حدة الترابط والتعاون بين حزب الله وحماس»، وأضاف صعب أن حزب الله «تخلى بشكل أساسي عن حماس» ومعه «مفهوم الترابط الاستراتيجي بأكمله، على الأقل في الوقت الحالي»، فإنه مع ذلك تبقى هناك عيوب في الدبلوماسية الغربية، لإنهاء معاناة ملايين الفلسطينيين داخل غزة والضفة التي ما زالت مستمرة. وقد أشار ناثان جيه روبنسون، رئيس تحرير مجلة كرنت آفيرز، أن دبلوماسية إدارة بايدن لم تحاول إنهاء الحرب في غزة، بل سمحت لحكومة نتنياهو بارتكاب جرائم صارخة ضد السكان المدنيين، وبينما أوضح الرئيس الأمريكي، أن وقف إطلاق النار في لبنان يمكن أن يسهل لصفقة مماثلة في غزة، فإن حقيقة أن دونالد ترامب سيعود إلى البيت الأبيض في أقل من شهرين على رأس إدارة جمهورية ستدعم نوايا الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة لضم الأراضي الفلسطينية وربما تصعيد معاناة المدنيين داخل غزة والضفة تعني أن نتنياهو سيتجاهل على الأغلب مطالب الرئيس «بايدن» المنتهية ولايته، تمامًا كما فعل مرارًا وتكرارًا خلال الأشهر الثلاثة عشر الماضية.
وعلى العموم فإنه سواء كان اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان سيصمد أم لا، فإن هذا يعتمد بشكل أساسي على نوايا نتنياهو وحكومته، ومع تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي «بالرد» بقوة «على أي خرق» لشروط الاتفاق، فمن المتوقع أن تستمر إسرائيل في عدوانها على لبنان. ورغم أن «بايمان» كتب أن قيادة حزب الله تُركت في «حالة من الفوضى» و«شوهت» «هيبتها» باعتبارها أحد أذرع إيران في المنطقة، فإن الحقيقة تظل أن حزب الله قادر على ضرب شمال إسرائيل والتي كانت السبب المُعلن لغزو نتنياهو في بداية أكتوبر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك